إيطاليا: صدامات وتهديدات بعقوبات أوروبية بسبب مشكلة نفايات نابولي

القمامة تتراكم والخلافات السياسية تمنع الحل والمافيا تحصل على أرباح طائلة

TT

قام متظاهرون في ضواحي نابولي بالاحتجاج على اجراءات المفوض الاستثنائي جاني دي جينارو الذي عينته الحكومة المستقيلة لحل أزمة النفايات المستعصية منذ شهرين في المدينة الايطالية الكبيرة واصطدموا مع رجال الشرطة الايطالية مخلفين 18 جريحا من بينهم سيدات ومسنون وأحد الصحافيين بعد أن حاولوا اقامة الحواجز لمنع عملية تجميع النفايات.

وهدد الاتحاد الاوروبي ايطاليا مجددا باتخاذ عقوبات ضدها تتعلق بإفساد البيئة وتعريض صحة المواطنين والسياح للخطر. وبالفعل فقد تراجعت حجوزات السياح الاجانب الى منطقة نابولي وضواحيها بنسبة 25 في المائة بمناسبة أعياد عيد الفصح في الشهر المقبل. وطلب دي جينارو أول من أمس معونة من عدة مؤسسات المانية للمساعدة على تكرير وإتلاف النفايات بينما اعلن ناطق باسم احدى تلك المؤسسات عن استعداده للمساعدة حيث ينتظره مئتا ألف طن من القمامة التي يجب حرقها بعد تفسخها وحيث يتوجب على مؤسسته الحصول على موافقة السلطات المحلية الالمانية «لتصدير» النفايات الايطالية الى المانيا.

وتنتظر المفوضية الاوروبية الرد الايطالي على طلب، سبق ان تقدم به الجهاز التنفيذي الاوروبي للحصول على توضيحات بشأن أزمة النفايات في مدينة نابولي، وقال مصدر اوروبي داخل مقر المفوضية ببروكسل فضل عدم ذكر اسمه، ان المفوضية الاوروبية اعطت ايطاليا منذ ما يقرب من اسبوعين مهلة لمدة شهر لإيجاد حلول للازمة، وفي نفس الوقت تقديم رد كتابي يتضمن الخطوات التي نفذتها الحكومة الايطالية للتغلب على هذه المشكلة، وأضاف المصدر بان نصف المهلة قد انقضى وباقي النصف الآخر وأشار المصدر نفسه الى ان وفدا اوروبيا سافر الى نابولي في الخامس عشر من الشهر الجاري، للتعرف على حقيقة الاوضاع هناك، ومدى التحرك الذي تقوم به السلطات لمواجهة ازمة النفايات في مدينة نابولي، وسيقدم اعضاء الوفد تقريرا حول نتائج الزيارة للجهاز التنفيذي الاوروبي.

الا انه في ظل بدء الحملة الانتخابية في ايطاليا وتبدل تحالفات الاحزاب القائمة يبدو أن حل هذه المشكلة سيطول لأن الاحزاب تريد استغلال الازمة القائمة قبل الانتخابات البرلمانية في 13 أبريل (نيسان) المقبل وتدور الامور في حلقة مفرغة بسبب تعقيدات السياسة المحلية في نابولي وتأثير عصابات المافيا المحلية المعروفة باسم «كامورا» على عمليات تجميع القمامة وطمرها وكذلك المشاكل القائمة بين عمدة المدينة الحالي من احد فئات الحزب الديمقراطي المسيحي السابق والعمدة الاسبق الذي ينتمي الى الحزب الديمقراطي الجديد (الشيوعي سابقا). وقد انعكست هذه المواقف في اعلان رئيس الوزراء السابق دي ميتا أمس عن اختلافه مع مرشح الحزب الديمقراطي والتر فلتروني الذي سينافس برلسكوني في الانتخابات القادمة رغم أن جماعة دي ميتا كانت مؤيدة في الماضي لتحالف يسار الوسط. أضف الى ذلك الخلاف الناشب بين عمدة نابولي يرفولينو ومستشارها الجديد لشؤون النظافة والبيئة والتر غانابيني حول الشركة المحلية لجمع النفايات ومدى صلاحيتها للقيام بهذه المهمة بتركيبها التقليدي الحالي واتهامها بمحاباة الكامورا لذا صرحت يرفولينو اليوم وكأنها لا تصدق ما تقوله «أتمنى للمستشار الجديد التوفيق». في هذا الجو المضطرب لخصت الصحف الايطالية المقال الرئيسي لمجلة نيوزويك الاميركية هذا الاسبوع التي وضعت صورة نفايات نابولي على غلافها مع العنوان التالي: لخبطة ايطالية.

وفي بروكسل قال المصدر الأوروبي ردا على سؤال حول تهديدات أوروبية بفرض عقوبات على إيطاليا في حال عدم التزامها بالمعايير الاوروبية المتعلقة بالتخلص من النفايات، قال المصدر ان احتمال فرض عقوبات لا يزال بعيدا، من منطلق ان هناك خطوات لا بد ان تسبق ذلك، وفي مقدمتها تحويل الملف الى المحكمة الاوروبية وهو الامر الذي تعمل روما على تفاديه، ولكن في حال وصول تقرير سلبي من الوفد الاوروبي الذي زار المكان، وأيضا عدم وصول الرد الايطالي قبل المهلة المحددة، يتم تحويل الملف الى المحكمة الاوروبية، وفي حال صدور قرار يدين ايطاليا، من حق الاخيرة التقدم بطلب للاستئناف، وإذا تم تأييد القرار السلبي في هذه الحالة فقط، يتم فرض عقوبات على ايطاليا.

وكانت تقارير إعلامية أوروبية قد ذكرت في السابع من الشهر الجاري أن النفايات المنزلية لم تجمع لمدة أسبوعين كاملين، بسبب امتلاء الأماكن التي تدفن فيها النفايات. وبالتالي، فإن أكثر من 10 آلاف طن من النفايات تركت في شوارع نابولي تتعفن، وألقى سكان مدينة نابولي الغاضبون بالحجارة على أفراد الشرطة، ما أدى إلى اشتباك الشرطة مع المحتجين. وأشارت تقارير إلى أن المافيا تجني أرباحا بالملايين بفضل إلقائها للنفايات في اماكن لا تكلفها كثيرا، وهناك من يقول إنها أحبطت الجهود الرامية إلى بناء أفران لحرق النفايات. ويُشار إلى أن التخلص من النفايات تدر أرباحا كبيرة على المافيا المحلية التي أحبطت أي جهود من طرف المسؤولين المحليين لبناء مطارح نفايات، وقد عانت مدينة نابولي دائما من مشكلة جمع النفايات التي أرّقت السياسيين لمدة 15 سنة تقريبا دون أن يتمكنوا من إيجاد حل دائم لها، وتدرك الحكومة أنها تحت ضغط حاد لإيجاد حل دائم لهذه المشكلة لكن ذلك يعني كيفية التعامل مع المافيا المحلية المسيطرة على سوق التخلص من النفايات. وسبق ان أعلن الاتحاد الأوربي انه يراقب الوضع عن كثب وانه يدرس اتخاذ إجراءات قانونية ضد إيطاليا على خلفية انتهاكها لتوجيهاته بشأن التخلص من النفايات. وصرفت السلطات الإيطالية ملياري يورو تقريبا على مدى 15 عاما في محاولة منها لإيجاد حل دائم لهذه المشكلة لكنها فشلت في ذلك.