الحريري كان مرشح «14 آذار» حتى خطاب نصر الله والمعارضة ترسب في امتحان الأكثرية الأول

سليمان يكلف السنيورة تأليف أولى حكومات عهده بأصوات الأكثرية وامتناع المعارضة

زعيم الغالبية البرلمانية سعد الحريري والنائبة بهية الحريري يهنئان السنيورة (رويترز)
TT

حسمت الاكثرية البرلمانية موقعة «الرئاسة الثالثة» في لبنان لمصلحة الرئيس فؤاد السنيورة، الذي نال تأييد 68 نائبا من اصل 127 ما يخوله تأليف الحكومة الجديدة، التي ستبدأ استشارات نيابية لتحديد شكلها المحدد اصلا (16-11-3) في «اتفاق الدوحة» الذي تعرض لاختبار جدي مع امتناع المعارضة عن تسمية السنيورة للرئاسة، ما هز الصورة التوافقية التي ظهرت بعد توقيع الاتفاق.

وبدا ان تسمية السنيورة استفزت المعارضة التي امتنع الطرفان المسلمان فيها (امل وحزب الله) عن التسمية. فيما ذهب الطرف المسيحي المتمثل بالنائب ميشال عون الى اطلاق مجموعة تسميات ليس السنيورة من بينها. واذ اعتبر عون ان الاكثرية بتسميتها السنيورة «تريد ادارة معركة لا حلا»، قالت مصادر في «الثنائي الشيعي» لـ«الشرق الاوسط»، ان المعارضة تدرك ان تسمية السنيورة اتت بناء لقرار كبير خارج عن ادارتها، معلنة عن استعدادها للتعاون في قضية تأليف الحكومة في اسرع وقت ممكن.

وعلمت «الشرق الاوسط»، ان الجو كان ميالا بشكل جدي لترؤس الحريري الحكومة المقبلة، حتى كان خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والاشكالات الامنية، التي تلته في شوارع بيروت. فقد كان السائد في تيار «المستقبل» قبل هذين الحدثين، بتأثير من الاجواء العربية السائدة، ان هناك احتمالا بان المعارضة جدية في البحث عن حل لا عن ابرة بنج (مخدر) مؤقتة.

بعد ذلك، انتقل التحليل الى اتجاه اخر، اذ بدا للاكثرية من كلام نصر الله ولهجته والتصرفات حيال اهل بيروت ان المعارضة ليست جماعة تسوية عبر افتتاحها عهد سليمان بهذه التصرفات، التي لا تؤشر الى احتمالات جيدة. وهنا انتقلت الاكثرية الى اعتماد الخطة التالية: اجرت اختبار نيات للمعارضة لمعرفة مدى رغبتها بالمصالحة، فكان ترشيح السنيورة اساس ان المصالحة تكون مع الشخص الذي كانت معه على اشد خصومة ممكنة. رسبت المعارضة في هذا الاختبار، كما خلصت الاكثرية. اما الامتحان الثاني للمعارضة ـ بنظر الاكثرية ـ فهو تشكيل الحكومة ومدى تعاون المعارضة في هذا التشكيل. ويتبقى امامها اختبار ثالث هو تصرفاتها داخل الحكومة. وبالاضافة الى هذا كله، كان خيار الاكثرية يستند الى ان الفرصة سانحة الان لابداء الدعم للسنيورة بعدم التخلي عنه عند اول منعطف. وفي الواقع ان الاكثرية تركت في قرارها مكانا لسوء الظن من حسن الفطن، فاذا كانت المعارضة لا تنوي الخير، فالاولى ان تدفع الاكثرية الى الحكومة بالرجل الذي صمد ثلاث سنوات في اصعب الظروف ودافع عن الجمهورية والطائف.

وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قد اجرى امس الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة. فالتقى النواب في مكتبه او في قاعة الاجتماعات التابعة له، او في قاعة السفراء كما كانت الحال بالنسبة الى الكتل النيابية. ولوحظ ان الرئيس سليمان كان يضع الى جانبه دائما الدستور. وهو اكد للنواب الذين استشيروا ان يكون موقفهم محددا وفق الاصول الدستورية.

وقد استهل هذه الاستشارات باجتماع برئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سأله الصحافيون لدى دخوله بهو القصر الجمهوري: هل سترشح الرئيس فؤاد السنيورة؟ فأجاب: «هل هو مرشح؟»، ثم توجه الى مكتب رئيس الجمهورية حيث عقد اجتماع ثنائي استمر حتى العاشرة والنصف. وقد سئل في اعقابه من سمي لرئاسة الحكومة، فأجاب: «سميت باسم الله الرحمن الرحيم».

والتقى الرئيس سليمان الرئيس حسين الحسيني الذي رفض الادلاء بأي تصريح او كشف الاسم الذي رشحه. ثم نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الذي قال انه سمى السنيورة لأنه «خلال الفترة التي تولى فيها الحكم اثبت، وبجدارة، لبنانيته ومقدرته على مواجهة الصعوبات بالنفس الطويل»، مشيرا الى ان النائب الحريري قادر جدا على ذلك لكن لديه انشغالاته. وهو يعتبر انه عندما يكون الرئيس السنيورة موجوداً في الحكم، فهو تالياً موجود وسيسانده ونحن كذلك. ونفى بشدة وجود ضغوط اميركية وسعودية لتسمية الرئيس السنيورة.

والتقى رئيس الجمهورية كتلة «التنمية والتحرير» برئاسة الرئيس بري. وتحدث النائب انور الخليل باسم الكتلة فقال: «الكتلة لم تسم تكليفا لكنها ستشارك تأليفا». اما النائب ميشال المر فقال انه سمى الرئيس السنيورة.

ثم التقى سليمان كتلة «المستقبل» برئاسة النائب سعد الحريري، الذي قال عقب اللقاء: «سمينا دولة الرئيس فؤاد السنيورة». واضاف: «اليوم هناك فرصة حقيقية لفتح صفحة جديدة. ويجب علينا كلبنانيين ان نفتح هذه الصفحة، خاصة بعد الازمات المتتالية التي حصلت في البلد. لم نسم الرئيس السنيورة لتحدي اي شخص، بل اردنا ان نبدأ فعلا صفحة جديدة»، مؤكدا ان «الكتلة ستتعاون مع الرئيس سليمان بكل ما للكلمة من معنى. وعندما يكون فخامة الرئيس في حاجة الينا سنكون الى جانبه. فهذه فرصة للبنان لكي نتلاقى ونبلسم الجراح فنبدأ من جديد».

واعلن: «انها فرصة لكل اللبنانيين لننهض بهذا الوطن وننفذ خطاب القسم لفخامته الذي حقق ارتياحا لبنانيا كبيرا. لذلك لن تجدوا كتلة المستقبل الا متعاونة بكل من فيها مع فخامة الرئيس. وسنكون ايضا متعاونين تعاونا كبيرا في تشكيل الحكومة التي حددت اعداد الوزراء والتقسيمات في اجتماع الدوحة. ومن المؤكد اننا سوف ننفذ هذا الاتفاق بعدما جمعتنا دولة قطر مع اللجنة العربية والجامعة العربية بجهود الامين العام عمرو موسى وأمير قطر حتى نتمكن من التلاقي كلبنانيين في القصر الجمهوري، ونلتقي فخامة الرئيس، حيث ينشرح قلبنا فعلا لوجود رئيس للبنان».

وردا على سؤال عن سبب ترشيح الرئيس السنيورة، قال الحريري: «نحن في مرحلة تأسيسية، مرحلة فيها مصالحة ولا بد ان تبدأ بالرئيس السنيورة. وكما قلت في السابق فان الجراح تحتاج الى كل الخطوات لتضميدها ومداواتها. وهي تبدأ من هنا. نحن لم نسم فؤاد السنيورة للتحدي بل من اجل مصالحة فعلية وفتح صفحة جديدة».

والتقى رئيس الجمهورية كتلة حزب الله برئاسة النائب محمد رعد، الذي رأى «ان المرشح لحكومة الوحدة الوطنية يجب ان يتمتع بمواصفات تعكس هذا العنوان اي التزام العهود والصدق في الاداء، بعيدا عن النكد والكيدية والحرص على سلاح المقاومة والاستقلال الحقيقي للبنان ورفض الوصاية الاجنبية. وهي عناوين ضرورية لحكومة الوحدة الوطنية». وقال: «لم نسم احدا. ونعتقد ان اللبنانيين تواقون الى شخصية تحدث صدمة ايجابية وتريحهم مع اطلالة هذا العهد الجديد».

ثم التقى الرئيس سليمان كتلة «اللقاء الديمقراطي» برئاسة النائب وليد جنبلاط الذي قال: «بالامس تشاورنا مع حلفائنا في قوى 14 آذار وتم التوافق على تسمية الرئيس السنيورة رئيسا للحكومة التي ستشكل. ونتمنى له وللرئيس سليمان التوفيق». واضاف: «ان اللقاء الديمقراطي الذي ساهم بتواضع في انجاح مؤتمر الدوحة مستعد لتقديم المساعدة في اي مجال لانجاح عهد الرئيس سليمان».

بعدها التقى رئيس الجمهورية تكتل «التغيير والاصلاح» برئاسة العماد عون الذي قال: «نحن اليوم في بداية عهد توافق. وانطلاقا من ذلك اعتبرنا ان رئيس الحكومة يجب ان يكون توافقياً. وبما ان هذا الامر لم يتم حتى الآن ولم يتم التفاهم على اسم رئيس الحكومة التوافقي طرحنا ثلاثة اسماء توافقية هي: من خارج المجلس السيدة ليلى الصلح، ومن داخله (النائب) بهيج طبارة او الوزير محمد الصفدي. لقد سميناهم توافقيين لاننا طرحنا اكثر من اسم كي تبقى هناك ليونة في الخيار وامكان الخيار للفريق الآخر لاننا نعتبر ترشيح السيد السنيورة بعد سماعنا ترشيحه من النائب سعد الحريري استمرارا للماضي وعنوانا للخلاف وليس للوفاق الذي يجب ان يبدأ العهد الجديد به. هذه هي رسالتنا لكل اللبنانيين رسالة سلوك بنهج توافقي. وقد سمعنا احد المستشارين للرئيس السنيورة يقول عن اتفاق الدوحة انه مثل الاتفاق الثلاثي لم ينفذ. من هنا فان مستوى المسؤولية ينخفض. والآخر يعتبر ان اتفاق الدوحة هزيمة للمعارضة. وانطلاقا من هنا، وبالاضافة الى ما نسمعه في الاعلام، يبدو ان الموالاة تبدأ معركة حرب وليست معركة لبناء لبنان الجديد مع الرئيس الجديد».

وبدورها فوضت «الكتلة الشعبية» برئاسة النائب الياس سكاف رئيس الجمهورية اختيار الصلح او طبارة او الصفدي.

اما «التكتل الطرابلسي» برئاسة الوزير محمد الصفدي فقد سمى السنيورة. وقال الصفدي بعد اللقاء: «كنا نتمنى ان نستطيع تسمية النائب سعد الحريري الا ان الظروف السياسية شاءت وبعد التشاور في قوى 14 آذار ودرس الموضوع مطولا الاتفاق على تسمية الرئيس السنيورة لرئاسة الحكومة».

واعلنت كتلة نواب الارمن الامتناع عن تسمية اي شخص لتولي رئاسة الحكومة «احتراما لقرار الاكثرية الذي لا نوافق عليه لاننا كنا نفضل ان يكون هناك توافق في اختيار رئيس الحكومة».

والتقى رئيس الجمهورية كتلة نواب «القوات اللبنانية» التي رشحت بدورها السنيورة لرئاسة الحكومة. فيما امتنعت كتلة الحزب السوري القومي الاجتماعي عن الترشيح. اما النائب غسان تويني فقد سمى السنيورة «كرئيس جديد وليس كاستمرار للازمة السياسية. والعهد يجب ان ينطلق من الشيء الذي قاله فخامة الرئيس». بينما سمى النائب بهيج طبارة النائب سعد الدين الحريري. وقال: «اعتقد ان رئيس اكبر كتلة نيابية من المفروض ان يتولى رئاسة الحكومة. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، اعتقد انه في هذه المرحلة بالذات، وكما حصل فخامة الرئيس على تأييد واسع، كان من المفروض ان يتمتع رئيس الحكومة بالتأييد الواسع نفسه».

وبعد انتهاء الاستشارات النيابية اجتمع الرئيس سليمان ببري واطلعه على نتائجها التي بينت ان 68 نائبا سموا السنيورة لرئاسة الحكومة. فيما طرح 59 نائبا اسماء اخرى او لم يسموا احدا. وعلى هذا الاساس استدعي السنيورة الى قصر بعبدا وتم تكليفه رسميا بتشكيل الحكومة.