مصرفي كبير لـ«الشرق الأوسط» : اقتصاد لبنان أمام خياري الضياع في المجهول أو النهوض الشامل

تخوَّف من «دخان رمادي» في حوار الدوحة يدخل البلد في هدنة مؤقتة

TT

يصعب على الاقتصاديين، مسؤولين وخبراء، حصر الاضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بالاقتصاد الوطني جراء جولة العنف الاخيرة التي تمددت كالنار في الهشيم من قلب العاصمة الى معظم المناطق اللبنانية. لكن القراءات المتنوعة تجمع على التحذير من خطر فقدان الثقة الداخلية والخارجية وتأثيره المدمر على لبنان واقتصاده حاضراً ومستقبلاً، خصوصاً بعدما كرست الازمة الاخيرة حقيقة الاستقرار الهش الذي يفصل بين ازمات كبرى بدءاً من اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005 وما تلاه من اغتيالات وتداعيات، مروراً بالعدوان الاسرائيلي التدميري على مدى 33 يوماً في يوليو (تموز) 2006 الى ازمات التظاهرات والمواجهات مطلع عام 2007 والاعتصام المستمر في وسط بيروت منذ سنة ونصف السنة تقريباً، من دون اغفال محطات التصعيد السياسي الحاد والتهديدات المتواصلة بتزخيم التحركات الشارعية الاعتراضية.

ويتخوّف مصرفي كبير، فضّل عدم الكشف عن اسمه، من «دخول لبنان نهائياً دوائر الصراع الاقليمي بكل فصوله ومظاهره، فتتحول بالتالي جولة الدوحة الحوارية الى هدنة فاصلة بين مواجهتين، وهذا ما يجعل الاضرار الاقتصادية خارج اية حسابات أو تصور لان الاقتصاد سيفقد مقوماته الطبيعية ويتحول حكماً من صفته الكيانية المتكاملة الى واقع توزع النفوذ المسلح وغير المسلح، أو بمعنى أدق الى صفة الميليشيوي».

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «ربما لن تجد حاليا من يهتم بأن آخر الاحصاءات المجمعة تظهر ان القطاع المصرفي حقق اعلى متوسط معدل نمو لكل مؤشراته في 5 سنوات خلال الربع الاول من العام الجاري. وكان يتوجه الى تحقيق معدل نمو قياسي يناهز 15 في المائة بنهاية هذا العام، مساهما بقوة في دفع نمو الناتج المحلي الى ما فوق مستوى 5 في المائة. كما كان كفيلاً بإعادة حفز الاستثمارات اللبنانية الخارجية والعربية واستقطابها على غرار الفورات العقارية الضخمة التي شهدتها دول المنطقة. فيما كان مرفأ بيروت يسجل ارقاماً قياسية في حركة التشغيل والترانزيت، مع بوادر لتمدد هذا النمو المتميز الى سائر القطاعات خصوصاً السياحي والفندقي».

ويفيد المصرفي الكبير انه «على رغم التأثير السلبي للتجاذبات السياسية الداخلية التي سبقت الانفجار الاخير، برع القطاع المصرفي في تنمية اصوله الاجمالية بنحو مليار دولار شهرياً حتى نهاية شهر ابريل (نيسان) الماضي، ليصل مجموع الاصول الى نحو 87 مليار دولار بنمو قارب 5 في المائة وفاق 3.5 اضعاف متوسط النمو المقابل في السنوات الخمس الماضية. وارتفعت الودائع بنحو 600 مليون دولار شهرياً مقابل نحو 90 مليون دولار فقط كمتوسط نمو شهري للفترة ذاتها من الاعوام السابقة، ليتجاوز مجموع الودائع 70 مليار دولار في نهاية ابريل (نيسان)، اي ما يوازي ثلاثة اضعاف الناتج المحلي».

ويضيف انه «على خط مواز، نجحت السياسات المالية والنقدية في استيعاب الوقائع اللبنانية الداخلية والسعي الى منع المشكلة الجوهرية المتمثلة بالدين العام البالغ نحو 43 مليار دولار، وذلك من خلال ضبط الموازنة العامة والحفاظ على توازن مقبول بين الايرادات والانفاق على رغم ارتفاع عجز مؤسسة كهرباء لبنان الى 1.2 مليار دولار، كذلك حفز الدول والمؤسسات المشاركة في مؤتمر «باريس ـ 3» على تسريع تنفيذ وعودها بالدعم والمنح والقروض من خلال اعادة هيكلة مضمون بعضها نظراً الى تعذر انعقاد المجلس النيابي المكلف اقرار مشاريع القوانين الانمائية، فضلاً عن اقرار مشاريع الموازنات العامة المتراكمة لديه منذ عام 2005. وفي المقابل حققت الهندسات المالية المساندة التي يخوضها البنك المركزي دعماً مباشراً لاستيعاب مستحقات الخزينة واعادة جدولتها لآجال طويلة. كما حققت ارتفاعاً قياسياً في حجم احتياط العملات الصعبة ليصل الى 14 مليار دولار يسانده احتياط نفسي بنحو 8 مليارات دولار كقيمة موازية لاحتياط الذهب، ما يعني ان مجموع الاحتياط بات يوازي تقريباً مجموع الناتج المحلي وما نسبته 50 في المائة من اجمالي الدين العام». ويتابع المصرفي: «لا مجال حالياً لتعداد كل المؤشرات الاقتصادية الايجابية التي كانت تتراكم ككرة الثلج قبل الازمة الاخيرة. ولسنا هنا في وارد تحميل المسؤوليات بقدر ما نحاول اظهار الجانب غير المرئي من خطورة ما حصل. والاهم التحذير من سياسات تضييع الفرص التي يتقنها اللبنانيون، فيما العالم كله، دولاً وشعوباً، يبحث عن اقتناص اية فرصة لتحسين الاقتصاد والتنمية ومعيشة المواطنين وتقديماتهم الاجتماعية».

وقال: «تكفي متابعة ما حصل في بورصة بيروت اليوم (امس) التي ارتفعت بنحو 7 في المائة وبلغ مؤشرها المجتمع مستوى قياسياً جديداً عند حدود 1800 نقطة بمجرد اعلان بدء الحوار وتحديد مواضيع الخلاف. وهذا يعكس اهمية العوامل النفسية في تحديد مسار السوق. ولذلك نركز جميعا على عامل بناء الثقة واساسه الاجابة عن سؤال حاسم: اي لبنان نريد؟ واستتباعاً: كيف نحل خلافاتنا؟». ويضيف: «نحن الآن في وضعية تمهل وترقب في انتظار دخان ما من جولة قطر. ونتخوف كثيراً ان يصعد رمادياً فندخل في هدنة مؤقتة تعيد الاستقرار الهش ويصعب معها اعادة بناء ثقة حقيقية داخلياً وخارجياً. أما في حال تصاعد سحابة من دخان ابيض بمعنى ارساء مدخل لاتفاق سياسي طويل الامد فإننا لا نبالغ بتوقع فورات غير مسبوقة في كل قطاعات الاقتصاد اللبناني ومساراته».