إسلام أباد: «المسجد الأحمر» بنسخته الجديدة

جدل حول لونه الأبيض.. إمامه الجديد يسير عكس اتجاه عمِّه مولانا عبد الرشيد غازي الذي قتل في المداهمات

مصلون أمام المسجد الأحمر - الابيض في اسلام أباد («الشرق الأوسط»)
TT

يقف المسجد الأبيض في قلب العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وكأنه ينأى بنفسه عن الأعمال العنيفة التي وقعت في وقت سابق. فليست هناك حواجز للشرطة، وليست هناك أسلحة بيد الطلاب على أسطح المسجد. وفي الحقيقة، فإن المسجدَ يعطي انطباعاً لأيِّ مشاهدٍ بتبدل الحال عما كانت عليه أثناء أحداث العنف السابقة التي وقعت منذ تسعة أشهر فقط، حيث كان المسجد ساحة للقتال بين قوات الأمن الباكستانية والطلاب المسلحين، مما أوقع أكثر من 150 قتيلا.

ولم يستمر شيء من هذا الماضي سوى نائب إمام المسجد المعين، وهو مولانا أمير صديق، وهو قريب للأخوين اللذين أثارا الأحداث وهما: مولانا عبد العزيز ومولانا عبد الرشيد غازي. وأدت العملية العسكرية ضد الطلاب المتدينين إلى مقتل عبد الرشيد غازي والقبض على مولانا عبد العزيز. لكن التسوية السياسية أجبرت حكومة الرئيس مشّرف على تعيين قريبهما نائبا لإمام المسجد.

وخلافا لأعمامه، فإن الإمام الجديد للمسجد الشهير (كان يُعرَفُ بالمسجد الأحمر، وقامت الحكومة بدهانه باللون الأبيض) مولانا أمير صديق لا يميل إلى أعمال العنف. وهو غالباً ما يناهض الحكومة بسبب عدم تطبيقها للشريعة في باكستان، لكنهُ ينأى بنفسه عن أيِّ أعمالِ عنفٍ سابقةٍ تتعلق بالمسجد الذي يؤم فيه المُصلينَ حالياً. ومولانا صديقي، هو أكبر أبناء مولانا عبد العزيز. وتم تعيينه نائباً لإمام المسجد الأبيض من قبل الحكومة الباكستانية عندما رفض الطلاب والمواطنون قبول إمام آخر بدلا من مولانا عبد العزيز.

وعلى الفور، وفي أثناء العملية العسكرية التي نجم عنها مقتل 100 طالب، بالإضافة إلى مولانا عبد الرشيد غازي في يوليو (تموز) 2007، قامت وزارة الشؤون الدينية بتعيين مولانا إشفاق أحمد إماماً للمسجد. مع ذلك، فعندما تقدم الإمام الجديد ليؤم المصلين يوم الجمعة (في صلاة الجمعة) قامَ الطلابُ بإلقائه خارج باحة المسجد ورفضوا أن يؤمهم في الصلاة. وبعد فشل المحاولة الأولى لإعادة افتتاح المسجد، قام المسؤولون في وزارة الشؤون الدينية الباكستانية بالتخطيط لتولية أحدِ أقارب مولانا عبد العزيز وظيفة في هذا المسجد. ويقول مولانا أمير صديق في مقابلة مع «الشرق الأوسط» «إن الناس يثقون بي لأنني على قرابة بمولانا عبد العزيز، وهم يستمعون إلى ما أقوله». وللسيطرة على تمرد الطلاب والتعاطف الجماهيري معهم، قام المسؤولون في الحكومة الباكستانية بتعيين مولانا عبد الغفار إماما للمسجد وتعيين مولانا أمير صديق، 30 عاما، نائبا له. وكان مولانا عبد الغفار من بين العلماء الذين عارضوا وسائل العنف التي تبناها البعض مثل مولانا عبد العزيز وعبد الرشيد غازي لتطبيق الشريعة في البلاد. وفي خلال أربعة أشهر فقط منذ مارس (آذار) 2007 كان قد انخرط الأخوان بمساعدة الطلاب في أعمال الخطف وسرقة الأسلحة من قوات الأمن واحتلال مبانٍ حكومية في إسلام آباد. وفي خضم العملية العسكرية، قامت القوات الحكومية بنسف مقر جمعية حفصة التي كان يجري فيها تعليم البنات وكانت ملحقة بالمسجد، كما قامت بإغلاق جمعية فريدية التي كانت ملحقة بالمسجد أيضاً. ولم يجد الطلاب خيارا آخر غير ترك الدراسة في منتصف العام الدراسي. وما زالت جمعية فريدية تحت مراقبة الشرطة ولا يسمح بدخولها حسبما أفاد مولانا أمير صديق. كما أفاد بقوله إن مولانا عبد العزيز أرسل برسالة إلى الطلاب من السجن بأن عليهم الالتحاق بمدرسة دينية أخرى لإكمال تعليمهم. ويقول: «لكن بعض الطلاب يتجمعون أمام المسجد يوم الجمعة، ويقودون مظاهرات ضد إغلاق المعاهد الدينية». وتم السماح لمعظم الطلاب بأداء امتحاناتهم في مدارس أخرى. ويقول طالب سابق في جمعية فريدية: «بعد إغلاق جمعية فريدية، كان خيارنا الوحيد هو أن نلتحق بمدرسة أخرى لإكمال دراستنا». وأفادَ مولانا أمير صديق لـ«الشرق الأوسط» بأنهم ما زالوا يواصلون دروسَ تحفيظ القرآن للطلاب الصغار داخل المسجد، وقال: «لكن لا يسمح للطلاب الكبار بدخوله». ومنذ افتتاح الحكومة للمسجد بعد العملية العسكرية وتعيين مولانا أمير صديق نائبا للإمام، اشترطت الحكومة عليه عدم السماح بإقامة أحد في المسجد، وقال صديق: «في الوقت الحالي لا يُسمحُ بوجود أحد غير ستة حراس داخل المسجد لحراسته». وحسبما قال مولانا صديق، فإن الشرط الثاني كان عدم السماح بدهان المسجد باللون الأحمر مرة أخرى. وقال للمسؤولين: «لا يهم اللون، فالناس سوف يسمونه المسجد الأحمر».

ويأمل صديق من الحكومة الجديدة وحزب الشعب والجماعة الإسلامية (مجموعة نواز شريف) أن تسمح بدهان المسجد باللون الأحمر مرة أخرى، ويقول: «نأمل أن تسمح الحكومة الجديدة بدهن المسجد باللون الأحمر مرة أخرى». وتم تأسيس المسجد في فترة الستينات من القرن الماضي وكان يسمى المسجد الأحمر بسبب اللون الأحمر للطوب الذي بنيَّ به. وبعد الأحداث الدامية التي وقعت في يوليو 2007، وقبل إعادة افتتاح الحكومة للمسجد، طلب من عمال البلدية المحلية إعادة طلاء المسجد باللون الأبيض. ومع ذلك، فإن الطلاب سيطروا على المسجد في أغسطس (آب) 2007 وقاموا بطلائه باللون الأحمر مرة أخرى. ولكن الحكومة التي كانت تصر على تغيير النظرة إلى هذا المسجد، أمرت بإعادة طلائه باللون الأبيض مجدداً. لكن الطلاب المتمردين بقوا مصدراً للإزعاجِ. وهنا يأتي دور مولانا أمير صديق ليقول: «إن الطلاب وسكان المنطقة يستمعون إليّ وفي مرات عديدة قمت بإيقافهم عن إحداث أعمال شغب. وهم يستمعون إليّ لأنهم يعتقدون أنني أمثل مولانا عبد العزيز».

ويقول مولانا أمير صديق إنه لا ينوي السير على منهج أعمامه، لكنه يصر على أن عمه عبد الرشيد غازي دفع حياته في سبيل هدف نبيل.