بوش: أعداؤنا في العراق لم يُهزَمُوا بعد

طمأن الأميركيين إلى اقتصادهم في خطابه عن حال الاتحاد قبل انتهاء ولايته

بوش يسلم نسخة من خطابه الأخير حول حال الاتحاد الى نانسي بيلوزي رئيسة مجلس النواب، وديك تشيني نائب الرئيس، قبل القائه الخطاب (أ.ب.أ)
TT

في الوقت الذي يتصدر فيه الوضع الاقتصادي المتأرجح قائمة اهتمامات الأميركيين، يبدو أن الرئيس الأميركي جورج بوش لا يزال يولي الحرب في العراق اهتمامه الاول. ففي خطابه الاخير الذي ألقاه عن حال الاتحاد قبل انتهاء ولايته بعد أقل من عام، حاول بوش طمأنة الاميركيين القلقين على اهتزاز أسواقهم، الى أن اقتصاد البلاد قوي «على المدى الطويل» على الرغم من تباطؤ النمو الحاصل في الوقت الحالي.

الا ان فترة حديثه عن الحرب في العراق أمام الكونغرس الاميركي، طالت أكثر بكثير من حديثه عن الوضع الاقتصادي. وحاول أن يرسم لشعبه صورة «وردية» عن الوضع في العراق ومدى تحسنه في العام الأخير بعد ارساله قوات أميركية اضافية. والتفاؤل الذي حاول بوش رسمه لم ينسحب فقط على العراق وافغانستان حيث شنت بلاده حربين منفصلتين خلال ولايته، بل على الوضع في الشرق الاوسط حيث جدد أمله في ايجاد حلّ بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل مغادرته البيت الابيض. وعلى الرغم من أن البيت الابيض كان قد وَعَدَ بأن الخطاب سيكون تطلعاً الى الامام، الا ان كلمة الرئيس الاميركي تضمنت الكثير من التذكير وإيجاز الازمات التي مرت على الولايات المتحدة منذ تسلم بوش الحكم قبل سبع سنوات. وحتى أن الرئيس بدأ خطابه الذي استمر نحو 50 دقيقة وقوطع بالتصفيق أكثر من سبعين مرة بالقول: «بلادنا تعرضت الى اختبارات أكثر مما يمكنكم أن تتخيلوا... لقد واجهنا قرارات صعبة تتعلق بالسلام والحرب، ورفع المنافسة الاقتصادي على الصعيد العالمي، اضافة الى الصحة ورفاهية شعبنا».

وفي الوقت الذي يبني فيه المرشحون الديمقراطيون الذين يطمحون الى الحلول محل الجمهوريين في البيت الابيض، حملاتهم الانتخابية انطلاقا من مبدأ سحب جيوشهم من العراق، حذر بوش مرة جديدة في خطابه من سحب القوات الاميركية من العراق. وقال إنه لن يسحب الجيوش «الا بناء على الوضع في العراق وما يقوله القادة العسكريون الاميركيون».

وقال مسؤولون في الادارة الاميركية ان بوش ينتظر تقريرا جديدا حول الوضع في العراق ليقرر ما اذا كان سيقوم بعمليات انسحاب جديدة.

وقال في خطابه الذي ألقاه أمام أعضاء الكونغرس حيث حضر للاستماع اليه المرشحان الديمقراطيان باراك أوباما وهيلاري كلينتون، إن الجنرال ديفيد بترويس حذر من انسحاب سريع لانه سيؤدي الى عدم دمج قوات الامن العراقية في العمل واستعادة القاعدة للمواقع التي فقدتها وزيادة العنف. وتحدث بوش عن تغيير في طبيعة مهمة القوات الاميركية في العراق خلال العام الجاري، مؤكدا انها «ستصمد وستبني» على النجاحات التي حققتها خلال سنة من العمل، لكنه حذر من انها ستواجه «معركة قاسية». وقال: «أعداؤنا في العراق تلقوا ضربات قوية، لكنهم لم يُهزَمُوا بعد، وعلينا ان نتوقع قتالا ضاريا مقبلا. هدفنا في السنة التالية الصمود والبناء على المكاسب التي حققناها عام 2007 بينما ننتقل الى المرحلة التالية من استراجيتنا». وأضاف: «القوات الاميركية تنتقل من قيادة العمليات الى الشراكة مع القوات العراقية، وعلى الارجح الى مهمة اشراف..».

وتحدث عن «مجموعات الصحوة» التي تشكلت في العراق، وقال إن عدد قوات الصحوة وصل الى 80 الف عراقي يقاتلون الارهابيين، في حين ضمت الحكومة العراقية 100 ألف من الجنود للقوات المسلحة والشرطة خلال السنة الماضية. ودعا أعضاء الكونغرس الى تحمل مسؤولياتهم باعتماد التمويل الكامل للقوات الاميركية في العراق. وقال بوش انه سيجري تدريجيا العام الحالي سحب 20 ألف جندي اضافي أرسلوا للعراق، العام الماضي، ليبقى في العراق نحو 140 ألف جندي. ولم يقدم أي تعهدات بخصوص المزيد من خفض القوات، قائلا ان ذلك يعتمد على الاوضاع على الارض. وذكر محللون أن هذا يعني على الارجح أن الرئيس المقبل سيتولى الرئاسة، وهناك أكثر من 100 ألف جندي بالعراق.

ونسب بوش الفضل في تراجع العنف في العراق الى القوات الاضافية التي أمر بإرسالها الى العراق قبل عام والى تشكيل مجالس الصحوة التي ترغب في التعاون مع القوات الاميركية في محاربة متشددي تنظيم «القاعدة».

وفي أفغانستان، وصف بوش «أمة كانت ذات يوم ملاذا امنا لتنظيم القاعدة»» بأنها أصبحت تمثل «ديمقراطية ناشئة يذهب فيها الفتيان والفتيات الى المدرسة وتشق فيها طرق جديدة وتقام مستشفيات، والناس يتطلعون للمستقبل بأمل جديد». وفي الوقت الذي أشاد فيه بعمل قوات حلف شمال الاطلسي في أفغانستان، إلا أنه لم يشر الى الصدع في الحلف، اذ أن بعض الدول الاعضاء معارضة السماح لقواتها بخوض اشتباكات. كما لم يشر الى تجارة الأفيون المزدهرة أو لزيادة عدد التفجيرات الانتحارية.

وبالنسبة الى إيران، قال بوش إن رسالة أميركا للقادة الايرانيين واضحة: «أوقفوا تخصيب اليورانيوم بطريقة يمكن التحقق منها.. وتوقفوا عن القمع في بلدكم وكفوا عن دعم الارهاب في الخارج. لكن قبل كل شيء، عليكم أن تعلموا أن الولايات المتحدة ستواجه الذين يهددون قواتها وستقف الى جانب حلفائها وستدافع عن مصالحها الحيوية في الخليج الفارسي». وأضاف: «ايران تموِّل وتدرِّب مليشيات في العراق وتساند ارهابيي حزب الله في لبنان وتدعم حماس التي تسعى لتقويض السلام في الاراضي المقدسة». وحول القضية الفلسطينية، قال بوش إن الفلسطينيين انتخبوا رئيساً يرى أن مواجهة الارهاب باتت ضرورية لقيام دولة يعيش فيها الفلسطينيون بكرامة وسلام مع اسرائيل. كما ان الاسرائيليين لديهم قادة يرون ان دولة فلسطينية آمنة وديمقراطية يمكن ان تؤدي الى ضمان أمن دائم. وعن الشرق الاوسط، تحدث بوش بتفاؤل معربا عن أمله في ايجاد حل للأزمة الفلسطينية ـ الاسرائيلية قبل نهاية ولايته، وقال: «حان الوقت بالنسبة للاراضي المقدسة ان تكون هناك اسرائيل ديمقراطية تعيش جنباً الى جنب وفي سلام مع دولة فلسطينية ديمقراطية». وتطرق أيضا الى الوضع في لبنان في عبارة مقتضبة، مشيرا الى أن الناس خرجوا الى الشوارع من أجل المطالبة باستقلالهم. وحول الركود الاقتصادي في بلاده، تحدث عن الإجراءات التي اتخذتها ادارته. ودعا الكونغرس الى عدم التأخر في دعمها، وقال: «توصلت ادارتي الى اتفاق حول حزمة من إجراءات نمو ثابت تشمل تخفيف الضرائب عن الافراد والاسر، واخرى تحفيزية لقطاع الاستثمار». وتطرق أيضا الى قضية الهجرة غير الشرعية، وقال إن اميركا تحتاج الى تأمين حدودها، وقال إن ادارته اوقفت العمل بسياسة «القِ عليه القبض ثم أطلق سراحه»، التي كانت تستعمل مع المهاجرين (عبر الحدود مع المكسيك). وقال إنه مع نهاية السنة سيتم مضاعفة عدد الدوريات المتحركة. وأقر إن الهجرة غير الشرعية قضية شائكة لكن يمكن حلها. وقال إنه لا بد من إيجاد طرق انسانية للتعامل مع المهاجرين الذين يُوجدون فوق الاراضي الأميركية بكيفية غير مشروعة. وعندما بدأ يتحدث عن التعليم، بدا بوش اكثر ارتياحا في مجال ليس هناك من ضرورة لإصدار تبريرات. وذكر أن ما وعد به قبل ست سنوات، حول عدم ترك أيِّ طفل خارج المدرسة، تحقق من خلال تمرير قانون يجعل من تعليم الاطفال الزامياً. وعلقت هيلاري كلينتون على كلام بوش في ختام خطابه، قائلة «إن ما عرضه نفس الشيء... التزام محبط للآمال بنفس السياسات الفاشلة التي ساعدت على تحويل فائض ضخم الى عجز كبير ودفع اقتصاد مزدهر خلال القرن الواحد والعشرين الى شفا الركود».

يبقى أن بوش لم يتحدث كثيرا عن الشرق الاوسط، ولم يذكر هذه المنطقة إلا بأمله في توصل الاٍسرائيليين والفلسطينيين الى اتفاق سلام قبل أن تنتهي فترة رئاسته، ولكنه لم يتحدث عن المشاكل الكثيرة على الارض.