سكان الجنوب العراقي يتذكرون ساعات الاجتياح الأولى

البريطانيون دخلوا صفوان في وقت قصير.. والأميركيون واجهوا مقاومة شرسة في الناصرية

جنديان بريطانيان يتحدثان مع عراقية تحمل رضيعا في مدينة البصرة بعد أقل من أسبوع من شن الحرب (أرشيف «الشرق الأوسط»)
TT

لا تزال ذاكرة أهالي صفوان وأم قصر جنوب البصرة المتاخمتين للحدود الجنوبية مع الكويت، التي انطلقت منها القوات البريطانية لاحتلال البصرة، طرية في ذكراها الخامسة وكذلك استذكارات سكان مدينة الناصرية في إعاقتهم لزحف القوات الاميركية في أول معركة لها خلال زحفها لبغداد.

لم تدخل صفوان وأم قصر أجواء الحرب في ساعة الصفر عند اجتياح القوات الاميركية للدعامات الحدودية القريبة من المدينتين، بل كانت الاستحضارات الجارية هناك لتهيئة ساحة المعركة تحتل المشهد اليومي لأهالي المدينتين قبل اندلاع الحرب بأكثر من شهر.

وقال عدد من الأهالي لـ«الشرق الأوسط» ان استحضارات القوات البريطانية والأميركية عند الحدود أسقطت من حساباتها عنصر المباغتة المعتمد في العلوم العسكرية حيث كانت تجري كل العمليات في العلن وغير خافية على أعين مواطني المدينتين وأجهزة استخبارات النظام السابق، ابتداء من التحشد وتوزيع القطعات العسكرية الهائلة على محاور الهجوم والطلعات الجوية الاستطلاعية وانتهاء بتسوية ساتر ترابي ودفن خندق ورفع الأسلاك الشائكة من الحاجز الحدودي الجديد الذي شيدته الحكومة الكويتية بعد انتهاء حرب الخليج الثانية وطرد القوات العراقية التي شاركت بغزو الكويت عام 1991.

واستغرب محمد خلف، ضابط متقاعد، من صمت النظام السابق ازاء تلك التحركات وعدم قيامه بأية فعاليات عسكرية لإجهاضها في الوقت الذي تؤكد فيه ابسط فنون التعبئة العسكرية على وجوب ضرب العدو في هذه المرحلة التي تعد الحلقة الأضعف قبل إكمال جاهزيته للقتال.

واوضح خلف قائلا ان « تجاهل القوات العراقية لهذه الاستحضارات منح الخبراء العسكريين الأميركيين الحق حين وصفوا العراق بـ(العدو المثالي) خلال تقييمهم للعمليات العسكرية»، وأضاف ان «العراق منح العدو بشكل غير مباشر تسهيلات عسكرية لعملية الاجتياح ومن بينها الطريق الذي شقه غرب الطريق العام بين صفوان العراقية والعبدلي الكويتيه خلال عمليات غزو الكويت والذي سلكته القوات الأميركية للتقدم ومسك طريق المرور السريع الصحراوي باتجاه مدينتي الناصرية والسماوة وكذلك الطريق الرابط بين ام قصر وشمال مدينة الكويت العاصمة الذي اتخذت منه القوات البريطانية محورا للتقدم لاحتلال مديني ام قصر والبصرة».

ويقول وائل محمد (سائق تاكسي) ان القوات البريطانية تمكنت من فرض احتلالها لمدينة صفوان بوقت قصير، إذ كانت خالية من القطعات العسكرية او الجهد الهندسي الذي يعيق تقدم الارتال العسكرية. وأضاف ان « اما اهالي المدينة فهم اناس بسطاء لزموا بيوتهم في الساعات الأولى لدخول قوات الاحتلال الى المدينة ثم هرعت الكثير من العوائل للحصول على المواد الغذائية المعلبة وقناني المياه الصحية التي وزعتها هذه القوات».

فيما تفاخر اهالي ام قصر بمقاومة قوات الاحتلال وإجباره على عدم دخول المدينة وإيقاف تقدمه لأكثر من عشرة أيام وتكبيده خسائر في جنوده وأسلحته اهتزت فيها قناعة قادة الحرب القائمة على استقبالهم بباقات الورد والتي اعترفوا بها فيما بعد.

واتهم كاظم سوادي، (مزارع) في استذكاره للأيام الأولى من الغزو الأميركي والبريطاني «إنها (القوات) ذبحت الزراعة المحمية بالمحافظة وأعادت رمال الصحراء الى آلاف المزارع المنتشرة في ضواحي صفوان والزبير وأم قصر». وفي محور تقدم القوات الاميركية، لم تكن حكاية اسر المجندة الأميركية الشقراء جيسيكا لينش وعملية تحريرها من الأسر التي جرت على شاكلة أفلام هوليوود إلا واحدة من الحكايات المثيرة التي يتندر بها أهالي مدينة الناصرية (220 كم) شمال البصرة بعد مرور خمسة أعوام على الحرب والتي فضحتها المجندة في استجوابها إمام الكونغرس الامريكي عقب فوز الديمقراطيين. لقد حول أهالي الناصرية عقدة المواصلات التي تتحكم فيها المدينة إلى مشكلة كبيرة أمام جيوش التحالف التي حاولت اجتيازها والشروع بالتقدم شمالا على محوري ناصرية كوت والناصرية السماوة، إلا أن المتطوعين من أبناء المدينة، حسب وقائع الأحداث، حرصوا على إعاقة تقدم القوات وتكبيدها خسائر غير متوقعة حتى باتت معارك الناصرية واحدة من أصعب المنازلات التي خاضتها القوات الاميركية، بحسب تصريحات القادة الميدانيين. ويقول حامد الشطري (صحفي)، «شهدت المدينة قتالا ضاريا استمر من 23 مارس (آذار) وحتى 29 منه، تمكنت قوات الاحتلال خلالها من تدمير العديد من مباني المدينة مثل مبنى البهو ومبنى البلدية ومدينة الملاهي إضافة لمقتل ما يقارب من 700 عراقي، وفيما تمكن أهالي المحافظة من الصمود وتأخير تقدم القوات باتجاه بغداد وتكبيده 22 قتيلا من جنود المارينز وجرح 150 جنديا آخر وأسر ما يقارب 11 جنديا، حسب بلاغات الجيش الاميركي». ويقول ستار طريف الازرقي (بزاز) «لقد أصيب جنود الاحتلال بالهستيريا لشدة المقاومة والتصدي لهم التي ربما أعدها قبل الاحتلال من المدن التي ستبارك وصولهم لكثرة المعارضين فيها للنظام السابق».