الجيش اللبناني يدعو إلى «الحوار والوفاق» ويرى أن الأمن في لبنان لا تحكمه البندقية

تساؤلات من الموالاة وإشادة من المعارضة... والحكومة «غير مقتنعة» بأدائه

TT

لم يكن «مشروع الحل» الذي طرحته قيادة الجيش اللبناني أمس، أول اقحام للمؤسسة العسكرية في الازمة السياسية والامنية التي تتهدد المؤسسة العسكرية ولبنان على حد سواء بالانقسام. فمنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري عام 2005 والجيش يتعرض لامتحان تلو الاخر في وحدته، في اطار سعيه الى الحفاظ على وحدة البلاد، وصولا الى «اجماع» على انتخاب قائده العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية. بذل الجيش اللبناني خلال «ايام الفتنة» اللبنانية في الايام الماضية جهدا كبيرا، محاولا منع امتداد الفتنة بعدما عجز عن منع نشوبها. لكن مسعاه هذا لم يمر من دون «ملاحظات» على ادائه من قبل فريق الاكثرية البرلمانية، الذي أخذ عليه عدم التدخل لحماية مراكزه ومكاتبه في بيروت ومناطق اخرى. هذه الملاحظات لمح اليها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، وصرح بها أكثر من مسؤول ووزير في الاكثرية. ووصل الامر باحدهم الى القول: «ان السؤال الكبير هو اين موقع العماد ميشال سليمان». فيما قال وزير الاتصالات مروان حمادة ان الحكومة «ليست مقتنعة بما قام به الجيش وكذلك الشعب»، مشيرا الى ان «من بين أعضاء الحكومة، وهو وزير الدفاع الياس المر، كان له رأي بضرورة ان يلعب الجيش دورا اكثر فاعلية».

لم يتدخل الجيش في المعركة، لكنه فرض طوقا أمنيا حول مقر رئاسة الحكومة ومقر النائبين وليد جنبلاط وسعد الحريري، واضعا قوة كبيرة من «المغاوير» لحمايتهما. وفي المقابل، لم يمنع الجيش انصار المعارضة من القيام بهجومهم على مراكز «تيار المستقبل»، لكنه كان يتدخل لاخلاء هذه المراكز بعد سقوطها وتسلم العناصر الموجودة فيها. وأرفق ذلك ببيان دعا فيه القيادات السياسية الى العودة للحوار لأن الخلاف يهدد وحدته ويعيق دوره. هذا الموقف رأت بعض قيادات الاكثرية أنه «موضع تساؤل». فيما رأت فيه مصادر بارزة في المعارضة «دورا انقاذيا». وقال مرجع في المعارضة لـ«الشرق الاوسط» ان الجيش بـ«تصرفه الحكيم انقذ البلاد من مجزرة حقيقية». وزير الاعلام غازي العريضي قال أمس إن الجيش «يتحمل مسؤولية كبيرة ويسعى بجدية». وأضاف، ردا على ما أورده بيان الجيش من خوف على وحدته: «لكن عندما تتم الاشارة الى الخوف على وحدة المؤسسة العسكرية، فهذا الخوف لا يأتي من جانب واحد انما ايضا من جوانب اخرى، لان الجيش في النهاية يعكس مكونات المجتمع السياسي والطائفي اللبناني. ولذلك لا بد من الانتباه الى هذه المسألة».

وتوجه النائب مصباح الاحدب أمس بـ«صراحة» الى الجيش اللبناني قائلا انه «من غير المنطقي الا يؤمن الحماية للشعب اللبناني والمؤسسسات الخاصة». وكان الاحدب قد لمح الى امكانية حصول انقسام في الجيش، معرباً عن تخوفه «حيال وجود بعض الضباط من طرابلس لن يقبلوا بأن تكون المعادلات حتى في المناطق الاخرى غير صحيحة».

أما النائب هنري حلو فقد ذهب الى حد القول إن الديمقراطية التوافقية سقطت وانه «لا يمكن لفريق بعد اليوم ان يعتمد على القوى الامنية من جيش وقوى أمن داخلي للدفاع عن نفسه وممتلكاته، فنحن ذاهبون الى التسلح وهذا ما لا نريده، لانه تأكد الا شيء يقف بوجه السلاح الا السلاح».

وتقول مصادر مطلعة على موقف قيادة الجيش اللبناني، انها تبذل جهدها لوأد الفتنة ـ وتشير الى ان «الأمن في لبنان يحكمه الوفاق وليس البندقية، وان الجيش لن يألو جهدا لمنع اقتتال اللبنانيين، والافضلية هي لعدم الوقوع في الفتنة».

واذ تشير المصادر الى ان الجيش هو، وفقا للدستور، اداة تنفيذية، تقول في المقابل: «عندما يكون هناك انقسام كبير الى هذا الحد بين القوى الاساسية المكونة للمجتمع اللبناني لا يستطيع الجيش الا ان ينفذ ما تمليه عليه المصلحة الوطنية العليا تحسسا بالمسؤولية وحفاظا على صيغة العيش المشترك». وتقول ان الجيش «ينطلق من هذه الثوابت في مواقفه حيال كل الاحداث ومعالجة النشاطات والتظاهرات وكل ما يحدث». معتبرة انه «نجح ولهذا كان التفاف كل اللبنانيين حوله». وتضيف ان الجيش «يدعو الجميع الى مزيد من الوفاق والحوار لكي تستطيع المؤسسة العسكرية الاستمرار بفاعلية في الدفاع عن الوطن في الجنوب ودرء الاخطار في الداخل خشية الانزلاق الى اخطار الفتنة أو استغلال مناخات الخلاف للأعمال الارهابية».

لقد تعرض الجيش اللبناني مرتين للانقسام نتيجة «حشره» في الأزمات الداخلية. وربما لهذا يسعى قائده الى تجنيبه «الكأس المرة». الجيش لا يزال متماسكا حتى الآن، رغم كل الصعوبات التي تحيط به وتحدق بدوره، فهل يحميه الحياد منها؟