الأسد: شارون يسعى إلى الحرب بشكل واضح ومعلن

قال لـ«دير شبيغل» الألمانية: لا تستطيع أي مقاومة في أي بلد أن تقوم من خلال دعم الدول الأخرى

TT

اجرت مجلة «دير شبيغل» الالمانية لقاء مع الرئيس السوري بشار الاسد قبل زيارته المقررة الى المانيا، تناولت فيه موقف سورية من حكومة شارون والعلاقة مع «حزب الله» اللبناني وتقييمه لاهداف اسرائيل في هذه المرحلة. وفي ما يلي نص الحوار:

* السؤال الملح الذي يشغل ويقلق العالم هو احتمال اندلاع الحرب في منطقة الشرق الاوسط. ما رأيكم؟

ـ هذه النظرة ليست مرتبطة بهذه الايام او بهذه السنة بالذات او بهذا الوقت عموما. عندما تتكلم عن الحرب فالحرب مرتبطة بشيء اسمه العدوان، اي ان هناك معتديا ومعتدى عليه وهذا يحدث في اي مكان في العالم. ومنطقتنا تعيش هذه الحالة منذ اواخر الاربعينات، تزداد هذه الصورة او تنقص او يزداد هذا الاحتمال او ينقص، احيانا يزداد بشكل وهمي، لكن الاحتمال يبقى قائما دائما.

* سيادة الرئيس، ألا تعتقدون ان التصادم الذي حصل مؤخرا بين آرييل شارون وياسر عرفات هو الذي ادى الى هذه الحالة الاستثنائية وغير الواقعية؟

ـ هذا ما كنت اقوله، اي ان الاحتمالات تزداد احيانا وتنقص. تزداد عندما يزداد العدوان، شارون هو الذي اعتدى على المسجد الاقصى وليس الفلسطينيين. هو الذي تحدى مشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين عامة، طبعا هذا زاد من احتمال الاضطراب وبالتالي الحرب. لكن، تبقى هذه النقطة، اي الحرب، رهنا بدور الاطراف المعنية في المنطقة.

* هل تعتقدون ان شارون لا يريد السلام؟

ـ مما لا شك فيه ان شارون وحكومته يسعيان الى الحرب بشكل واضح ومعلن. وهم يصرحون بذلك. وهذه ليست مجرد توقعات.

* تقولون ان شارون يسعى باتجاه الحرب لكن ما الذي يجنيه شارون من هذا المسعى؟

ـ هذا هو التساؤل العقلاني الذي يجب ان يطرح. من له مصلحة بالحرب؟ انت تسأل سؤالا نفكر به نحن العرب دائما. ليست لاحد مصلحة بالحرب. السلام هو ايديولوجيا سورية وليس مجرد عمل سياسي. لو عدت الى تاريخ سورية لمئات وآلاف السنين ستجد انه ليس تاريخ عدوان. وبالتالي اليوم الصراع الحقيقي بيننا وبين الاسرائيليين هو من يشعل الحرب ومن يمنع الحرب.

* هل تسمح سيادة الرئيس ان نحدد الموضوع بشكل منهجي: بعد مجيء شارون الى السلطة حدث مرتين ان جرت اعتداءات على سورية، يقوم شارون بهجومه هذا وحسبما يدعي لان سورية بوجود قواتها البالغة عشرين الف جندي في لبنان مسؤولة ضمنا عن الهجمات التي تقوم بها اطراف مثل حزب الله ضد اسرائيل. السؤال المطروح.. الى متى يمكن الاستمرار بهذه الحالة وما هو رد الفعل تجاه الواقع الجديد؟

ـ انا سعيد ان ندخل بالتفاصيل. وبما أنك تحب الحديث المنهجي فلا بد ان يكون الجواب ايضا كذلك.

السؤال الذي يجب ان يطرح اولا: ماذا يقصد شارون بمسؤولية سورية عن هجمات حزب الله؟ هل يعني ان سورية هي التي تقوم بالعمليات برجالها واسلحتها؟ هل تقدم سلاحا الى حزب الله؟ هل تعطيه اموالا؟ هل من واجبها ان تمنع حزب الله من القيام بعمليات المقاومة؟ عليه هو ان يوضح ما المقصود بالمسؤولية.

نحن لدينا موقف واضح ومعلن، نحن لا ندعم حزب الله كحزب، فهو يمثل قضية لبنانية ونحن ندعم هذه القضية. هناك اراض محتلة في لبنان، ونحن مع لبنان في استعادة تلك الاراضي. حزب الله لم يكن قادرا على فعل ما فعله خلال 18 عاما لولا دعم الشعب اللبناني له. لا تستطيع اي مقاومة في اي بلد ان تقوم من خلال دعم الدول الاخرى، بمعزل عن دعم شعبها. فاذن سورية لا تدعم الحزب بشكل مادي، لكننا نعلن بشكل واضح ان القضية هي قضية حق وبالتالي نحن نقف مع هذه القضية.

* ولكن.. سيادة الرئيس.. السؤال يطرح نفسه حتى في المحافل الاوروبية، كيف يمكن لحزب الله مع وجود اكثر من عشرين الف جندي سوري في لبنان ان يقوم بعمليات عسكرية من دون ان يكون لسورية اي تأثير او اي معرفة او ما شابه ذلك؟ نتيجة لهذا قد يتراءى للذهن ان هناك لعبة مزدوجة في القضية.

ـ بداية.. سورية غير موجودة في الجنوب.. ثم.. انا اريد ان اسألك سؤالا مقابلا: كيف كان حزب الله يستطيع ان يعمل في الجنوب؟ ان يقوم باجراء عمليات مقاومة واسرائيل موجودة في الجنوب وتضع كل امكانياتها لمعرفة ما يجري من دون ان تتمكن من رصد اي عملية؟

* لان الحزب له شكل ميليشيا والميليشيا تقوم بعمليات عسكرية تضرب وتنسحب.

ـ لكن المقاومة تعيش في البيوت وفي المنازل هذا اولا.

* بمعنى ان الجيش السوري لا يستطيع ان يعيقهم عن ذلك..

ـ انا اريد ان اصل الى هذه النقطة. ليست مهمة الجيش السوري ان يمنعهم. طرح سؤالك بهذه الطريقة يفهم منه ان الجيش السوري مهمته منع هؤلاء لكنه لا يفعل. بالاساس سورية مقتنعة بأن حزب الله يقوم بالعمل الصحيح وهو المقاومة لاسترداد الارض.. لكننا نقول دائما اننا لا نقود عمليات حزب الله. نحن لا نأخذ القرار بهذه المواضيع، حزب الله هو الذي يأخذه، وليست لنا مسؤولية عن اي عملية يقوم بها، هو مقاومة لبنانية، لكننا نقف معهم سياسيا ومعنويا، وهم ليسوا بحاجة لدعمنا المادي.

* ولكن هناك سيادة الرئيس ضربات توجه الى الجيش السوري في لبنان؟

ـ هل هذه مسؤولية سورية ام مسؤولية اسرائيل وما هو الربط؟ اسرائيل تريد ان تربط لانها تبحث عن حجة. اما انت فهل لديك اي ربط بين الموضوعين؟

* كما شرحتم، كلا، ليس لدي اي ربط. لكن اسمح لي ان اطرح سؤالا آخر؟ ما هو هدف شارون من هذه العملية؟، شارون العسكري سابقا يعرف انه ليس من المصلحة ان تستثار او تستجر سورية الى حرب، وانما يريد ان يقوم بعملية من نوع ابقاء الحالة مستمرة، من نوع ابقاء التوتر في المنطقة.

ـ شارون عندما كان عسكريا يختلف عن شارون السياسي الآن. عندما كان عسكريا كان يسعى لتوسيع بقعة الارض المخططة اساسا للعمليات من قبل غيره. اما من موقعه الحالي فهو يخطط لحرب اكثر شمولية واتساعا. لماذا؟ لانه يعاني اليوم من مأزق داخل اسرائيل. ما هو الاساس الذي وصل من خلاله شارون الى رئاسة الحكومة؟ شارون منذ سنوات كان ينظر اليه على انه عسكري ذو تاريخ اسود ولكنه وصل الى رئاسة الحكومة بناء على نظرية الامن من خلال القوة. وطرح خطة المائة يوم وكان يقول للاسرائيليين انه خلال مائة يوم سوف يضرب الفلسطينيين وسوف يحقق الامن والسلام بالقوة. وعندما فشل في ذلك سعى لتصدير المشكلة الى الخارج.

* سيدي نبقى في موضوع السياق التاريخي.

قبل مجيئ شارون الى السلطة كان هناك باراك وكادت الامور مع الرئيس الراحل تصل الى هدفها، اليس كذلك؟ الى اي مدى وصل التقارب آنذاك وأين فشل ذلك التقارب؟

ـ في الواقع ما نتكلم عنه حصل ايام رابين، وليس ايام باراك. ايام باراك حصل شيء مختلف. كانت هناك جولتان من المفاوضات في شيبردزتاون في الولايات المتحدة. وفي كلتا الجولتين، كان الموقف السوري واضحا، هو متابعة المفاوضات بناء على قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن ومرجعية مدريد. وعندما نقول مرجعية مدريد نعني مبدأ الارض مقابل السلام.

الارض في عملية السلام غير قابلة للنقاش، لان هناك قرارات دولية تنص على حقنا واستعادتنا لها.

باراك لم يكن قادرا على ان يقول انه سوف يعيد الارض الى سورية. الآن هل كان هذا مناورة ام انه ضعف داخلي. هذا موضوع لن ندخل في تحليله.

* هل كان الخلاف حول مائة أو مائتي متر؟

ـ الطرح الاسرائيلي كان الاحتفاظ بشريط من الارض السورية وهذا طبعا مرفوض، لكن هناك اشياء اخرى هامة ايضا. اساس العملية مبدأ الارض مقابل السلام. دعني اوضح لك هيكلة عملية السلام. هناك فرق بين سلام وعملية سلام. عملية السلام هي العنوان الرئيسي ولها عنصران: الارض والسلام. والارض هي عنصر واحد متكامل، حدوده واضحة بالنسبة لنا وللمجتمع الدولي وموثق لدى الامم المتحدة وهذا عنصر غير قابل للنقاش، السلام هو مجموعة عناصر منها المياه والعلاقات والامن ومواضيع اخرى، وهي خاضعة للتفاوض بعد حسم موضوع عودة الارض كاملة. بالاساس اراد باراك ان يناقش عناصر السلام ورفض ان يناقش موضوع الارض.

لو عدنا لهذه المائة متر التي تتكلم عنها، عندما سئل الاسرائيليون ماذا تريدون من هذه المائة متر؟ وضعوا حججا مختلفة، اول حجة كانت ضرورة المائة متر لمنع سورية من استخدام مياه البحيرة. هذه حجة واهية فبحيرة طبريا منخفضة مائتي متر تحت سطح البحر بينما اعلى مكان في الجولان يرتفع الفين وثمانمائة متر فوق سطح البحر. وبالتالي فالبحيرة ليست نبعا، بل هي مستودع مياه. اربعون في المائة من مياه هذه البحيرة تأتي من الجولان. وبالتالي ليس من الضروري ان تصل الى البحيرة لكي تحصل على المياه، فهذه المياه تأتي اصلا من اراضينا. ثم هل من المعقول ان تأخذ المياه من البحيرة المنخفضة لكي تسقي بها الاراضي المرتفعة في هضبة الجولان بينما هذه المياه تأتي اصلا منها؟

الحجة الثانية التي طرحوها قالوا مائة متر من اجل الامن ولم نر ما هو تفسير المائة متر هذه، هي لا تحميك حتى من البندقية. كل هذا افشل المفاوضات.

* سيادة الرئيس هل يعتقد الانسان انه من الممكن التوصل الى سلام مع هؤلاء الناس أو أن على العالم ان ينتظر؟

ـ بما ان السلام يعتمد على اكثر من طرف فلا بد من ان تتوفر الرغبة في السلام لدى جميع الاطراف.

بالنسبة لنا نحن لم نغير موقفنا، نحن نريد السلام ولنا مصلحة في السلام. انت تكلمت منذ قليل عن ضرب شارون مرتين خلال اشهر قليلة لمواقع سورية في لبنان. ونحن نعرف ان الاسرائيليين يعرفون ان حزب الله يتخذ قراراته بشأن العمليات بشكل مستقل. لكن بعد فشل خطة المائة يوم التي وعد بها شارون، فانه يسعى الى دفع المنطقة الى الحرب، وهذا بشكل مجرد بغض النظر عن دور المجتمع الدولي.

اذا قلنا نعم، على العالم ان ينتظر، فاذا المجتمع الدولي غير موجود. وبالتالي تكون قرارات مجلس الامن قد فقدت قيمتها، وطبعا كانما كل الدول المعنية، سواء المجموعة الاوروبية او الولايات المتحدة لم يعد لها اي دور في ما يجري في العالم. اذا قلنا العالم يريد ان ينتظر فاذاً العالم لا يريد ان يكون هناك حل.

هنا سؤال هام جدا. هل هذه الدول مستعدة لكي تكون فاعلة، ام هي مجرد دول تأخذ دور الناطق الرسمي فقط، وتبحث عن سلام المصطلحات الذي هو غير موجود على الارض.

* انه كلام لا يناسب ان يطرح امام السيد الرئيس الذي خلف الرئيس الكبير ولكننا مضطرون لطرحه.. هل المقصود هو نوع من الفحص او الاختبار، كيف يتصرف الرئيس تجاه موضوع الحرب؟

ـ بكل بساطة وكما قلت، ما دامت الاستراتيجية السورية هي استراتيجية سلام فمن الطبيعي ألا ننجر الى حرب لكن بكل تأكيد اذا فرضت الحرب، لن نهرب منها، هذا شيء بديهي. ايضا لا يعني عدم انجرارنا الى الحرب اننا سوف نسكت عما تقوم به اسرائيل. هناك وسائل مختلفة كثيرة قد تكون اشد ايلاما لاسرائيل من الحرب، وفي الوقت ذاته لا تدفع المنطقة الى الاضطراب. وسورية تمتلك الكثير من هذه الوسائل.

* ما هو ردكم، على اولئك الذين يقولون ان الصيغة التخاطبية التي ينتهجها السيد الرئيس الجديد أشد من الصيغة التخاطبية التي كان ينتهجها الرئيس الراحل؟

ـ هذا موضوع نسبي. وهذا يختلف من شخص لآخر. إن كان بالنسبة لمصدر الخطاب او لمستقبله.

* جاءت مرحلة، سيادة الرئيس، جرى فيها نوع من التوافق بين الدول العربية المحيطة على انهم تقبلوا وجود اسرائيل في المنطقة. لكن يفهم حاليا ان الخطاب الذي كان سائدا سابقا ربما له عودة اخرى، اي رمي اسرائيل في البحر.

ـ لم نتكلم بهذا المنطق، لم نتكلم الا بمنطق المجتمع الدولي. ما نقوله نحن هو ما تقوله دولتكم، وما تقوله الولايات المتحدة، وما تقوله الامم المتحدة وكل دول العالم، اي عودة الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967 والحقوق الاخرى التي نصت عليها الامم المتحدة، لذلك اذا نظرت الى مضمون الخطاب السياسي السوري تراه في الجوهر يأتي الى هذه النقطة. اما بالشكل فهو يتعامل مع المتغيرات اليومية. مثلا العام الماضي لم تكن هناك انتفاضة ولم يكن هناك قتلى يسقطون يوميا. كان القمع الاسرائيلي اقل بكثير. وبالتالي من الطبيعي ان يتعامل الخطاب السياسي مع هذه المتغيرات. اما جوهر وهدف الخطاب فلم يتغيرا.

* وعن استقلالية قرار الانتفاضة الفلسطينية ربما كان لعرفات موقف قد لا يكون ايجابيا جدا لأنه عاجز عن منع بعض العناصر المتطرفة من الرد على اعتداءات متواصلة من فعل ورد فعل من الطرفين اعطت مبررا لشارون؟

ـ هذا صحيح لو كانت الانتفاضة انتفاضة عرفات، اي لو كان هو من اشعلها. الانتفاضة هي انتفاضة الشعب الفلسطيني، وعليك ان تسأل نفسك سؤالين، لماذا يذهب هؤلاء الفتيان وهم يعرفون انهم قد يموتون، ولماذا كانت هناك عمليات استشهادية. عندما نصل الى هذه المرحلة من الصعب ان نقتنع بأن هذه الاعمال تقوم بناء على رأي شخص او سلطة. كل هذا يصبح نتيجة للكثير من العوامل التي تؤدي الى الكثير من الاحباط وبالتالي نصل الى سؤال آخر، طبعا هو جزء من السؤال الاول: كيف نلوم الرئيس عرفات على شيء هو مقرر من قبل الشارع الفلسطيني وليس من قبله هو. هو منذ اسابيع قليلة، قال بوقف اطلاق النار الفوري. ولم تتغير الامور كثيرا. فاذاً علينا ان نبحث عن السبب الحقيقي.

* لكن عرفات يؤكد أنه فقد السيطرة على الانتفاضة؟

ـ من الأساس هل كان مسيطرا عليها؟ هذا استنتاج خاطئ ان نقول انه فقد، هذا يعني انه هو الذي بدأها، وهو مسؤول عنها. لا يجوز ان يحمل ما ليس له مسؤولية تجاهه.

* هناك من يعتقد ان عملية أوسلو ماتت وانتهت. ما رأي سيادتكم بالنسبة للدعوة لعقد مؤتمر مدريد جديد؟

ـ اولا، ما هو الهدف من مؤتمر ثان في مدريد؟ انت قلت ان اوسلو ماتت لكن لم يقل احد ان مدريد الاولى ماتت. سبب موت اوسلو انها لم تلتزم بمبادئ مؤتمر مدريد ولا بالمرجعيات الدولية.

* وبدون أي تنسيق؟

ـ تماما. ولأن اسرائيل والفلسطينيين خرجوا عن الاجماع الدولي وهذا الخروج عن الاجماع الدولي اثبت ان اي عملية تخرج عن هذا الاجماع ستنتهي الى الفشل. لماذا، لأن هذا الاجماع الذي تحقق من خلال المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الامم المتحدة، رأى بشكل واقعي انه لا يمكن ان يكون هناك سلام بدون عودة الحقوق كاملة. واوسلو لم تكن تنص على عودة الحقوق كاملة للفلسطينيين، وبالتالي بدلا من ان تحقق السلام حققت الاضطراب. بالعكس نحن نرى الحل في مرجعية مدريد، لذلك لا داعي للبحث عن مرجعيات اخرى، لأن مرجعية مدريد تنطبق على قرارات الامم المتحدة، والقرارات واضحة.

* هل تعتقدون، سيادة الرئيس، ان الدول العربية قامت بما فيه الكفاية في موضوع عملية السلام ام يجب عليها ان تفعل المزيد مستقبلا لاستمرار هذه العملية؟

ـ لا اعتقد ان الدول العربية كانت في يوم من الايام ضد عملية السلام، وقد فعلت كل ما تستطيع لكي تصل لهذا السلام والتزمت بأغلب النصائح التي اتت اليها من الدول المعنية، ارى ان العمل يجب ان يكون من جانب اسرائيل. فلو عدنا الى التفاصيل لوجدنا بشكل واضح انها هي من يعرقل منذ البداية عملية السلام. ونعطي مثالا بسيطا، فمنذ بداية عملية السلام وحتى اليوم لا يوجد اي تصريح لمسؤول اسرائيلي ينص على ضرورة الالتزام بقرارات المرجعية الدولية.

عندما ابتدأت عملية السلام كان رئيس وزراء اسرائيل اسحق شامير قد قال مباشرة بعد المؤتمر امام الصحافيين سوف اجعل عملية السلام تستمر عشر سنوات واستطاع ان يحقق ذلك. لم نصل الى السلام حتى الآن. اسباب هذه المشكلة ليست لدى الدول العربية، بل لدى اسرائيل.

* الدول العربية لا تستطيع حاليا التأثير في اسرائيل عسكريا لأسباب نعرفها.. وسياسيا الى يومنا هذا لم تتعامل بالشكل المطلوب. هل تتوقع سيادتكم مستقبلا ان يعود العالم العربي ولو جزئيا الى استخدام سلاح المقاطعة وسلاح النفط؟

ـ كل شيء ممكن بهدف تحقيق السلام وليس بهدف الحرب، هذا من الجانب العربي، لكننا لا نستطيع هنا الا ان نؤكد على اهمية دور الدول الراعية والمعنية بشكل عام. فمن دون دور دولي فاعل وعادل، من الصعب الوصول الى نتيجة حقيقية لانه بالرغم من قيام العرب باثبات حسن نيتهم عبر عشر سنوات لم نستطع تحقيق اي شيء.

* هل تعتقد سيادتكم شخصيا انكم سوف تشهدون في ولايتكم الحالية تحقيق السلام المنشود؟

ـ استطيع ان اعطيك رغبة ولا استطيع ان اتوقع.

بالنسبة للرغبة، اتمنى ان ارى السلام يتحقق، ولكن كما قلت هذا يرتبط بعدة اطراف.. وبالوضع الحالي نرى ان الطرف الاسرائيلي لا يريد هذا السلام.

* نود ان ننتقل الى اطار الحديث عن سورية، هل من رؤية اقتصادية جديدة؟

ـ طبعا بكل تأكيد لدينا رؤية للمستقبل. سورية ما زالت دولة اشتراكية كما تعلم. لكن سورية لها خصوصية تختلف عن الدول التي ذكرتها انت. على سبيل المثال كان في سورية دائما قطاع خاص. لم يكن القطاع الخاص في يوم من الايام ممنوعا من التواجد كما كانت الحال في دول عديدة. طبعا دوره يختلف من زمن لآخر. الذي اختلف اكثر بالنسبة لسورية ليس الايديولوجيا، وانما عدم توفر الاسواق التي كانت متاحة لنا والمتوفرة لمنتوجاتنا، وبالتالي اصبح هناك ضرورة لآليات جديدة لايجاد اسواق جديدة.

عندما وجدت النظريات الاشتراكية والرأسمالية في العالم كان اصحاب واتباع تلك النظريات كل يعتقد بأن نظريته هي التي تحقق الازدهار

* بماذا تفكرون انتم؟

ـ نحن في سورية نقوم بكل ما يحقق هذا الازدهار، مع تحقيق العدالة الاجتماعية. ونحن نعتقد بأهمية القطاع الخاص على سبيل المثال، ولدينا قطاع عام مهم. وايضا لدينا قطاع مشترك. نحن حددنا المبادئ التطويرية بمبدأين اساسيين: زيادة فرص العمل، وتحسين المستوى المعاشي، واي شيء يساهم في هذين الهدفين نحن ندعمه. فاذا الاشتراكية كمصطلح تأتي من خلال المجتمع ومصلحته وليس العكس. وعلى سبيل المثال، نحن سمحنا بالمصارف الخاصة. البعض قال ان هذا يخالف الاشتراكية. هنا بالنسبة لنا الاشتراكية تعني عدالة اجتماعية مع الازدهار، ولكن هذا لا يعني ان نصل الى الخصخصة وان نبيع القطاع العام.

* هل النموذج هو الصيني، او ربما اكثر الفرنسي. هل هو نموذج خاص بالنسبة الى سورية؟

ـ بالاساس انا لا اؤمن كثيرا بالتجارب المنسوخة، هناك اقتباس، وهناك خصوصيات، وهذه الخصوصيات تنبع من طبيعة المجتمع وتاريخه، وبالتالي هناك بكل تأكيد نموذج سوري فقط.

* لا توجد دولة، سيادة الرئيس، حاليا تستطيع ان تعيش بمعزل عن التدفقات المالية الموجودة، ودعني اقول انه احيانا حتى عندما يطرح مصطلح الاشتراكية او الخطاب الاشتراكي يبقى رأس المال الذي كان من الممكن ان يبادر، حذرا ويقظا جدا بل ويهرب من كلمة اشتراكية.

ـ لكن انا ارى حاليا ان هناك دولا اشتراكية لم تؤد الحال فيها الى ما نقول.. مثلا، اشتراكية فرنسا، مع ان المثال الاهم هو الصين.

* هل تعتقدون ان هناك اشتراكية في فرنسا؟

ـ هي تسمية، انت تتكلم عن مصطلح.

* إذن، فلنتحدث عن مصطلحات، نحن نتحدث عما يسمى بالديمقراطية الاشتراكية.

ـ بالنسبة لنا.. نحن نقول ان الاشتراكية في سورية هي عدالة اجتماعية. الآن لنفترض بأنني اريد ان اطور مؤسسة من القطاع العام، مؤسسة اقتصادية. قد تقتضي الدراسة العلمية ان تسرح آلاف العمال. نحن لم نقم بهذا لان هناك واجبا اجتماعيا للدولة، هذه العلاقة بين الاقتصادي والاجتماعي تحددها طبيعة المجتمع السوري وهو الذي يعطي شكل الاشتراكية التي نتكلم عنها.

لكنني اريد ان اضيف شيئا: اي مصطلح قابل للتوسع بالشكل الذي يحقق مصلحة المجتمع، كل انسان يفهمه بالشكل الذي تريد، اما الهدف فهو واحد، الازدهار.

* في الحقيقة فان ما يتحدث عنه الصينيون هو الشيوعية ولكن ما يقومون به هو الرأسمالية؟

ـ لا هذه ولا تلك.. هو اقتصاد السوق، وهو العامل المشترك بين الاشتراكية والرأسمالية، لكن السوق فيه جانب اجتماعي ليس فقط اقتصاديا.

فأنتم قد تفسرون السوق اقتصاديا، نحن نفسره من الجانبين. لذلك الاهم بالنسبة لرؤوس الاموال ان ترى ما هي التوجهات الاصلاحية او التغييرية في اي بلد، لان المصطلحات تتبدل دائما. لا اقصد ان تتبدل بالاسم وانما بالمضمون. فأي مصطلح يجب ان يتطور مع تطور العالم، والا فهو حتما مصطلح فاشل مهما يكن.

* سيدي، اسمح لنفسي ان اتعرض لسؤال خاص جدا، عندما انظر الى تاريخ السيد الرئيس فهو عالم ومختص بطب العيون، وهو مختص بالعلوم، كيف يتحدث السيد الرئيس بهذه السوية عن موضوع الاقتصاد وموضوع التحولات الاقتصادية وموضوع اقتصاد السوق وكل هذه الامور، فكيف استطاع السيد الرئيس ان يصل الى هذا العمق في مناقشة القضايا؟

ـ انا افهم من سؤالك شيئا: ان الطب علم لكن السياسة مناقضة للعلم، الامر ليس كذلك.. الاقتصاد علم ومنطق والسياسة علم ومنطق والطب ايضا هو كذلك.

* هل هناك فعلا سيادة الرئيس شيء مشترك بين الاقتصاد والسياسة؟

ـ هما مرتبطان جدا.

هناك من يقول ان الاقتصاد اساسي للسياسة، لكن السياسة من الصعب ان تحقق اقتصادا. باعتقادي ان الاقتصاد هو الذي يقود السياسة لكن السياسة هي التي تخلق الاقتصاد، فاذاً هي علاقة تبادلية احدهما يطغى على الآخر حسب ظروف الدولة، لكن هذا لا يعني انه يلغي الآخر، وانما تكون له الاولوية.

* سيدي، انا افهم من سؤال زميلي الامر التالي: انتم، سيادة الرئيس، كنتم طبيب عيون، وكان هذا اختصاصكم، ثم جرى تحوّل، هل كان هذا التحول هو ما كان يجب ان يحدث، ام كيف حدثت الامور؟

ـ رئاسة الجمهورية هي نوع من العمل الوطني، اي انه في الواقع لم يحصل تغير. انا كنت اعمل وطنيا والآن اعمل وطنيا، الفارق الاساسي هو انني الآن امتلك الصلاحيات لكي احقق ما اؤمن به. في الوقت ذاته اتحمل سلبيات ما لا اقوم به او ما لا استطيع تحقيقه.

فاذاً، العمل هو عمل عام وطني يرتبط بمدى وطنية المرء ومدى استعداده لخدمة بلده.

* اسمح لي ان اتطرق الى السؤال بشكل اكثر تقربا، عشتم في لندن كما اعتقد اكثر من سنتين، وهناك تعرفتم على السيدة عقيلتكم وتعرفتم آنذاكم على القيم والعادات الغربية، فإلى اي مدى اثرت او ما زالت تؤثر هذه القيم او العادات فيكم حاليا وانتم في سدة الرئاسة؟

ـ انا انظر دائما الى النتائج، عندما اريد ان انظر الى قيم معينة في مجتمع ما، لا اسلم بهذه القيمة، ومن الممكن ان ادخل في جدل طويل مع اصحاب الثقافات الاخرى حول هذه القيم واهميتها او قناعتي بها. عليّ ان انظر الى نقاط النجاح في هذا المجتمع.

* اذاً ما نرجوه منكم هو ان توضحوا لنا، سيادة الرئيس، اية نقاط في الغرب يمكن من منظوركم الخاص تطبيقها في سورية؟

ـ على سبيل المثال، العمل الجماعي، الانضباط، الالتزام بالمؤسسة، قد تكون هذه النقاط هي بحد ذاتها قيمة اجتماعية، وقد تكون هناك نقاط اخرى تنتج عن القيمة الاجتماعية.

هذه القيم تأثرت بها، وهذه القيم اسعى بكل تأكيد لكي تكون موجودة في بلدي لترفد عملية التطوير.

* انا اعتقد ان حياتكم، سيادة الرئيس، قد تغيرت بين كونكم طبيبا للعيون في لندن وبين حياتكم حاليا، كيف تغيرت حياتكم بعد ان اصبحتم رئيسا للجمهورية؟

ـ بالاساس انا كنت حتى خلال عملي كطبيب اعمل في المجال العام، وبعد ان سافرت الى لندن حاولت ان انقل الخبرات الموجودة هناك للحقل الطبي العام في سورية، اليوم هذا الحقل العام توسع من خلال منصبي، البعض احيانا يفهم ان الحياة قد تغيرت، اي ان الاهتمام بالنسبة لي قد تغير. هذا غير صحيح. على سبيل المثال.. في منطقتنا هناك احتمالات حرب واحتمالات سلم. هذا موضوع نعيشه بشكل يومي، ويعيشه كل مواطن في المنطقة مهما كانت مهنته. هذا يخلق عند هذا المواطن اهتماما بالسياسة، وبالتالي يعطيه قدرة عالية على التحليل السياسي.

وبالنسبة لي شخصيا، فبالاضافة الى ذلك فأنا ابن عائلة تهتم بالشأن السياسي ومن الطبيعي ان اكون على احتكاك اكبر بهذه المجالات.

* حقيقة، سيادة الرئيس، ان الوضع او الجو العام لسيادة الرئيس المرحوم حافظ الاسد كان يختلف عن الجو العام الآن، لأن الرئيس حافظ الاسد عاش فترة طويلة في امور اعتاد عليها او نشأ معها وتعود عليها على مدى ثلاثين عاما، لكن هذا التعود وهذه الظروف لم تألفوها، ما تأثير اختلاف الظروف عليكم.

ـ رئاسة الجمهورية في بلدنا ليست مهنة وهي قمة العمل الوطني، وبالتالي انت لا تقوم بدراسة مجال معين لكي تصبح رئيسا. العوامل هي اولا الوطنية وثانيا الشخصية والظروف التي ساهمت في بنائها. الرئيس حافظ الاسد عاش ظروفا مختلفة وانا عشت ظروفا خاصة، وهذا طبيعي. وشخصيتي بنيت من خلال التربية ومن خلال هذه الظروف، وقراراتي ستخرج من هذه الشخصية. فما تقوله صحيح ولا يتناقض مع ما اقول. فالسياسة قبل ان تكون دراسة هي مجمل عوامل مختلفة تؤثر بك وظروف تعيشها بشكل مستمر عبر زمن معين تدفعك باتجاه معين.

* لو عدنا الى المنطقة لرأينا ان هناك ثلاثة رؤساء او ملوك جاؤوا بعد فترة طويلة من الحكم من السادة الذين سبقوهم لكنهم درسوا جميعا في الغرب. ان كان الملك عبد الله في الاردن وملك المغرب وحضرتكم، جاؤوا ببعض القيم او بعض ما شاهدوه او لنقل بعض الانماط، لكن ضمن الظروف التي عاشوها هناك وضمن الظروف التي عاشوها هنا يشعرون بانفسهم الى حد ما مقيدين بعدم وضع هذه الانماط في حيز التنفيذ بحكم الخطاب الاجتماعي الموجود حاليا. ما رأيكم؟

ـ هذا ليس بسبب الصراع بين الثقافة التي يعيشها الانسان في بلده وثقافة اخرى عاشها لفترة محدودة من الزمن. هذا صراع الاجيال، وهذا امر طبيعي.. لكن دعني اشرح لك تماما كيف تتكون شخصية في منطقة مثل منطقتنا وهي نقطة اختلاف احيانا بين الشرق والغرب لأن المنطق قد يختلف احيانا في التفكير. في اي مجال في الحياة هناك وحدات قياس.. كأن نقول الكيلومتر هو لقياس المسافات، الكيلوغرام لقياس الاوزان، وهناك وحدة اجتماعية في مجتمعكم هي الفرد، في مجتمعنا هي العائلة. عندما انت تمتلك شيئا ما فهو في مجتمعكم ملك شخصي لك. اما عندما امتلك انا شيئا فهو بالمعنى الاجتماعي ملك العائلة.

* إذا العائلة اعلى؟

ـ لا، ليست القضية قضية اعلى، هي عبارة عن دوائر مركزها الفرد او العائلة حسب المجتمع، والدائرة الاوسع هي الوطن. بالنسبة لمجتمعكم اصغر دائرة هي الفرد. ونحن اصغر دائرة بالنسبة لنا هي العائلة. فاذاً الشخص يتكون بشكل اساسي من خلال وضع العائلة ومن خلال طبيعة العائلة.

سياسيا، وثقافيا وفكريا. عندما يكون لأسرتك موقع اجتماعي او سياسي معين فاعضاء المجتمع، بطموحاتهم المختلفة وبمشاكلهم المختلفة يتوجهون اليك وبالتالي انت تصبح على احتكاك مع وسط اصحاب القرار تنقل اليهم مشاكل الناس وتصوراتك الشخصية وهكذا تصبح شيئا فشيئا جزءا من هذا العمل السياسي.

وفي ضوء هذه الحالة تستطيع ان تفسر ما هي الحالة الاجتماعية النفسية التي يعيشها اي شخص يخرج من هذا المجتمع، وبالتالي انا اريد ان اقول ان هذه التأثيرات على مدى السنوات، هي اقوى من تأثير بضع سنوات نعيشها في اي ثقافة اخرى. وهذا لا يعني باننا نبتعد عن الثقافات الاخرى، فنحن في سورية عبر التاريخ على احتكاك مع جميع الثقافات وبالتالي نفهمها بشكل عميق ونبحث دائما عن النقاط الايجابية فيها.

* اذاً هل يمكن ان نعود الى مصطلح ما يسمى النقاط الايجابية، فاحيانا عدم المقدرة على التكيف مع المعطيات الراهنة في المجتمع هي التي تعيق سيادة الرئيس احيانا من ان يقوم بخطوات اسرع في مضمار الاصلاح الاقتصادي او الاصلاح الاجتماعي.

ـ هذا طبيعي ليس فقط لرئيس الجمهورية، بل لأي مواطن يريد التطوير وفي اي مجال. هناك عوائق خاصة في المناطق التي تعيش على مفاهيم متجذرة في المجتمع، مما يجعل عملية التطوير اصعب، ليس لأن المفاهيم نفسها تعيق، وانما احيانا الفهم او التفسير الخاطئ لبعض نقاط هذه المفاهيم هو الذي يعيق. لكن بالنتيجة المنطقة تتطور، والمهم ان تعرف الاسباب التي أدت الى هذه النقاط السلبية، عندها تستطيع ان تطورها بكل سهولة. فالقضية قضية اقناع عبر الحوار وليست قضية فرض.

* سيادة الرئيس، بدأتم زيارتكم الى اوروبا، الى اسبانيا ثم اتبعتموها بزيارتكم الى فرنسا وستأتون الى المانيا. ما الذي تتوقعونه وتنتظرونه من الدول الاوروبية عامة ومن زيارتكم هذه لالمانيا؟

ـ اولا نبحث في تطوير التعاون بين دولنا سواء بشكل ثنائي او ضمن المجموعة الاوروبية.

ايضا نبحث في الدور الاوروبي، الوجود الاوروبي بالمعنى الثقافي بالمعنى الاقتصادي وبالمعنى السياسي.

قلنا في البداية ان الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة، لكن كليهما لا ينفصل عن الثقافة. كل هذه الامور نتمنى ان تساهم ايجابيا في وضع المنطقة على سكة السلام بشكل صحيح. نبحث عن الشيء الذي لم يتحقق حتى الآن لاسباب مختلفة وهو دور اوروبي فاعل. قد تكون هذه الاسباب اوروبية وقد تكون دولية والبعض منها مرتبط بطبيعة التنسيق بين دول اوروبية وبيننا. على سبيل المثال لكي تكون هناك صورة حقيقية مشتركة وموحدة بين البلدين لا بد من التنسيق المستمر الذي يؤدي لازالة اية فوارق موجودة بين الصور المتشكلة لدى كل دولة.

* هل يمكن ان يكون وراء الزيارة او احد اسبابها ان هناك جزءا من المانيا هو القسم الشرقي الذي كان سابقا جمهورية المانيا الديمقراطية استطاع بعد الوحدة ان يتكيف ويصبح جزءا من المانيا الاتحادية. وبالتالي معرفة الاشكالات والمشاكل او الامور التي اعترضت هذه السيرورة في المانيا؟

ـ قلت قبل قليل عندما كنا نتحدث عن التطوير في سورية بانه في كل بلد هناك اشياء يكن ان نستفيد منها، لكن لا يعني ان تكون كلها مناسبة لسورية. لكني لا استطيع ان اعتبر هذا محورا اساسيا من محاور الزيارة. لدينا وفد فني مرافق يمثل مجالات مختلفة، ومن الطبيعي ان يهتم كل فني في المجال المقابل له في المانيا وان يسأل عن كل التفاصيل، وعندما يعود يرفع تقريرا للمسؤولين الاعلى مع مقترحات مختلفة.

* اعتقد، سيادة الرئيس، ان هناك سؤالا لا بد ان نوصله الى مبتغاه ونهايته ويتعلق كذلك بزيارتكم. تعرفون، ان المانيا لها وضع خاص او تاريخ خاص في علاقتها مع اليهود. وخلال زيارة قداسة البابا الى سورية نسبت بعض التصريحات لسيادتكم، يشتم منها او يفهم منها احيانا بعض المعاداة للسامية. ما هو الذي حصل فعلا بشكل مؤكد؟

ـ اولا، ماذا تقصد بكلمة سامية، هذه احد المفاهيم التي قد نختلف عليها، وعندما تقول ضد السامية فماذا تعني؟ البعض يقول انه ان تكون ضد السامية فانت ضد اليهودية. اليهودية هي كأي دين آخر. هناك يهودي سوري، ويهودي في اميركا، وفي اوروبا، وفي دول اخرى، وهناك مسيحي في سورية وهناك مسيحي في المانيا وهناك مسلم في سورية وهناك مسلم في ماليزيا، فلا يوجد منطق يقول ان الدين هو عرق. هذا اولا. ثانيا، الساميون هم اولاد سام وهو ابن نوح. نوح له ثلاثة اولاد، سام وحام ويافث، اولاد سام هم الذين عاشوا في منطقة شبه الجزيرة العربية، والهجرات العربية أتت من هناك. وبالتالي المعروف ان الساميين هم العرب اساس، وما حصل لديكم ايام الحرب العالمية الثانية وصفه البعض بأنه ضد السامية، بمعنى ضد اليهود، وهو مصطلح غير دقيق.

العرب هم الساميون. وان اكون ضد السامية يعني ان اكون ضد العرب وهذا غير معقول. الانسان يجب ان لا يكون ضد اي عرق من الاعراق. يجب ان لا يكون ضد البشرية. فاذاً يجب ان نرفض اي مصطلح يعطي مفهوما عنصريا. وبالتالي يجب ان نكون ضد مصطلح «ضد السامية».

نحن في سورية نرفض هذا المصطلح لأننا نرى فيه شيئا من التمييز، فالسامية هي عرق ونحن منه بل نحن الاساس فيه. اما اليهودية فهي كأي دين فيه من كل الاعراق.

النقطة الثالثة بالنسبة للخطاب امام البابا، انا كنت اتكلم عن العذاب الذي يتعرض له الفلسطينيون في فلسطين، وانت تعلم ان صلب المسيح هو اهم رمز بالنسبة للدين المسيحي، وهو يرمز للعذاب. وما قمت به هو تشبيه عذاب السيد المسيح بعذاب الفلسطينيين كونهم يقتلون يوميا وتهدم بيوتهم وغيرها من الاجراءات القمعية. كانت النتيجة ان قام المسؤولون الاسرائيليون فورا بحملة على هذا الخطاب وادعوا بانه هجوم على اليهود.

طبعا هم يعودون بهذا الكلام لاحداث تاريخية لم يكن الخطاب يتحدث عنها. والسبب في حملتهم كان بالطبع نجاح الزيارة وظهور النموذج السوري في التآخي بين المسلمين والمسيحيين.

* حدث نوع من الاسقاط فعندما يقال ان السيد المسيح قد عذب.. ومن المعروف انهم كانوا اليهود. فهي عملية اسقاط على اليهود.

ـ بكل الاحوال، هذه احداث تاريخية لا نستطيع ان ننفيها. لكن كيف اقصد انا هذا ونحن في سورية لدينا يهود، ونحن كمسلمين نعترف باليهودية كدين. نحن لا نعادي الاديان، اما الاسرائيليون فأرادوا ان يستغلوا هذه النقطة. ولو اردنا ان نفكر بنفس الطريقة لقلنا انهم بهذه التصريحات التي اطلقوها ارادوا ان يخلقوا فتنة بين الاديان السماوية الثلاثة، لكننا في سورية لم نهتم بكل هذا.

نحن نتكلم عن وقائع ومبادئ وبالتالي هذه الحملة سوف تنكشف لان اي انسان يعود الى الخطاب لا يستطيع ان يرى كلمة ضد اليهودية، اما من يفسر قصد الخطاب فهو حصرا صاحب الخطاب. ولا يستطيع اي شخص يقول عني بأنني قصدت شيئا، انا الوحيد الذي استطيع ان اقول ماذا قصدت.

* تتهم سورية بأنها تؤوي المجرم النازي برونر وتقوم بحمايته؟

ـ لم نسمع بهذا الا من الصحافة، وهو لم يكن في اي يوم من الايام في سورية.

* اتمنى ان تستطيعوا ان تحلوا مشاكل البلد بما تتحلون من نظرة شاملة وآذان صاغية وقلب منفتح؟

ـ هذه هي دائما طريقة السوريين بشكل عام لسبب بسيط هو التراكم التاريخي الكبير جدا للشعب السوري. هذا التنوع الحضاري الكبير ترك لديه هامشا كبيرا من التسامح والعقل المنفتح.

* نشكر لكم استقبالكم ـ اهلا وسهلا.