العراق يسعى لاستعادة سيادته عام 2008 باتفاقية استراتيجية مع الولايات المتحدة

توقعات بالتحاق دول أخرى من التحالف بالمفاوضات لإبقاء قواتها

TT

قبل خمس سنوات من اليوم توجهت قوات اجنبية من 35 دولة نحو العراق في حرب كانت نتائجها العسكرية محسومة ونتائجها السياسية غامضة حتى يومنا هذا. وكانت السنوات الخمس الماضية مليئة بالتقلبات الامنية وموجات عنف لم تعرف المنطقة شبيهاً لها، على الرغم من انتشار قوات دولية بتفويض من الامم المتحدة في البلاد واعلان الرئيس الاميركي جورج بوش «الانتصار» منذ مايو (ايار) 2003 في خطابه الشهير على متن حاملة الطائرات «يو اس اس ابراهام لنكولن». ومنذ سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين وقرار الحاكم المدني الاميركي للعراق حينها بول بريمر بحل الجيش العراقي وتسريح الشرطة، اعدت السلطات العراقية والقوات المتعددة الجنسية 550 الف عنصر امني، ولكنها مازالت غير قادرة على ضمان امن البلاد، الامر الذي جعل الحكومة العراقية تمدد تفويض الامم المتحدة للقوات الاجنبية سنوياً على الرغم من انتقال السيادة رسمياً الى العراقيين عام 2004.

ولكن وضع هذه القوات سينتهي مع نهاية هذا العام، بعد اعلان العراق رغبته في انهاء تفويض الامم المتحدة والخروج من قرارات المنظمة الدولية بموجب البند السابع التي تضم العراق الى جانب الدول الخارجة عن القانون. ولكن انهاء هذا التفويض لا يعني انهاء وجود قوات اجنبية على الاراضي العراقية، بل تمهد لمرحلة جديدة في العراق تطغى عليها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة مبنية على تعاون امني يسمح بوجود الآلاف من القوات الاميركية في البلاد.

وشرح منسق الشؤون العراقي في وزارة الخارجية الاميركية ديفيد ساترفيلد بأن «عملية المحادثات بدأت للتو ومازلنا ننتظر الرد التفصيلي من الطرفين». وأضاف في حوار مع «الشرق الأوسط» ان العراق سيوقع اتفاقيتين، اولهما سيعرف بـ«اطار استراتيجي للشراكة والعلاقات بين البلدين»، والثانية «اطار من الجانب الأمني لمواصلة الاجراءات الحالية»، مضيفاً: «كلنا ملتزمون بالتوصل الى اتفاق لانهاء عهد الفصل السابع». ومن جهته، قال وكيل وزارة الخارجية العراقية محمد الحاج حمود ان العراق «يتفاوض لإقامة علاقات استراتيجية مع دولة صديقة ساهمت في اسقاط النظام السابق على اساس استقلال وسيادة البلاد». وأضاف الحاج حمود في لقاء مع «الشرق الاوسط» ان المفاوضات تشمل مواضيع متعددة «تنظم وجود القوات الاميركية من حيث الزمن والحصانة والمواقع، بالاضافة الى علاقة بغداد السياسية والاقتصادية والاستراتيجية مع واشنطن».

ومن اهم القضايا المطروحة للتفاوص بين البلدين المتعلقة بدور القوات الاميركية في العراق وشكل عملياتها في البلاد. وبحسب مقال مشترك لوزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ووزير الدفاع روبرت غيتس في صحيفة «واشنطن بوست» الشهر الماضي، لن تتعهد الولايات المتحدة بـ«حماية العراق» من توغل اجنبي، كما انها لن تقيم «قواعد عسكرية دائمة» في البلاد. وشرح وكيل الوزير العراقي المطلع على ملف المفاوضات، ان هذه القضية مهمة بعد ان شهدت «الفترة السابقة وبسبب قرارات (الحاكم الاميركي المدني في العراق) بول بريمر تصرف القوات الاميركية في بعض الاحيان ادت الى مساس السيادة العراقية»، مضيفاً ان الوفد العراقي المفاوض «يهدف الى وضع الاسس الصحيحة لبقاء القوات في العراق».

ومن ابرز النقاط التي تناقش بين بغداد وواشنطن حالياً تحديد الاطار العام لوجود القوات الاميركية في العراق، واذا كانت ستقوم بمهمات قتالية. وشرح ساترفيلد: «يجب ان تكون لدينا السلطات الكافية والحماية الكافية لبقاء قواتنا». وأضاف: «على قواتنا ان تعمل بكفاءة في العمليات القتالية وعمليات الاعتقالات الضرورية». واشار الى ان اتفاق «وضع القوات» لن يختلف كثيراً عن الاتفاقيات المبرمة مع اكثر من 80 دولة حول العالم، وعدد من دول الخليج، قائلاً: «لدينا اتفاقات وضع القوات في دول عدة في المنطقة ولن تختلف كثيراً في الاطار عن الاتفاق مع العراق، ولكن العامل المختلف هو السلطات العملية للقوات لتقوم بالمهام الضرورية في وضع العراق الحالي». وعن الاطار الاستراتيجي، قال ساترفيلد: «لدينا اتفاقيات مشابهة في دول عدة في المنطقة لتنظيم العلاقات على المدى البعيد ومن خلالها نطرح تصوراتنا للعلاقات المستقبلية بين البلدين، ومن الضروري جداً ان تكون لدينا رؤية متشابهة مع العراق». ورداً على سؤال حول ما اذا كانت ستحدد الاتفاقية موقع انتشار القوات واذا كانت ستقضي بخروجهم من المدن الى قواعد عسكرية، قال الحاج حمود: «نعمل مع الاميركيين على نقل سلطات الحماية الى القوات العراقية، وقد بدأت تتسلم بالفعل المسؤولية عن حماية الامن». وأضاف: «لقد تم نقل الامن في عدد من المحافظات»، في اشارة الى 9 من المحافظات العراقية الـ18 التي تتولى القوات العراقية السلطات الامنية فيها، مشيراً الى جهود العراقيين على «نقل المسؤولية الامنية في باقي المحافظات خلال هذا العام». وتابع انه من المتوقع نقل السلطة الامنية في العاصمة بغداد هذا الصيف. وبينما تتواصل المفاوضات بين الخبراء والسياسيين العراقيين والاميركيين حول الشكل النهائي للاتفاقيتين، ظهرت اصوات معارضة في كلا البلدين حولهما. وحاول ساترفليد تبديد هذه المخاوف، قائلاً: «نتطلع بأن تكون الاتفاقيتان، بعد الاتفاق عليهما، وثيقتين شفافة ومعلنة». وبينما تعتبر الاتفاقيتان من صلاحيات الرئيس الاميركي، مما يعني انهما لن تعرضا على الكونغرس الاميركي، التزمت الحكومة العراقية بعرضها على مجلس النواب العراقي. وقال الحاج حمود: «الآلية المتفق عليها حالياً هي عرض الاتفاقية على المجلس السياسي (اي الرئاسة ورئيس الوزراء) وبعدها على قادة الاحزاب السياسية الرئيسية وبعد اتفاق تلك الفصائل ستعرض امام البرلمان العراقي». وأكد المسؤول العراقي ان «العراق اختار الوفد الذي سيقوم بالمفاوضات واعطى الوفد الصلاحية ليعين من يشاء من خبراء من العراق أو خارجه، لتكون صيغة الاتفاق في خدمة العراق». ولكنه تحفظ على الاعلان عن اعضاء الوفد، قائلاً: «لن تعلن اسماء الفريق واتفقنا على ان يستمر في عمله من دون الاعلان عن الاسماء حماية لهم» من الضغوط والتهديدات الامنية. واما بالنسبة للوفد الاميركي، فيقوده السفير الاميركي في بغداد ريان كروكر، ويتضمن عناصر عدة من السفارة الاميركية بالاضافة الى خبراء من واشنطن. واكد ساترفيلد ان لدى «الجيش والقوات المتعددة الجنسية في العراق دورا مهما في التفاوض». وعن وجهات النظر المعارضة من خارج البلاد لتوقيع العراق اتفاقية بعيدة الامد مع الولايات المتحدة، قال الحاج حمود: «الاعتراض نابع عن موقف سياسي عام تجاه العراق، وليس بالنسبة للاتفاقية، فدول خليجية ومصر ولبنان، كلهم لديهم اتفاقيات خاصة مع الولايات المتحدة». وأضاف: «اعتراض هؤلاء في تقديري لا يرتبط بالاتفاقية بل الموقف السياسي من العراق، فالاتفاقية لم يعلن عن فحواها ومازالت المفاوضات في اولها، فالاعتراض قبل الولادة امر غير منطقي». وتابع: «هناك افكار لدى الجانبين وعندما نصل الى نتائج يمكن الاطلاع على الاتفاقية وتقييمها»، معتبراً ان موقفا معارضاً من الآن «ناتج، اما عن جهل أو موقف سياسي مسبق من العراق». وعلى الرغم من ان الولايات المتحدة لديها اكبر عدد من القوات في العراق بفارق كبير عن ثاني حليف، فقواتها تمثل 93 في المائة من القوات المتعددة الجنسية، الا انه مازالت هناك 26 دولة مشاركة في القوات المتعددة الجنسية في العراق. وبينما التركيز حالياً هو على بقاء القوات الاميركية التي تشكل الغالبية العظمى من القوات الاجنبية في العراق، اكد ساترفيلد أن دولا اخرى من التحالف ستنظر للبقاء في العراق بعد موعد انتهاء تفويض الامم المتحدة. وبينما يتحفظ المسؤولون البريطانيون على الحديث حول هذه المسألة، اكد دبلوماسي بريطاني رفيع المستوى ان بريطانيا تراقب المفاوضات بين بغداد وواشنطن وستنظر بالبقاء في العراق في المرحلة المقبلة ولكنها لا تريد الخوض في هذه القضية في الوقت الراهن. وأضاف الدبلوماسي الذي طلب من «الشرق الاوسط» عدم الافصاح عن هويته ان هناك احتمالاً باصدار قانون جديد في مجلس الامن ينظم تلك القوات ولكن بعيداً عن البند السابع. وصرح وكيل وزير الخارجية العراقي بأن احتمال اتفاقيات مع دول اخرى وارد ولكنها لن تكون متطابقة مع الاتفاقية الاميركية. واضاف: «لا يمكن القول انها ستكون مشابهة، لأنة لا يمكن استنساخ اتفاقية مع الولايات المتحدة لدولة مثل كوريا أو بريطانيا، فطبيعة الشعب والدول تختلف، ونصوص التركيبة العراقية نفسها ستكون مختلفة من منطقة لأخرى». ومن جهته، قال ساترفليد: «نتوقع ان تقرر دول تحالف اخرى للمشاركة مستقبلاً، ولكن يبقى الامر عائد لتلك الدول والعراق». واضاف: «الاتفاقيتان اللتان سنوقعهما هما هدفنا وقد تسهل اتفاقيات الدول الاخرى». وأكد الحاج حمود ان الاتفاقيتين، الامنية والسياسية، غير معتمدتين على بعضهما البعض للبقاء، وان العراق يتطلع الى انتهاء الوجود العسكري الاميركي مستقبلاً ولكنه يريد الابقاء على المدى البعيد على الاطار الاستراتيجي الذي يحدد علاقات البلدين. وقال: «الاتفاقيتان غير مرتبطتين، فالاطار الاستراتيجي هو اتفاق بين بلدين يعيشان ظروف تجمعهما، وستستمر هذه القواعد في تنظيم العلاقات السياسية الاستراتيجية والسياسية والثقافية بين البلدين».