رحيل رجاء النقاش «الأب الروحي» للنقد الأدبي.. الذي حوله من «نخبوي» الى «جماهيري»

المثقف الذي فتح نوافذ الثقافة العربية على مصاريعها بدون حواجز

رجاء النقاش
TT

فقدت الحياة الثقافية المصرية والعربية أمس الكاتب الصحافي والناقد الأدبي البارز رجاء النقاش عن عمر يناهز 74 عاما بمستشفى المركز الطبي العالمي للقوات المسلحة، بعد صراع مرير مع المرض. عاش رجاء النقاش حياة حافلة بالكفاح والإبداع، امتزج فيها عطاؤه الأدبي المتنوع الغزير بقيمة إنسانية ونقدية خلاقة، فكان صاحب نظرة نقدية مفتوحة على فضاء الجمال والحرية والاستنارة، ومسكونة في الوقت نفسه بالغوص في أعماق الثقافة العربية لبناء الجسور بين الماضي والحاضر والمستقبل. ولد النقاش في الثالث من سبتمبر (أيلول) عام 1934 بمدينة سمنود بمحافظة الدقهلية في وسط دلتا مصر. وفي عام 1956 تخرج في قسم اللغة العربية جامعة القاهرة، وعمل محررا بمجلة روز اليوسف في الفترة من العام 1959 إلى العام 1961، ومحررا أدبيا بأخبار اليوم والأخبار خلال الفترة من 1961-1964، كما عمل محررا أدبيا بجريدة الجمهورية عامي 1964-1965. تولى النقاش رئاسة تحرير عدد من المجلات المصرية والعربية، منها مجلة الكواكب 1965-1969، ومجلة الهلال 1969-1971، كما تولى منصب رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة مجلة الإذاعة والتلفزيون 1971-1972، كما عمل رجاء النقاش محررا أدبيا بمجلة «المصور» خلال الفترة من العام 1972 إلى العام 1979، ومديرا لتحرير جريدة «الراية» القطرية اليومية خلال الفترة من العام 1979 إلى العام 1981، وتولى رئاسة تحرير مجلة «الدوحة» القطرية في عصرها الذهبي خلال الفترة من العام 1981 إلى العام 1986، ثم عمل مديراً لتحرير مجلة «المصور» العام 1988، وظل لقبل فترة قصيرة من مرضه يواظب على كتابة مقالة بصورة منتظمة أسبوعيا بجريدة «الأهرام». ترك رجاء النقاش بصمة قوية في كل هذه المواقع، لعل من أبرزها حماسه للتيارات الأدبية والشعرية الجديدة.

ففي مجلة الهلال قدم ملفا ضافيا لتيار السبعينيات في الشعر المصري محتضنا نصوصهم ورؤاهم النقدية المغايرة، كما جعل من مجلة الإذاعة والتلفزيون منارة ثقافية، فنشر على صفحاتها رواية «المرايا» لنجيب محفوظ. كما كتب وهو في مطالع العشرينيات من عمره مقدمته الشهيرة للديوان الأول للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي «مدينة بلا قلب». تمتع رجاء النقاش بحس نقدي مرهف ومخيلة بصرية ثاقبة الرؤية فإليه يرجع الفضل في تقديم الشاعر محمود درويش إلى الحياة الثقافية العربية، وكان كتابه الباكر الذي أصدره في أواخر الستينيات «محمود درويش شاعر الأرض المحتلة» بمثابة كسر لطوق العزلة والحصار عن درويش، وأيضا شكل الكتاب بطاقة تعريف قوية بشعراء المقاومة الفلسطينية.هذا المعني أشار إليه محمود درويش في رسالة بعث بها إلى الاحتفالية التي نظمتها نقابة الصحافيين المصريين في 21 الشهر الماضي احتفاء برجاء النقاش بمناسبة بلوغه الثالثة والسبعين. قال درويش في رسالته «عزيزي رجاء النقاش كنت ومازلت أخي الذي لم تلده أمي، منذ جئت إلى مصر، أخذت بيدي، وأدخلتني إلى قلب القاهرة الإنساني الثقافي. وكنت قبل عامين قد ساعدت جناحي على الطيران فعرفت قراءك علىّ وعلى زملائي القابعين خلف الأسوار، عمقت إحساسنا بأننا لم نعد معزولين عن محيطنا العربي». واختتم درويش رسالته بقوله «نحن مدينون لك لأنك لم تكف عن التبشير النبيل بالمواهب الشابة وعن تحديث الحساسية الشعرية والدفاع عن الجديد الإبداعي في مناخ كان ممانعاً للحداثة الشعرية، ومدينون لك لأنك ابن مصر البار وابن الثقافة العربية الذي لم تدفعه موجات النزعات الإقليمية الرائجة إلى الاعتذار عن عروبته الثقافية».

تميز رجاء النقاش بغزارة الإنتاج في شتى مناحي الثقافة والإبداع، وقد أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات منها «في أزمة الثقافة المصرية» عام 1958، «تأملات في الإنسان» 1962، «أدباء ومواقف» 1966، «كلمات في الفن» 1966، «مقعد صغير أمام الستار» 1971، «عباس العقاد بين اليمين واليسار» 1973، «صفحات مجهولة في الأدب العربي المعاصر» 1975 و«الانعزاليون في مصر» 1981. و«قصة روايتين» عام 1996، وهي دراسة مقارنة بين روايتي «ذاكرة الجسد» للكاتبة الجزائرية أحلام مستغاني، و«وليمة لأعشاب البحر» للكاتب السوري حيدر حيدر. حصل النقاش على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2000. كما حصل في حفل تكريمه بنقابة الصحافيين على درع النقابة ودرع المجلس الأعلى للثقافة، ودرع دار الهلال.