معرض الخرائط الأميركية: العثور على مكاننا في العالم

يحتوي على رسومات تعود إلى 1300 قبل الميلاد وحتى مواقع المجرات وخرائط «غوغل» الرقمية

خريطة بلدان على شكل اسد في مهرجان الخرائط
TT

بالنسبة للأنويتس في أواخر القرن التاسع عشر، كانت الخارطة مجرد قطعة من الخشب ذات التواءات ونقرات تمثل الجزر الساحلية الصغيرة في غرينلاند.

اما بالنسبة للإغريق والأوروبيين فإن الخرائط كانت مجرد رحلات خيالية مليئة بالرعب تضم وحوشا جميلة وبشرا متوحشين في مناطق غير معروفة.

اما البوذيون في القرن التاسع عشر فقد كانوا يعتبرون الخرائط سجلا اخلاقيا يضم رغبات الإنسان الحسية والخيال المطلق. واستخدم مستعمرو العالم الجديد الخرائط كوسيلة للغزو وتأسيس الامبراطوريات، وشوهوا الأحجام والاشكال لخدمة مصالحهم.

وبغض النظر عن العصر، فقد ألهمت الخرائط دائما الرغبة الإنسانية الداخلية للحلم بأماكن بعيدة، وتحديد مكانك في الكون. وقد حولتنا الخرائط الى مستكشفين يدفعنا غموض المجهول، إن لم يكن الرغبة في الغزو.

ان السعي والرغبة هما جوهر مهرجان الخرائط هنا، الذي يطلق عليها اكبر وأكثر معارض الخرائط تنوعا في تاريخ الولايات المتحدة. وسيفتتح معرض «الخرائط: العثور على مكاننا في العالم»، وهو جزء من مهرجان شيكاغو، في شهر مارس (آذار) المقبل في متحف والترز للفنون في بالتيمور. وبالرغم من ان الكومبيوتر وتقنية الأقمار الصناعية تظلل مملكتنا الحسية بضوء بارد، فإن الناس لا تزال تلجأ للخرائط لتغذية خيالنا، سواء عبر جمع او دراسة الخرائط القديمة او استخدام الخرائط الحديثة بطرق ابداعية وتفاعلية. وبدلا من الابتعاد عن الخرائط، نجحت التكنولوجيا في جعل الخرائط جزء من حياتنا اليومية – في قيادة السيارات في عالم الأزياء بل في الاحتجاجات السياسية.

وقالت أنّا سيغلر التي كلفت تنسيق المهرجان من صديقها باري ماكلين الذي يعتبر واحدا من كبار جامعي الخرائط في العالم حيث يملك 20 الف خارطة «لقد تبين ان كل شخص تتحدث اليه في الشارع يحب الخرائط».

وقالت سيغلر ان «حب الخرائط هو تلك المشاعر الهادئة التي يحتفظ بها الناس». بينما قالت ديان ديلون الامينة المشاركة لعرض الخرائط في مكتبة نيوبري «ان تقدم الخرائط الرقمية ـ غوغل ومابكويست ـ تعني استخدام مزيد من الناس للخرائط، وهو ما يثير الاهتمام بالخرائط». وقد افتتح المهرجان الخاص في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) ويستمر حتى منتصف العام الحالي، ويشمل معارض في اكثر من 30 مؤسسة في شيكاغو، تتراوح من معارض فنون مستقلة الى مؤسسات كبري مثل متحف فيلد ومتحف الفنون المعاصرة. ويضم المهرجان اكثر من 800 خريطة وعمل مرتبط بها، منذ 1300 قبل الميلاد. ومن بين المعروضات العديد من الألواح لخريطة مدينة نيبور البابلية في العراق حتى استطلاع sloan digital sky وهو عمل مستمر لرسم خارطة المجرات. ومن بين الاجهزة كرة ارضية للجيب وإسطرلاب للجيب ايضا، التي كان يستخدمها الاثرياء الانجليز لمعرفة الوقت عبر مواقع النجوم. وقد تبلورت فكرة المتحف قبل 6 سنوات خلال تجمع شمل ماكلين وجون ماكارتر رئيس متحف فيلد وغيرهما من المهتمين بجمع الخرائط والتاريخ والسفر.

وقال ماكلين، رئيس ماكلين ـ فوغ، وهي شركة عالمية لصناعة مكونات المكائن «لماذا لا نعرض في متحف فيلد اعظم مائة خارطة في العالم؟ وبدأنا في الحديث عن تلك الخرائط».

ومكان شركته في حي موندلين في شمال غرب شيكاغو مليئة بالخرائط من جميع انحاء العالم، مع التركيز على الخرائط الاميركية. وقد اعار العديد من خرائطه للمهرجان.

قال ماثيو ادني، مدير تاريخ «مشروع الكارتوغرافيا» من جامعة ويسكونسين: «أكثر الخرائط تقول إن ذلك هو العالم لكن هذا هو ما يجب أن يكون عليه العالم».

في الخرائط المسيحية المبكرة كانت القدس مركز العالم مع «الفردوس» مرسوما على الأرض. وفي الخرائط الهندية القديمة كان كل شيء يدور حول قمة جبل مهرو الاسطوري. أما خرائط الصينيين في القرن الثاني عشر عن السماء فتنعكس في «ادلر بلانيتاريوم» باعتبار أن السماء انعكاس للامبراطورية الصينية حيث كل الظواهر مثل النيازك تتنبأ بأحداث ستقع على الأرض مستقبلا مثل اقتراب أحد الغزاة من القصر الملكي.

قال البروفسور ادلهايد ميرز، من معهد فنون شيكاغو في المهرجان إن كل الخرائط القديمة والحديثة ـ حتى خرائط غوغل للأرض ـ أن تسأل نفسها هذا السؤال: «هل هناك نقطة نظر واحدة أم هناك الكثير؟ أين هو الواقع فوق وأين الواقع تحت؟ ومن هو في المركز؟ في بعض الخرائط هناك انحياز واضح. فحينما ابتكر الجغرافيون الجزويت في عام 1651 خارطة لسطح القمر، أعطوا أسماء مارقين مثل كوبرنيكوس وغاليليو لفوهات براكين في «بحر العواصف» بينما العلماء المقربون إليهم منحوا أماكن في «بحر الهدوء». وخلال الحرب الباردة وضعت خارطة للقمر في ألمانيا الشرقية وفيها كشف لجزء من السطح المعتم منه وفيه الكثير من تعابير الشكر لسفينة الفضاء «لونا 3» التي اطلقت في عام 1959. مع ذلك هناك جزء من السطح ظل فارغا.

قال بولت: «كان هناك توتر الاكتشاف وتوتر الحرب الباردة. وهم خططوا خارطة مع خلفية علمية وسياسية ـ تهدف إلى طرح سؤال من سيفوز بسباق الفضاء القادم وبأي مقدار وأي نظام سياسي هو الأكثر تفوقا؟». لكن المسعى لرسم خارطة الفضاء الخارجي وإظهار النتائج للجمهور يتماثل مع ما ظل جاريا من سعي لرسم خارطة للأرض قبل قرون عديدة. ما زالت فراغات واسعة من الفضاء الخارجي مجهولة بل وحتى العلماء حينما يعرفون ما هو موجود هناك يستخدمون الفن للتعبير عما يعرفونه لمساعدة الناس كي يدركوا ويقدروا ذلك العالم المجهول.

ومثلما هو الحال في الرسوم التوضيحية القديمة للكون حيث كل كان يتحرك حول الأرض، الخارطة الإلكترونية المعروفة باسم SloanDigital Sky Survey يضع المجرات بشكل بحيث تكون الأرض في المركز مرة أخرى. ولعل الناس يفترضون أن صورا من هذا النوع هي نهاية من حيث تمثيلها لما قائم هناك فإن مارك ساباراو من مرصد «ادلر بلانيتوريوم» يلاحظ أننا نرى مجرات تصلنا صورها بعد انقضاء فترة تتراوح ما بين 2 إلى 3 مليار سنة. وقال: «أنت تحاول أن ترفع من حدة بعض المشار. وهذا غير مختلف عما كان يجري قبل 400 سنة».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»