قوى «14 آذار» تدعو إلى تخطي الخلافات وإلى المشاركة والتطبيع مع سورية .. بعد عودتها للحظيرة العربية

أطلقت وثيقة سياسية ستتحول برنامج عمل للمرحلة المقبلة

قادة حركة «14 آذار» خلال مؤتمرهم الأول الذي عقد أمس في بيروت تحت شعار «ربيع لبنان 2008» وضم وزراء ونواب وسياسيين وإعلاميين من الأكثرية البرلمانية (إ.ب.أ)
TT

عقدت امس قوى «14 اذار» مؤتمر «ربيع لبنان 2008» الذي تضمن اعلان وثيقة سياسية تحدد مضامين مشروع هذه القوى وموقعها ودورها. ودعت الوثيقة الى «طي صفحة الماضي مع سورية وتطبيع العلاقات معها»، معتبرة ان هذا «يبدأ بعودة النظام السوري الى الحظيرة العربية». وتضمنت انتقادات لـ «حزب الله» رافضة «احتكار المقاومة ووجود سلاح خارج اطار الدولة». وحضت، في المقابل، الجميع «من موقعها كأكثرية شعبية ونيابية» على «تخطي الخلافات والمشاركة في تحديد مصيرنا المشترك».

وكان المؤتمر بدأ اعماله في قاعة «البيال» ببيروت في حضور عدد كبير من قيادات الاكثرية في مقدمهم النائب وليد جنبلاط والرئيس السابق امين الجميل. وشارك فيه ممثلان لمفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني وشيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم قاسم. وغاب عنه تمثيل البطريركية المارونية والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى.

وقالت قوى «14 آذار» في وثيقتها: «نحن اليوم امام لحظة مصيرية. فإما العودة بلبنان الى ما كان عليه في العقود الثلاثة الاخيرة، ساحة عنف مجاني للقوى الاقليمية والخارجية... وإما اعادة صوغ لبنان بلدا يطيب العيش فيه، ودولة قادرة على النهوض بمسؤولياتها». وشددت على ان «خيارنا واضح. وهو استكمال المسيرة التي اطلقتموها انتم، في ساحة الشهداء، لحظة استشهاد الرئيس رفيق الحريري. ونحن هنا اليوم لاطلاق ورشة عمل لتحديد الطريق الواجب اعتمادها لاتمام ما بدأناه معا في العام 2005». وعددت الوثيقة «مكامن القوة» التي تمتلكها قوى «14 اذر» .

واذ لاحظت الوثيقة ان لبنان «لم يكن يوما في تاريخه الحديث على هذه الدرجة من الانقسام الحاد، وهو انقسام ليس من طبيعة طائفية، اذ يضم كل من الفريقين المتواجهين مسيحيين ومسلمين وعلمانيين. كذلك ليس الانقسام سياسيا بالمعنى الضيق للكلمة، لانه يتجاوز الخلاف على ادارة الدولة بين اكثرية ومعارضة الى الخلاف على طبيعة الدولة ودورها«. وقالت: «ان اعمق ما في هذا الخلاف هو البعد الثقافي، حيث تتواجه نظرتان مختلفتان الى العالم. نظرة تقوم على ثقافة السلام والعيش معا والوصل مع الاخر المختلف. واخرى تقوم على ثقافة العنف والفصل، وترى ان توكيد الذات لا يتم الا باستبعاد الآخر المختلف وصولا الى الغائه او استتباعه». واعتبرت «ان الاختلاف بين هاتين الثقافتين اختلاف جذري» مشيرة الى ان «ثقافة السلام والوصل مع الآخر ترى ان حقوق المواطنين يجب ان تكون متساوية في المطلق وان الطوائف في لبنان هي جماعات يجب ان تحظى جميعها بضمانات متساوية وان حمايتها تأتي من وجود دولة توكل اليها مهمة توفير الامن للجميع. اما ثقافة العنف والفصل فتنظر الى المواطنين بصفتهم مجرد اعداد متراصفة داخل طوائفها، والى الطوائف على انها اقليات مهددة باستمرار في وجودها وحضورها الحر، وبالتالي فان على كل واحدة منها السعي الى تأمين حمايتها بمعزل عن الاخرين وغالبا في مواجهتهم». كما اشارت الى «ان ثقافة السلاح والوصل مع الاخر تقوم على تنقية الذاكرة وطي صفحة الماضي على قاعدة الاقرار بالمسؤولية الجماعية والفردية عن خطايا الحرب واعتبار جميع الضحايا شهداء الوطن، لئلا يبقى اللبنانيون ـ بمن فيهم الضحايا ـ فريقين: فريق خائن وفريق بطل. وهو جهد بذله معظم اللبنانيين في السنوات الخمس عشرة الماضية لتجاوز الحرب وتنقية الذاكرة. اما ثقافة العنف والفصل فتتأسس على ذاكرة انتقائية تستحضر جرائم وتضرب صفحا عن اخرى، بغية منع اعادة الوصل».

وافادت الوثيقة: «ان ثقافة السلام والوصل مع الآخر تنظر الى الدين كرابطة تجمع اللبنانيين من خلال ايمانهم بان الدين لله والوطن للجميع. اما ثقافة العنف والفصل فتعمل على احتكار المقدس ومنح نفسها الحق باسم هذا المقدس، في تعيين الخير والشر وفي تكفير خصومها وتخوينهم. وهذا الاحتكار للمقدس هو في اساس التعصب الديني».

وخلصت الوثيقة الى ان «مستقبلنا الوطني مرتبط بقدرتنا على ارساء ثقافة السلام والوصل في حياتنا الوطنية. وهذا الامر يحتاج الى قرارات جذرية. اولها، قرار بتثبيت استقلالنا من خلال تأمين الوحدة الوطنية التي هي شرط الاستقلال عن الخارج. وهذا يتطلب تجاوز الصراعات الطائفية التي ادمت وطننا على مدى نصف قرن، والتوجه، على قاعدة اتفاق الطائف، الى بناء دولة مدنية حديثة تقوم على الفصل بين الحقوق التي هي شأن المواطنين والتي من واجب الدولة تأمينها في ما يتعلق بوجودها وحضورها الحر. وثانيها قرار بصون سيادتنا من خلال الاسراع في اعادة انتظام مؤسسات الدولة وتوكيل الدولة، والدولة وحدها، مهمة توفير الامن لجميعنا، افرادا وجماعات. لهذا ينبغي ان يكون للدولة، كما في تعريف اي دولة تستحق هذه التسمية، الحق الحصري في امتلاك القوة المسلحة وان لا يكون في لبنان جيشان يخضعان لسلطتين مختلفتين: سلطة الدولة اللبنانية وسلطة دولة اجنبية. وثالثها قرار بحماية استقلالنا من خلال اعادة الاعتبار الى فكرة المقاومة التي هي حق للشعب اللبناني يمارسه في الدفاع عن وجوده وارضه وحريته، كرافد لتعزيز قوة الدولة. فالمقاومة تقوم اساسا على مكامن القوة التي يملكها الشعب لا على مكامن الضعف. وهي اقوى في مواجهتها الخطر الخارجي اذا كان المجتمع موحدا والدولة فاعلة والجيش قويا والاقتصاد ناشطا. فليست مقاومة تلك التي تؤدي الى ربط مصير الناس بالاعانات والاعاشات. كذلك ليست مقاومة تلك التي تقوم بالغاء القرار الوطني لمصلحة الخارج وخدمة لمصالحه. ان الهدف النهائي للمقاومة هو بناء الدولة الحرة، السيدة. هذا هو الانجاز الذي يحدد نجاحها او فشلها. ورابعها قرار بضمان استقلالنا عبر توفير الظروف العربية المؤاتية، وذلك من خلال الالتزام بالمعركة الدائرة في عالمنا العربي للخروج من الاصطفافات السياسية والفكرية التي فرضتها الحرب الباردة طوال اكثر من نصف قرن، واستعادة حقه في ان يكون صاحب القرار في تحديد مصيره ومستقبله، وملاقاة ودعم التحول الجاري في العالم العربي حيث بدأت ترتسم معالم نظام إقليمي عربي جديد وحديث بعيدا عن الديماغوجيا السابقة. وهذا التحول اكده اعلان الرياض الذي صدر في ختام القمة العربية في اذار 2007، والذي يضع للمرة الأولى الأسس العربية لثقافة الوصل في مواجهة ثقافة الفصل التي لا تزال تهيمن على المنطقة، وذلك بتأكيده على ان العروبة ليست مفهوما عرقيا عنصريا بل هي هوية ثقافية... واطار حضاري مشترك قائم على القيم الروحية والأخلاقية والانسانية، يثريه التنوع والتعدد والانفتاح على الثقافات الانسانية الأخرى ومواكبة التطورات العلمية والتقنية المتسارعة، وطي صفحة الماضي مع سورية وتطبيع العلاقات معها. وهو امر يبدأ بعودة النظام السوري الى الحظيرة العربية بعدما تحول الى حصان طروادة في مواجهة العالم العربي، واعلانه الاعتراف باستقلال لبنان واحترام سيادته من خلال تبادل السفارات وترسيم الحدود معه. والأساس في هذا الموقف هو الكف عن التعامل مع لبنان وكأنه مجرد إقليم جرى سلخه عن الوطن الام في زمن الاستعمار، وإقرار الدولة السورية بأن شرعية الكيان اللبناني تساوي شرعية كل الكيانات العربية بما فيها الكيان السوري. على هذا الاساس يمكن اجتراح تسوية تاريخية تسمح بصوغ مشروع مشترك يجعل من البلدين محور تجديد في العالم العربي«.

وسألت قوى «14 اذار» في وثيقتها: «هل ان قتل القيادات واستدراج الحرب مع اسرائيل واحتلال وسط بيروت والقيام بانتفاضة مسلحة ضد الحكومة والاعتداء على الجيش والسعي الى اقامة امارة اسلامية في الشمال وقتل جنود في القوات الدولية، وغير ذلك من اعمال العنف هدفه تحقيق هذه المطالب؟ ام ان الهدف هو اعادة تحويل لبنان الى مقاطعة سورية ورأس جسر لايران على البحر الابيض المتوسط؟«. وقالت: «لقد مددنا يدنا للجميع بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري لمشاركتنا في طي صفحة الهيمنة السورية والتأسيس لمرحلة جديدة لا غالب فيها ولا مغلوب. كررنا الدعوة على طاولة الحوار وجددناها بعد انتهاء العدوان الاسرائيلي في صيف 2006 ومن ثم بعد اقرار المحكمة الدولية في ربيع 2007. واليوم، ومن موقعنا كأكثرية شعبية ونيابية، نكرر دعوتنا الجميع الى تخطي الخلافات والمشاركة في تحديد مصيرنا المشترك، ذلك ان خلاص لبنان يكون لكل لبنان او لا يكون. والأساس في هذه المشاركة هو ان تقوم على الثوابت الوطنية التي اجمع عليها اللبنانيون والتي حددها اتفاق الطائف ومقررات الحوار الوطني وقرارات الشرعية الدولية، كي لا يعود احد في الخارج شريكا في قرار الداخل».