الجرائم الكبرى: 70% من القضايا متورط فيها مسؤولون وميليشيات

أفراد وحدة «الجرائم الكبرى» يخشون زيارة موقع الجريمة ويتلقون تهديدات

TT

تجمع حشد من الناس عند وصول عدد من موظفي «إف بي آي» إلى البيت الذي قتل فيه تسعة أشخاص على يد قاتل السنة الماضية، وأفلت من القتل أحد نواب رئيس الوزراء. وخوفا من التعرض إلى الخطر لم يكلف هؤلاء الوكلاء أنفسهم أكثر من 30 دقيقة لجمع الأدلة.

وحينما كان وكلاء الاستخبارات الأميركيون يعملون داخل البيت أمر قائد شرطة عراقي باعتقال رجل يقف مع الحشد، حسبما قال الوكلاء الذي كانوا قريبين من الحادث. اعترف الرجل لاحقا أنه كان متواطئا في الهجوم. لذلك أغلقت القضية بسرعة.

لكن لم يكن واضحا تماما للمحققين الأميركيين أن يكون ذلك الشخص الذي اعتقل مذنبا حقا أو إذا كانت الشرطة العراقية اقسرته على الاعتراف. وكمسعى للتعاون في مجال فرض القانون بين العراقيين والأميركيين قال المحققون إن ذلك المسلسل مثير حقا للاحباط.

كانت محاولة اغتيال سلام الزوبعي نائب رئيس الوزراء هي واحدة من مسلسل طويل واجهه وكلاء فرض القانون الأميركيون عند وصفهم لجهودهم المحبطة في الغالب لإعادة النظام والقانون للعراق. وفي حالات أخرى يتم توقيف المشتبه بهم بعد عملية سرقة دموية يتم خلالها هرب المجرمين بينما يتهم المسؤولون بالتواطؤ في الإساءة للسجناء من دون أن يتعرضوا لأي عقوبات. ولا يستطيع المحققون زيارة مواقع الجريمة ويعيش القضاة متخفين عن الانظار خوفا من تعرضهم للقتل.

وزعم وزير العدل الأميركي مايكل موكاسي خلال زيارته للعراق هذا الاسبوع عن تحقق «تقدم ملموس» في فرض القانون وتقويته هنا. وقال إن الولايات المتحدة «ستستمر في تتبع الطرق الهادفة لمساعدة الشعب العراقي لتحقيق حكومة شفافة ومستقرة».

وفي قلب هذه المساعي تم تشكيل وحدة عراقية- أميركية اسمها «قوة الجرائم الكبرى الخاصة» وهي نواة لوكالة تحقيق مهنية. وقامت بتحقيق للتفجيرات وأعمال القتل وحالات التعذيب والفساد بما فيها الممارسات البشعة في السجن المعروف بقاطع 4 حيث انتهك الحرس الشيعة بطرق وحشية المعتقلين الذين أغلبهم من السنة. وفتحت هذه الوحدة تحقيقا موسعا لعمليات التهريب في مجال القطع الأثرية. وفي حالة معينة تم الكشف عن تواطؤ عدد من المسؤولين في بيع قطع أثرية نادرة، وفي هذه العملية تظاهر ضابط شرطة أميركي بأنه يريد شراء بعض منها.

وحتى مع تأكيد المحققين الأميركيين على أن هذه القضايا ساعدت على تقوية خبرات العراقيين المهنية ومصداقيتهم، فهم يعترفون بأن الكثير من التحقيقات قد حققت نتائج متفاوتة من حيث النجاح.

وقال جيمس ديفيز الذي كان حتى لفترة أخيرة الملحق القانوني لـ «إف بي آي» في بغداد إن المحققين الأميركيين يشعرون بالإحباط تجاه المشاكل التي يواجهونها. لكنه قال إن القوة الخاصة للتحقيق في الجرائم الكبرى كسبت سمعة جيدة ويمكنها أن تصبح نموذجا لمقاربة عراقية مختلفة مستقبلا.

وأضاف ديفيز: «أظن أن هناك شعورا لدى الحكومة العراقية ووزارة الخارجية الأميركية وقيادتنا العسكرية بالاعتماد على هذه الوحدة في حالة الحاجة لإجراء تحقيق نزيه ومناسب ومتحرر من أي انحياز طائفي». وقال توماس فوينتس رئيس العمليات الدولية في مكتب التحقيقات الفيدرالي، إن لمؤسسته شراكات في بلدان أخرى لكن «العراق هو المكان الوحيد الذي نعمل فيه مع أنه منطقة حرب، حيث يأخذ العاملون فيه مجازفة كبيرة على حياتهم وعلى عائلاتهم مع وجود عنف متطرف فيه». وحتى الآن لا يعطي بالضرورة مشهد العراقي بملابس عسكرية الراحة في نفس المدنيين. ففي السنة الماضية قام عدد من الضباط المكلفين بالعمليات الخاصة باحتلال مكاتب شركة عراقنا لخدمات الهواتف الجوالة ضمن عملية سطو وأرعبوا العاملين وقتلوا حارسا في الشركة.

وحققت الوحدة الخاصة بالجرائم الكبرى في هذه القضية. ولاحظ الوكلاء على فيديو للرصد مشهدا انعكس على الزجاج المضاد للرصاص داخل أحد المكاتب. وأرسِل شريط الفيديو إلى مختبر تابع لـ إف بي آي في مدينة كوانتيكو بولاية فرجينيا، حيث تمت تقوية الصورة فيه فكشفت عن عدد من ضباط الشرطة وهم يسحبون الحارس إلى الخارج حيث تم قتله.

تم تشخيص قائد شرطة هو ابن أحد الجنرالات العسكريين المتمتعين بنفوذ كبير في الفيديو. وتم توقيفه ووجهت ضده تهمة ارتكابه للجريمة، لكنه تمكن من الهرب لاحقا وهذا تم بالتأكيد بمساعدة من الداخل.

يتعرض العراقيون العاملون ضمن هذه الوحدة لتهديد مستمر. وقتل أخو أحد المحققين العراقيين. بينما جرح محقق آخر. وتعرضت سياراتهم للحرق. ومازال الكثير منهم يعيشون خارج المنطقة الخضراء، ويعتمدون على مصادرهم من أجل توفير أمنهم. وبعضهم ظل يتنقل من بيت إلى آخر لتجنب الاستهداف.

تقاد هذه الوحدة من قبل «إف بي آي» كذلك هناك محققون يعملون فيها من مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات ومن إدارة فرض الضوابط على الأدوية وهم يعملون ضمن فترات مناوبة تستغرق ثلاثة أشهر من مكاتبهم في مدن مثل سان انتونيو وفيلادلفيا وواشنطن.

أما المحققون العراقيون فتم اختيارهم من قبل مسؤولين كبار يعملون في وزارة الداخلية. ويتم التحقق بدقة من المرشحين على يد السلطات الأميركية وإجراء مقابلات مكثفة معهم بما فيها تعريضهم لجهاز الكشف عن الكذب وكل ذلك يهدف إلى التخلص من المندسين.

ويعمل مع الوحدة قاضي تحقيق، وهو حسب النظام القضائي العراقي يعمل وكيل نيابة وقاضيا في آن واحد. ووقع القاضي على عشرات المذكرات لتوقيف أشخاص مشكوك بتورطهم بجريمة ما وكانت بعضها ضد مسؤولين أقوياء في الحكومة.

وفي بلد قُتِل فيه أكثر من 30 قاضيا خلال السنوات الخمس الأخيرة قال المسؤولون الأميركيون إن هذا القاضي حليف شجاع وذو قيمة كبيرة جدا. لكن حياته ظلت موضع تهديد. وانتقل هو وأسرته كي يعيشوا في أحياء محروسة.

وقال القاضي الذي اشترط عدم الكشف عن هويته: «هذه القضايا خطرة جدا لأن 70% منها متورط فيها رجال من الميليشيات أو رجال أقوياء في الحكومة. نحن جميعنا معرضون للخطر. أنا لا أفكر بذلك لكنني ما عدت أخرج إلى أي مكان».