أعداد العرب في العراق.. من ملايين إلى عدة آلاف

أغلبهم من المصريين والسودانيين والفلسطينيين.. بعضهم مصيره المخيمات.. والحكومة: لا يوجد قانون يمنع عودتهم

TT

يعد ملف العرب والأجانب واحدا من بين أهم الملفات التي شملها التغيير في أعقاب أحداث عام 2003؛ فجميع العراقيين مازالوا يذكرون أن مدنهم وأزقتهم وشوارعهم لم تخل يوما من بيت يسكنه عربي أو أجنبي، في حالات قليلة مقارنة بالعوائل العربية التي تحمل جنسيات مختلفة بينها الفلسطينية والسودانية والصومالية والأردنية والسورية والمصرية، ووصلت أعداد العوائل العربية خلال الحرب العراقية الإيرانية إلى ما يقارب الستة ملايين النسبة الأعظم منهم مصريون قدموا لهذا البلد بحثا عن فرص عمل تركها أصحابها مضطرين لينشغلوا بحرب طاحنة أتت على نسبة كبيرة منهم.

وليد، 37 عاما، فلسطيني فقد أباه خلال حرب الثمانينات، أوضح في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنهم كانوا يملكون دارا في العراق، فقد اعتاد النظام العراقي السابق على «تخصيص دار لعائلة الشهداء بغض النظر عن كونهم عراقيين أو عرب»، وأضاف «لكن ذات النظام أجبرنا على التخلي عنه بعد إصداره قرارا يمنع تملك العربي فاضطرونا إلى بيعه وشراء بيت آخر وتسجيله باسم مواطن عراقي تربطنا به علاقة وثيقة، خاصة وأننا ولدنا في هذا البلد أنا وأخوتي الخمسة وتربينا في حي شعبي ونتحدث اللهجة العراقية ولا نجيد غيرها تقريبا».

وليد غادر إلى إحدى دول الجوار ليؤمن انتقال بقية العائلة بعد أن تعرضوا لجملة تهديدات وصلت حتى التهديد بالقتل، بعد الاطاحة بالنظام العراقي السابق، وبين انه سمع أكثر من مرة أن العرب يعدون ضمن الشرائح المقربة من صدام ويعتقدون أن النظام السابق أغدق على العرب بامتيازات لم يحصل عليه أهل البلد أنفسهم، وهذا ما جعلهم في خانة المستفيدين من سياسات النظام السابق. غير ان وليد يقول إن «من استفاد من صدام هم فئة قليلة جدا مقربة منه، فيما اندمج الآخرون بمجتمعهم الجديد وعملوا حالهم حال العراقيين».

وبين وليد أن أعداد الفلسطينيين تراجعت مؤخرا إلى مستويات كبيرة الى حد كبير انه يتبق منهم سوى عدة آلاف، بعد أن كان يقدر عددهم بأكثر من 100 ألف، جزء منهم لجأ للعراق من دولة الكويت أثناء الاجتياح. أما عن ظروف اللاجئين الحالية بين أن هناك أعدادا كبيرة من اللاجئين في العراق يعانون من البطالة وهناك عدد قليل من اللاجئين يعملون في الشركات والبنوك، إضافة إلى عدد قليل جداً يعملون في مؤسسات الحكومة.

وكان تعداد اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا إلى العراق عام 1948 قد بلغ 3000 لاجئ، وقد جاءوا مع الجيش العراقي بعد انسحابه من فلسطين. وبلغ عددهم عام 2003 وحسب إحصائية المفوضية العامة للاجئين 22 ألف نسمة.

وتعرض الفلسطينيون في العراق لحملة من التصفيات عقب الغزو، وفضل عدد كبير منهم ترك مغادرة العراق، وسمحت سورية لأعداد من فلسطينيي العراق الدخول إلى أراضيها، وبنت لهم مخيمين، هما مخيم أبو الهول وخالد وهناك أكثر من 700 فلسطيني استقر به الحال في مخيم التنف على الحدود مع سورية. وأشارت بعض المصادر إلى مقتل 151 فلسطينيا وفقدان العشرات. اما الجالية المصرية والتي كانت تقدر بعدة ملايين، فقد أجبرت على ترك العراق قبل حرب الخليج الأولى، وبعد أن أصدرت السلطات المصرية قرارا بوجوب عودتهم وكل من يتخلف عن العودة يحاسب وفق القانون، خاصة وان الجيش المصري كان ضمن قوات التحالف التي تجهزت لتحرير الكويت، وخرج الجزء الأكبر من المصريين ولم يبق داخل العراق سوى أعداد قليلة بينهم تجنسوا بالجنسية العراقية بعد زواجهم من عراقيات أو أنهم ملاحقون من قبل القانون المصري، وبعد أحداث الحرب الأخيرة لم يتغير شيء ولم يتم استهدافهم، خاصة وأنهم بنوا علاقات جيدة داخل المجتمع رغم أن أعدادهم قليلة. الجاليات السودانية والصومالية أيضا كانت من بين اكبر الجاليات داخل العراق الذي كان يحتاج لأكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة، خاصة مع اقتصاد كان مازال يتمتع بقوة على المستوى الدولي. وبعد حرب الخليج الأولى غادرت نسبة كبيرة من هذه الجالية وبخاصة العوائل لأن بقاءهم في ظروف اقتصادية صعبة عاشها البلد بعد تطبيق الحصار الاقتصادي، أصبح غير مجد وقد تكون أتعس بكثير من ظروف بلدانهم، فيما استمر آخرون بالعيش وفي مناطق محددة منها منطقة (البتاويين) التي تقع في الباب الشرقي ويطلق عليها العراقيون تسمية (الخرطوم) لكثرة السودانيين الذين يسكنونها.

ويقول عبد الرحمن سنوسي، سوداني، والذي تخصص بصيانة الساعات اليدوية القديمة في سوق الباب الشرقي، إن عدد السودانيين الآن في العراق قليل جدا مقارنة بالثمانينيات وحتى التسعينيات، وأغلبهم غادروا العراق بسبب سوء الأوضاع المعيشية «فما نجنيه يكفينا لتدبير أمورنا اليومية فقط، خاصة أن السمة الغالبة على الأعمال التي نجيدها هي أعمال حرفية مثل بيع العصائر والخياطة وصناعة الجلود وغيرها»، موضحا أن المتبقين الآن يملكون هويات أقامة قديمة يستطيعون من خلالها التحرك في جميع المناطق، ويضيف أن الأحداث الدموية التي شهدتها بغداد في العامين الماضيين قد أثرت أيضا على وضعهم، خاصة مع تدفق «ما يسمى بالمقاتلين العرب» للعراق.

المسؤول في أمن مجلس محافظة بغداد صباح داغر، بين في لقاء سابق مع «الشرق الأوسط» أنه وعلى الرغم من خروج مئات العوائل العربية والأجنبية من العراق فمازال هناك أكثر من 5 آلاف عائلة عربية تسكن اغلبها في بغداد والموصل وبعض المحافظات الأخرى.

وبشأن العوائل الفلسطينية التي قدمت من الكويت بين أنها شملت بقانون الإقامة المؤقت أي القابل للتجديد ضمن مدة محددة، وبعد الأحداث الأخيرة لم تقم أي العوائل العربية بتجديد إقامتها وفق القانون، وهنا اعتبروا غير مجازين للإقامة داخل العراق.

وبشأن عودة العرب والاتفاقيات التي وقعها العراق بشأن إقامتهم وبخاصة الفلسطينيين، قال ماجد الشويلي مسؤول أمن بغداد لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا الأمر قضية سياسية أكثر مما هي تنفيذية، ولا يوجد قانون يمنع عودة الفلسطينيين الذين خرجوا من العودة مجددا، ولكن نحن مع وضع الآليات المحكمة والدقيقة لعودة العرب الذين خرجوا من العراق بسبب الأحداث الأمنية الأخيرة، ولمنح الإقامات يجب إعادة النظر فيها وصياغتها بطريقة تمنع من دخول الإرهابيين والمشبوهين سواء ممن حصلوا على الإقامة في السابق أو الراغبين بالدخول الجديد».