عراقيون لم يشاركوا في إسقاط التمثال خشية عودة صدام.. وآخرون سارعوا لـ«الحوسمة»

«الشرق الاوسط» تابعت الحدث من داخل العراق

TT

قبل يومين فقط من سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وبالضبط في السابع من ابريل (نيسان) 2003، حيث كان أعضاء حزب البعث يخططون للاحتفال بذكرى تأسيس حزبهم، وكان من المفترض ان يحتفلوا بعد ثلاثة أسابيع بالضبط، أي في 28 ابريل بعيد ميلاد صدام حسين الـ 66، ظهر على شاشات التلفزيون في العالم محمد سعيد الصحاف آخر وزير اعلام في العراق وهو يكذب الاخبار التي تحدثت عن دخول القوات الاميركية الى بغداد، بينما كنا نرى في خلفية المشهد رتلا من الدبابات والعربات المدرعة الاميركية وهي تحث سيرها نحو ساحة التحرير في قلب العاصمة العراقية. بعد قليل سينبه احد الحاضرين الصحاف بوجود الدبابات الاميركية خلف ظهره، استدار الصحاف وتسلل الى سيارة بيك آب بيضاء (تويوتا) ولف وجهه ورأسه بكوفية حمراء وقال للشخص الذي كان وراء المقود «يلله امشي»، سأله مرافقه، الى اين؟ لم يجب الصحاف ولم يحرك حتى رأسه، عندها قاده الى بيته، ولم يظهر بعدها وهو في العراق.

كنا وقتذاك في مدينة النجف التي اعتبرت اول مدينة عراقية تتحرر من سيطرة نظام صدام حسين، دخلت النجف كأول صحافي عربي يدخل العراق مراسلا لـ«الشرق الاوسط» بداية شهر ابريل (نيسان) حيث كان ما يزال النظام السابق يسيطر على البلد. يوم التاسع من ابريل 2003، وبينما كان جندي اميركي يلف حبلا حديديا حول رقبة تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في قلب بغداد، جانب الرصافة، معلنا نهاية نظام استمر في حكم العراق 35 سنة كان الوضع مختلفا في النجف. في ساحة ثورة العشرين في النجف، وجه جندي أميركي سبطانة مدفع دباباته نحو تمثال برونزي لصدام حسين وهو يمتطي صهوة حصان ويبدو كفارس عربي قديم، اطلق الاميركي قنبلة من سبطانة مدفع الدبابة وأحال التمثال الى قطع نحاسية تناثرت مع قطع الحديد فوق اسفلت الشارع العام. حدث ذلك قبل ان تحطم القوات الاميركية تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد.

على العكس مما حدث في بغداد حيث اسقطت الجماهير تماثيل الرئيس السابق، فان اهالي النجف بقوا متفرجين ومترددين من الاقتراب حتى من القطع البرونزية المتناثرة في الشارع، سألنا احد الشباب عن سبب عدم مشاركتهم في إسقاط التمثال، قال «لقد صدرت فتوى بتحريم المساس بالمال العام، وهذا النحاس يعد مالا عاما، ثم كيف لنا ان نتأكد بان صدام حسين انتهى»، ولما قيل له أن صدام حسين اختفى من بغداد مع اركان قيادته وان العراقيين يسقطون الآن تماثيله في العاصمة. زم شفتيه في حركة تنم عن الشك ثم استطرد قائلا «لقد قالوا لنا ذلك عام 1991 وقمنا بالانتفاضة ثم سمح له الاميركان بالهجوم علينا وقتل الحرس الجمهوري الآلاف من اهالي النجف وكربلاء والحلة والبصرة، نحن لا نثق بالاميركان لأنهم مع صدام وهم أخفوه اليوم خوفا عليه وسوف يطلقون سراحه فيما بعد ليذبحنا».

فجأة تحول العراق الى ما اطلق عليه وقتذاك، اكبر مهرجان للتسوق المجاني، هجم أبناء البلد الذين كانوا في انتظار الحرية على مؤسسات ومتاحف بلدهم ونهبوا ضمن حملة اطلقوا عليها تسمية «الحواسم»، ونادرا ما شاهدت في النجف أي شخص لا يحمل بيده كرسيا او تلفزيونا او جهاز تبريد او طاولة وقد سرقها من مكاتب الحكومة.

على شاشة التلفزيون وعبر احدى الفضائيات ظهر شاب عراقي في الرابعة والعشرين من عمره وهو يحمل بيده اليسرى بعض المسروقات، بينما حمل بيده اليمنى سكين مطبخ كبيرة وهو يصرخ بصوت عال, قائلا وهو يلوح بالسكين «اني اليوم حر، اني بكيفي، اسرق واقتل، اني اليوم صرت أمريكي»، بينما كانت خلفية هذا المشهد أعداد كبيرة من العراقيين، بينهم نساء، يركضون وهم يحملون بعض ما نهبوه, او (حوسموه)».

شاب آخر اعترف بأنه كان ينام في حدائق فندق المنصور ميليا متخفيا في انتظار هذه الساعة ليسرق من الفندق او من بناية وزارة الاعلام المقابلة للفندق ما يريد، والى جانبه ظهر فجأة فتى في السادسة عشرة من عمره، يبدو أنه اقحم وجهه في كادر الكاميرا عنوة وهو يضع على رأسه قبعة سوداء من الطراز الغربي، وصرخ قائلا «والله هذه القبعة وجواز السفر مال طارق عزيز».

حدث ذلك بينما كان رجل عراقي كبير في السن يمسك بصورة لصدام حسين ويضربها بقوة وهو يصرخ قائلا «هذا الذي قتل اولادنا، هذا الذي دمر حياتنا، هذا الذي سرق أحلامنا» كان هذا الرجل ابو تحسين الذي لم يمد يده على أي من ممتلكات القصر الذي كان الآخرون ينهبون محتوياته.