الجماعات المسلحة في العراق.. مقاومة وأجندات دموية انتهت بـ «الصحوة»

تحول أفرادها من مقاتلين للقوات الأميركية إلى محاربين بجانبها

TT

بعد خمسة أعوام من الإطاحة بالنظام العراقي السابق، ظهرت العشرات من الجماعات المسلحة السنية في العراق التي اعلنت جملة من الاهداف اولها «طرد» القوات الاميركية من العراق.

ومن الصعب تحديد أعداد ونشاطات الجماعات المسلحة في العراق، التي تطلق على نفسها اسم «المقاومة»، حيث تظهر مجموعات وتختفي أخرى بشكل مستمر، كما ان ولاءاتها متعددة. وفي الغالب هم من السنة الغاضبين الذين يشعرون بأنهم قد همشوا جراء الإطاحة بالنظام العراقي السابق وتشكيل حكومة عراقية يهيمن عليها الشيعة. وينتمي لتلك الجماعات بعثيون سابقون وضباط في الجيش العراقي السابق، واسلاميون متشددون، ومقاتلون آخرون يحملون جنسيات عربية، وأحيانا اجنبية. وقدر الجيش الاميركي اعداد هؤلاء المقاتلين بنحو عشرين ألف مقاتل انتشروا في المدن ذات الاغلبية السنية، ناهيك من عشرات الآلاف من المتعاطفين معهم.

ومن هذه الجماعات، الجيش الاسلامي في العراق وكتائب ثورة العشرين والجبهة الاسلامية للمقاومة العراقية وجيش انصار السنة وجيش الراشدين وجيش المجاهدين والجماعة السلفية المجاهدة وجيش الفاتحين وجيش الطائفة المنصورة وسرايا الجهاد الاسلامي وكتائب الاهوال واخرى. غير ان ابرزها هو «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» الذي تزعمه الاردني ابو مصعب الزرقاوي الذي قتل عام 2006 في غارة جوية اميركية بالقرب من مدينة بعقوبة شمال شرقي بغداد. واتخذ هذا التنظيم مسميات شتى طوال تلك السنوات الماضية منها «التوحيد والجهاد» و«دولة العراق الاسلامية»، كما أسس مجلسا انضم اليه عدد من الجماعات المسلحة اطلق عليه اسم «مجلس شورى المجاهدين». ويعد تنظيم القاعدة الاكثر دموية من بين تلك المجموعات المسلحة، اذ اعلن مسؤوليته عن اخطر الهجمات الانتحارية وأكثرها دموية والتي استهدفت اغلبها المدنيين الشيعة. كما نفذ ابرز التفجيرات في العراق ومنها مقر الامم المتحدة ومقر السفارة الاردنية، واغتيال الزعيم الشيعي محمد باقر الحكيم في مدينة النجف، كما اشتهر التنظيم بقطع رؤوس الرهائن الاجانب وبث مشاهد القتل على المواقع الالكترونية.

وتنسب للجماعات المسلحة الاغتيالات التي طالت المسؤولين والموظفين الحكوميين والعاملين مع القوات الأميركية والعراقية وأعضاء الميليشيات والأحزاب وآخرين. وزادت سطوة تلك الجماعات، وبالأخص تنظيم القاعدة، على المدن ذات الاغلبية السنية مع تعاطف السكان معها حتى تحولت مساكنهم الى ملاذات آمنة للمسلحين لا سيما في مدن محافظة الانبار كالفلوجة، التي خاضت معركتين شرستين مع القوات الاميركية عام 2004، والرمادي ومدن أخرى، كما قدم السكان الدعم المادي والمعنوي لتلك الجماعات حتى وصل الأمر أحيانا الى تزويج بناتهن للمقاتلين.

غير ان هذا الحال لم يدم طويلا، فسرعان ما ولد وجود المسلحين نفورا لدى سكان تلك المدن اثر تطبيق أنظمة قاسية وصارمة على السكان من خلال فرض تعاليم اسلامية متشددة انتهت بغلق الاسواق وتعطل الحياة اليومية وفرض ارتداء النقاب على النساء ومنع استخدام اجهزة الستلايت والهاتف الجوال، حتى تحولت حياة السكان الى ما يشبه العيش في السجن.

وبعد أكثر من ثلاثة أعوام أي في أواخر عام 2006، طرأ تحول جذري على تلك الجماعات المسلحة اثر انضمام اعداد من مقاتليها الى قوات الصحوة بجانب ابناء العشائر لمحاربة تنظيم القاعدة في العراق. وأنشئت الصحوة لاول مرة في محافظة الانبار على يد الشيخ ستار ابو ريشة اثر مقتل عدد من افراد اسرته على ايدي افراد من تنظيم القاعدة. وانخرط العديد من مقاتلي الجماعات المسلحة في صفوف الصحوة لمحاربة «القاعدة» الى جانب القوات الامنية الاميركية والعراقية. وقال الشيخ أبو ريشة لـ«الشرق الاوسط»، قبيل اغتياله من قبل عناصر تنظيم القاعدة بعدة اشهر، ان «عشائر الانبار الاساسية قررت تغيير واقع المدينة المأساوي، والنظرة التي لحقت بهم من جراء أفعال المجاميع الارهابية والتخريبية». وأضاف أن «تنظيمات القاعدة تستهدف كل العراقيين وبدون استثناء، وقد قتل شيوخ عشائرنا من قبل تنظيم القاعدة بدون تمييز، ومن بين الذين قتلوا والدي شيخ عشيرة البو ريشة، فضلا عن عدد كبير من الشيوخ الاخرين، وعدد كبير من حملة الشهادات، وعلماء الدين، والمواطنين، فأصبحت القناعة واضحة لدينا، وعرفنا ان القاعدة اهدافها تخريبية وإرهابية».

وانتشرت الصحوة فيما بعد بسرعة لتشمل مناطق في بغداد ومحافظات اخرى في شمال العاصمة وجنوبها ذات الاغلبية السنية والمختلطة. وتمكن مقاتلو الصحوة من اعادة الامن المفقود في المدن المضطربة ونسبت اليهم عودة الاستقرار النسبي الذي شهده العراق مؤخرا والذي يعزا ايضا الى استراتيجية زيادة عديد القوات الاميركية وتجميد نشاطات جيش المهدي الموالي للزعيم الشيعي مقتدى الصدر.

ويقول عمر عبد الستار، القيادي البارز في الحزب الاسلامي العراقي، ان مشروع المقاومة فشل في تحقيق استراتيجيته في العراق، واضاف أن النفس المقاوم للعملية السياسية في العراق، سواء كان إسلاميا ام قوميا، افرغ من محتواه وتم اختراقه وبطريقة وظف من خلالها لخدمة اجهزة اقليمية او دولية وبالنتيجة انحرف عن مساره. واوضح أن «القاعدة» سلبت من مشروع المقاومة كل شيء، وان المشروع ذاب بطريقة او بأخرى بالصحوات، وصارت «الصحوة» تمثل هذا المشروع المقاوم. وأضاف عبد الستار أن اصحاب النفس الاسلامي او القومي اصبحوا أمام واقع ثقيل واكتشفوا أن العمل السياسي هو العمل الصحيح الذي من الممكن التوصل من خلاله الى أهداف فشلت المقاومة في تحقيقها. وقال إن الحزب الاسلامي، احد الاحزاب السنية التي انخرطت في العملية السياسية، كانت لديه رؤية صحيحة بالانضمام الى العملية السياسية. لكن الحكومة العراقية سرعان ما شعرت بالقلق من تنامي هذه القوات الجديدة وحذرت من تحولها الى ميليشيات مسلحة، فيما حذر سياسيون عراقيون من ان الحرب المقبلة في العراق ستندلع بين الميليشيات الشيعية وبين قوات الصحوة السنية. كما حذر آخرون من قيام الجيش الاميركي بتسليح هذه القوات. ويقول القيادي في المجلس الاعلى الاسلامي العراقي جلال الدين الصغير انه يجب الانتباه الى هذه الخطوة لأنها قد تؤدي في النهاية الى «تسليح القاعدة». وقال ان الجيش الاميركي «أثبت أنه ليس كفؤا في الدخول للمجتمع العراقي وفهم بنيته». ودعا الصغير الى ان تتم عملية تسليح العشائر بإشراف الحكومة العراقية ووفقا لضوابط وآليات لتجنب نشوء «تجارة جديدة في السلاح»، كما لم يستبعد ان تفتعل تلك الجماعات القتال فيما بينها ليتم امدادها بالسلاح.

ويقدر الجيش الاميركي إعداد المنتمين الى الصحوات في ارجاء العراق بنحو 80 ألف مقاتل معظمهم من المقاتلين السنة فيما يشكل الشيعة نسبة ضئيلة منهم في المناطق المختلطة. ويتلقى هؤلاء رواتبهم من الجيش الاميركي. ويطالب قادة الصحوات في بعض المدن بتحويلها الى تنظيم سياسي كما هو الحال في محافظة الأنبار، فيما طالبت صحوات أخرى بدمجها الى القوات الامنية العراقية وصرف رواتبهم من قبل الحكومة. وصرح مسؤولون حكوميون ردا لتلك المطالب بانه ليس بالامكان استيعاب كل هذه الاعداد في الاجهزة الامنية وعرضت دمج جزء منهم في الوظائف المدنية.

ويقول المسؤول في الحزب الاسلامي العراقي ان الانتخابات المحلية التي ستجري في اكتوبر (تشرين الاول) المقبل ستفرز واقعا عراقيا جديدا وستكون مفصلا مهما في الساحة السياسية العراقية. ورجح ان يكون للصحوة دور أكبر في تلك الانتخابات من دور الحزب الاسلامي في المحافظات ذات الاغلبية السنية، وأوضح أن «الصحوة» ستكون البديل عن الحزب الاسلامي.

واختتم عبد الستار قائلا إن «الصحوة» باعتبارها «تيارا عربيا سنيا» قد يدخل من خلالها البعثيون والمقاومة وهيئة علماء المسلمين في الانتخابات المحلية المقبلة الى العملية السياسية.