الرئيس البوسني لـالشرق الأوسط» : استقلال كوسوفو وضعنا في موقف حرج ولن نعترف به

اتهم الصرب بالسعي إلى تقسيم البلاد وضم جزء منها إلى صربيا.. ونوه بوقوف السعودية إلى جانب بلاده

حارث سيلاديتش
TT

على الرغم من مرور نحو أسبوعين على إعلان استقلال كوسوفو، إلا أن الحكومة البوسنية التزمت الصمت تماماً فيما يتعلق بهذه المسألة. «الشرق الأوسط» التقت الرئيس البوسني حارث سيلايدجيتش في جدة خلال زيارة يقوم بها الى المملكة العربية السعودية للمشاركة في مؤتمر جدة الاقتصادي، وحاورته مطولاً حول موقف بلاده من استقلال كوسوفو. وأكد الرئيس البوسني خلال اللقاء رفض بلاده الاعتراف باستقلال كوسوفو في الوقت الحالي، وفي ما يلي نص الحوار:

* لغاية هذه اللحظة التي نجري فيها حوارنا، لم تعلن دولة البوسنة والهرسك موقفا رسميا من استقلال إقليم كوسوفو، ما هو موقفكم الرسمي ولماذا التأخير في الإعلان عنه؟

ـ لا أعتقد أن البوسنة والهرسك ستعلن اعترافها بدولة كوسوفو قريباً، وذلك لأسباب داخلية، فالبوسنة تمر بلحظات حساسة جداً والاعتراف بكوسوفو في هذه الفترة ليس في صالح الاستقرار داخل البوسنة والهرسك. ولا أعتقد أن هذه الخطوة قد تكون حكيمة في هذه اللحظة، وعندما يأتي الوقت المناسب سنتكلم عن هذا، أما الآن، فالاعتراف بكوسوفو ليس على جدول أعمال الرئاسة أو الحكومة الحالية.

* تعني أن استقلال كوسوفو وضعكم في موقف حرج، وزاد من حساسية الوضع في داخل البوسنة؟

ـ هذا صحيح إلى حدٍ ما، فمن جهة، فإن منطقة البلقان باستقلال كوسوفو تنتهي من سلسلة أحداث بدأها النظام في بلغراد في فترة الرئيس السابق ميلوسفيتش الذي صحيح أنه توفي لكن مشروعه ما يزال حياً، ومن صلب أهداف هذا المشروع انقسام البوسنة وهو ما حاولوا تحقيقه في السابق عن طريق القتل والدمار وسياسة التطهير العرقي، والنتيجة أن حوالي المليون بوسني يعيشون خارج وطنهم. للأسف نحن لا زلنا نتعامل مع آثار الماضي الحزين، وكما تعرفين فقد حملت محكمة العدل الدولية في 26 فبراير 2007، صرب البوسنة مسؤولية جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت في البوسنة والهرسك، وقالت في تقريرها بأن دولة صربيا لم تقم بتسليم مجرمي الحرب إلى حد الآن، ونحن سنرفع شكوى إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة بهذا الخصوص، إلا أن هناك أمورا تعيقنا، وقضية كوسوفو كانت ولا تظل قضية مهمة وتنعكس بشكل كبير على الوضع في البوسنة، وخاصة بسبب وجود حوالي مليون من الصرب في البوسنة، اضافة الى أن تصريحات بلغراد الرسمية تحاول أن تنتهك السيادة البوسنية أحياناً، وهناك دوائر سياسية متطرفة في صربيا تريد أن تعوض خسارتها لكوسوفو على حساب البوسنة والهرسك.

* إلى أين وصلت مساعيكم وجهودكم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو؟

ـ من حيث المبدأ فإن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي هما مشروعان استراتيجيان للبوسنة والهرسك، أما بالنسبة للخطوات الفعلية للانضمام فإن هذا يتطلب القيام بعدة إجراءات. ونحن الآن نأمل التوقيع في شهر مارس (آذار) أو أبريل (نيسان) المقبلين على اتفاقية تأسيس بنود شراكة فعلية مع الاتحاد الأوروبي. طبعا بدأنا بإجراءاتنا ولنا سنوات طويلة ونحن نسعى لتحقيق هذا الهدف، وهذه الاتفاقية ستعطي أخيراً الصفة الرسمية لهذا الإجراء ككل. هناك طبعا شروط لا بد من استيفائها، والوضع الداخلي في بعض الأحيان لا يساعد على تحقيق هذا الهدف، وهي ضريبة ندفعها نتيجة رواسب الماضي الحزين الذي عاشته البوسنة، لكنني متفائل بإمكانية تحقيق هذا الهدف خلال أقل من 10 أعوام.

* هل يتطلب انضمامكم إلى الاتحاد الأوروبي تغيير الدستور، وهل أنتم جاهزون لتحقيق مطلب مثل هذا؟

ـ الاتحاد الأوروبي لا يطلب تغيير الدستور، لكنه أمر لا مفر منه فالدستور الحالي قائم على مذكرة دايتون للسلام التي وقعت في باريس 1995، ومعنى هذا أننا لا زلنا نعيش معركة سياسية داخل البوسنة، والصرب يريدون أن يتمسكوا بما حصلوا عليه عن طريق سياسة التطهير العرقي التي انتهجوها في السابق. ونحن نقول إنه لا بد من تطبيق القانون الدولي الذي يجرم هذه الممارسات ونطلب من أعضاء الأمم المتحدة العمل على إزالة نتائج هذه المجازر الجماعية، وذلك بضمان بقاء البوسنة تعددية كما كانت منذ مئات السنين، موحدة، ضمن حدودها المعترف بها عالمياً وبدون أي تمييز عنصري، وكل المدنيين متساويون في الحقوق والواجبات. وفي حين تتقدم البوسنة والهرسك للانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي كدولة ديمقراطية، يسعى الصرب إلى الحفاظ على القسم الذي حصلوا عليه بواسطة الإبادة الجماعية شبه مستقل، وضمه إلى صربيا في مرحلة لاحقة. وموقف المجتمع العالمي والقوى الكبرى مهم جدا، فلا يجوز أن يبقى الوضع في البوسنة ممزقا وقائما على نتائج المجازر الجماعية، فنحن نعطي بقبولنا لهذا الوضع شرعية لجرائم الحرب والتطهير العرقي ليس فقط في البوسنة ولكن في العالم كله، إذا بقي ما يسمونه جمهورية الصرب داخل البوسنة والهرسك فهذا يعني أنهم يريدون إقامة غيتو للمسلمين في البوسنة والهرسك وهو أمر لا يمكن أن نوافق عليه.

* قبل فترة قصيرة اشتعل فتيل أزمة بسبب تصريحات لوزير الخارجية البوسني ستيفن الكلاي، حول مسألة ازدواج الجنسيات «حمل الصرب والكروات في البوسنة لجنسيات بلدان أخرى صربيا وكرواتيا». وتم اتهامكم شخصياً من قبل حكومة صربيا بأنكم وراء هذه التصريحات، ما هو تعليقكم على الأمر؟ ـ كل ما أشرتِ إليه صحيح، لكن تصريحات وزير الخارجية الذي ينتمي إلى حزبي السياسي بالمناسبة فُهمت خطأ. فالغرض من التحرك والتصريح هو إلغاء المادة 17 من قانون الجنسية في البوسنة والهرسك، والذي يمنع أي مواطن بوسني من الحصول على جنسية أخرى بدون أن تكون هناك اتفاقية ثنائية ما بين البوسنة والهرسك وتلك الدولة وهو نظام غير معمول به في أي مكان حول العالم. وما قصدناه هو أنه يحق لأي مواطن الحصول على الجنسية التي يرغب بها بدون أن تكون هناك اتفاقيات ثنائية، نريد إلغاء هذه المادة ليكون المواطنون جميعاً متساوين ولكل منهم الحق في الحصول على جنسيتين أو ثلاث، بدون الحاجة إلى اتفاقيات ثنائية. ليست لدينا مشكلة في أن يحمل أحد الجنسية الصربية أو الكرواتية أو الأسترالية أو الأميركية أو أية جنسية أخرى في العالم.

* هل انتهت مشكلة وجود المقاتلين العرب في البوسنة التي أثيرت قبل فترة؟ وما الأبعاد الحقيقية لهذه المشكلة؟

ـ الأبعاد الحقيقية لهذه المسألة لا تخرج عن كونها عملية بيروقراطية بحتة لم يتعرض لها العرب فقط، ولكنها شملت كل الذين حصلوا على الجنسية بطريقة غير شرعية، ولا شك أن هناك عوامل سياسية أيضاً لعبت دورها في تضخيم هذه المسألة وعلى كلٍ فإن هناك لجنة مختصة ووزارة تقومان بعملهما للتحقق من الكيفية التي حصل بها هؤلاء على الجنسية البوسنية سواءً كانوا عرباً أو غير عرب. وهناك من تزوجوا من بوسنيات واستقروا ولم يتعرض لهم أحد، لكن حالات قليلة جداً كانت شائكة وأخذت أبعاداً سياسية أكبر بسبب تصريحات هؤلاء الأفراد عبر شاشات التلفاز، ومع هذا هؤلاء لا يزالون موجودين في البوسنة وتتم دراسة أوضاعهم كما أسلفت.

* هل تخشون من تسرب التيارات الدينية المتشددة والتنظيمات الإرهابية كالقاعدة عبر المقاتلين الذين استقروا في البوسنة وبالتالي فتح جبهة جديدة أنتم في غنى عنها؟

ـ في الحقيقة أنا مطمئن جداً إلى فكرة عدم تحقق مثل هذه المشكلات في البوسنة لأنه لم يسبق وقوع أية حوادث إرهابية في البوسنة رغم أن هناك تاريخا دمويا ومجازر تمت بعشرات الآلاف ومعسكرات اعتقال ألقت بظلالها السوداء على مستقبل وحياة هذا البلد، لكن لغاية الآن لم تكن هناك أية حادثة، وهناك بطبيعة الحال أناس أكثر تديناً، وأناس أقل تديناً في صفوف الشعب البوسني، إلا أن هذا الأمر لا يشكل هاجساً ولا مشكلة في حد ذاته. فالبوسنة والهرسك دولة علمانية حرة وديمقراطية وكل شيء فيها مسموح ما دام يتم في إطار القانون.

* ماذا عن العلاقات البوسنية العربية، كيف تقيمونها وهل هناك نية لتوسيع آفاق هذه العلاقات؟

ـ تحدثينني الآن وأنا متواجد في السعودية لحضور منتدى جدة الاقتصادي. العلاقات البوسنية العربية جيدة بالمجمل، وبشكل خاص العلاقات ما بين السعودية والبوسنة والهرسك والقائمة على حقيقة أكيدة، وهي أن المملكة، قيادة وشعباً، وقفت إلى جانب البوسنة والهرسك في لحظات حاسمة من تاريخها. ونحن كبوسنيين لن ننسى هذا كما أننا ننطلق من هذه القاعدة في علاقتنا بالمملكة، وأستطيع القول إن هناك سعيا لإقامة شراكات اقتصادية واستثمارية على نطاقات واسعة؛ تم توقيع اتفاقية توأمة بين الغرف التجارية في السعودية والبوسنة، وفي مايو (أيار) نستقبل وفداً من رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين. البوسنة دولة غنية جداً خاصة فيما يتعلق بمصادر المياه والطاقة الكهربائية، وهناك صناعات ثقيلة منتعشة مثل صناعة الحديد والصلب، والكيماويات والخشب على سبيل المثال، إضافة إلى الإمكانات السياحية الكبيرة جداً التي لم نطورها بعد مع الأسف بسبب الحرب، ونتطلع لتبادل المنافع مع رؤوس الأموال المهتمة بالاستثمارات في البوسنة.

* ما لا يعرفه الكثيرون هو أن حارث سيلاجيتش أديب وروائي ومهتم بالأدب قبل دخوله إلى ميدان السياسة، ألا يشدكم الحنين لممارسة الأدب بين الحين والآخر؟

ـ الأدب يتطلب التركيز، والسياسة غير مشجعة لممارسة الأدب مهما كان، السياسة هي مجموعة من المصالح. وأعتقد أنه لا بد من وجود توازن ما بين الاحتياجات المادية الضيقة والاحتياجات المعنوية والروحية، ولقد كنت ولا زلت أهتم بالأدب والفن وما إلى ذلك لكن ممارسة السياسة والأدب والفن في الوقت نفسه هو أمر صعب جداً على الأقل بالنسبة لي.

* ختاماً ما الذي تريده للبوسنة، وما الذي تعمل على تحقيقه الآن؟

ـ أريد الحفاظ على وحدة الأراضي البوسنية وسيادتها، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لأن هذا سيعطينا حماية وسقفا يمكننا من الانفتاح على العالم والتقدم نحو المستقبل مستغلين كل نقاط القوة لدينا بدون الخوف من أن يعتدي علينا جيراننا كما حصل في السابق، ولا أعتقد أننا الآن بحاجة إلى قوة عسكرية كبيرة بقدر حاجتنا إلى تطوير الإمكانات الكامنة لدينا المادية والإنسانية والروحية، والبوسنة دولة غنية بكل شيء لكنها تعاني من أن حصتها من التاريخ والمآسي ربما زائدة عن حاجتها.