واشنطن: طهران عدلت تكتيكاتها في مجال تسليح الجماعات الشيعية.. والشحنات مستمرة لكنها لم تزد

مسؤولون: إيران تتجنب الظهور بدور اللاعب المباشر .. وعمليات البصرة كشفت حجم تدخلها

TT

جمعت الولايات المتحدة اكثر الادلة تفصيلا، حتى الان، على الدور الايراني في تدريب وتسليح المقاتلين في العراق، وبالرغم من ذلك فلاتزال هناك بعض الشكوك المهمة المتعلقة بمدى هذا الدور والتهديد الذي يمثله للقوات الاميركية والعراقية.

وذكر بعض المسؤولين في الاستخبارات والادارة انه يبدو ان ايران عدلت مدى تورطها في العراق في العام الماضي، بالمقارنة بما صوره الرئيس جورج بوش وغيره من المسؤولين الاميركيين علنا بأنه دور ايراني مكثف. ويبقى من الصعب التوصل الى نتائج محددة بخصوص تدفق الاسلحة الايرانية على العراق، ولم تعلن ادارة بوش اخر ادلتها في هذا المجال.

إلا ان المقابلات مع اكثر من عشرين من المسؤولين في المجال العسكري والإدارة والاستخبارات اظهرت ان شحنات الاسلحة استمرت في الشهور الاخيرة بالرغم من التعهد الايراني بوقف تدفق الاسلحة، الا انها لم تزد. وذكر المسؤولون ان ايران، بدلت تكتيكاتها لإبعاد نفسها عن دور مباشر في العراق منذ إلقاء القوات الاميركية القبض على 20 ناشطا ايرانيا داخل العراق في ديسمبر (كانون الأول) 2006 ويناير (كانون الثاني) 2007. ولايزال 10 اشخاص من هذه المجموعة الايرانية محتجزين لدى القوات الاميركية.

ومنذ ذلك الوقت، يبدو ان ايران ركزت جهودها على تدريب مجموعات من المقاتلين الشيعة العراقيين داخل ايران، الا ان عدد هذه المجموعات لايزال غير واضح. واشار بعض المسؤولين الى ان بضعة مقاتلين يتدربون في ايران على حدة. وفي الوقت نفسه، سعت ايران للاحتفاظ بالنفوذ السياسي والاقتصادي على عديد من الاجنحة الشيعية، وليس فقط الاكثر تطرفا المعروفة باسم «المجموعات الخاصة».

واوضح مسؤول اميركي كبير على دراية بالمعلومات الاستخبارية بخصوص ايران «انهم لا يريدون الارتباط بنشاطات ربما يعتبرها المجتمع الدولي غير شرعية». واضاف المسؤولون ان ايران سعت لنشر نفوذها داخل العراق ليس فقط عن طريق دعمها للمليشيات، ولكن عبر المساعدات الاقتصادية المشروعة، ولاسيما عبر الجنوب الشيعي الغني بالنفط. ويدعم الايرانيون ايضا عددا من الاحزاب الشيعية والمليشيات – بما في ذلك تقديم الاسلحة الى المليشيات التي تقاتل الحكومة التي يترأسها الشيعة في بغداد بالاضافة الى المليشيات التي تؤيد هذه الحكومة.

وتجدر الاشارة الى ان بوش ونائب الرئيس ديك تشيني وكبار المسؤولين الاميركيين في العراق صوروا ايران، طوال عدة اسابيع، كتهديد متزايد لجهود الحرب الاميركية في العراق.

ولم يعارض أي من المسؤولين الذين تمت مقابلتهم لهذا التقرير، فكرة ان ايران تسعى لإضعاف المصالح الاميركية في العراق، الا ان الادارة الاميركية سعت في الاسابيع الاخيرة لتأكيد تلك التهديدات بالإشارة الى ادلة جديدة. فقد كشفت التحقيقات مع اربعة من قيادات المليشيات الشيعية، على سبيل المثال، ادلة جديدة بخصوص مدى التدريبات التي اجراها فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الايراني. وبالرغم من ذلك فقد قدم المسؤولون تقييما للدور الايراني اكثر تعقيدا ودقة من التصريحات العلنية للرئيس بوش وغيره من المسؤولين، بمن فيهم وزير الدفاع روبرت غيتس، الذي قال في مؤتمر صحافي الاسبوع الماضي ان «ما يفعله الايرانيون هو قتل الجنود الاميركيين في العراق» بتقديم التدريب والأسلحة الى المقاتلين الشيعة. وقد رفض المسؤولون في البيت الابيض والبنتاغون ووكالات الاستخبارات ومقر القوات الاميركية في بغداد، تقديم تفاصيل علنية على مدى دعم ايران للمقاتلين في العراق، وأشاروا بدلا من ذلك بعبارات عامة الى التدريب والمعدات وتمويل المليشيات الشيعية.

ولكن بعد بيانه امام الكونغرس يومي 8 و 9 ابريل (نيسان) اصدر الجنرال دافيد بترايوس تعليماته الى مرؤوسيه بإعداد ملف علني للتورط الايراني كجزء من جهود الادارة للكشف عن النشاطات السرية الايرانية وزيادة الدعم للحرب، التي تزداد عدم شعبيتها داخل البلاد. وكان نشر الملف – الذي يضم صفحات من الخرائط والصور للاسلحة الايرانية الصنع – متوقعا قريبا ولكن تأخر نشره الي ان تواجه حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، ايران دبلوماسيا بالأدلة الجديدة للمساعدات الايرانية للمليشيات الشيعية، طبقا لما ذكره واحد من المسؤولين. وقد اثار تركيز الادارة على ايران القلق بين نقاد الحرب، الذين اتهموا البيت الابيض بالمبالغة في التهديدات لإعداد الامر لعمل عسكري ضد ايران.

وقال مسؤولان رفيعان في الإدارة الاميركية انها ناقشت مسألة مهاجمة معسكرات التدريب والمخابئ ومخازن الأسلحة التي تقول تقارير الاستخبارات انها تستخدم بواسطة «فيلق القدس» لتدريب مقاتلين. إلا ان الولايات المتحدة توصلت الآن إلى ان الضربات العسكرية الموجهة إلى داخل إيران لا يمكن الدفاع عنها وانها بدلا من ذلك ركزت على إرباك الطرق والخطوط التي استخدمت لتهريب الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود، وركزت أيضا على الضغوط الدبلوماسية والمالية. وقال غيتس ان التركيز الآن ينصب على التعامل مع المشكلة داخل العراق. وظهر قدر كبير من الأدلة على النشاط الإيراني في العراق خلال العمليات التي قادها الجيش العراقي الشهر الماضي للسيطرة على البصرة. وقال مسؤول رفيع في الإدارة الاميركية ان القتال في البصرة أوضح للعراقيين والاميركيين على حد سواء مدى التدخل الإيراني. وكان القتال، خلال عملية البصرة والقتال ضد الميليشيات الشيعية، الذي امتد إلى مدينة الصدر في العاصمة بغداد، قد أدى إلى الكشف عن مخازن أسلحة تحتوي على مئات الصواريخ فضلا عن مواد لتركيب قنابل تخترق المركبات المصفحة. وقال المسؤولون ان مخازن السلاح ساعدت على إعطاء القادة العسكريين الاميركيين صورة كاملة لكيفية دخول الأسلحة الإيرانية إلى العراق ووصولها إلى عدة ميليشيات ومجموعات إجرامية في مختلف أنحاء العراق. من جانبه قال ضابط كبير في بغداد ان غالبية الأسلحة المدعومة من إيران تدخل عبر جنوب العراق وتستخدم في مختلف أنحاء العراق، وعلى وجه الخصوص في القتال المستمر في مدينة الصدر. ويحتوي كثير من الأسلحة على أرقام متسلسلة وتفاصيل أخرى تدل على انها مصنوعة في إيران عام 2008. وهذا يناقض تعهدات إيران العام الماضي لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي باعتراض تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى داخل العراق عبر الحدود. رغم ذلك لا يبدو ان كميات الأسلحة قد ازدادت. وفي هذا السياق قال الأدميرال مايك مولين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، ان التسليح الإيراني ظل على نفس مستواه السابق، وأضاف قائلا ان إيران لا تساهم بالسلاح فقط وإنما لاتزال تدرب عراقيين داخل أراضيها بهدف قتال القوات الاميركية لدى عودتهم إلى العراق. وقال مسؤول اميركي آخر ان الملف الذي أعده الطاقم العامل مع الجنرال بترايوس يحتوي على تفاصيل استجواب أربعة قادة عسكريين لميليشيات شيعية تلقوا تدريبا في إيران. وأضاف المسؤول قائلا ان هؤلاء القادة الأربعة كانوا ضمن 16 من القادة العسكريين الشيعة الذين ألقي القبض عليهم خريف العام الماضي حتى بداية القتال في البصرة، وأضاف قائلا انهم أدلوا للجيش الاميركي بالكثير من المعلومات حول تدريب إيران للمقاتلين العراقيين. وقال المسؤول ان فيلق القدس أقام علاقات رسمية وطور برنامج تدريب متقدما يحتوي على خمس دورات تدريبية حول التكتيك والقيادة والتدريب والعمليات الخاصة والأسلحة والمتفجرات. وعادة ما يتوقع من الذين يكملون التدريب العودة إلى العراق لتدريب عراقيين آخرين. وقال مسؤول اميركي ان الولايات المتحدة رصدت عددا غير محدد من المعسكرات التابعة لفيلق القدس ومخازن ومخابئ بالقرب من الحدود الإيرانية مع العراق، وهي معسكرات تدريب منتشرة في مختلف المدن الإيرانية، الأمر الذي يجعل من الصعب توجيه ضربات لهذه المعسكرات دون إلحاق خسائر وسط المدنيين. وكانت وزارة الخزانة الاميركية قد فرضت في يناير الماضي عقوبات مالية على مسؤولين إيرانيين يشتبه في انهم يقدمون مساعدات للميليشيات الشيعية في إيران. وتضم هذه القائمة الجنرال احمد فروزاده، قائد قوات رمضان التابعة لفيلق القدس، الذي تقول السلطات الاميركية انه مسؤول عن تنظيم التدريب في إيران، إلى جانب أبو مصطفى الشيباني، وهو عراقي مقيم في إيران يشرف على نقل المقاتلين والأسلحة عبر الحدود بين البلدين لتلقي التدريب. وكان تقرير صادر عن إدارة البحوث بالكونغرس الاميركي قد أشار إلى ان القتال في البصرة أثار مزيدا من الشكوك على فعالية الإجراءات المضادة من جانب القوات الاميركية في مواجهة الجهود الإيرانية. وقال مسؤول ان هناك أدلة تثبت ان إيران ربما تفتقر إلى السيطرة على الميليشيات الشيعية المتعددة التي سلحتها. وأشار مسؤول اميركي رفيع إلى ان إيران أبدت غضبها في بعض الحالات إزاء استخدام سلاحها في القتال الشيعي - الشيعي.

*خدمة «نيويورك تايمز»