رئيس وزراء كوسوفو لـ«الشرق الاوسط»: الاتحاد مع ألبانيا واقع .. وصربيا ستعترف باستقلالنا عاجلا أم آجلا

طمأن الدول الخائفة من الحركات الانفصالية ونفى أن تكون واشنطن قد طلبت إقامة قواعد عسكرية في الإقليم

هاشم تاجي (أ.ب)
TT

في أول لقاء صحافي مع وسيلة إعلام عربية منذ اعلان استقلال كوسوفو الاحد الماضي، طمأن رئيس وزراء كوسوفو هاشم تاجي في حوار لـ«الشرق الاوسط» الدول الخائفة من فتح قمقم الانفصالات، وقال «انه ليس هناك أي مبرر لأي دولة أن تخشى من استقلال كوسوفو على وحدتها»، مشيرا الى ان استقلال الاقليم هو مسيرة طبيعية لتفكك يوغوسلافيا. وشدد على ان كوسوفو لم تتعجل في اعلان الاستقلال، مؤكدا انه «لو استمر الوضع على ما كان عليه لربما أثر ذلك على الأمن والاستقرار في المنطقة وأوروبا والعالم». ورأى تاجي ان صربيا «ستعترف باستقلال كوسوفو في نهاية المطاف حتى ولو أن ذلك سيأخذ وقتا أطول من الوقت الذي استغرقته للاعتراف باستقلال الجبل الأسود». وطمأن تاجي صرب كوسوفو لحقوقهم في الدولة الجديدة ودعاهم الى التوقف عن الهجرة الى صربيا والعودة الى أرضهم، مشيرا الى ان هناك أموالا ستخصص لاعادتهم بعد عقد مؤتمر المانحين. وأكد أن الولايات المتحدة والدول الاوروبية التي ساعدت كوسوفو على الاستقلال لا تطلب شيئا في المقابل، نافيا ان يكون قد تلقى طلبا منهم باقامة قواعد عسكرية في كوسوفو، ولكنه أضاف انه لو تم ذلك فانه «سيكون بموافقتنا». كما نفى تاتشي ان يكون لكوسوفو طوح بالاتحاد مع البانيا، ولكنه قال ان «الاتحاد معها واقع ولكن في إطار أكبر هو الاسرة الاوروبية». وفي ما يلي النص الكامل للحوار.

* يوم اعلان الاستقلال كان تاريخيا بكل المقاييس في نظر الصرب والألبان على حد سواء، ولكن من زوايا مختلفة. وسيظل ذلك اليوم من العلامات الفارقة في تاريخ كوسوفو ومنطقة البلقان، ولكن هل ترون اليوم أنكم تسرعتم في اعلان الاستقلال، وما هو شعوركم في اللحظة التي أحسستم فيها بأنكم أصبحت مستقلين؟ ـ في البداية أشكركم على الاهتمام بقضية كوسوفو التي شغلت أجيالا عديدة تعاقبت على أرضنا، قضت وهي تحلم برؤية كوسوفو دولة مستقلة مورثة ذلك الحلم للأبناء. من حسن حظنا أننا من بين الذين عاشوا لحظة الاستقلال. أما شعوري الخاص، فأنا أحسست بأرواح كل الذين تواروا، كانت ترفرف في سماء كوسوفو مساء يوم الأحد 17 فبراير (يوم اعلان الاستقلال)، ولاسيما الشهداء الذين يعود إليهم الفضل الأول في هذا الاستقلال. نحن نعتقد بأن الاستقلال هو البداية وليس نهاية المطاف، فأمامنا الكثير من التحديات والكثير مما يجب عمله. وكما أكرر دائما فان في مقدمة اولوياتنا العمل على رفع مستوى المعيشة وتوفير العمل للعاطلين وبناء دولة ديمقرطية تحترم حقوق الانسان وتتعايش فيها القوميات، وتجسير العلاقات بيننا وبين دول المنطقة ولاسيما صربيا، وكسب المزيد من الاعتراف الدولي والتعاون في المجالات الاقتصادية.

* صربيا أعلنت أنها لن تعترف باستقلال كوسوفو، وفي المظاهرات التي نظمها الصرب عقب اعلان الاستقلال كانت لغة الرفض واضحة، كما أنهم يعتبرون كوسوفو أرضا صربية. هل نحن بصدد قيام حرب جديدة في المنطقة؟

ـ نحن نحي الموقف الصربي الرافض للعنف وللحرب، فعشر سنوات من الحرب كانت كافية. علينا اليوم أن نحمي شبابنا وأجيالنا الصاعدة، ولا ندفع بهم إلى أتون الحرب. السلام والاستقرار هو ما تحتاجه منطقة البلقان وليست الحرب التي لن تكون في مصلحة أحد. ولا أعتقد بأن حربا جديدة ستقوم في المنطقة، بل أعتقد أن المسألة مسألة وقت. نحن نتفهم الغضب الصربي، فكوسوفو لم تكن سوى غنيمة حرب أخذوها من البيزنطيين الذين احتلونا وكانت غنيمة حرب أخذوها بدورهم من الرومان. التاريخ والواقع يؤكد على أن كوسوفو ألبانية، والبناء على أرض ليست لك لا يعطيك حق تاريخي في ملكيتها مهما استمرت تلك الملكية. تصارعت على أرض كوسوفو العديد من الامبراطوريات، ومن درسوا التاريخ يعرفون ذلك. وفي العصر الحديث ومنذ القرن التاسع عشر كانت كوسوفو ضحية لصراع الكبار وموازين القوى في القارة بعد انهيار الدولة العثمانية. وقد حان الوقت لتصحيح ذلك الظلم التاريخي الذي تعرض له الألبان على مدى القرون الماضية. نحن ممتنون جدا للولايات المتحدة الاميركية التي وقفت إلى جانبنا وكذلك للاتحاد الأوروبي، ولاسيما بريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا والنمسا وجميع الدول التي اعترفت باستقلال كوسوفو، أو أعربت عن استعدادها للاعتراف ومساعدتنا على إقامة دولة حديثة وفق المعايير الدولية. ولولاهم لما كانت كوسوفو اليوم مستقلة، وما الأوضاع لتكون على ما هي عليه اليوم من هدوء. أنا متفائل وأعتقد بأن صربيا ستعترف باستقلال كوسوفو في نهاية المطاف، ولكن ذلك سيأخذ وقتا أطول من الوقت الذي استغرقه الاعتراف باستقلال الجبل الأسود. فقد أعلنت صربيا أنها لن تعترف باستقلاله واليوم توجد سفارة صربية في بوتغوريتسا وأخرى منتنغرية في بلغراد .

* هددت صربيا بفرض حصار اقتصادي على كوسوفو في حال اعلان استقلالها، ثم تراجعت عن ذلك. لماذا برأيكم؟

ـ أعتقد بأن الكثيرين في الحكومة الصربية يتصرفون بشكل عقلاني بعيدا عن العاطفة، فقد أدركوا بأنهم سيكونون الخاسر الأكبر في حال فرضوا حظرا اقتصاديا أو مقاطعة اقتصادية. وقد أدركوا أن تلك الخطوة ستدفع بجهات إقليمية لملء الفراغ، ولذلك تراجعوا عن تهديداتهم. وعندما أغلق حلف شمال الأطلسي الحدود، كانوا هم من طالب بإعادة فتحها لتمر بضائهعم إلى كوسوفو ونحن نرحب بذلك وندعو لعلاقات متميزة مع بلغراد كدولتين جارتين مستقلتين ومسالمتين. هناك الكثير مما يجمعنا في علاقاتنا التاريخية رغم ما شابها من مآس، ولكن من أجل المستقبل يمكننا أن نتجاوز الآلام ونفتح صفحة جديدة من أجل السلام والاستقرار وشبابنا والأجيال القادمة. جميعنا يعيش أزمة اقتصادية ويبحث عن الاستثمارات الخارجية ونتطلع جميعا للانضمام للاتحاد الاوروبي. صحيح أن النسب متفاوتة ولكن الجميع يئن تحت وطأة التحديات الكثيرة باشكال متفاوتة.

* كيف تنظرون الى مستقبل العلاقات بينكم وبين الأقلية الصربية في كوسوفو وهل صحيح أن هناك مخاطر من هجرة صربية من كوسوفو ؟

ـ نحن شعب كوسوفو، صربا وأتراكا وغجرا وبوشناقا وألبانا. نحن في دولة المواطنين حتى وإن كانت الأغلبية من الألبان. الجميع يتمتعون بحقوق متساوية وفق الدستور، وهناك مقاعد مخصصة للصرب ولبقية الأقليات. لن يضطهد أحد بسبب عرقه ودينه في كوسوفو الحرة والمستقلة. هذا الكلام قلناه وأثبتناه وهناك قوانين مشددة في هذا الخصوص. نريد أن نعطي مثالا كريما في التعايش وجميع المراقبين يؤكدون بأن دستور كوسوفو أفضل الدساتير في احترام حقوق الانسان والأقليات، ويمكن للآخرين أن يتعلموا منه. أما بالنسبة الى هجرة الصرب، فنحن ندعو صرب كوسوفو الموجودين في صربيا للعودة إلى كوسوفو. وفي المرحلة القادمة سيعقد مؤتمر المانحين لدعم كوسوفو وستكون هناك أموال مخصصة لاعادة الصرب إلى ديارهم. وكما قلت نحن شعب واحد بقوميات وأديان متعددة، وهذا إثراء وتنوع نأمل أن يساهم في إشعاع كوسوفو في المنطقة والعالم.

* ذكرتم في مناسبة سابقة أنكم ستقيمون وزارت للامن والخارجية والدفاع، أين وصلت هذه الخطوة؟

ـ نحن بصدد إقامة مؤسسات الدولة. لدينا الكوادر الكافية وسنعلن عن ذلك في وقت قريب. إقامة وزارت السيادة تجري بشكل طبيعي وستأخذ وقتها. فلدينا الآن العديد من الدول التي اعترفت باستقلال كوسوفو، وبعضها أرسل بعثته الدبلوماسية إلى بريشتينا. وقد استقبلنا في الأيام الماضية العديد من المبعوثين ووزراء الخارجية وكبار المسؤولين الدوليين وبحثنا معهم العديد من القضايا وفي مقدمتها تبادل التمثيل الدبلوماسي، والتعاون العسكري والاقتصادي وغيرها من المجالات. كما نولي موضوع الاستثمارات عناية خاصة، فلدينا الكثير من المشاريع سواء فيما يتعلق بالخصخصة أو إقامة مشاريع استثمارية جديدة في مجال الطاقة والتعدين وغيرها من المجالات، ولدينا مشاريع جاهزة من حيث الدراسة والتفاصيل الدقيقة لها ولا ينقصها سوى رأس المال للبدء بتنفيذها.

* هناك من يعتبر حماس حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة والدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي لاستقلال كوسوفو الهدف منه إقامة قاعدة عسكرية في كوسوفو ما ردكم؟

ـ حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي هم من ساعدونا على تحقيق الاستقلال. وقبل ذلك أوقفوا حرب الابادة التي شنتها صربيا ميلوسيفيتش ضد شعبنا. قد يكون للبعض تفسيرات كثيرة وهم أحرار في ذلك. لم يطلب منا أحد إقامة قواعد عسكرية في كوسوفو، وإذا ما تم ذلك فسيكون بموافقتنا، ومن حقنا أن نقبل أو نرفض. ستكون مصالحنا فوق كل اعتبار. أما الحقيقة فإن موقف القوى المذكورة نابع من شعورها بأهمية الأمن والاستقرار في كوسوفو والبلقان لأمنها واستقرارها الاستراتيجيين. فالحرب والسلام في البلقان كان لهما انعكاساتهما الايجابية أو السلبية في تاريخ أوروبا. الحرب العالمية الأولى انطلقت من البلقان وعندما اندلعت الحرب في البوسنة سنة 1992 هاجر الآلاف من البوسنيين إلى الدول الأوروبية وشكلوا حملا كبيرا على اقتصادات تلك البلاد وأوضاعها الاجتماعية، وكذلك الحال في كوسوفو سنة 1999. وهذه القوى التي ذكرتها لها مصالحها التي تتعلق بأمنها واستقرارها، ورؤيتها لمستقبل أوروبا وللتوازنات المطلوبة داخلها.

* هناك عدد من الدول التي تخشى من تداعيات استقلال كوسوفو، مثل روسيا والصين واسبانيا واندونيسيا وقبرص وغيرها. فما ردكم على هذه المخاوف لاسيما أن البعض يشير الى أن استقلال كوسوفو سيؤثر على نحو 20 حالة مشابهة في العالم؟

ـ هذا السؤال المهم يثيره البعض من معارضي استقلال كوسوفو، وذلك نابع من أمرين: الاول عدم معرفة وإلمام بخصوصية كوسوفو، والثاني موقف سياسي نابع من مصالح علائقية أو أحلاف خاصة. استقلال كوسوفو كان رغبة مدفونة في أعماق الألبان منذ عدة قرون، كما قلت آنفا، وعندما انهارت يوغسلافيا في تسعينات القرن الماضي، وتفككت جمهورياته، كان لزاما على كوسوفو أن تحذو حذو بقية الجمهوريات وتعلن استقلالها وهو ما تم. ولكن ذلك الاستقلال لم تعترف به سوى ألبانيا. وعودة لجزء من سؤال سابق طرحته، فإننا لم نتعجل في اعلان الاستقلال بل أننا تأخرنا في ذلك. وأنتم تعلمون بداية نضالنا من أجل الحصول على حريتنا واستقلالنا، وتعرضنا بسبب ذلك للتطهير العرقي مما حدا بحلف شمال الأطلسي للتدخل سنة 1999 وقد ذكرت آنفا الأسباب الدافعة لذلك. وكنا طرفا في محادثات مضنية لم تسفر عن شيء استمرت لاكثر من عامين. ولم ينقذ الوضع سوى خطة المبعوث الدولي مارتي اهتساري التي نصت على استقلال كوسوفو، وقد قبلنا بذلك وأيدت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي الخطة ورفضها الصرب والروس. وعندما أريد عرضها على مجلس الأمن هدد الروس باستخدام الفيتو، ولذلك تم اتخاذ القرار من خارج مجلس الأمن بعد عرقلته من قبل موسكو. لم تكن هناك أي امكانية لتلاقي المواقف. ولو استمر الوضع على ما كان عليه لربما أثر ذلك على الأمن والاستقرار في المنطقة وأوروبا والعالم. ولذا فإن الاستقلال جاء في وقته إن لم يكن متأخرا عن بقية جمهوريات يوغسلافيا المنهارة. وليس هناك أي مبرر لأي دولة تخشى من استقلال كوسوفو، وعلى وحدتها الترابية لمجرد أن ميلاد دولته تأخر عن استقلال بقية الجمهوريات التي كانت تمثل يوغسلافيا السابقة. نحن لم نكن جزءا من صربيا بل ضمن الجمهوريات والشعوب التي كانت تشكل يوغسلافيا، وهذا مبرر شرعي آخر لإعلان استقلالنا.

* ماذا تعرفون عن الدول العربية، وهل لديكم أي اتصالات حول الاعتراف باستقلال كوسوفو قريبا؟ ـ نحن نتطلع لاقامة علاقات جيدة مع الدول العربية، أما ما نعرفه فهو أنها دول تتمتع بدرجة متقدمة جدا في الاهتمامات الدولية، ولديها ثروات طبيعية قادرة على صنع نهضة شاملة في بلدانها. ونحن سعينا ونسعى لكسب مواقف هذه الدول المهمة وتبادل التمثيل الدبلوماسي معها، ونحن مستعدون للتعاون في كل المجالات. وأعتقد بأن الكثير من الدول العربية والاسلامية ستعلن اعترافها باستقلال كوسوفو وهناك ثلاث دول اسلامية، هي تركيا وألبانيا والسينغال اعترفت باستقلالنا. ونأمل أن تعترف بقية دول منظمة المؤتمر الاسلامي ودول العالم الاخرى باستقلال كوسوفو ونرى أن ذلك سيتحقق في المدى المنظور .

* هناك أيضا اتهامات وشكوك حول نية الاتحاد مع ألبانيا لاقامة ألبانيا الكبرى كما يقولون؟

ـ ليست لدينا أبدا مثل هذه الأفكار أوالنوايا. ولكننا سنكون مع ألبانيا ودول أخرى ضمن الاتحاد الاوروبي وعندها سيكون الاتحاد مع ألبانيا واقعا، ولكن في إطار أكبر هو الاسرة الاوروبية. وأعتقد بأن جميع المشاكل الاثنية والدينية وغيرها ستحل بمجرد انضمام المنطقة إلى الاتحاد الاوروبي، وهذا ما يدركه الجميع سواء في المنطقة أو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الاميركية، فكلما توسعت الهويات قلت العصبيات العرقية التي تتغذى على البطالة والفقر والتمييز والتهميش والظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي.