اليونان تحولت من بلد مصدر للمهاجرين إلى مستورد لهم

جزر في بحر إيجه أصبحت المحطة الأولى لمهاجري القوارب.. والسكان يتعاطفون معهم

أحد مراكز الاحتجاز تم انشاؤه في ديسمبر الماضي في اليونان بتكلفة تفوق 3 ملايين دولار («نيويورك تايمز»)
TT

كان 6 رجال وامرأة يجلسون القرفصاء في الظلام في مقر خفر السواحل في هذه الجزيرة اليونانية. وصاح ضابط «الاسم؟ الاوراق؟ والسن؟» وبإشارة من اياديهم حددوا اعمارهن من العشرين حتى السابعة والعشرين.

ثم صاح مرة اخرى: البلد؟ ثم صاح بصوت اعلى عندما لم يفهموا السؤال. كان يتحدث بالانجليزية. وقال خمسة منهم انهم افغان، وقال اثنان انهما فلسطينيان. مثل هذه المشاهد تتكرر كل ليلة في ساموس وهي واحدة من الجزر اليونانية القريبة من تركيا بحيث لا توجد مياه دولية تفصل بينهما. ويهبط المهاجرون من العراق وافغانستان والصومال وليبيا ولبنان واريتريا والاراضي الفلسطينية وايران في تلك الجزيرة.

ويراقب المهربون حرس السواحل اليوناني والتركي، ويشير المحامون والمهاجرون انفسهم الى انهم يدفعون ما يصل الى 870 دولارا للحصول على مكان في القوارب المطاطية التي يتولون قيادتها عبر المسافة القصيرة التي تتميز بالخطر للوصول لليونان وبالتالي الى الاتحاد الاوروبي.

وقد تضاعف عدد القادمين الى هذه الجزر في العام الماضي، مما يؤدي الى ضغوط على الجزيرة. فبحلول نهاية شهر نوفمبر، هبط 10961 مهاجرا في جزيرة اسموس ولسبوس وتشيوس في شمال بحر ايجة، بالمقارنة باكثر من 4 الاف في العام الذي سبقه، كما اوضح فاسيلوس غاتساس رئيس الشرطة في الجزر الثلاث.

وكان رد فعل اليونان قويا ضد هذه الموجة التي تستغل وضع اليونان الجغرافي. وبالنسبة للعديد من الاشخاص الذين يهبطون هنا اصبح الباب مغلقا.

فيتم القبض عليهم ويحتجزون لمدة ثلاثة اشهر. ثم يجري ترحيلهم خلال 30 يوما الى بلدهم الاصلي. بينما تتم اعادة هؤلاء الذين يحاولون التهرب من السلطات، الى اليونان مرة اخرى.

وقال غاتساس «اليونان ليست مستعدة لقبول هذا العدد الضخم من المهاجرين.» واضاف «لقد تحولنا من بلد مصدر للمهاجرين الى بلد مستورد لهم في فترة قصيرة للغاية». في اشارة الى فترة ما بعد عام 1945 عندما هاجر الاف اليونانيين الى استراليا وكندا والولايات المتحدة وغيرها من الاماكن.

الا ان معظم اليونانيين الذين يملكون تاريخا طويلا من الهجرة، يتعاطفون مع المهاجرين. ولكن على وزارة الداخلية التعامل مشاكل التي تتعلق بالشرطة وسياسة المهاجرين والانتقادات الدولية المتزايدة.

ففي شهر ابريل الماضي خسرت اليونان قضية رفعتها المفوضية الاوروبية في المحكمة الاوروبية التي انتقدت اليونان لعدم تقديم امكانيات كافية لطالبي اللجوء. وطبقا لقوانين الاتحاد الاوروبي، تتولى اول دولة يصلها المهاجر التعامل مع طلبات اللجوء. وقالت باقي الدول ان فشل اليونان في التعامل مع المشكلة ينقلها اليهم.

واشارت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة الى وفاة او فقدان مائة شخص امام سواحل ساموس ولسبوس وتشيوس في العام الماضي.

وقال طالب لجوء في الخمسين من عمره الذي قال انه عبر الى ساموس في 40 دقيقة في الصيف الماضي والذي طلب عدم الكشف عن هويته لحماية اسرته في اليونان، انه اتبع تعليمات مهربه اليوناني بقطع قاربه المطاطي بعد وصوله لانه على حد قول المهرب «اذا ما قبضت عليك الشرطة ولم يجدوا معك قارب سيطلبون منك اصطحابهم وهو ما سيقلل فرص العودة السريعة وقد وضعت موجة المهاجرين ضغوطا كبيرة على الجزيرة التي يقطنها 35 الف شخص وتشتهر بأنها منتجع سياحي ومسقط رأس فيثاغورس.

وفي بداية شهر ديسمبر الماضي افتتحت الجزيرة مركز احتجاز تكلفته 3.6 مليون دولار بدلا من مركز قديم. وقال غاتساس ان الجزر الثلاث التي يصل عدد قواتها 500 شرطي ستحصل على 300 شرطي اخر هذا العام. واوضح «حتى الان حاولنا التعامل مع المشكلة بالقوة التي لدينا».

وفي الوقت الذي تستثمر فيها اليونان في الامن لا يوجد في الجزيرة اكثر من محامي واحد متخصص في الهجرة . واوضح المحامي ديمتريوس فوروس في اواخر العام الماضي ان 7 اشخاص فقط من بين 4469 من المهاجرين مروا عبر مركز الاعتقال طلبوا اللجوء. وبالرغم من ان منشورات الامم المتحدة التي تشرح اجراءت اللجوء متوفرة بعديد من اللغات، فقد قال فوروس ان بعض المهاجرين يعتقدون انهم سيحصلون على فرصة طيبة، اذا ما انتظروا التقدم بطلبات في اثينا. وقالت ارني ترمولي مسؤولة الشؤون الاجتماعية في المركز ان العديد من المهاجرين لا يفهمون خطورة موقفهم، ويركزون فقط على الافراج عنهم. بينما يشعر البعض الاخر انهم سيحصلون على فرصة افضل اذا ما لجأوا الى دول اوروبية اخرى لتقديم طلب اللجوء.

وقد انتقد كل من غاتساس رئيس الشرطة وستيلوس بارتسافاس رئيس خفر السواحل وايمانويل كارلاس رئيس بلدية ساموس تركيا لعدم وقف موجة المهاجرين، ووجهوا اللوم للاتحاد الاوروبي لعدم المساعدة.

وبالرغم من الاعباء فإن العديد من سكان الجزيرة اظهروا موقفا حسنا بالنسبة للمهاجرين.

وقال فوروس «بطريقة ما هذا هو تاريخ ساموس فخلال الحرب العالمية الثانية ولمدة ثلاث الى اربع سنوات تحت سيطرة الجيش الالماني، استخدم مئات بل الاف من اليونانيين القوارب الصغيرة للهجرة لتركيا، مثل هؤلاء، ومن هناك ذهبوا الى مصر. هؤلاء مثلنا. اجدادنا لديهم نفس القصة.

* خدمة «نيويورك تايمز»