جدل حول تكتيك صنعاء مع نشطاء «القاعدة»: استثنِنَا ومارِسْ «الجهاد» في مكان آخر

البدوي ساعد على اعتقال 5.. وقياديون آخرون مع السلطات ضد الجيل الجديد الأكثر عنفاً من «الجهاديين»

علي محمد الكردي (جهادي سابق)
TT

عندما أطلقت السلطات اليمنية قيادياً مداناً من عناصر «القاعدة» اسمه جمال البدوي من السجن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كان المسؤولون الأميركيون غاضبين. فقد ساعد البدوي على تخطيط الهجوم على المدمرة «كول» عام 2000 والذي لقيَّ فيه 17 من البحارة الأميركيين مصرعهم. ولكن اليمنيين ينظرون الى الأمور بصورة مختلفة. فالبدوي كان قد وافق على المساعدة على ملاحقة خمسة آخرين من عناصر «القاعدة» كانوا قد هربوا من السجن. وكان وجوده في الشارع أكثر فائدة للحكومة من بقائه في السجن، وفقا لما قاله مسؤول يمني رفيع تحدث مشترطا عدم الاشارة الى اسمه. وقال المسؤول ان البدوي تعهد أيضا بالولاء للرئيس اليمني قبل ان يطلق سراحه.

ويؤكد النزاع بشأن البدوي، الذي سرعان ما أعاده اليمنيون الى السجن بعد تهديدهم بفقدان المساعدة، خلافا أوسع بكثير حول كيفية مكافحة الارهاب في اليمن، الذي كان ملاذا ومكانا مهما لتجنيد المتطرفين الاسلاميين خلال العقدين الماضيين.

ويقول مسؤولون يمنيون إنهم حققوا نجاحا ملحوظا في كسب «جهاديين» من أمثال البدوي، غالبا باطلاق سراحهم من السجن ومساعدتهم بالمال أو الدراسة او التوظيف. ويطلب منهم ان يوقعوا تعهدا يقضي بعدم تنفيذ أية هجمات على الأراضي اليمنية، وغالبا ما يكون ذلك مدعوما بضمانات من افراد من عشيرتهم أو عائلتهم. وقد شارك كثيرون في جهد اعادة تربية اسلامية يقوم به أئمة. واصبح عدد من هؤلاء «الجهاديين» السابقين مخبرين، يساعدون على الامساك بجيل جديد من متطرفي «القاعدة» الأقل عمرا والأكثر خطرا، وبعضهم مقاتلون في الحرب في العراق يرفضون الاعتراف بالحكومة اليمنية. وأصبح آخرون وسطاء يساعدون في إقناع السجناء الهاربين بالاستسلام. ولكن مسؤولي مكافحة الارهاب الأميركيين، وحتى بعض اليمنيين، يقولون ان الحكومة اليمنية تقوم في الواقع، أكثر من الآخرين في المنطقة، بعقد صفقة تساعد على ايقاف الهجمات هنا، بينما تترك «الجهاديين» أحرارا الى حد كبير في ممارسة نشاطهم في أماكن اخرى. كما انهم يقولون ان الحكومة اليمنية تلبي الكثير من مطالب الشخصيات الاسلامية الراديكالية لتحسين موقفها السياسي، وبذلك ترعى ثقافة يمكن أن تؤدي في خاتمة المطاف الى خلق مزيد من العنف.

وقال مراد عبد الواحد ظافر، المحلل السياسي في المعهد الديمقراطي القومي بصنعاء، ان «اليمن يشبه محطة حافلات، حيث يوقف بعض الارهابيين ويرسل آخرون لخوض القتال في مكان آخر. ونحن نسترضي شركاءنا في الغرب، ولكننا في الواقع لا نقدم مساعدة».

تتفق جميع الأطراف على ان الوضع ملح. فاليمن، الذي يبلغ عدد سكانه 22 مليونا ويتزايد بسرعة، وبينهم الكثير من الشباب والفقراء، وصل على نحو سريع الى أزمة اقتصادية وسياسية. فالحكومة تقاتل تمرداً متواصلا في الشمال، وإمدادات النفط متأرجحة. ومن المتوقع أن يحدث شحٌّ في المياه بالعاصمة خلال سنتين، وفقا لتقديرات البنك الدولي. وشأن افغانستان، فإن لدى اليمن حكومة ضعيفة مع وجود عشائر قوية في مناطق جبلية وامدادات سلاح واسعة.

وتجادل الحكومة اليمنية بأن طريقتها تتمثل في التوافق مع مجتمعها المحافظ الى حد كبير، حيث يبقى اسامة بن لادن وصدام حسين من الشخصيات التي تتمتع بشعبية واسعة. وعلى الرغم من أن وحدة كوماندوز جديدة مدربة اميركيا تقوم باعتقال ارهابيين وقتلهم على نحو منظم، يقول المسؤولون إن اظهارهم تشددا مع السجناء وتلبية المطالب الأميركية بترحيل اشخاص مثل البدوي يمكن أن يثير مقاومة عنيفة.

وقال رشاد محمد العليمي، وزير الداخلية اليمني، ان «الاستراتيجية هي مكافحة الارهاب، ولكننا بحاجة الى فضاء لاستخدام تكتيك معين، ويجب على اصدقائنا ان يفهمونا».

وتعود علاقة اليمن القلقة مع «الجهاديين» الى أواخر ثمانينات القرن الماضي عندما رحبت بعشرات الألوف من العرب العائدين من الحرب ضد السوفيات بأفغانستان. وبينما كانت دول عربية اخرى، وخصوصا السعودية، تصارع مع مسألة كيفية استيعاب اولئك «الجهاديين» كان اليمن مفتوحا ونشطا في توفير ملاذ لهم، وفقا لما قاله غريغوري جونسون، محلل القضايا الأمنية في مؤسسة جيمس تاون التي تبحث قضايا الارهاب. وفي ذلك الوقت، رأى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في المقاتلين العائدين جيشاً نافعاً وسلاحاً آيديولوجياً ضد اشتراكيي اليمن الجنوبي.

وعندما اندلعت حرب اهلية قصيرة الأمد عام 1994 أرسل صالح الآلاف من «الجهاديين» الى المعركة ضد الجنوب. كما اقام صلات مهمة مع شخصيات دينية وسياسية اسلامية يمنية مثل الشيخ عبد المجيد الزنداني، المرشد السابق لأسامة بن لادن الذي لديه أتباع كثيرون والذي اعتبر منذئذ «ارهابيا عالميا» من جانب الولايات المتحدة والأمم المتحدة.

وما زالت هذه الصلات قائمة في الوقت الحالي على الرغم من الشكاوى الاميركية. ويقول بعض المسؤولين الأميركيين إن تأثير الاسلاميين والفساد ربما جعل هروب 23 من شخصيات «القاعدة» ممكناً، وبينهم البدوي، من سجن محصن بالعاصمة في فبراير (شباط) عام 2006. وألقى مسؤولون يمنيون اللوم في الحادث على الاشراف البائس على السجن حيث تمكن السجناء من حفر نفق أوصلهم الى حمام مسجد مجاور.

وبعد هجمات الحادي عشر سبتمبر(أيلول) 2001، توجه صالح الى واشنطن وتعهد بالتعاون الكامل مع مساعي الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب. واعتقل في اليمن الآلاف من «العرب الأفغان» السابقين.

ولكن اليمن كان وما يزال حساسا تجاه المتطرفين الاسلاميين الذين ظلوا جمهوراً مؤثراً. وعندما سرب البنتاغون معلومة التعاون اليمني حول الضربة الصاروخية الأميركية عام 2002، والتي أدت الى مقتل زعيم «القاعدة» المشتبه فيه باليمن كان الرئيس صالح غاضباً.

وفي تلك السنة نفسها، عبر اليمن عن أمله في إرضاء شركائه الأميركيين والإسلاميين، من خلال تعزيزه لما سماه «حوار الفكر». وكانت تلك محاولة لغرس فكرة أن الإسلام في حالة فهمه بشكل صحيح لا يدعم الإرهاب. وبدأت جلسات مع مئات من «الجهاديين» السابقين الذين بقوا في السجن من دون توجيه تهم ضدهم. وقال حمود الهتار، عالم الدين، والقاضي الذي تصدر البرنامج: «الإرهاب جاء من فكرة تعتمد على آيديولوجيا، وهذه الفكرة يجب مواجهتها بفكرة معاكسة».

وكان على أحد العلماء أن يجلس عدة ساعات مع ثلاثة إلى سبعة معتقلين، وفي الغالب يكون خارج السجن لتوضيح أمور الشريعة والقيم الإسلامية، حسبما قال الهتار خلال مقابلة جرت معه في بيته بصنعاء.

في البداية، هزأ البعض من الفكرة باعتبارها لينة جداً. وفي الوقت نفسه، رفض علماء الدين اليمنيون المشاركة خوفاً من تعرضهم للاغتيال على يد المتطرفين الاصوليين، حسبما قال الهتار، لكن بشكل تدريجي، بدأ البرنامج يلقى قبولاً، ثم تبنت السعودية الفكرة ضمن صيغة خاصة بها، بما فيها تبني برنامج المعالجة والدمج الكامل.

لكن بعض النقاد رفضوا فكرة برنامج الحوار الذي بدأ الاهتمام به عام 2005 بعد انتشار الهجمات الإرهابية، باعتبارها أمرا زائفا يتظاهر وفقها المعتقلون بأنهم تبنوا أفكارا معارضة لقناعاتهم الداخلية كي يتمكنوا من الخروج من السجن. لكن ناصر البحري، السائق السابق لأسامة بن لادن، والذي قضى أربعة أعوام مع «القاعدة» في أفغانستان، قال إنها كانت أشبه بمقايضة فجة: «استثنِ اليمنَ من جهادِكَ وستتركْ لحالِكَ».

وقال البحري، 33 عاما، الذي يعرف باسم «ابو جندل» «إن المبادرة غيرت سلوكهم لا أفكارهم. فالقاضي الهتار لا يستطيع أن يزيل الجهاد. إنه متجذِّر في ديننا». ويعترف بأن الحكومة اليمنية ساعدته على شراء سيارة واستكمال تعليمه». أما صالح الذي كان جهادياً سابقاً ومر ببرنامج القاضي الهتار حينما كان في السجن فيعمل حاليا وسيطاً بين الحكومة والاصوليين، وساعد على التفاوض من أجل استسلام عدة أشخاص من بين 23 هاربا من السجن في صنعاء أوائل عام 2006. ومقابل ذلك، وافقت الحكومة على تقديم تنازلات، بما فيها إطلاق سراحهم بعد استسلامهم، حسبما قال صالح.

وأضاف صالح: «الحكومة تفهم أنه في اليمن عليك أن تقبل بالمساومة للوصول إلى حل. الأميركيون يحبون وضعنا جميعا في السجون، لكن إذا قمت بذلك، فإن عشرة رجال سيصبحون 20، والعشرون يصبحون 100. وبعد ذلك سنصبح جيشاً». كذلك يعمل بعض الجهاديين السابقين كمخبرين للحكومة وساعدوا على منع وقوع عدة هجمات حسبما قال بعض المسؤولين اليمنيين.

ويبدو أن هناك حدودا لقدرة الحكومة على كسب الإسلاميين إلى جانبها، إذ ظهر جيل أكثر عنفا من الناشطين المتطرفين في اليمن، حسبما ذكر المسؤولون وأعضاء سابقون في الأوساط المتطرفة.

وبعض من هؤلاء الشباب قاتلوا في العراق، وهم يرفضون أيَّ حوار، إذ أنهم يرون الحكومة اليمنية غير شرعية. ويبدو أنهم وراء العملية الانتحارية التي جرت في محافظة مأرب في يوليو (تموز) الماضي حيث قتِلَ 8 سياح إسبان مع الهجمتين الانتحاريتين اللتين جرتا ضد منشآت نفطية عام 2006. وفي الفترة الأخيرة، كانت هناك تحذيرات من وقوع هجمات أخرى في اليمن على مواقع الاصوليين الانترنتية.

وقال البحري: «إنهم فتحوا باباً كنا نتمنى أن يبقى مغلقا إلى الأبد».

كما يرى هؤلاء الشباب المتطرفون أشخاصا مثل البحري بأنهم خونة، على الرغم من تعاونه مع بن لادن. وقال البحري إن رجالا من الأمن أروه قائمة الموت التي تضم 30 شخصا مكتوبة من هذا الجيل الشاب حيث وضع اسمه في أعلى القائمة.

وفي الصيف الماضي، كان هناك بيانان زعم أنهما عن «القاعدة»، وفيهما «أن بعض الأشخاص تخلوا عن مبادئهم وأصبحوا مع الحكومة. وأولئك المتخلون أصبحوا أدوات بيد الحكومة وبعضهم جواسيس».

وقال البحري إنه حاول فهم سبب تطرف الجهاديين الشباب ورفضهم للحوار. أما صالح، فأصبح الآن يحمل سلاحا معه في كل الأوقات، خوفا على سلامته، حسبما قال البحري.

وإضافة إلى هذه التهديدات، فإن هناك سؤالا يظل مطروحا فيما إذا كان البحري وأصدقاؤه متورطين في الإرهاب خارج اليمن. فالبحري ما زال يساند أهداف «القاعدة»، وهو يتكلم بحب كبير عن اليمنيين الذين قاتلوا في العراق. وحينما سئل عما يقوم به دعماً لـ«القاعدة» خارج اليمن، ابتسم البحري، وقال إن الإجابة عن هذا السؤال خطرة، إذ يمكن أن تعرضه للمخاطر من أطراف مختلفة، وبعد صمت قصير، قال إنه يصلي فقط من أجل نجاح «القاعدة». وقال «جهادي» آخر سابق، واسمه علي محمد الكردي، في محكمة مفتوحة تتعلق بقضية لا علاقة لها بالإرهاب عام 2005 إنه درب يمنيين للقتال في العراق. وهو لم يتعرض للمحاكمة لأن ذلك ليس ضد القانون اليمني. وقال الكردي، 33 سنة، وهو يبتسم: «ذهبَا الى العراق وقاتلا وقتِلا هناك».

*خدمة «نيويورك تايمز»