تركي الفيصل : الملك فيصل قرأ رسالة التهديد الأميركية وقال «خير إن شاء الله».. وأكمل يومه بشوشا

كشف لـ«الشرق الأوسط» عن جوانب لافتة في حياة والده وثمن رعاية الأمير سلمان بن عبد العزيز للندوة

الملك فيصل بن عبد العزيز مع الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون («الشرق الأوسط»)
TT

عايش الامير تركي الفيصل والده الراحل الملك فيصل في محطات كثيرة اهمها عمله مستشاراً في الديوان الملكي عام 1973 ، وهي فترة ذات شأن في تاريخ المنطقة والعالم ، وخلال حوار «الشرق الأوسط» معه في مكتبه بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية حيث يرأس مجلس إدارة المركز قبل ايام من عقد الندوة العلمية عن الملك فيصل التي يرعاها الامير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز يوم الثلاثاء المقبل، كشف الامير تركي الفيصل عن جوانب ومحطات هامة في حياة الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز ، كما كشف في الحوار معلومات عن تلقي بلاده تهديدات أميركية باستخدام القوة ضدها إذا استمر قرار حظر النفط عنها سارياً وهو القرار الذي اتخذه الملك فيصل بالتنسيق مع الدول العربية عام 1973، ضد الدول الداعمة لإسرائيل ومنها الولايات المتحدة، وعد القرار أقوى سلاح لمعاقبة هذه الدول وكان له تأثير إيجابي في تحريك القضية الفلسطينية وطرح مشاريع وادوات جديدة لحل الصراع العربي الاسرائيلي في ذلك الوقت.

وثمن الأمير تركي الفيصل رعاية أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز التي تنظم الندوة العلمية الخاصة بالملك فيصل، معتبراً أن هذه المناسبة عظيمة خاصة بما عرف عن الامير سلمان من اهتمام بتوثيق تاريخ السعودية منذ عهد الملك المؤسس الى اليوم.

* كيف تثمنون انعقاد هذه الندوة المخصصة لهذا العام عن الملك فيصل التي تنظمها دارة الملك عبد العزيز ويرعاها الامير سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس إدارة الدارة ؟

ـ رعاية الأمير سلمان بن عبد العزيز لمناسبة افتتاح الندوة التي تقيمها دارة الملك عبد العزيز عن الملك فيصل شرف كبير، ومناسبة عظيمة خاصة بما عرف عن الأمير سلمان من اهتمامه بتوثيق تاريخ المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك الموحد عبد العزيز إلى الآن هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الدارة تقوم أيضا بدور كبير ومثمر بصدد هذا التوثيق، ومن يزر مقر الدارة هذه الأيام فسيشاهد خلية النحل التي تعمل هناك في هذا السبيل، وهو مجهود محمود يستحق الثناء والتقدير، ذلك أن الندوة تتناول شخصية الملك فيصل رحمه الله الذي عاصر توحيد هذه البلاد، وساهم في هذا المشوار الكبير الذي قاده الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ، كما كانت للملك فيصل بصمات واضحة وجهود ملموسة في تطوير البلاد وتنميتها ودخولها مراحل لافتة من النماء والتحديث.

* تاريخ الملك فيصل منذ عهد والده حتى نهاية عهده لا يخلو من التوثيق، هل ترون أن الندوة الخاصة بتاريخ الملك فيصل ستضيف جوانب جديدة حول ذلك ؟

ـ بإذن الله ستضيف هذه الندوة جوانب جديدة حول تاريخ الملك فيصل، فهناك 34 باحثا وباحثة يشتركون في هذه الندوة مما يدل على غزارة المادة المطروحة وكلها عن الملك فيصل، أضف إلى ذلك سعي مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية لإقامة معرض (شاهد وشهيد) بمناسبة انعقاد الندوة، أيضا تسنى لنا إعادة النظر في ما هو متوفر لدى المركز من معلومات، لو كان فيها نقصان أو قصور سيتم تحديثها وجلب المزيد منها، وكما شاهدنا خلال الشهرين الماضيين اطلعنا على وثائق ومعلومات كان لجريدة «الشرق الأوسط» السبق في نشر بعض منها والمتعلقة بذلك، كما أن هناك وثائق ستنشر عن حياة الملك فيصل وذلك لأول مرة إن كانت من الولايات المتحدة أو من بريطانيا أو من دول أخرى، وكل هذه الأمور تستوجب من القائمين على توثيق تاريخ الملك فيصل أن يبقوا دائما في أهبة الاستعداد للاستفادة من هذه المعلومات وهذه الوثائق من مصادرها.

* ما هو الدور الذي يمكن أن يقوم به مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في إثراء محاور وبحوث الندوة ؟

ـ المركز بدعوة من دارة الملك عبد العزيز شارك في اللجنة التنفيذية الخاصة بالندوة عبر ممثلين عنه، ولكن المجهود الكامل في ذلك قامت به الدارة، والمركز ومواكبة منه لهذه الندوة سيقيم معرضاً عن الملك فيصل وحياته من مقتنيات المركز ومما جمعه من وثائق وأشرطة تسجيل لخطب وأقوال الملك فيصل وأفلام وثائقية وصور تبرز معالم حياة الملك فيصل من طفولته إلى استشهاده، هذا المعرض سيستمر في المتحف الوطني بمركز الملك عبد العزيز التاريخي في المربع وذلك لمدة شهرين من وقت انعقاد الندوة، ثم ينتقل بعد ذلك إلى مدينة أبها حيث كان للملك فيصل في بواكير صباه مجهودات في توحيد المملكة بردع العصيان الذي قام في ذلك الحين على الحكم السعودي، ثم زيارته التاريخية لمنطقة عسير في السبعينات الميلادية لافتتاح مشاريع تنموية في المنطقة، وبعد أن ينتهي المعرض من أبها حيث سيبقى هناك لمدة شهر ونصف الشهر تقريبا في فترة الصيف، سيذهب إلى منطقة مكة المكرمة، ويبقى هناك من رمضان إلى ذي الحجة، والكل يعلم أن الملك فيصل كان نائباً عن الملك عبد العزيز في منطقة الحجاز بصفة عامة، وكان له في مكة المكرمة مقر ومسكن لسنوات طويلة، لذلك روعي في المعرض أن يقام في المنطقة، وبعد مكة المكرمة سيذهب إلى المنطقة الشرقية التي كان للملك فيصل حضور كبير ومهم في تنميتها وتطويرها إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من تطور وما انجزه فيها من مشاريع من ذلك إنشاؤه جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك فيصل، ومشاريع تحلية المياه وغيرها من الأمور التي تتعلق بشراء حصص من شركة ارامكو من مالكيها من الشركات الأميركية، لأن الملك فيصل كان أول من طرح فكرة شراء حصص الشركات الأجنبية العاملة في قطاع النفط كشركة أرامكو بما عرف آنذاك بمشروع المشاركة من خلال التفاوض مع الملاك الأساسيين على سعر عادل يدفع كقيمة ما استثمر في المنشأة، وقد حرص الملك فيصل على أن يبدأ طريق المشاركة، وليس التأميم، لأنه كان يختلف مع مبدأ التأميم، ليس فقط من الناحية الاقتصادية أو العلمية، ولكن أيضا من الناحية الأخلاقية، وقد شرع في مبدأ المشاركة الذي استكمل بعد وفاته بشراء السعودية كافة حقوق الشركات الأجنبية العاملة في شركة ارامكو، كل هذه الأمور استوجبت أن يكون للمعرض تواجد في المنطقة الشرقية، وبعد ذلك فإن طموحاتنا في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية أن يتوجه المعرض إلى الدول المحيطة بالمملكة، سواء دول مجلس التعاون التي كانت للملك فيصل بصمات في استقلالها ونهوضها ووقوفها على مقوماتها، أو إلى عواصم أخرى عربية واسلامية وعالمية.

* هناك جوانب أخرى في حياة القادة والزعماء والمبدعين ليست موثقة، بل يعرفها القريبون من هؤلاء، هل يحمل الأمير تركي الفيصل مثل هذه الجوانب عن والده الراحل يمكن أن يبوح بها لتضيف معلومات جديدة عن شخصية عظيمة وهي شخصية الملك فيصل ؟

ـ أنا كابن للملك فيصل رحمه الله، لم أكن ممن عاصر كل مراحل حياته ومنجزاته ومواقفه وأقواله وإنما من خلال الإطلاع والسماع والمعايشة حصلت على معلومات عن حياته، وكان لي شرف أن عملت كمستشار في الديوان في آخر سنتين من حياة الملك فيصل في منتصف السبعينات الميلادية (التسعينات الهجرية)، في عملي في تلك الفترة مع الملك فيصل التي تتعلق بالتعاون مع الدول الأخرى من خلال جلب معلومات وإيصال رسائل من وإلى الملك من زعماء وقادة بحكم عملي كنائب رئيس مكتب الاتصالات الخارجية في تلك الفترة الذي ترأسه الشيخ كمال أدهم ، من الأمور التي أذكرها أثناء فترة حظر البترول بعد حرب رمضان كانت الولايات المتحدة تشعر بضيق وإحراج من مواطنيها لعدم استطاعتهم الحصول على احتياجاتهم من النفط نتيجة لسياسة بلادهم الخاطئة والتي حذرهم منها الملك فيصل لارتمائها في أحضان إسرائيل والوقوف في صفها ودعمها، حين ساهمت أيامها مساهمة مباشرة في دعم إسرائيل بالسلاح والعتاد، وهو دعم لوجستي تم بطريقة غير معهودة وغير مبررة مما دفع الملك فيصل وقيادات العالم العربي، لاتخاذ قرار بحظر البترول عن الولايات المتحدة الأميركية ، وبعد أن اتخذ هذا السلاح كواقع بدأت أميركا تحاول أن تقتنع في البداية بحجم الخطأ الذي ارتكبته بدعمها إسرائيل وخلق روح العداء مع العرب ثم وصل الأمر إلى ظهور تصريحات من مسؤولين في الولايات المتحدة عن قيام الولايات بغزو آبار النفط، ونسبت بعض هذه التصريحات إلى وزير الخارجية آنذاك «هنري كسينغر»، ووزير الطاقة الأميركي، وغيرهم من المسؤولين إضافة إلى التسريبات الصحافية التي تستخدم اللغة ذاتها في هذا الأمر، وعن طريق تعاوننا مع الاستخبارات المركزية الأميركية جاءت رسالة من كسينغر للملك فيصل، كان الأمر غير المألوف فيها أنها لم تكن رسالة موقعة وإنما شفوية تحمل تحذيرا للمملكة العربية السعودية بأنها إن لم ترفع الحظر البترولي عنها في مدة قصيرة، فإن الولايات المتحدة ستتخذ كافة الإجراءات لحماية مصالحها، ولم تحدد الرسالة طبيعة هذه الإجراءات، ولكن يتضح من الرسالة أنها تحمل تهديدا باستخدام القوة، وقدم لي مندوب الـ«سي أي إيه» ورقة مكتوبا عليها الرسالة بدون توقيع وأبلغني أنها من كسينغر إلى الملك فيصل، وهذا التهديد يعكس أمراً مهماً.

حملت الرسالة وذهبت إلى الملك فيصل وأبلغته بمحتواها وتسلمها وقرأها ثم صمت برهة وقال: خير إن شاء الله، وحدث ذلك قبل أن يذهب إلى مكتبه.

* كيف وصلت الرسالة، ومن نقلها، وما مغزاها...؟

ـ الرسالة كتبت على ورقة من برقية حيث لم يكن في ذلك الوقت بريد الكتروني أو فاكس، وكما ابلغني مندوب الـ«سي أي إيه» فإن الرسالة شفوية رغم أنها طبعت على ورقة بدون توقيع، ولكن من الواضح أنها جاءت من الحكومة الأميركية، واعتقد أن الغرض من ذلك هو إظهار أنه إذا كان فيه تراجع أو حل من الممكن أن يتم بدون أن يكون فيه مستمسك رسمي موقع أو موثق بتاريخ أو ختم من مصدر الرسالة. المهم أنني سلمت الرسالة إلى الملك فيصل قبل ذهابه إلى العمل وكان ذلك في مدينة جدة، وتركت الموضوع ، وصادف أن احد الأقارب والأصدقاء حضر غداء الملك في الديوان الملكي في ذلك اليوم حيث أعتاد الملك أن يقيمه للمواطنين بشكل يومي، وفي ذلك اليوم وبعد انتهاء الجميع من تناول الغداء ، دخلت في حديث متشعب ومتنوع مع الصديق، وابلغني في سياق الحديث بأنه منذ مدة لم ير الملك فيصل بهذا الانشراح، وبهذا الانبساط وبهذه الأريحية، وميله الى روح الدعابة والطرفة وتجاذبه الحديث مع الجالسين في الصالة كما رآه في ذلك اليوم، وخطر على بالي مباشرة تلك الرسالة التي تسلمها في صباح ذلك اليوم التي حملت تهديداً مباشراً من الولايات المتحدة للمملكة باستخدامها لأي من الوسائل لتحقيق مصالحها إذا لم يرفع حظر البترول عنها، وفي تلك الظهيرة وخلال وجبة الغداء ظهر الملك فيصل بمظهر الإنسان الذي لا يبالي وكأنه في أحسن حال، وهذه سمة من سمات الملك فيصل حيث كان دائما يعطي الأمور حقها من الاهتمام والنظرة الثاقبة والشاملة، وهو يعلم بأن الانطباع الذي أخذه عنه صديقي سيأخذه عنه الآخرون المتواجدون على طاولة الغداء، وسينتشر أن الملك فيصل مبسوط ومرتاح ومعنوياته عالية رغم هذه التهديدات التي جاءت من أكبر قوة في العالم، وسيصل هذا الكلام إلى مصادر الأجهزة الاستخبارية الأجنبية بصفة عامة ومنها الـ«سي أي إيه»، وهي رسالة وجهها الملك بأنه لا يقبل أن تهدد بلاده بسبب قرار اتخذه مع أشقائه العرب مما يعد أكبر رد على تلك الرسالة الأميركية، هذا ما يمكن أن أبوح به خلال عملي مع الملك فيصل.

* ما هو في نظركم السر في استخدام الملك المؤسس عبد العزيز ابنه فيصل في السياسة وولوجه لها في سن مبكرة ؟

ـ من خلال ما نقرأ وما نسمعه من الذين عاصروا الملك عبد العزيز رحمه الله أنه يملك فراسة في معرفة العاملين لديه بل وفي كل من يقابله، حيث تروى قصص بأن الملك المؤسس عندما يدخل عليه شخص يستطيع من خلال ما يشاهده في مظهره أو سلوكه أو حديثه أن يقيمه ويشخصه.

ولاشك أن الملك المؤسس رأى في الملك فيصل مزايا ومقومات أدت إلى قناعته بأن ابنه من خلال ما يحمله من هذه المزايا والمقومات يستطيع القيام بالمهام التي يكلف بها أو توكل إليه، والحمد لله أن الملك فيصل لم يخذل والده في أية مهمة كلف بها سواء أكانت مهمة سياسية أو مهمة عسكرية أو غيرهما من المهام، ومن خلال عمله ودأبه واجتهاده كان محل ثقة الملك المؤسس بل أن هذه الثقة ازدادت واستمرت عند الملك عبد العزيز تجاه ابنه الملك فيصل.

* عاش الملك فيصل وحكم البلاد في فترات ذات شأن من تاريخ الدولة والمنطقة والعالم، وقد اتخذ الملك فيصل قرارات تاريخية لافتة، ما هو في رأيكم أبرز هذه القرارات محليا وإقليميا ودوليا ؟

ـ قد يختلف المحللون والراصدون والمؤرخون في تحديد أبرز قرارات الملك أو تقييمها، لكن اعتقد أن من أبرز ما أنجزه الملك فيصل لبلاده هو خدمته لوالده الملك عبد العزيز في مراحل التأسيس المختلفة وطوال سنين عدة كنائب له في الحجاز، وخدمته لأخيه الملك سعود في محطات مختلفة كرئيس وزراء وكنائب رئيس وزراء ووزير خارجية، فقد عمل في كل هذه المجالات حتى توليه الحكم لخدمة وطنه ومواطنيه وجنب بلاده وشعبه شر الاختلاف والشتات والتوجهات والقناعات التي تتجاذب العالم العربي في تلك الفترة من نزعات يسارية وغيرها من النزعات المتطرفة أيا كان مصدرها أو توجهها، الملك فيصل خدم والده الذي واجه تحديات عديدة في مراحل التوحيد وما بعده، ومنها التصدي ممن غالوا في الشأن الديني واتهموا الملك عبد العزيز بأنه خرج عن تعاليم الدين. في ما عرف بالصراع مع الإخوان، تعلم الملك فيصل بعد ذلك كيف يواجه الغلو والتطرف، ثم مواجهته للنزاعات اليسارية في المنطقة وطموحات الرئيس جمال عبد الناصر في قلب الحكم في المملكة، ثم قصف المملكة بالطائرات أثناء حرب اليمن، وبعد ثورة اليمن، كما وقف الملك فيصل أمام المد الشيوعي الذي كان مستشريا وقويا في المنطقة، وفي كل هذه الأمور استطاع الملك فيصل بحنكته وحكمته أن يدرأ شعبه من تأثيرات تلك الأحداث والتوجهات، لهذا حافظ الملك فيصل على وحدة البلاد ولحمة الشعب وهو أكبر إنجاز يسجل له على المستوى المحلي، أيضا ساهم الملك فيصل في تحقيق الإنجازات التي بدأها والده ثم أخوه الملك سعود وذلك في كل المجالات، كما سجل للملك فيصل أنه وضع أول خطة خمسية للبلاد عام 1970، وشرع في وضع الخطة الثانية للتنمية عام 1975 لكنه توفي قبل أن تقر، هذا على المستوى المحلي إما على مستوى المنطقة أو العالمين العربي والإسلامي فإن أبرز حضور للملك فيصل في ذلك هو سعيه الحثيث لتحرير الدول العربية والإسلامية من الاستعمار، وهنا يجب ألا ننسى أنه عند تأسيس المملكة عام 1932 لم يكن في العالم العربي سوى دولتين مستقلتين هما السعودية واليمن أما بقية الدول العربية من شرقها إلى غربها فكانت كلها مستعمرة أو تخضع لنوع من الاستعمار الأجنبي سواء كان فرنسياً أو بريطانياً وغيرهما من المستعمرين.

وبتوجيه من الملك عبد العزيز عمل الملك فيصل مع أخيه الملك سعود لدعم حركات التحرر في الدول العربية والدول الإسلامية في مختلف القارات لإنهاء الاستعمار، كما كانت له مساهمات متكررة ولافتة في وضع السياسات والمبادئ لتحقيق التعاون الإقليمي وإنشاء الجامعة العربية والأمم المتحدة وحضور بلاده في منظومة الدول غير المنحازة من خلال مشاركته في مؤتمر باندونغ قبل 55 عاماً، وتوج عمله بجمع كلمة المسلمين تحت مظلة التضامن الإسلامي وهي أمور تؤكد ريادة وتفرد الملك فيصل فيها.

* استطاع الملك فيصل أن يسجل اسمه كرجل العام لسنة 1974 بعد أن اتخذ سلاح النفط وسيلة لمعاقبة الدول الداعمة لإسرائيل، ومنها الولايات المتحدة عندما أمر بقطع النفط عن هذه الدول.. هل كان قراره صائباً وما مدى تأثير هذا القرار التاريخي في تغيير الواقع في تلك الفترة ؟

ـ لست أنا الشخص الذي يقرر هل هذا القرار كان مصيبا أم لا، إنما الفعل نفسه هو الذي يقرر ذلك، ولا شك أن الأوضاع التي اتخذ فيها هذا القرار استوجبت ذلك بسبب أن الولايات المتحدة انحازت انحيازاً شديداً وواضحاً لصالح إسرائيل في أيام حرب رمضان من خلال تزويدها لإسرائيل بمعدات وآلات حربية بصورة غير مألوفة أو منتظرة، كان الملك فيصل من قبل قيام الحرب يحذر أميركا، كان في كل مناسبة يتسنى له الحديث فيها أو خلال اجتماعه مع مسؤولين أميركيين وغيرهم يثير الوضع الغير المقبول لاحتلال إسرائيل لفلسطين وضرورة انسحابها من الأراضي العربية المحتلة بعد حرب 1967، وواصل هذا الطرح في رحلاته للولايات المتحدة وأمام الرأي العام الأميركي وكان يقولها بصراحة، ففي مشهد واضح عام 1971 عندما زار واشنطن وخلال حفل استقبال الرئيس نيكسون له وبعد الكلمة الترحيبية للرئيس الأميركي تحدث الملك فيصل بصراحة مشدداً بالقول إن احتلال أرضنا والمساس بمصالح شعب من شعوبنا هو الأمر الذي ربما خلق شيئا من عدم التوافق بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي.

لقد هيأ الملك فيصل قبل حرب رمضان الرأي العام المحلي والأجنبي على أنه ستكون هناك عواقب وخيمة للقرار الأميركي بدعم إسرائيل بتزويدها بالأسلحة خلال الحرب، وبالفعل وبالتعاون مع الدول العربية أصدر الملك فيصل قرارا بقطع البترول عن الولايات المتحدة الأميركية والدول الداعمة لإسرائيل، ولا شك أن هذا القرار قد أثر على مجرى الأحداث وعلى السياسة الأميركية تجاه العرب وقضاياهم ومن ذلك قيام أميركا وشروعها في محاولات لإنهاء الأزمة وقام وزير الخارجية الأميركي كيسنغر في تلك الفترة بحوالي عشر زيارات للمنطقة في محاولة لإيجاد حلول لهذا الوضع، حيث رأت أميركا أن من مصلحتها تحقيق الحل في المنطقة بل أن الرئيس نيكسون أخذ يتحدث عن حل عادل لمشكلة الشرق الأوسط، ثم تبعه الرؤساء الاميركيون من بعده عبر طرح مشاريع وحلول ما زالت قائمة الى اليوم.

أعتقد أن غيري يمكن أن يقرر عما إذا كان قرار قطع البترول مصيبا أم لا، أما أنا فأرى أن القرار كان فاعلا في التحرك وطرح أدوات جديدة للوصول إلى حل للقضية الفلسطينية في ذلك الوقت.

* أرجو أن تحدثونا عن علاقة الملك فيصل بأبنائه وأحفاده في جوانب مختلفة ؟

ـ كنا نحرص يوميا إذا كنا متواجدين في البلاد أن نقضي وقتاً مع الملك فيصل الذي كان بطبيعته يوفر هذا الوقت لأفراد عائلته في الرياض أو جدة، فرغم مسؤولياته الكبيرة سواء عندما كان ملكاً أو قبله فقد حرص أن يوفر ساعتين يوميا ليتسنى لأبنائه وبناته وأحفاده وحفيداته وإخوانه والأمراء الجلوس معه كما كان حريصا أن يتناول الأبناء والأحفاد والأمراء والمواطنون الغداء معه، وأذكر أنه خصص ساعتين من الحادية عشرة مساءً حتى الواحدة بعد منتصف الليل لأفراد العائلة، إضافة إلى ساعة بعد الظهر يقضيها مع أبنائه وأحفاده والأمراء والمواطنين، وتدور في مجلسه أحاديث منوعة تتناول قضايا الساعة والسياسة والثقافة والشعر ولا يخلو مجلسه من روح الدعابة التي تميز بها.

* ولد الامير تركي الفيصل في 15 فبراير من عام 1945 في مكة المكرمة، ودرس في المدرسة النموذجية في الطائف، وانهى دراسته الجامعية في جامعة جورج تاون الاميركية عام 1963.

* تقلد منصب مستشار في الديوان الملكي في عهد والده عام 1973، كما عمل رئيساً للاستخبارات العامة من عام 1977 حتى عام 2001 .

* في اكتوبر (تشرين الاول) عام 2002 عين سفيراً لبلاده لدى المملكة المتحدة وجمهورية ايرلندا، كما عين في عام 2005 سفيراً لدى اميركا، وظل من عام 2003 الى عام 2006.

* عضو في مجلس امناء مجلس اكسفورد الاسلامي في بريطانيا.

* عضو مجلس أمناء مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون.

* من مؤسسي مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وعضو مجلس أمناء المؤسسة ويرأس حالياً مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية.