باريس: توقيع اتفاقات تعاون نووي مع دول عربية لا يعني بالضرورة بيع مفاعلات

قالت إن المغرب الأكثر احتياجا وبعدها الإمارات والافتقاد للعنصر البشري المدرب العائق الأكبر

TT

قالت مصادر دبلوماسية فرنسية إن توقيع اتفاقيات تعاون نووي بين فرنسا ومجموعة من الدول العربية خلال الزيارات المتعاقبة التي قام بها الرئيس نيكولا ساركوزي الى هذه البلدان «لا يعني بالضرورة بيع مفاعلات نووية سلمية» لهذه البلدان. وأفادت هذه المصادر أن الإمارات العربية المتحدة (أبوظبي) هي الأكثر ترشيحا للحصول على مفاعل نووي يستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية فيما يعد المغرب الأكثر احتياجا. وشددت باريس على أنها لا تجعل من عرض المفاعلات النووية السلمية أحد أساليب عملها الدبلوماسي «بل إنها تستجيب للطلبات» التي تقدم اليها مستفيدة من «التكنولوجيا والمهارة» الفرنسيتين في هذا الحقل.

وفيما يعود الملف النووي الإيراني الى الواجهة مع التوصل الى مسودة مشروع قرار سيعرض على مجلس الأمن الدولي قريبا، شددت باريس على أن عروض التعاون الفرنسي في الحقل النووي «لا يعني أن باريس تشجع النووي العسكري» مضيفة أن الاتفاقيات النووية التي وقعت حتى الآن مع المغرب وليبيا والإمارات تمت المصادقة عليها من قبل المؤسسة الأوروبية للذرة التي تنظر في الضمانات الأمنية ومعايير السلامة. وتلاحظ المصادر الفرنسية وجود «طفرة» عالمية في الطلب على التكنولوجيا النووية السلمية لإنتاج الطاقة الكهربائية بما في ذلك من الدول المصدرة للنفط والغاز وهي تعزوها الى ثلاثة عوامل مترابطة: توفير مصادر الطاقة بعيدا عن النزاعات وتحسبا لنضوب البترول والغاز والكلفة المنخفضة للطاقة المنتجة نوويا وأخيرا ضرورات مراعاة البيئة وتحاشي الإنحباس الحراري.

وشددت المصادر الفرنسية على أن برامج التعاون النووي مع العالم العربي طويلة المدى ويمكن إدراجها على مراحل آخرها بناء المفاعل النووي. وحتى الآن، لم تصل بعد المفاوضات بين الدول العربية المهتمة (الإمارات، المغرب، الجزائر، ليبيا، مصر والسعودية) الى مرحلة المفاوضات التجارية بين الشركات الفرنسية المعنية والأطراف العربية.

وتلاحظ المصادر الفرنسية أن برنامجا للتعاون يحتاج الى حوالي عشرين عاما وهو يتناول البنية التحتية المادية والبنية الإنسانية (تأهيل الفنيين والخبراء) وأخيرا تقديم المفاعل وبناء المحطة اللازمة وبدء التشغيل.

وترفض المصادر الفرنسية أن ترى في وصول ساركوزي الى الرئاسة دافعا لتسريع العروض الفرنسية في الحقل النووي «إذ أن المفاوضات بخصوص كل الاتفاقيات التي وقعت بدأت قبل ذلك».

وتؤكد المصادر الفرنسية على «ضمانات» السلامة والأمن المتوافرة وأهمها أن العقود التي توقعها فرنسا تتيح للإطراف الأخرى أن تحصل على المعرفة والتكنولوجيا والوقود النووي لتشغيل المفاعلات واستعادة نفايات الوقود النووي ومعالجته والإستفادة من الخبرة الفرنسية ولكنها لا تتيح لها أن تقوم بعملية التخصيب ميدانيا التي تبقى محصورة بالجانب الفرنسي.

وتعتبر المصادر الفرنسية أن اهم عائق أمام التعاون النووي السلمي الذي تريده فرنسا مفتوحا أمام دول العالم النامي يتناول عدم توافر العنصر البشري المؤهل إذ أن تشغيل وإدارة مفاعل نووي واحد يفترض توافر 300 فني مؤهل ومدرب. والحال أن بلدا كفرنسا لا يخرج سنويا سوى 90 فنيا من هذا المستوى ما يعني أن الشركات الفرنسية الناشطة في الحقل النووي وعلى رأسها شركة أريفا لا تعثر على الفنيين الذين تحتاجهم خصوصا مع الطفرة النووية الجديدة. وتؤكد المصادر الفرنسية أن بلدا مثل المغرب يعاني من مشكلتين: الأولى عدم توافر الميزانية الكافية للوصول الى العقود التجارية إذ أن كلفة المفاعل النووي من الجيل الثالث الذي تبنيه شركة أريفا ويعمل بالمياه المضغوطة الخفيفة تبلغ 3 مليارات يورو، وتبلغ قدرته الإنتاجية 1.6 جيغاوات. والسبب الثاني الإفتقار الى العنصر البشري المؤهل. ولذا فقد عرض المغرب على فرنسا أن تبني المفاعل، وأن يقوم الخبراء الفرنسيون من شركة كهرباء فرنسا بتشغيله. وحتى الآن، لم يقدم المغرب طلبا رسميا بذلك. وتتساءل المصادر الفرنسية: ماذا يمكن أن نفعله في حال وصلنا مثل هذا الطلب؟

وتعتبر باريس أبوظبي التي زارها الرئيس ساركوزي الأسبوع الماضي، «مستعجلة» للوصول الى توقيع العقد لكن الأمور ما زالت تحتاج الى مناقشات ومفاوضات. وبأي حال، يرى خبراء أن تسليم المفاعل النووي الى الإمارات لا يمكن أن يتم قبل العام 2016. وأعلنت ثلاث شركات فرنسية هي أريفا وتوتال وسويز عن تعاونها لتزويد الإمارات بمفاعلين نوويين قيمتهما 6 مليارات يورو. وكشفت المصادر الفرنسية أن السياسة «الجديدة لفرنسا لم تلق انتقادات من الجانب الأميركي فيما طالب الجانب الإسرائيلي فرنسا بـ«توفير الضمانات والشفافية اللازمة». وتستبعد باريس أن يفضي التعاون النووي مع ليبيا الى بيع مفاعل نووي فيما ترى أن الجزائر «غير مهتمة في الوقت الحاضر» بالوصول الى اتفاق. أما بالنسبة لمصر التي تريد إطلاق برامج نووية سلمية فإن باريس تتخوف من المنافسة الروسية. لكن باريس تبدو واثقة من التكنولوجيا المتطورة التي تملكها باعتبارها من الدول الغربية القلائل التي طورت من غير انقطاع برامج نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية وهي توفر لفرنسا 50 بالمائة من حاجتها بينما بلد كإيطاليا لا يوفر سوى 17 بالمائة من المصادر النووية. ونقلت المصادر الفرنسية عن الرئيس ساركوزي أنه يرى في «التفوق» الفرنسي في هذا الميدان «ورفة رابحة للسنوات المقبلة».

وتعتبر فرنسا أن مسألة أمن المنشآت النووية السلمية يمكن أن تعالج على مستوى الدول الصناعية أو في محافل أخرى. ويوجد في العالم حاليا 350 مفاعلا نوويا لأغراض إنتاج الكهرباء منها 50 في فرنسا وحدها.