الوثائق السرية البريطانية ـ 1977 عام الســادات العاصف ـ لسفارة لندن في واشنطن رؤية أخرى : السادات لعب بذكاء وألقى بالضغوط على بعض الدول العربية

السفير ويلي موريس دخل طائعا حقل الألغام وتساءل: مَنْ يحكم مصر؟ * قدم صورةعن الرئيس المصري أنور السادات

أنور السادات وسيد مرعي وممدوح سالم
TT

* وثيقة رقم : 19 - التاريخ : 21 يناير 1977

* من : لآر . جي .ميوير / السفارة، واشنطن.

الى : تي . كوينلان، الخارجية، لندن، سري للغاية.

الموضوع: مظاهرات مصر 1/ ربما تجد ما يهم في المذكرة المرفقة من اللورد بريدجز وهي تحصي انطباعات بوب هورماتس عن سبب المشاكل الأخيرة في مصر.

2/ هورماتس هو مدير الشؤون الاقتصادية العالمية بـNCS، وهو محيط بالمعاملات المالية بين الأميركيين وصندوق النقد الدولي وبين المصريين، ولكنه ليس خبيرا في الشؤون المصرية كما لاحظ ذلك اللورد بريجز، كما انه لم يضطلع بتقارير استخباراتية ولم يقابل أحدا من الخارجية الأميركية. * توقيع : آر . ميوير السفارة – واشنطن

* وثيقة رقم : 19

* التاريخ : 21 يناير 1977

* من : اللورد بريدجز ، واشنطن .

الى : مستر ميوير، السفارة واشنطن ، سري .

الموضوع : أحداث الشغب بالقاهرة 1/ الآتي انطباعات أدلى بها مستر هورماتس حول الأحداث الأخيرة في مصر، وربما يكون فيها ما يهم.

2/ يقول هورماتس إن الأميركيين اقترحوا على المصريين منذ وقت مضى أن عليهم تغيير بعض الأسعار بما فيها بعض السلع الغذائية الأساسية كجزء من مشوار الطريق للخروج من المشاكل الاقتصادية المصرية. والمصريون قالوا إن هذه الشاكلة من الخطوات مستحيلة جدا عليهم لأنها ستثير اضطرابات واسعة.

3/ رأيه الشخصي (ولا يبدو أنه مبني على رأي المخابرات الأميركية) بأن السادات يلعب لعبة ذكية. فبالتخطيط لزيادة الأسعار ثم سحبها يلقي بالضغوط على الدول العربية التي والى حد كبير لم تقدم له الدعم الاقتصادي الذي يريده، هناك بالطبع التوازن الداخلي بين السادات والمؤسسة العسكرية. ومستر هورماتس الذي التقى السادات في أكثر من مناسبة، يملك فكرة عالية عن لباقة السادات السياسية والاجتماعية. وهو متأكد جدا أن في هذه الأحداث ما هو أكثر من مجرد ما يصل الى العين من ومضتها الأولى.

4/ قلت إن هذا مثير للاهتمام في ضوء تعليق قرأته للسفير بالقاهرة بأن الجماهير التي أثارت الشغب ربما كانت أكثر غضبا من العرب أكثر من غضبهم من حكومتهم. قال هورماتس إن ذلك مثير لاهتمامه أيضا، وهو لم ير بعد أية تقارير من السفارة الأميركية بالقاهرة.

* توقيع اللورد بريدجز ـ واشنطن

* وثيقة رقم : 2 ـ77

* التاريخ : 16 يوليو 1977

*من : ويلي موريس، السفير ـ القاهرة.

الى : وزير الخارجية، لندن، سري للغاية.

الموضوع : من يحكم مصر ؟

سيدي :

1 ـ أجاز مجلس الشعب قانون الأحزاب السياسية، وأعيدت هيكلة الاتحاد الاشتراكي العربي، ولم تتبق منه غير ابتسامة قطة تشيشر (التعبير المستخدم Cheshire Cat The surviving grind of وهي قصة للبروفيسور البريطاني لويس كارول، وتشيشر ضاحية قرب ليفربول يعيش فيها الأثرياء والإيضاح من «الشرق الأوسط»). وذلك يكمل مرحلة التحول الدستوري الذي بدأ ببرنامج 1973، وتطور الى ما سمي بالنظام البرلماني للتعددية الحزبية. ويمكن القول إنه وفيما عدا صدمة أحداث شغب يناير، فقد سمح لحرية التعبير داخل وخارج مجلس الشعب أن تتقدم لجهة نظام برلماني ديمقراطي أكثر جدية، وبمرور الوقت فقد تفرز المؤسسة الحالية إرادة من صنعها.

ولكن قانون الأحزاب، وبرغم بعض التعديلات التي أجريت خلال مسار العملية، يكشف عن نية من جانب الحكومة لتحديد الديمقراطية البرلمانية على شكلها الحالي تقريبا، فهي تضمن حقا مرسوما بعناية لتنظيم أحزاب سياسية إضافية في ذات الوقت الذي تؤكد فيه أنها ستعيش ما يقترب من الغرق من حزب الأغلبية الحكومي الذي حل محل الاتحاد الاشتراكي العربي الحزب الأوحد القديم. والى حد ما، فهذه التغييرات قللت شعبية الحكومة أكثر مما أحدثت توسعا في قاعدتها، لأن حزب الحكومة لم يتسلم بعد ولم يخلق لنفسه جديدا لجهة مؤسسات تبقيه على صلة بجذور الرأي العام بالشكل الذي كانت تملكه مؤسسات الاتحاد الاشتراكي العربي بين يديها والتي تم تفكيكها الآن.

2 ـ كتبنا بصورة منفصلة عن تفاصيل القانون الجديد، والنقطة الأساسية الجديرة بالملاحظة هي أن مصر محاطة بكمية معقولة من الحرية الفردية وقدر محدود من التعبير السياسي عبر مجلس منتخب يملك القليل الرسمي وبلا سيطرة عملية على ممارسة السلطة. وسأحاول في هذه الرسالة أن أصف بعض الذين سيمارسون عمليا السلطة، والشخصيات التي تصنع القرارات.

3 ـ مجلس الوزراء كبير (حوالي 34 في عدده) ولكنهم في الغالب فنيون، وليس لديهم كلمة كمجلس في قضايا السياسة الكبرى، بل إن اثنين من نواب رئيس الوزراء الخمسة، وهما حافظ غانم الذي عايش الوزارات الاجتماعية، وأحمد سلطان وزير البترول، بعيدان حتى عن هوامش المجموعة الداخلية. والمجموعة الحاكمة صغيرة، وتتكون من الرئيس ونائب الرئيس ورئيس مجلس الشعب ورئيس الوزراء، ونائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، والشؤون الخارجية، والشؤون الاقتصادية والسكرتير الأول للاتحاد الاشتراكي العربي. وهناك شخص أو شخصان على هامش هذه المجموعة وسأتعرض لهما لاحقا.

4 ـ الرئيس لا يزال الى حد كبير قائد هذه المجموعة، وهو يتخذ القرارات الأساسية، ويقدم الحصة الكبرى من البيانات والتصريحات الكبرى في السياسة، وفي الغالب، وكما أتهم، من دون كثير، أو قل لا وجود، استشارة مع بقية المجموعة. وهو يبقي بقبضة حديدية على السياسة الخارجية عامة، وعلى كل مجالات الصراع العربي الإسرائيلي بصورة خاصة، ويولي اهتماما مباشرا لكل قضايا الأمن بدءا من قضايا الدفاع الأساسية ونهاية بشؤون الأمن الداخلي. وإنه هو الذي يصنع ميدان ونبرة النشاط السياسي الداخلي، محددا أي قدر من الحرية يمكن السماح به للتنظيمات السياسية والصحافة والآخرين، فيما يقحم نفسه بصورة أقل في الشؤون الاقتصادية. وربما تنطلق أو تنبع قناعاته بسياسة الباب المفتوح الاقتصادية بقدر كبير من حسابات سياسية واقتصادية. ولكن تصريحاته العامة في الشؤون الاقتصادية في الغالب الأعم صبيانية وتشكل إثارة لزملائه، وتلك نتيجة يسهم فيها عاملان هما: فقدان الاهتمام بالاقتصاد، والفهم له. وهناك ميل لترك الشؤون الاقتصادية للمجلس، وهو جسم ذو أهمية قليلة خلافا لما لدينا، ولكن، وواقعيا، فتصريحات الرئيس، التي عادة ما يقول بها في جولاته خارج القاهرة، ومثلا، قوله :(النفق الأول تحت قناة السويس سيكتمل خلال 12 شهرا)، أو قوله: (ستأخذ مسألة تنمية الصحراء الغربية أسبقية)، هي تصريحات لا يمكن تجاهلها من قبل المديرين الاقتصاديين وتعقد مهامهم.

5 ـ الرئيس السادات لا يبدو قويا وواثقا كما كان يبدو قبل عام . وليس للأمر دخل بأن صحته الآن موضع تساؤل، فلم يصب بنوبات قلب أخرى، ولم يعلق أحد ممن التقوه أخيرا بصورة سلبية عن حالته البدنية، ومن جانبي، فكلما رأيته، أبدى ثقة وروحا معنوية عالية، ولكن هذا هو وجهه العام، وقد تركت أحداث يناير أثرها عليه، وربما يكون على اهتمام كبير بمسألة أن قوات الأمن لم تظهر كلها بصورة جيدة، وقد ظلت أحداث يناير خطا في خطاباته، فيما ظل رد فعله خشنا أو قاسيا، فلا بد من التعامل مع مثيري الشغب، بل ان ذلك قد حدث كما قال هو أخيرا. والأحداث الإرهابية الأخيرة من جماعة إسلامية متطرفة هي (التكفير والهجرة) سقطة جديدة، رغم أنها ليست بجدية ومخاطر أحداث يناير، ولكن العرض مستمر فيما لا يوجد مشهد بوقائع ناجحة لإظهار أن التفوق الفني لا يزال هناك ليحافظ على شخصيته كما كانت عليه حالها .

6 ـ في الأسابيع الأخيرة، وضع تنصل الرئيس علنا من جهود وزير خارجيته لتطبيع العلاقات مع الاتحاد السوفيتي، في الفضاء المفتوح، بعض الضغوط على القيادة في الشؤون الخارجية. وتخطي إسماعيل فهمي كان أكثر بروزا مما هو معتاد، لأن شخصيتين قياديتين أخريين، على الأقل، وإشارتي لسيد مرعي والجمسي، تشاركان، ومن دوافع مختلفة، شعورا واسع الانتشار، بأن مناهضة السادات على أساس عاطفي للسوفيات مضت بعيدا وأضرت بالمصالح المصرية. ووجه العملة الآخر لهذا أن السادات عبر علنا، ونادرا ما امتلك المبرر، عن تفاؤل (على عكس الحذر، وعلى سبيل المثال، الذي أبداه الأسد) بأن الرئيس كارتر سيقدم تسوية لقضية الشرق الأوسط. 7 ـ يضع بعض الذي جاء ذكره أعلاه لونا على صورة الرئيس السادات، والتي اتجهت صحيفتان غربيتان لتلوينها، وقد جاء من يحيطني بالانطباع الذي قدمه جوناثان ديمبلبي في برنامج تلفزيوني أخيرا عن مصر.

8 ـ سيد مرعي، رئيس مجلس الشعب: هو شخصية تثير قدرا من الاهتمام. فقد كان هناك دليل واضح بعد أحداث يناير مباشرة أنه يبحث عن وظيفة عالمية تبعده عن السياسة المصرية لبعض الوقت. ولكن الآن، ومن الواضح بنفس القدر، أنه استبعد أي أفكار من هذا النوع سبق أن حملها. وهو لا يثير انطباعا لدى من يلتقون به صدفة، ولكن لا جدال في أنه شخصية لها وزنها في السياسة المصرية ولا يقلل من ذلك الحكم حتى منتقدوه، وقد ظل جزءا من المشهد السياسي حتى من قبل ثورة 1952، وتجربته هائلة، فهو مهندس مدرب، وكان عبر مظاهر كثيرة وزيرا فعالا للزراعة لحقبة امتدت خمسة عشر عاما، ونفذ عمليات الإصلاح الزراعي، وبرغم عدم شعبيته مع إنسان الشارع الذي سيرد ذكره لاحقا يبدو أنه يملك تبعية سياسية بارزة. وهو يمثل دوائر الريف أو على الأقل الجزء الغني منها. وقد ظل ناجحا بصورة واضحة في الإبقاء على خطوطه مفتوحة مع الجميع وبلا استثناء، وقد أدهشتني الوتيرة التي يشارك بها في الأحداث الاجتماعية سواء في منزل هيكل، أكبر المنتقدين للسادات، أو في المكان الذي يكون فيه هيكل موجودا، وبالصداقة الظاهرة بين الرجلين. وهو يقابل بصورة منتظمة مجموعات من طلاب الجامعات ويولي اهتماما بتنظيم الرحلات الخارجية لهم في العطلات الطويلة. وقد تم استخدامه أكثر من مرة كمحاور مع الفلسطينيين، ويبدو أن له روابط مع دول أوروبا الشرقية، وله ومن موقعه في مجلس الشعب معرفة واسعة بمعظم الشخصيات السياسية التي يقام لها حساب في مصر .

9 ـ هو، الى جانب الرئيس السادات ، أحد الأهداف الشخصية المحددة التي كانت عرضة للذم خلال مظاهرات يناير، وشاعت قصص كثيرة، حول ثروته. وتبدو أفضل قصص برهانا متعلقة بحصوله على شركات أميركية تشارك ابنه، ولكني أخبرت أن أيا من هذه الشراكات لم تزدهر، ويبدو، وعلى وجه الخصوص، أن طريقته وتعامله المصحوب بالغرور وأسلوبه الحزبي هي التي رفعت الغضب منه، ولا دليل على أنه ينوي تغييرها، ومع ذلك فهو يبقى على اتصال مع الشخصيات السياسية في اليسار. وإبنه متزوج من إحدى بنات الرئيس، وهما مجموعة اسرية لحد كبير، وأتخيل أن الرئيس يستمع له أكثر من أي إنسان آخر، وقد قال لي إن أمرا صادرا بأن لا يكون هو والرئيس خارج البلاد في وقت واحد. ومع ذلك، ففي عدد من القضايا الكبيرة، بما فيها تأسيس الأحزاب السياسية والعلاقة مع الاتحاد السوفياتي، أظن أن الرئيس قد تصرف ضد وجهات نظر مرعي التي يحملها بقوة .

10 ـ رئيس الوزراء ممدوح سالم يترك فيك انطباعا فقيرا، سيدي، وذلك هو شأنه تحديدا مع كل الزوار الأجانب. ولا جدال في قدرته على العمل الشاق، فيما يسود الاعتقاد لدى الجميع بأن ولاءه للرئيس لا يهتز، ولكن فهمه للسياسة يبدو محدودا، وهو يخلق لديك الانطباع أكثر فأكثر عن موظف الدولة الذي تأخذ كل وقته المناسبات الرسمية. وقد فقد موقعه السابق كرأس للشؤون الاقتصادية معظم أهميته مع بروز القيسوني كمفكر اقتصادي رئيسي ومستقطب الأموال. وقيمة ممدوح سالم الباقية أو المستمرة تنبع من خبرته الطويلة في التعامل مع قضايا الأمن. ولكن معالجته لأحداث يناير تركت علامة استفهام حول قدراته في هذا المجال، وقد تلقى النقد علنا من قبل الأعضاء الآخرين في الدائرة الحاكمة على عدم نشره لقوات الأمن بصورة عاجلة وقوية، وهناك توقعات كبيرة بأنه سيفقد منصبه. والطرح المسموع عامة بصورة أكثر أن الرئيس السادات قرر اتخاذ هذه الخطوة بعد أحداث يناير، ولكنه ينتظر اللحظة التي تتيح له اتخاذ القرار بصورة تراعي الاحترام. وعلى عكس ذلك، أحاطني سياسي يساري بارز أخيرا بأن النماذج السياسية الأخيرة أشارت الى أنه وحينما يصبح أحد مستشاري الرئيس مؤثرا جدا فلا بدّ أن يرحل. وممدوح سالم، وبسبب دوره في حقل الأمن الداخلي وقيادته لحزب الوسط، هو الآن في تلك الوضعية.

أنا لا أرى أن ممدوح سالم يميل الى ممارسة أي سلطة يملكها ضد الرئيس، بل على العكس. ولكني، وبنفس القدر، لن أندهش إذا اختفى من المشهد السياسي خلال هذا العام. ويبدو هذا احتمالا كبيرا بقراءته مع فشله الأخير في مجال الأمن العام، ومنذ فبراير هو يملك سلطات وزير الداخلية في قبضة يديه.