أوباما وكلينتون متساويان في الحظوظ.. والمستقلون هم مفتاح النجاح أو الخسارة

إدواردز راهن على انهيار هيلاري وأصبح خارج المعادلة بعد أن خسر الرهان

TT

نيوهامبشاير كانت الولاية الاميركية الاخيرة التي اقرت «يوم مارتن لوثر كينغ». لزم هذه الولاية المكونة من أغلبية بيضاء أكثر من عشرين عاما للاقتناع بفكرة إقرار يوم عطلة رسمية لرجل أسود. في 17 يناير (كانون الثاني) من العام 2000 اقتنعت نيوهامبشاير أخيرا بالأمر وانضمت الى الولايات الاميركية التي سبقتها للاعلان نفسه، بعضها بستة عشر عاما. وبعد أقل من عشر سنوات على اقتناع نيوهامبشير اقرار «يوم مارتن لوثر كينغ»، كاد سيناتور أسود مرشح للانتخابات الرئاسية أن يحقق فوزا على منافسيه «البيض». الا أن باراك أوباما خسر بفارق بسيط عن منافسته الاولى هيلاري كلينتون لا يتعدى الثلاث نقاط، رغم اشارة استطلاعات الرأي قبل يومين من اجراء الانتخابات الى فوزه بفارق عشر نقاط.

ولا يزال الاعلام الاميركي حتى الان مشغولا بمحاولة معرفة وتحليل ما الذي حصل في هذه الولاية وكيف اخطأت استطلاعات الرأي بهامش كبير. قبل عشرين عاما كانت استطلاعات الرأي غالبا ما تخطأ، وخصوصا حين يكون المرشحون من السود. يقول الخبير في الانتخابات من مؤسسة «أميركان إنتربرايز انستتيوت» جون فورتييه لـ «الشرق الأوسط» ان «الناخبين منذ 20 عاما كانوا يخجلون من القول انهم لا يريدون التصويت لمرشح معين بسبب لونه، فيضللون المستطلعين وتأتي النتائج مغايرة». ولكن هل ما زال الناخبون في نيوهامبشير يعتمدون هذه السياسة؟ «العنصرية أصبحت من الماضي ولا أعتقد انها لعبت دورا هذه المرة في الانتخابات» يقول فورتييه، ويعطي مثالا عن الانتخابات النيابية في العام 2006 حيث نجح كثيرون من الافارقة الاميركيين من دون اي يكون للونهم أي تأثير سلبي.

إذاً ما الذي تسبب بهذا الفارق بين الاستطلاعات والنتائج؟

البعض قال ان دموع هيلاري التي كادت تذرفها قبل يوم واحد من الانتخابات كانت السبب في قلب النتائج لصالحها. فنالت تعاطف الديمقراطيين، وخاصة النساء اللواتي صوتن لها بكثافة عكس ما حصل في أيوا. كثيرون قالوا ان الدموع كانت مدبرة وأن هيلاري استعملت سلاحها الانثوي لتحصل على عطف الناخبين. وفي الواقع فقد قالت الكثير من النساء في نيوهامبشير انهن صوتن لهيلاري بعد ان شاهدن استياءها، وقلن إنهن أحبن الجانب الانساني في شخصيتها عوضا عن رؤية المرأة القاسية دائما. منظمو حملة هيلاري قالوا إنهم سيشجعونها على ابراز عواطفها أكثر في المستقبل ولكنهم متخوفون من أن ينقلب الامر عليها، خصوصا بعد ظهور انتقادات في الصحافة حول دموعها والاستهزاء بها بطرح تساؤلات عن استعدادها لمواجهة الصعاب وما اذا كانت ستذرف الدموع في المكتب البيضاوي اذا ما تبلغت خبرا خطيرا. محللون آخرون قالوا إن سبب فوزها في نيوهامبشير كان زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون ومهاجمته أوباما قبل يوم واحد من الانتخابات ووصفه «الهالة» المحاطة به بالـ«خرافة». ورأى بعض المحللين ان هذا الامر دفع ببعض الناخبين الى التشكيك فعلا بأوباما. ولكن أيا تكن اسباب الفوز فالنتيجة واحدة. تمكنت هيلاري التي حلت في المرتبة الثالثة في أيوا وكان اليأس قد بدأ يسيطر على منظمي حملتها، من قلب الطاولة من جديد، وبينت ان من المبكر جدا حسم الامور لصالح مرشح أو آخر. وعلى الرغم من أن ما ينطبق على نيوهامبشير لا ينطبق على باقي الولايات، الا ان بعض المؤشرات تبقى ثابتة ويمكن منها استخلاص قاعدة كل من المرشحين وبالتالي حظوظه في الحصول على تسمية حزبه.

فاذا كان الناخبون الشباب والمستقلون والديمقراطيون غير الملتزمين والمتعلمين هم من صوتوا لاوباما، فان هيلاري حصلت على تأييد الملتزمين أو الأوفياء في الحزب الديمقراطي وأيضا على تأييد غير المتعلمين. وفي نظرة سريعة الى نيوهامبشير، يعتبر فورتييه أن سبب فوز كلينتون هو التزام الشريحة التي تؤيدها بالتصويت أكثر من الشريحة التي تؤيد أوباما. ويقول إن قاعدة هيلاري ثابتة، أي أن الذين يؤيدونها ثابتون في تأييدهم لها، في حين أن مؤيدي أوباما متغيرون، ودليل ذلك أن شريحة كبيرة منهم من المستقلين.

وبعد أيوا ونيوهامبشير يبدو أن السباق بين الديمقراطيين انحصر بين اثنين، اوباما وكلينتون. وكلاهما، بحسب فروتييه، متساويان في الحظوظ، وكلاهما لديهما قاعدة شعبية كبيرة ومختلفة. ويقول إن حظوظ أوباما مرتفعة حتى في الولايات الكبرى: «أتوقع فوزه في ايلينوي فهي ولايته، واتوقع فوز هيلاري في نيويروك لانها ولايتها». ويقول فورتييه لـ «الشرق الأوسط» ان الكلمة المفتاح في الولايات والتي تعطي الاولوية لاوباما على هيلاري هي المستقلون لانها نقطة قوته. ويعطي مثالا عن نورث كارولينا التي لا تضم عددا كبيرا من المستقلين ولكنها تضم نسبة لا بأس بها من الافارقة الاميركيين، ما يعني أن حظوظ المتنافسين متساوية هنا. والامر نفسه ينطبق على كاليفورنيا.

أما ادواردز فيعتقد فورتييه أن حظوظه باتت شبه معدومة. فهو كان يراهن على فوزه في أيوا إلا انه حل ثانيا. ثم راهن على انهيار كلينتون في نيوهامبشير، واعتقد أنه بخسارتها سيتحول مؤيدوها اليه ويصبح السباق بينه وبين اوباما. الا ان رهانه فشل هنا أيضا. ورهان ادواردز على ولايات الجنوب لا يبدو سليما أيضا حيث استطلاعات الرأي تؤشر الى حلوله ثالثا. الا انه وحتى مع انحسار عدد المرشحين الديمقراطيين المؤهلين للفوز الى اثنين، فان السباق لن يكون سهلا. فكلاهما يتمتعان بقاعدة مختلفة قد تؤهلهما للفوز. أما بالنسبة الى الجمهوريين فان الوضع أكثر تعقيدا. فالسباق لغاية الان لا يزال بين أربعة مرشحين وقد ينخفض ليصبح بين ثلاثة أو اثنين قبل 5 شباط، تاريخ اجراء الانتخابات التمهيدية في 20 ولاية، وذلك بحسب النتئاج في الولايات التي تصوت قبل هذا التاريخ. جون ماكين، فائز نيوهامبشير، يمثل الصوت المعتدل بين الجمهوريين ولديه الخبرة والهالة كونه بطل حرب سابقا، واستطاع ان يجذب اصوات ناخبي رودي جولياني الذي توقع الحلول ثانيا في نيوهامبشير إلا انه حلّ خامسا. مايك هاكابي، القس السابق، والفائز في أيوا، يمثل المسيحيين المتطرفين وهو استطاع ان يسرق من منافسه ميت رومني، وهو مورموني متطرف أيضا، عددا كبيرا من الاصوات. الثلاثاء المقبل قد يكون الحاسم بالنسبة الى رومني. فهذه الولاية هي ولايته واذا خسر فيها فقد ينسحب من السباق. واذا لم يتمكن اي من جولياني ورومني من تحقيق فوز قبل 5 شباط، فان السباق، بحسب فرتييه، سينحصر بين ماكين وهاكابي من الجانب الجمهوري.

أمر واحد مؤكد هو ان ما كان محسوما قبل ستة أشهر، أي فوز كلينتون بسهولة على منافسيها الديمقراطيين، لم يعد محسوما اليوم. فقد وجدت هيلاري نفسها في مواجهة منافس استطاع أن يماشيها بجمع التبرعات، وهو امر شكل لها صدمة كبيرة نظرا لعلاقتها الوثيقة بالحزب ولتاريخها وتاريخ زوجها... الا انها وجدت نفسها فجأة في مواجهة منافس قوي لم يسمع به أحد من قبل، ديناميكي، ويجذب قواعد من الديمقراطيين لا تستطيع هي جذبها.