انقسام في الشارع الإيراني حول الانتخابات ونجاد وخاتمي.. واتفاق حول السمك الذهبي

حملات انتخابية على الـ«سي دي» والـ«دي في دي» لجذب الشباب.. وطهران غارقة في الأسود والرمادي

إيرانيتان تمران امام ملصق انتخابي في أحد شوارع طهران («الشرق الأوسط»)
TT

أين خاتمي؟ تساءل أحد الصحافيين الإيرانيين في مؤتمر انتخابي بطهران، عقدته جبهة المشاركة الاصلاحية للتعريف ببرنامجها الانتخابي، وتقديم مرشحيها لوسائل الإعلام. رد أحد المرشحين الاصلاحيين: خاتمي في المنزل. فضحك الحاضرون. الواضح ان الرئيس السابق محمد خاتمي حاضر بقوة خلال هذه الانتخابات، ولو أنه ليس مرشحا رسميا فيها. وأحد الأسباب الاساسية لحضور خاتمي اسما ومضمونا، هو غياب الأسماء الكبيرة وسط المرشحين الاصلاحيين. فمجلس صيانة الدستور رفض أسماء اصلاحية كبيرة، ولم يبق من الأسماء المهمة أو من قيادات الصف الأول غير مهدي كروبي رئيس البرلمان الإيراني السابق ورئيس حزب «اعتماد ملي». فيما يمثل المحافظون في هذه الانتخابات، من خلال قوائمهم الثلاث التي ستشارك في الانتخابات، أسماء بارزة من قيادات الصف الأول من بينها غلام حداد عادل رئيس البرلمان الحالي، وعلى لاريجاني مستشار المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ومحمد رضا باهنر نائب رئيس البرلمان، وأحمد توكلي رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، ومحمد كوثري أحد القادة البارزين خلال الحرب العراقية ـ الايرانية، ومحسن رضائي أحد قادة الحرس الثوري سابقا، ومحمد قليباف عمدة طهران. وقبل يومين من الانتخابات البرلمانية، تتوزع إيران بين الأسماء المرتبطة بفترة خاتمي والأسماء الأخرى المرتبطة بحكم الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، كما تتوزع إيران بين من يرى أن التصويت «حق قانوني ودستوري» وبين من يرى أنه «واجب ديني لحماية الثورة الإسلامية ودولتها». والفرق بين التيارين كبير جدا، فهؤلاء الذين يرون أن التصويت «حق قانوني دستوري» ليسوا متحمسين للتصويت بعد غد بسبب الاقصاء الكبير لعدد من أبرز رموز التيار الاصلاحي. أما التيار الثاني الذي يرى أن التصويت «واجب ديني لحماية الثورة ودولتها»، فهم سيصوتون على كل حال بالرغم من المشاكل الاقتصادية وارتفاع الأسعار والتضخم. إلا أن هذه المشاكل الاقتصادية التي تزايدت خلال حكم أحمدي نجاد، قد تدفع البعض في هذا التيار للتصويت للإصلاحيين، فبالارقام والاحصاءات فإن حجم التضخم وارتفاع الأسعار اللذين شهدتهما إيران خلال الأعوام الثلاثة الماضية فقط، تجاوزا بكثير جدا ما حدث طوال 8 سنوات من حكم خاتمي.

في شوارع إيران لا تبدو الكثير من آثار الحملة الانتخابية، فعمدة مدينة طهران محمد قليباف أمر بعدم وضع أي لافتات انتخابية، إلا عند المقر الانتخابي لكل مرشح، من أجل الحفاظ على نظافة العاصمة، وبالتالي لا توجد في شوارع طهران الأساسية، غير لافتات تحمل صورة المرشد الأعلى آية الله خامنئي، تدعو الإيرانيين للتصويت باعتباره «تكليفا دينيا وحماية للدولة الإيرانية من المؤامرات الخارجية»، إضافة إلى مقولات أخرى معروفة لخامنئي تتكرر من شارع لشارع، من بينها «القانون هو الحد الفاصل بين الخطأ والصواب» و«وحدة وطنية وانسجام إسلامي». ومع أن هذه الانتخابات حاسمة للإصلاحيين وللمحافظين معا، إلا أن الإيرانيين العاديين لم يشعروا بحرارتها بعد، ليس بسبب غياب اللافتات فقط، بل أيضا لأن حملات المرشحين لم تبدأ إلا يوم الأحد الماضي، بعد أن أقر مجلس صيانة الدستور اللوائح الانتخابية للمرشحين. في منطقة خزانة جنوب طهران (وهي منطقة للشريحة الوسطى والدنيا من الطبقة الوسطي، ومتوسط الدخل فيها يتراوح بين 200 إلى 400 دولار شهريا، مقابل نحو 1500 دولار لساكني شمال طهران) لم تكن الانتخابات هي الشغل الشاغل لأهالي هذه المنطقة، بل الاستعدادات ليوم النوروز أو رأس السنة الفارسية. لكن استعدادات هذا العام عكرها الارتفاع الكبير في الأسعار، وهو ارتفاع لا تشكو منه فقط الطبقة الوسطى والفقيرة، بل أيضا الطبقات الميسورة الحال. ومنطقة خزانة عامرة بالمحال التجارية، وأكثر من 90% من المعروض فيها صناعة صينية. كما أنها عامرة بالورش والمدارس والمساكن، إلا أن حركة البيع والشراء ضعيفة. والشيء الوحيد الذي يشتريه الجميع، كبارا وصغارا هو «السمك الذهبي»، فهو أحد الأشياء التي يتفاءل بها الإيرانيون، حيث ينبغى أن يكون في كل بيت خلال لحظة استقبال السنة الجديدة، لجلب الحظ السعيد وحسن الطالع. لكن شراء السمك الذهبي لا يعني أن حركة السوق خلال هذا الوقت من العام عادية. مجيد، وهو شاب إيراني في العقد الثالث من العمر، يمتلك محلا صغيرا للمفاتيح والاقفال في منطقة خزانة، ويقول إن محله كان يعمل بشكل جيد قبل فترة، لكن الآن وبسبب الارتفاع الكبير في الأسعار والتضخم، بات يقضي أغلب يومه واقفا أمام المحل، منتتظرا المشترين الذين قلت أعدادهم. ويوضح مجيد لـ«الشرق الأوسط»: «كان سعر القفل قبل فترة 8 آلاف تومان (9 دولارات)، أما اليوم فبات سعر قفل الباب 20 ألف تومان (21 دولارا). الناس لم تعد تأتي لتشتري الأقفال بسبب هذا الارتفاع. كل شيء ارتفع سعره، مثلا كان سعر البيضة 70 تومانا (8 سنتات أميركية)، اليوم بات 120 تومانا (13 سنتا أميركيا)، كيلو اللحم كان 6 آلاف تومان (أكثر من 6 دولارات)، اليوم بلغ 9500 تومان (10 دولارات)». ومجيد الذي يبلغ متوسط دخله الشهري 300 الف تومان (نحو 350 دولارا)، متزوج ولديه طفلان توأمان في الرابعة من عمرهما، وبرغم من أنهما ليسا في سن المدرسة بعد، إلا أن مجيد يشتكي من أن دخله الحالي بالكاد يكفيه. وهذا الوضع الاقتصادي يدفعه لعدم التصويت في الانتخابات، مع أنه صوت في الانتخابات الرئاسية الماضية. ويفسر مجيد موقفه بقوله: «صوت في انتخابات الرئاسة الماضية لرفسنجاني.. اليوم لن أصوت لأن شيئا لن يتغير، فحتى الإصلاحيون لم يتحقق شيء طوال 8 سنوات من حكمهم». أثر أرتفاع الأسعار، والذي تشير التقديرات إلى أنه بنسبة تتراوح بين 20 إلى 25%، على القدرات الشرائية للناس وأدى لحالة من الكساد والركود. لكن ليست هذه هي المشكلة الوحيدة، التي تقلل من حماسة البعض للتصويت، فهناك ما يسميه البعض «سوء القرارات الاقتصادية»، ومن بينها مثلا تقنين استهلاك البنزين. فقرار التقنين كان هدفه الأساسي الحد من استهلاك الإيرانيين للبنزين المدعوم من الحكومة، والذي يباع بسعر 1000 ريال إيراني (نحو 10 سنتات للتر الواحد)، وذلك عبر تحديد 120 لترا في الشهر لكل سيارة (استخرجت السلطات لكل سيارة بطاقة تضمن الـ120 لتر في الشهر، وذلك من أجل ضمان عدم التلاعب في تقنين البنزين) لكن الذي حدث هو أن الأسر التي تحتاج لاستهلاك أكثر من 120 لترا في الشهر، اشترت سيارات قديمة مستعملة، وذلك من أجل الحصول على كارت اضافي بـ120 لتر بنزين، مما زاد من مشكلة الطرق والمواصلات في طهران. الكثير من الايرانيين يقولون إن مثل هذه القرارات أثبتت أنها غير عملية، والدليل على هذا أنه عند بدء الاحتفالات بيوم النوروز بعد نحو أسبوع، وهو موسم سفر داخلي في إيران، قررت الحكومة الإيرانية تجميد خطة التقنين لمدة شهر، لكن بالمقابل سترفع سعر اللتر من 10 سنتات إلى 50 سنتا. والاصلاحيون يتخذون قانون تقنين البنزين كمثال على سوء القرارات، ومن ضمن برامجهم في هذه الانتخابات تغيير هذا القانون. منطقة خزانة المحافظة اجتماعيا ودينيا وترتدي غالبيتها الساحقة من النساء التشادور، وليس المناطو (أو البالطو مثل النساء في شمال طهران) تدين مثلها مثل كل الأحياء المحافظة، بالولاء للحكومة، وبالتالي فإن مشاركتها الانتخابية مضمونة، إلا أن البعض في المنطقة وبسبب الأوضاع الاقتصادية قرر أن يدلى بصوته للإصلاحيين، مع أن الاتجاه العام للتصويت في هذه المنطقة هو للمحافظين عموما. ومن هؤلاء معلمة إيرانية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» شريطة عدم الكشف عن هويتها موضحة: «نحن نعيش في نظام إسلامي، ويجب الدفاع عن هذا النظام ولا يجب السماح للآخرين من الخارج بالتدخل في شؤوننا.. لهذا أصوت. أصوت لأنني أدعم النظام الاسلامي في إيران»، مشيرة إلى أنها ستصوت للإصلاحيين لأنها تعتقد أنهم يمكن أن يديروا اقتصاد البلاد بشكل أفضل. ويتفق الكثير من الاصلاحيين، وربما المحافظين على أن الفصيل السياسي للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يدخل الانتخابات وهو في موقف ضعيف نسبيا. فكما قالت شابة إيرانية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» خلال مؤتمر انتخابي لحزب «اعتماد ملي» الاصلاحي بقيادة مهدي كروبي: «شعبية أحمدي نجاد تراجعت في الشارع.. من يحاول أن يصور انه ما زال يتمتع بالشعبية ذاتها التي أتت به إلى السلطة مخطئ، لكن المرشد الأعلى ما زال يدعمه». من جانبهم يرى مؤيدو أحمدي نجاد، أن أداء حكومته كان جيدا، وأن الطريقة التي تصرف بها بالرغم من فرض ثلاث جولات من العقوبات ضد إيران، لم تخل من كفاءة. وفي هذا الصدد قال شاب إيراني يمتلك محلا لبيع الأثاث في منطقة خزانة، ومتوسط دخله الشهري من 600 إلى 700 دولار، إنه بالرغم من ان العقوبات صعبت استيراد إيران لبعض السلع وقطع الغيار، إلا أن الإيرانيين اثبتوا أنهم يستطيعون أن ينتجوا هذه المواد داخل إيران. وتابع الشاب الذي لم يرد الكشف عن هويته: «لا أعتقد ان العقوبات أثرت على عملي مثلا. فما لا نستطيع استيراده من الخارج نصنعه في إيران، وبالتالي لا مشكلة في هذه الناحية، المشكلة الوحيدة هي الكساد، الذي يجعل عجلة السوق بطيئة، لكن الكساد والتخضم ليسا خطأ الرئيس. لو لم تفرض العقوبات لما كان هناك تضخم». السؤال الحقيقي الذي ينتظر السياسيون الإيرانيون إجابة الايرانيين العاديين عنه، ليس لمن سيصوت غالبية الإيرانيين، ولكن ما إذا كانوا سيصوتون أم لا؟ فالمؤشرات الأولى تشير إلى عدم اهتمام الكثيرين بالانتخابات، خصوصا طلبة الجامعات والشباب. فعند جامعة طهران كانت نسخ من صحيفة «اعتماد ملي» التي وزعت مجانا لجذب انتباه الطلاب ملقاة على جانبي الطريق، فيما يرفض غالبية الطلاب حتى التوقف لأخذ أقراص مدمجة «سي دي» و«دي في دي» يوزعها المرشحون تتضمن افلاما قصيرة حول برامجهم الانتخابية. وظاهرة الـ«سى دي» والـ«دي في دي» انتشرت في إيران خلال هذه الحملة، لجذب انتباه الشباب وأصواتهم، وهو مطلب ليس سهلا. فالشباب بالذات، من الجنسين، لديهم احباطاتهم. أحد طلاب جامعة «امير كبير» قال لـ«الشرق الأوسط»: «لن أصوت في الانتخابات، لأنني لا أرى انه سيكون هناك تأثير لصوتي»، شاكيا من التضييق على النشاط السياسي للطلبة. فيما اشتكت شابة ايرانية من حملات الصيف لمراقبة ملابس السيدات، والتي جعلت شوارع طهران كلها سوداء ورمادية وبنية، فالفتيات مخافة اعتقالهن، بتن يرتدين فقط هذه الألوان الثلاثة. ولكن برغم كل شيء لا يمكن التنبؤ بما سيحدث صباح الانتخابات، و«لا يمكن التنبؤ بالايرانيين»، كما قال رضا درخشي، وهو صحافي إيراني مستقل لـ«الشرق الأوسط»، موضحا «حتى الآن الناس هنا تقول، إن الوقت ما زال مبكرا لاتخاذ قرار بشأن المرشحين للانتخابات، ما زال هناك 48 ساعة لفتح صنادق الاقتراع. الكثير جدا من الايرانيين سيقررون ما إذا كانوا سيذهبون أم لا للإدلاء بأصواتهم صباح الجمعة، بل وحتى قبل نصف ساعة فقط من اغلاق صناديق الاقتراع». وتابع: «هناك 3 أنواع من الناخبين الإيرانيين. الأول هو الذي سيصوت في كل الحالات، لأن له مصلحة إما مع الإصلاحيين أو مع المحافظين. والنوع الثاني، من لن يصوت في كل الحالات. والنوع الثالث، وهؤلاء هم الغالبية، الذين يعتقد أنهم سيصوتون في اللحظة الأخيرة، لكنهم لا يعرفون هذا الآن ولا يعرفون بالتالي لمن سيصوتون»، مشيرا إلى أن هذا النوع الثالث من الناخبين، هو الذي يجعل نسبة تصويت الإيرانيين في الانتخابات عموما في حدود 50%، مع 5% أعلى أو 5% أقل بحسب المزاج العام لدى الناخبين، وهو مزاج ليس في أفضل حالاته الآن. هفت سين

* لحرف السين مكانة خاصة لدى الإيرانيين، فأهم عيد سنوي يحتفل به الإيرانيون، وهو عيد النوروز (يعني حرفيا «يوم جديد»، «نو» تعني جديد و«روز» تعني يوم)، والذي يبدأ في اليوم الاول من موسم الربيع في 21 مارس (آذار) ولا يحتفل به الإيرانيون بدون 7 أشياء لا بد أن تبدأ بحرف السين توضع على مائدة كل بيت عشية الاحتفال بالنوروز، وتسمى «هفت سين» اي «السينات السبعة». ومن أكثر الاشياء شيوعا التي توضع على المائدة عشية النوروز هي: سيب (تعني التفاح بالفارسي)، وسركه (اي الخل)، وسكة (اي العملة) وسماق (نوع من البهارات معروف باللغة العربية بنفس الاسم)، وسنجد (وهو نوع من النباتات) وسنبل (نوع من الزهر)، وسير (اي الثوم) وسبزه (جذور القمح او العدس). كما يضع الإيرانيون، وكذلك الأكراد الذين يحتفلون ايضا بعيد النوروز، حوضا زجاجيا فيه أسماك صغيرة ذهبية اللون لجلب الحظ وزيادة الرزق في العام الجديد. كما يضعون القرآن الكريم وأشعارا للشاعر الفارسي حافظ شيرازي. وصباح الاحتفال يقرأ الحاضرون اشعارا لا يُعرف صاحبها وتعود لمئات السنين, تقول:

* يا مقلب القلوب والأبصار - يا مدبر الليل والنهار

* يا محول الحول والأحوال - حول حالنا الى أحسن حال