حكومة السنيورة الجديدة محكومة بالسياسة والآمال متواضعة بمعالجات اقتصادية اجتماعية

عمرها القصير وحملة الاعتراضات يحدان من قدراتها

الرئيس اللبناني ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري (يسار) ورئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة في اجتماع التكليف أمس (إ.ف.ب)
TT

لا يعلّق معظم اللبنانيين آمالاً كبيرة على الحكومة الاولى في عهد الرئيس ميشال سليمان رغم المشاركة السياسية الجامعة فيها، طبقاً لاتفاق الدوحة الذي اعطى 16 وزيراً لقوى 14 آذار و11 وزيراً للمعارضة و3 وزراء يسمّيهم لرئيس الجمهورية بينهم وزير الداخلية. كذلك، لا يتوقع ان تحول الاعتراضات «الشكلية» على قرار الاكثرية باعادة تسمية فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة الجديدة دون انطلاقتها فعلياً خلال ايام، باعتبار ان «ما كتب قد كتب». وستتواصل الخطوات التنفيذية للاتفاق ما دامت الرعاية العربية والدولية متوفرة وداعمة.

لكن تظهير الاعتراضات على شخصية الرئيس السنيورة، مترافقاً مع بعض الحدة والتشنج، يشكل ـ بحسب مراجع اقتصادية ومصرفية ـ سبباً اضافياً للحد من قدرة الحكومة الجديدة على ادارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية الشائكة والمرشحة في بعض انعكاساتها لمزيد من التأزم وخصوصاً على المستوى المعيشي في ظل التنامي المطرد لمؤشر التضخم والتأثير السلبي المتفاقم لارتفاع اسعار المحروقات.

ويجمع اقتصاديون وخبراء على حصر مهمة الحكومة في الاشراف على الانتخابات النيابية في مايو (أيار) 2009 وتصريف الاعمال الادارية والمالية الضرورية للدولة بعيداً عن اي انجازات حقيقية، خصوصاً ان عمر هذه الحكومة محدد سلفاً بنحو 11 شهراً يكون بعدها لنتائج الانتخابات الكلمة الفصل في تحديد المسار الجديد.

ورغم تواضع الآمال لجهة القدرة على الانجاز، فان تمكين الحكومة، من خلال التوافق السياسي ومشاركة كل الاطراف الاساسية فيها، من تعزيز الاستقرار الامني وتحقيق المزيد من التقارب لترسيخ مسار سياسي ينأى عن التشنج واستخدام الشارع او العنف في محطات الخلاف، سيفتح الباب عريضاً امام نهوض واسع يقوده القطاع الخاص في كل مجالات العمل والانتاج وخصوصاً في قطاعات السياحة والمصارف والمال والخدمات والعقارات وجذب الاستثمارات والانفاق الاستهلاكي وغيرها.

وفي جانب متصل، لا يمكن الا من خلال التوافق السياسي انتاج تعاون منشود بين الحكومة والمجلس النيابي يؤدي الى اقرار مشاريع القوانين المحالة سابقاً أو التي تتم احالتها خلال الاشهر المقبلة. ومعظمها يدعم عملية اعادة وضع الاقتصاد اللبناني على مسار النهوض، لا سيما اقرار موازنات الاعوام الثلاثة الماضية واعداد مشروع موازنة العام المقبل في موعده القانوني، اي الخريف المقبل. والاهم اقرار مشاريع القوانين والبرامج المرتبطة بتسهيل تنفيذ الالتزامات العربية والدولية في مؤتمر «باريس ـ 3» والبالغة نحو 2.5 ملياري دولار.

وينتظر ان تقدم الحكومة في اولى جلساتها على اقرار مرسوم زيادة الاجور في القطاعين العام والخاص وفقاً للقرار الذي اتخذته الحكومة السابقة قبيل اندلاع «ازمة القرارين» وانفلات الوضع الامني. فالقرار الخاص بزيادة الاجور شابه غموض او التباسات، كما امتنع وزير العمل المستقيل، طراد حمادة، عن توقيعه فلم يصدر المرسوم ليبدأ القطاع الخاص بالتنفيذ، فيما يتطلب الامر احالة مشروع قانون الى مجلس النواب لاقرار الزيادة ذاتها لموظفي الدولة والمؤسسات العامة.

ويقتضي على الحكومة اقرار اعفاءات من الغرامات عن تأخير سداد الرسوم والضرائب ومنح مهل مناسبة للسداد بهدف حفظ موارد الخزينة التي تأثرت سلباً بامتناع الكثير من المكلفين عن دفع المستحقات في اوقاتها على خلفية الازمة السياسية الحادة وبلوغها حدود العصيان المدني، ثم المسلح. ولا ينبغي تحميل هؤلاء المكلفين مسؤولية الخلافات السياسية.

في المقابل، لن يكون في مقدور الحكومة اهمال الارتفاعات القياسية في اسعار المحروقات تبعاً لارتفاع اسعار النفط العالمية. فقد استهلكت هذه الارتفاعات مسبقاً الجزء المتعلق برفع بدلات النقل من زيادة الاجور المحدودة التي تم اقرارها ولم تدخل، حتى الآن، فعلياً حيز التنفيذ. ويمكن ان تستهلك الجزء الآخر من الزيادة نظراً الى انعكاس هذه الارتفاعات على مؤشر التضخم الذي ارتفع بنحو 6 في المائة خلال الأشهر الماضية ويتجه الى تجاوز نسبة 10 في المئة بنهاية العام الحالي.