معركة نيوهامبشير... المؤشر الأول لاتجاهات ولايات الشمال الشرقي

TT

معظم التعليقات على حصيلة الاختبار التمهيدي الأول لمعركة الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2008 في ولاية آيوا، ركزت على حقيقة واحدة فقط، هي أن ما ينطبق على آيوا لن ينطبق بالضرورة على غيرها من الولايات. وبطبيعة الحال، هذا الكلام صحيح، ليس فقط لأن آيوا هي الولاية الأولى في بلاد شاسعة تتكون من 50 ولاية، التي تستطلع مواقف ناخبيها، بل لأن ثمة معايير إن صدقت فيها فهي لا تصدق في سواها. فهي مثلاً ولاية زراعية أريافها غنية ومحافظة، ومدنها الصغيرة ذات توجهات ليبرالية اجتماعياً. وهي إن كانت ذات ثقل عرقي أبيض يميل مناصرو الحزب الديمقراطي فيها إلى اليسار، وبالتالي لا يتأثرون كثيراً بمسألة اللون أو حتى الجنس، في حين يميل جمهوريوها إلى اليمين المتدين المحافظ اجتماعياً أكثر منه المحافظ اقتصادياً، والقصد هنا أن اليمين الانجيلي الديني فيها أقوى من اليمين العلماني المتحمس لاقتصاد السوق.

لهذا السبب نجح السناتور باراك أوباما، وهو من ولاية إيلينوي، المتاخمة لآيوا بتصدر المتنافسين الديمقراطيين، في حين فاز القس وحاكم ولاية أركنسو السابق مايك هاكابي بصدارة الجمهوريين.

في نيوهامبشير قوانين اللعبة ـ إذا صح التعبير ـ مختلفة. فهنا نحن في إحدى ولايات إقليم نيو إنغلاند الذي يشكل الزاوية الشمالية الشرقية للولايات المتحدة، ويضم الأرستقراطية الأميركية التقليدية من المهاجرين البريطانيين والآيرلنديين الأقدم هجرة إلى العالم الجديد. ولئن كانت نيوهامبشير هي أكثر ولايات الإقليم ميلاً إلى اليمين وأقربها إلى الجمهوريين، فإن نوعية المرشحين الجمهوريين الذين تميل إليهم هي النوعية الأقل تديناً واستسلاماً لسطوة جماعات الضغط، في ما يسمى «اليمين الإنجيلي» في «حزام الإنجيل» بجنوب الولايات المتحدة. وهكذا، ففي نيوهامبشير تكبر فرص البقية الباقية من الجمهوريين الشماليين الليبراليين دينياً واجتماعياً، والمتشددين في تأييد الاقتصاد الحر والمناوئين بشدة لتدخل القطاع العام (الدولة الكبيرة) في النشاط الاقتصادي للبلاد. ولذا يتوقع أن يتحسن كثيراً أداء الثلاثي، ميت رومني وجون ماكين ورودي جولياني، مقارنة بما حصل في آيوا، وبالفعل حتى يوم أمس تقاسم ماكين ورومني الصدارة بـ29% لكل منهما، يليهما جولياني بـ12% يليه هاكابي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن القاعدة السياسية الجغرافية لاثنين من هؤلاء الثلاثة قريبة من نيوهامبشير، فرومني كان حاكماً لولاية ماساتشوستس المتاخمة لها، وجولياني كان عمدة لمدينة نيويورك، التي تحاذي حدودها حدود إقليم نيو إنغلاند عند ولاية كونكتيكت. أما ماكين (وهو من ولاية أريزونا) فمعروف عنه عبر تاريخه الطويل في مجلس الشيوخ، أنه متحرر ومنفتح في العديد من القضايا الاجتماعية، لكنه من «الصقور» في الشأنين الدفاعي والاقتصادي. بالنسبة للديمقراطيين أيضاً يتوقع أداء أفضل من السناتورة هيلاري كلينتون، التي تمثل ولاية نيويورك القريبة. ومن المفروض أن تستعيد زمام المبادرة وتحتل المرتبة الأولى، مع العلم أنه تلتقي معايير نيويورك السياسية عموماً مع المعايير السائدة في نيو إنغلاند بما فيها نيوهامبشير. وحتى أمس كانت كلينتون متقدمة بـ34%، يليها أوباما بـ30%، ثم السناتور السابق جون إدواردز بـ17%. غير أن الشيء المؤكد على صعيد سباق الديمقراطيين أن على كل من كلينتون وأوباما أخذ منافسهما الثالث إدواردز على محمل الجد إذا حصل في نيوهامبشير على نسبة معقولة، بعدما جاء ثانياً في آيوا، متقدماً على كلينتون بـ29.8 % من الأصوات. فإدواردز، وهو من ولاية نورث كارولينا الكبيرة، هو الآن المرشح الجنوبي الوحيد في ساحة التنافس الجدي. وهو إذا تمكن من تحقيق نسبة أصوات مرتفعة للمرة الثانية على التوالي خارج قاعدته التقليدية في الجنوب، فإنه سيعزز فرصته كقوة جدية جامعة للحزب، مع العلم بأن آخر ثلاثة رؤساء ديمقراطيين (بيل كلينتون وجيمي كارتر وليندون جونسون) جاؤوا من الجنوب، ولم ينجح الديمقراطيون في اقتحام البيت الأبيض من دون تحقيق اختراق جنوبي. من ناحية ثانية، سيكون مفيداً النظر إلى كيفية توزع الأصوات الديمقراطية، التي كانت محسوبة سابقاً للسناتورين كريس دود (من ولاية كونكتيكت) وجوزيف بايدن (من ولاية ديلاوير) وهما من الشمال الشرقي، اللذين انسحبا من السباق، وكيف سيؤثر استمرار بيل ريتشاردسون حاكم ولاية نيومكسيكو والسفير السابق على حظوظ ثلاثي المقدمة كلينتون وأوباما وإدواردز. في مطلق الأحوال، إذا قالت نيوهامبشير كلمتها من دون مفاجآت مزلزلة، فإن الساحة الديمقراطية ستختزل بثلاثة مرشحين، وسيبقى في الساحة الجمهورية خمسة مرشحين. وهؤلاء سيحملون أموال حملاتهم ونشاط مناصريهم إلى ولاية ميشيغان الضخمة يوم 15 يناير (كانون الثاني)، ثم بعد أربعة أيام أولى معارك الجنوب في ولاية ساوث كارولينا، تليها معركة ولاية فلوريدا المحورية جداً يوم 29 يناير، ثم يأتي أهم أيام المعارك التمهيدية يوم «الثلاثاء الكبير جداً» في 5 فبراير (شباط) المقبل عندما تحسم 24 ولاية مواقفها.