«فوبيا الجسور» تثير رعب بعض الأميركيين

خدمة نقل ركاب عبر الجسر وشاحنات لجر السائقين الخائفين إلى الجانب الآخر

عبور جسر فيرازانو يثير الرعب لدى بعض الاميركيين («نيويورك تايمز»)
TT

يطلق على جسر فيرازانو ـ ناروز دراسة في العظمة. ولكنه بالنسبة لجين ستيرز، هو دراسة في الرعب.

فمجرد التفكير في قيادة السيارة عبر الجسر المعلق الذي يمتد لمسافة 4260 قدما يجعلها تشعر بالدوخة وضربات قلب متسارعة، وإلى تسارعها في التنفس.

وتعاني ستيرز، 47 سنة، من متلازمة غير معروفة يطلق عليها اسم جيفروفوبيا أي الخوف من الجسور. ومن سوء حظها انها تعيش في منطقة بها 26 جسراً، يمكن ان يحول ارتفاعها وطولها أيَّ رحلة عادية بالسيارة الى رحلة رعب.

وبعض الناس يقودون سياراتهم لمسافات طويلة لمجرد تجنب عبور جسر جورج واشنطن، ويتجهون الى شمال مانهاتن عبر نفق لنكولن، وهي مسافة يمكن ان تصل الى ما يتراوح بين 19 دقيقة وثلاثة ارباع الساعة. وبعض الاشخاص الذين يخشون الجسور يرددون اسماء الاطفال او يرفعون الراديو إلى أعلى صوت وهم يعبرون الجسور ـ أو أي شيء لتركيز العقل، بينما يتناول البعض مهدئا خفيفا قبل ساعة من عبور جسر.

ويعتبر جسر تابان زي الذي يرتفع لمسافة 150 قدما فوق نهر هدسون، من الجسور التي تثير خوف الاشخاص ـ لدرجة ان ولاية نيويورك تقدم خدمة سائقين يتناولون قيادة سيارات الاشخاص عبر الجسر.

وهناك خدمات مماثلة في اماكن اخرى عبر الولايات المتحدة بالنسبة للجسور التي تثير الخوف. فالسلطات في جسر سان فرانسيسكو اوكلاند، على سبيل المثال، ترسل شاحنة لجر السائقين الخائفين الى الجانب الآخر. ويقدم جسر ماكيناك الذي يربط ميتشغان خدمة نقل ركاب عبر الجسر. وتجدر الاشارة الى ان فوبيا ستيرز حادة الى درجة انها ظلت محاصرة تقريبا في جزيرة ستاتن لمدة 13 سنة. فلم تتمكن من حضور حفل زواج شقيقها في بروكلين. وكان زوجها وأولادها يقضون العطلات بدونها. ولم تشاهد منزل شقيقتها في منطقة «جيرسي شور».

ويقول الدكتور مايكل ليبوويتز استاذ علم النفس في جامعة كولومبيا انه في الوقت الذي يعتبر فيه الخوف من الطيران مقبولا، ولا سيما في اعقاب 11 سبتمبر (أيلول)، فإن الخوف من عبور الجسور اقل انتشارا.

وقال ليبوويتز وهو مؤسس عيادة القلق المرضي في معهد ولاية نيويورك النفسي «ليست فوبيا معزولة، بل هي جزء من حالة اكبر. انهم الناس الذين يشعرون بينما يعرف باسم هجمات الرعب. وتشعر بالدوخة وضربات قلب سريعة. وتصبح خائفة من تعرضك للحصار».

والجانب الآخر من فوبيا الجسور التي يقول الخبراء انها مرتبطة بالخوف من المرتفعات او الاماكن المفتوحة، هو الخوف من قيادة السيارات عبر الأنفاق، المرتبطة اكثر بالخوف من الاماكن المغلقة. ويعاني بعض الناس من الخوف من واحدة منها بينما يعاني البعض الاخر من حالتين. وبغض النظر عن السبب، فإن مثل هذه الحالات تؤدي الى الشعور بالخوف وهو ما يدفع الكثير من الناس الى القيام بأشياء كثيرة لتجنبه، مما يعطل الحياة العادية.

وفي حالة ستيرز التي تمكنت في الشهور الثلاثة الماضية من الخروج من جزيرة ستاتن، بمساعدة من العلاج النفسي السلوكي والعقاقير الطبية، فإن خوفها من الجسور والأنفاق شل حياتها. وبالنسبة للبعض الآخر، فإن الخوف من الجسور هو ببساطة عملية محرجة.

فجين كاميرون، المستشارة في المصائب، والفنانة في منطقة هاستينغز اون هدسون بولاية نيويورك، تخشى قيادة السيارة فوق الجسور، ولكنها لم تسمح لذلك بتعطيل حياتها. ولم تسع للمساعدة. فلفترة من الوقت، كان عليها قيادة سيارتها عبر جسر تابان زي كل عطلة اسبوع في طريقها الى منزل ريفي تملكه وزوجُها.

وترجع خوفها الى تجربة في طفولتها «واحدة من أول ذكرياتي هي الذهاب لجسر بروكلين مع والدي والنظر من النافذة ومشاهدة الماء، والقول ليس هناك ما يفصل بيني وبين الماء». وتعرض خوفها من الجسور الى تجربة قوية في شهر مارس (اذار) الماضي عندما ذهبت وزوجها الى رحلة لنيوزيلندا والقيام بجولات سيراً على الاقدام عبر الجسور. وأجبرت على السير عبر عشرات من جسور المشاة غير الثابتة خلال هبوب عاصفة.

وهناك ايضا هؤلاء الذين يبدو انهم يشعرون بخوف شديد اذا ما عبروا الجسور سيرا على الاقدام، سواء كان جسرا علويا او جسرا طويلا. ففيكي شيبكوويتز التي تعمل في شركة لبرامج الكومبيوتر في سان فرانسيسكو ترجع خوفها من الجسور الي الخوف من المرتفعات.

والمكان الذي تكره عبوره هو ممر معدني يؤدي الى منطقة معارض في الطابق السادس من متحف سان فرانسيسكو للفنون الحديثة، وهي عضو في مجلس ادارة منظمة «ارتسبان»، وهي منظمة لا تسعى للربح، ولذا تضطر لزيارة المتحف مرة في الشهر على الاقل. وفي منطقة نيويورك، تقود سلطات الطرق في نيويورك الاشخاص الذين يخشون الجسور فوق جسر تابان زي، وهو اطول جسر معلق في الولاية. ويمكن لسائقٍ خائفٍ الاتصال بالسلطات مسبقا وترتيب قيادة مسؤولين من الدوريات لسيارته. وتلقت السلطات نصف دستة تقريبا من مثل هذه الطلبات في العام الماضي.

وقال راميش مهتا، وهو مدير قسم في الهيئة، ان الهيئة تساعد على منع انتشار مواقف يمكن فيها لسائق خائف ان يتوقف بسيارته وسط الجسر. واوضح «من الخطر وقف السيارة وسط الجسر بسبب الازدحام وهو امر ممكن ان يؤدي الى حوادث».

وبالنسبة للذين يصرون على مواجهة مخاوفهم ـ او في الاقل السيطرة عليها. فهناك مساعدة بسيطة متوفرة: ورش الفوبيا، وعلاج التعريض والخدع العقلية والتأمل.

وقالت مديرة مالية تنفيذية في مقاطعة فيرفيلد بولاية كونتيكت التي تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها خوفاً من تأثير ذلك على وظيفتها «إذا ما قررت مواجهة الامر، فعليك التأكد من وجود الوسائل الكفيلة بمساعدتك. وكانت تتجنب الطائرات والقطارات والأنفاق والطرق المزدحمة. وزادت من مخاوفها هجمات 11 سبتمبر».

وفي العام الماضي، بدأت علاجا في مركز علاج الفوبيا والقلق في مستشفى وايت بلينز. وكانت البداية بركوب القطارات ثم انتقلت أخيراً الى الأنفاق. وفي الشهور القليلة الماضية، عبرت نفق هولند آند لينكون مع وجود طبيب نفسي الى جوارها.

والوسائل التي اشارت اليها هي وسائل اشغال نفسها عما يثير مخاوفها مثل ترديد اسماء الاطفال وقراءة ارقام السيارات والاستماع الى كلمات في الراديو تبدأ بحرف معين.

وبعد العديد من المحاولات الفاشلة، اكتشفت ستيرز انها في حاجة الى اكثر ما يشغل تفكيرها لمساعدتها على التغلب على خوفها من الجسور. وبالرغم من سنوات من العلاج النفسي وتناول دواء ضد الاكتئاب فلم تنجح في التغلب على مخاوفها. وكانت ماري غوردينو مؤسسة ومدير التحرر من الخوف تعرف حالة ستيرز وقالت لها تناولي مهدئا واحضري الى مكتبي وسأخذك عبر جسر بايون. وفي 20 سبتمبر الماضي، تناولت ستيرز كمية صغيرة من عقار اتيفان المهدئ وركبت سيارتها مع غوردينو التي كانت تقود السيارة وممرضة. وكان معها جهاز فيديو لتسجيل التجربة. وقالت «خرجت من جزيرة ستاتين لأول مرة منذ 13 سنة».

* خدمة «نيويورك تايمز»