الدول الكبرى تتفق على حزمة عقوبات ثالثة على إيران.. تشمل البنوك والحرس الثوري

مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط» : الخلاف مع روسيا والصين لم يكن حول «العقوبات».. إنما حول «حجمها»

رايس وسولانا وشتاينماير خلال مباحثاتهم أمس في برلين (أ. ف. ب)
TT

بعد مفاوضات شاقة تمت بكثير من التكتم، أعلنت دول مجلس الأمن الدولي والمانيا امس توصلهما لاتفاق بشأن قرار ثالث من مجلس الامن يعزز العقوبات المفروضة على إيران. وتركز مسودة القرار الجديد على البنوك الإيرانية المتورطة في دعم «الارهاب» او «البرنامج النووي الإيراني»، وعلى قيادات وشركات داخل الحرس الثوري كما قال مسؤول اميركي لـ«الشرق الأوسط».

وجاء القرار مباغتا لإيران الى حد كبير، اذ ان طهران أستبعدت مرارا خلال الايام الماضية صدور قرار عقوبات جديد من مجلس الأمن على أساس ان روسيا والصين تساندا عدم التشديد حيال طهران بعد تقرير وكالات الاستخبارات الاميركية في ديسمبر (كانون الاول) الماضي الذي قال ان طهران اوقفت برنامجها النووي للاستخدام العسكري عام 2003. وجاء قرار أمس، الذي وافقت عليه روسيا والصين، بمثابة انتصار للنهج الاميركي في التعامل مع إيران وهو النهج الذي يقوم على تعزيز الضغوط على طهران من اجل دفعها لوقف تخصيب اليورانيوم. وفيما لم يتم الكشف عن تفاصيل مسودة القرار الجديد، قال مسؤول اميركي لـ«الشرق الأوسط» ان مسودة العقوبات التي طرحتها اميركا للنقاش «تعزز العقوبات التي فرضت بالفعل على بنوك إيرانية وعلى الحرس الثوري»، موضحا ان الخلاف بين اميركا من ناحية والصين وروسيا من ناحية اخرى لم يكن حول مبدأ العقوبات، وانما حول «حجمها». وسيجتمع المفاوضون من دول مجلس الامن والمانيا خلال الأيام المقبلة للاتفاق على قوائم العقوبات الجديدة، وتحديد اسماء المسؤولين الذين يمكن ان تشملهم قوائم الممنوعين من السفر، والذين ستجمد ارصدتهم. ويعتقد ان بكين وموسكو وافقتا على مسودة القرار الجديد بعد «تسوية» تقوم على ان «يتم توسيع» العقوبات المفروضة بالفعل، بدون «اضافة عقوبات» جديدة على قطاع الغاز والنفط فعلا، بانتظار اجابة طهران على كل المسائل العالقة مع وكالة الطاقة الذرية. وحتى الان فرضت الامم المتحدة جولتين من العقوبات على إيران شملت بنوكا، وشخصيات وشركات تعمل في اطار الحرس الثوري الإيراني. لكن إيران تحدت الضغوط عليها، وقال غلام حسين إلهام المتحدث باسم الحكومة الإيرانية في العاصمة طهران «الأمة الإيرانية تتقدم صوب تحقيق أهدافها في إطار شرعي وقانوني، وحتى صدور قرار دولي جديد لن يغير من هذا الدافع». وكانت إيران قد طالبت مجلس الأمن الدولي بإعادة ملفها النووي إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتجنب «تسييس» القضية.

وبعد مناقشات امس في برلين دامت أكثر من ساعتين، أعلن وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير ان الدول الست الكبرى اتفقت على مضمون مشروع القرار، موضحا انه سيعرض لاحقا على مجلس الامن لإقراره. وقال الوزير الالماني اثر اجتماع في برلين مع نظرائه الفرنسي والاميركية والبريطاني والروسي والصيني «لقد اتفقنا على نص قرار لمجلس الامن الدولي». وحسب مسؤول اميركي تحدثت اليه وكالة الانباء الفرنسية كانت هناك اربع نقاط بحاجة الى تسوية لدى بدء الاجتماع تم تذليلها بعد ساعتين من دون ان يكشف عن مضمون هذه النقاط. واوضح ان اكثر المشاركين في المناقشة كانا وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ونظيرها الروسي سيرغي لافروف. وأشار المسؤول الاميركي الى ان «عناصر جديدة» يمكن ان تضاف الى مسودة قرار العقوبات خلال مناقشة المسودة في نيويورك خلال الايام المقبلة. وبالإضافة إلى رايس وشتاينماير، حضر الاجتماع وزراء الخارجية الصيني يانج جيشي والروسي سيرجي لافروف والفرنسي برنار كوشنير والبريطاني ديفيد ميليباند. كما حضر الاجتماع خافيير سولانا الممثل الأعلى للسياسة والخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي.

وصرحت رايس لدى وصولها الى برلين «اعتقد ان المسؤولين السياسيين احرزوا تقدما. اعلم انه لا تزال هناك بعض الثغرات التي يجب العمل على سدها». واضافت «حسب معلوماتي، لا يزال امامنا سبيل ما». وقالت رايس «آمل ان يتم، حتى في حال لم نتمكن التوصل الى اتفاق حول اصدار قرار، تقديم التوجيهات الكافية للمسؤولين السياسيين للقيام بذلك ربما قريبا».

وتسعى واشنطن وحلفاؤها الاوروبيون لفرض مزيد من العقوبات على ايران بسبب رفضها المطالب الدولية بوقف عمليات تخصيب اليورانيوم. الا ان الصين وروسيا اللتين تربطهما روابط تجارية متينة مع الجمهورية الايرانية، تتحفظان على فرض مزيد من العقوبات عليها.

واقرت رايس بوجود اختلافات في الرأي. وقالت «ليس سرا اننا وروسيا وربما الصين لا نتفق على الرأي نفسه تماما بشان توقيت هذه القرارات». واضافت «لا اعتقد ان هناك اي خلاف حول ضرورة ان نتوجه الى اصدار قرار ثالث».

وعرضت القوى الكبرى على طهران مجموعة من الحوافز السياسية والاقتصادية في محاولة لاقناعها بتعليق عمليات تخصيب اليورانيوم التي يمكن ان تؤدي الى انتاج مواد تستخدم لصنع قنبلة نووية. وقالت رايس «اعتقد ان مجموعة (الحوافز) التي قدمتها الدول الست في يونيو (حزيران) 2006 سخية للغاية». واضافت «اذا رغب اخرون في الحديث عن افكارهم فانا مستعدة للحديث حول افكار اخرى الا ان ذلك لا ينفي ضرورة ان تعلق ايران برنامجها للتخصيب واعادة المعالجة».

وبدوره قال وزير الخارجية الالماني انه يأمل في أن يوضح اجتماع برلين لايران أن المجتمع الدولي متحد في شعوره بالقلق من الطموحات النووية لها. وتابع لتلفزيون (ايه.أر.دي) «لا يمكنني التعهد بأننا سنخرج من هذا الاجتماع باتفاق حول كيفية المضي قدما في مجلس الامن وبالاتفاق على نص قرار ولا يمكنني ابلاغكم بشكل العقوبات الجديدة. ولكني اشعر بتفاؤل كبير من أننا سنحصل على نتائج وسنوضح لايران أنه لا يمكن تجاهل مخاوفنا وأن المجتمع الدولي بما في ذلك روسيا والصين موحد». وكانت الصين قد قالت امس ان النزاع النووي بين ايران والغرب وصل الى مرحلة حساسة وأبدت أملها في أن يكون هناك تبادل موضوعي للآراء في المحادثات. وقالت جيانج يو المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية في مؤتمر صحافي «نعتقد أن قضية ايران النووية وصلت لمرحلة حساسة.. تأمل الصين أن يبذل المجتمع الدولي بما في ذلك ايران جهودا مشتركة لاستئناف المحادثات حتى يمكن حل القضية بشكل مناسب وشامل». وتعارض الصين فرض عقوبات ودعت لمزيد من المفاوضات وألقى تقرير استخباراتي أميركي أفاد بأن ايران أوقفت برنامجها للتسلح النووي عام 2003 بظلاله على الجهود لاقناع الصين بأن تتخذ موقفا أكثر تشددا. كما أن بكين ستكون حريصة أيضا على ألا تخاطر بمصالحها الاقتصادية في ايران التي كانت ثالث أكبر مصدر لوارداتها من النفط الخام العام الماضي.

من ناحيته، اكد وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي في صوفيا ان حكومته تتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال بعد محادثاته مع نظيره البلغاري ايفايلو كالفين ان «ايران تتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهذا التعاون سيتيح توضيح المسائل المرتبطة بماضي البرنامج النووي الايراني». واضاف ان «بلدينا يعتقدان ان البرنامج النووي لا يمكن ان تكون له سوى غايات سلمية. انهما يعارضان انتشار اسلحة الدمار الشامل».

وقال كالفين من جهته ان متكي اكد له ان ايران «تعمل بشكل نشط جدا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وانها ردت على 70% من المسائل المفصلة» التي عرضتها الوكالة التابعة للامم المتحدة. واضاف وزير الخارجية الايراني انه سيرد «بالكامل وبوضوح (على اسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية) بحلول نهاية فبراير مطلع مارس». وقال كالفين «برايه الى حين استكمال العملية خلال شهر او حتى شهر ونصف الشهر، من غير المرتقب ان تكون هناك تحركات اخرى بما يشمل داخل مجلس الامن».

وبحث الرئيس المصري حسني مبارك ونظيره الايراني محمود احمدي نجاد القضايا الاقليمية عبر الهاتف في أول محادثات مباشرة بين الزعيمين. وذكرت وكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية في تقرير من جملة واحدة ان المحادثات ركزت على «تطورات الوضع على الساحتين الفلسطينية واللبنانية». وقطعت الجمهورية الايرانية العلاقات الدبلوماسية مع مصر عام 1979 بعدما وفر الرئيس المصري في ذلك الوقت انور السادات المأوى لشاه ايران المخلوع. ولم يسبق ان اجرى مبارك الذي تولى السلطة عام 1981 أي محادثات مباشرة علنية مع احمدي نجاد الذي انتخب رئيسا في 2005 . ويمثل كلا البلدين دبلوماسيا بقسم لرعاية المصالح وليس بسفارة ويتبادل مسؤولون كبار الزيارات من حين لاخر. وقال المفاوض النووي الايراني السابق علي لاريجاني اثناء زيارة الى القاهرة في ديسمبر (كانون الاول) الماضي ان طهران مستعدة للتعاون مع القاهرة في كل القضايا. واقترب البلدان من استئناف العلاقات عام 2003 لكن ايران فشلت في تلبية طلب مصري بأن تزيل لوحة تذكارية في طهران لخالد الاسلامبولي الذي اغتال السادات عام 1981 وان تعيد تسمية شارع في طهران يحمل اسم الاسلامبولي. وفي اطار الحوار بينهما، قام مساعد وزير الخارجية المصري حسين ضرار في ديسمبر الماضي باول زيارة لمسؤول مصري الى طهران. وتتركز الخلافات بين القاهرة وطهران حول ملفات اقليمية خصوصا لبنان والعراق. وابدى الرئيس الايراني الشهر الماضي استعداده لزيارة القاهرة اذا ما تلقى دعوة رسمية. وكان مصدر إيراني قد قال لـ«الشرق الأوسط» ان العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران قد تستأنف خلال الشهور الستة المقبلة.