أفغانستان من الداخل (الحلقة الثالثة عشرة) ـ شرطي مرور أفغاني: الانتحاريون غيروا نمط السير وسط كابل

محمد نعيم لـ«الشرق الأوسط»: لا تسأل عن الغد.. ولكن المهم ألا تعود العمائمُ السوداءُ

TT

محمد نعيم ورداك، شرطي افغاني، مهمته تنظيم المرور في شارع شهرانو، ويعني «المدينة الجديدة» وسط العاصمة كابل؛ يعول 6 اطفال، مرتبه لا يتعدى 60 دولاراً شهرياً، يعمل بهمة ونشاط منذ السابعة صباحا وحتى الخامسة مساءً لا يكل ولا يمل بدون اشارات ضوئية، فقط صفارته وصوته الجهوري وتعليماته التي لا تقبل النقاش «تقدم او تأخر» وسط فوضى مرورية عارمة لا مثيل لها في أي مكان بالعالم، فشوارع العاصمة الافغانية عندما شقت كانت مهيأة لاستضافة 400 الف افغاني واليوم تستضيف العاصمة 4 ملايين مع زيادة هائلة في أعداد السيارات بسبب الطفرة الاقتصادية التي حلت على كابل بعد سقوط حركة طالبان الاصولية، وتوافد ممثلو المنظمات غير الحكومية وسيارات قوات التحالف التي تقطع الشوارعَ بسرعة كبيرة خوفاً من ترصد الانتحاريين لها. وفي الشارع، عدد من البنوك الحديثة؛ منها بنك كابل وعدد آخر من المتاجر والمولات والبوتيكات الحديثة، وشهرانو متقاطع مع الشارع السياحي «تشيكن» وشارع الزهور، ولا تهدأ فيه حركة السير منذ شروق الشمس وحتى المغيب». يقول الشرطي محمد نعيم في لقاء خاص عبر مترجم بشتوني أمام فندق صافي لاند: «لا تسأل عن الغد فهو في علم الله، أما الخوف الوحيد فهو من سيارات الانتحاريين التي لا تعرف الحق او الباطل، وبسببها يضيع الضحايا الابرياء». وقال انه يبتهل الى الله يوميا منذ ان يخرج من منزله ان يعيده الى اطفاله او أن يغفر له ويدخله الجنة اذا مات، «هذا كل ما أستطيع فعله. الجميع خائفون على ما أعتقد من التفجيرات او عودة العمائم السوداء في اشارة الى طالبان». ويقول ورداك إن سلسلة التفجيرات التي قامت بها طالبان واستهدفت قوافل عسكرية أجنبية غيرت من نمط المرور في كابل لأن معظم السائقين يحاولون اليوم تفادي وسط المدينة بالسير في شوارع جانبية بعيدا عن قوافل السيارات الاجنبية التي باتت هدفا للانتحاريين. ويضيف ان ربكة المرور تحدث عندما تمر افواج سيارات القوافل الاجنبية فيوقف السائقون سياراتهم فجأة في عرض الطريق أو يغيروا طريقهم عندما يروا الجنود بسبب الخوف من المهاجمين الانتحاريين. ويلجأ السائقون حاليا إلى الإبطاء أو الخروج عن أيِّ طريق لتفادي القوافل العسكرية خشية أن يسقطوا ضحايا لأي هجوم تنفذه حركة طالبان. وخلال الاسابيع الماضية، شهدت العاصمة كابل ثلاثة تفجيرات؛ احدها داخل فندق سيرينا الفخم ثم تفجير انتحاري على طريق المطار، وآخر أمام فندق اريانا الذي لا يبعد عن القصر الجمهوري سوى بضعة امتار. ورداك مثل العشرات غيره من المواطنين الافغان الذين التقتهم «الشرق الاوسط» بعد مرور 6 أعوام من سقوط طالبان يؤكدون أن الغرب لم يحقق ما وعد به من تنمية وازدهار لأفغانستان.

وإضافة لتدهور الأمن والنظام في البلاد، فإن الفساد يعد سبباً آخرَ لمعاناة الأفغان. ويقول ورداك «أفراد الحكومة الذين لا يفكرون إلا في ملء جيوبهم هم السبب وراء انتشار الفساد في البلاد». وآخرون يلقون باللوم على قوات الاحتلال التي بنوا عليها آمالهم في الازدهار. وقتل نحو 4 آلاف، ربعهم تقريبا من المدنيين، في معارك العام الماضي، وهو أكثر الأعوام دموية منذ إطاحة حكومة طالبان عام 2001. وشنت الولايات المتحدة حربها ضد أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 لإسقاط نظام طالبان وحلفائه من تنظيم «القاعدة». و«إيساف» المنتشرة منذ ديسمبر(كانون الأول) 2001 في أفغانستان، تحولت إلى قيادة حلف الناتو عام 2003، وتولت عقب ذلك السيطرة على مناطق الشمال ثم الغرب، ثم الجنوب الذي يعد المنطقة الأكثر إضطراباً، والتي يتمركز فيها بكثافة مقاتلو طالبان. ويأتي الارتفاع في وتيرة هذه الهجمات، فيما تشهد أفغانستان أكثر مراحل العنف دموية منذ عام 2001.