بعد الحديث عن الاقتصاد.. المشاركون يذهبون نحو البيئة والتقنية وصدام الحضارات

مداخلات طالبت بإنشاء قناة تلفزيونية تعنى بالحوار

TT

الاحتكار العلمي والتعامل مع البيئة والمبادئ العشر للانطلاق في الحوار مع أتباع الأديان الأخرى والحميمية في الأسرة، شكلت العناصر السابقة أهم قضايا النقاش في ختام جلسات المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار بقصر الصفا في مكة المكرمة صباح البارحة.

وذلك خلال أعمال الجلسة السادسة للمؤتمر برئاسة المشير عبد الرحمن بن محمد حسن سوار الذهب رئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية في السودان، لمناقشة المحور الرابع الذي يبحث في «مجالات الحوار» حيث عرضت خلالها أربعة بحوث.

وكان المتحدث الأول في الجلسة الدكتور عبد الرحمن الماحي رئيس جامعة الملك فيصل في تشاد، الذي قدم دراسة بعنوان «الحوار في ضوء المبادئ الأساسية للعلاقات البشرية» وشرح أسس الحوار الناجح التي حددها في سبعة أسس.

وجاء أول الأُسس في منظور الدكتور الماحي موضوع الحوار والهدف منه معرفة المتحاورين للموضوع وأبعاده وآفاقه والجو المناسب والهادئ للحوار والأسلوب العلمي للحوار والاحترام المتبادل بين الأطراف المتحاورين والثقة بشخصية المحاور الذي يدير الحوار أو الشخصيات المتحاورة ونتيجة الحوار وما يترتب عليه من أعمال بشرية في معترك الحياة.

وحدد الدكتور عبد الرحمن الماحي عشرة مبادئ ينطلق منها الحوار مع أتباع الأديان والفلسفات الوضعية، وهي «التوحيد، ووحدة الأصل البشري وعظم الفوارق التمييزية بين البشر، وكرامة الإنسان، والتعاون البشري، والتسامح بين الأفراد والجماعات في غير استسلام للشر، ومناهضة العداء، والحرية، والعدل، والوفاء بالعهد، والمودة».

وفي جانب مبدأ الحرية، قال الدكتور عبد الرحمن الماحي «إن الحوار مع الآخر يحتاج إلى مساحة واسعة من الحرية التي توفر جواً خالياً من الخوف والفضيلة وهي من القيم العظيمة التي يجب أن تتحلى بها النفس البشرية في الحياة الاجتماعية حيث الفقه والحلم والشرف والتواضع والتسامح من الفضائل التي دعا إليها الإسلام ورغب فيها».

بينما قدم الدكتور محمود أحمد غازي الأستاذ في كلية الدراسات الإسلامية بقطر، بحثاً بعنوان «صراع الحضارات والسلم العالمي» تناول خلاله فكرة صدام الحضارات التي تسيطر على عقول العالم، واصفاً إياها بـ«الوهم».

وأرجع الدكتور غازي سبب توصيفه لصدام الحضارات بالوهم لوجود أطراف تسعى للحوار السلمي المستمر بين الحضارات، مضيفاً «هناك طرف آخر يرى أن الحوار السلمي المستمر بين الحضارات الأخرى هو المنقذ للبشرية من هذا الصراع الذي يهدد السلام العالمي». وأشار أستاذ الدراسات الإسلامية إلى أن العالم يعيش اليوم وضعية فكرية وحضارية تهدد السلام العالمي والأمن الداخلي في كثير من البلاد الإسلامية، وقال «إن أهم الأسباب التي أدت إلى الاخلال بالسلام العالمي هي الاحتكار العلمي، وذلك على عكس الحضارة الإسلامية التي لا تمانع من أن يستفيد من علومها ومعارفها الشرقيون والغربيون، بينما الحضارة الغربية المعاصرة جعلت العلم وسيلة للاستيلاء والسيطرة على العالم». من جانبه، بين الدكتور مصطفى الزباخ مدير الأمانة العامة لاتحاد جامعات العالم الإسلامي، في بحثه «المرجعية القيمية للحماية من الأخطار البيئية»، أن الإنسان حارس أمين مكلف شرعاً بحفظ صلاح الموارد الطبيعية والاجتماعية والثقافية ومنهي عن إفسادها إيماناً بأن مالك الكون هو الله خالقه.

وقال الزباخ «من الواجب إيجاد حوار يهدف إلى تعزيز قيم الصلاح والخير والسلام بين الإنسان والبيئة، وبالحوار يمكن إيجاد القيم المطلوبة وهي الفهم الواعي للبيئة، حيث إن الجهل بقوانين البيئة وحقوقها ونظمها وأسرار جمالها عامل من عوامل فساد العلاقة بين الإنسان وبيئته».

وواصل المدير العام للأمانة العامة لاتحاد جامعات العالم الإسلامي كلمته التي تركزت في الحفاظ على البيئة، قائلا «إذ يعتبر الفهم الواعي للبيئة والتفاهم معها مدخلا رئيسا لاحترامها، ذلك أنه ما لم يحترم الإنسان صفاء هوائها ونقاء مائها وحياة كائناتها وترشيد مواردها فلن يقوم حوار راق، ولن يكون هناك اعتدال في التعامل البيئي».

واختتمت الجلسة السادسة آخر جلسات المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار بالحديث عن الأسرة، من خلال ورقة عمل للدكتور علي أوزاك وهو رئيس وقف الدراسات للعلوم الإسلامية في تركيا، بعنوان «الأسرة والأخلاق في المشروع الإنساني».

وأوضح الدكتور أوزاك أن الأسباب التي تدفع الإنسان لتأسيس الأسرة هي حاجة الإنسان في الشعور بالسعادة والطمأنينة، والإحساس بحرارة حب العائلة، معتبرا مجتمع بلا أسرة هو «مجتمع تسوده الفوضى».

وأكد الدكتور أوزاك أن مجموعة القيم الاجتماعية في الإسلام صالحة لتكون المُرشد للبشرية، مضيفاً «إذا كانت الغرائز هي التي تنظم العلائق في عالم الحيوان لأهداف بيولوجية، فإن الأسرة الإنسانية تحقق وظائف بيولوجية ونفسية واجتماعية، فهي التي تنشئ الأجيال وتخلق حاضنة للحب والرعاية والحماية المادية والمعنوية».

بينما كانت أبرز المطالب في الجلسة الخامسة التي ناقشت موضوع تطوير الحوار وآفاقه مساء الخميس، بالمطالبة بإنشاء قناة تلفزيونية تعنى بالحوار، وهو ما استقبله إياد مدني وزير الإعلام السعودي عند حضوره للجلسة بـ«ابتسامة».

وبرئاسة الدكتور حسين حامد المراقب الشرعي في بنك دبي الإسلامي، انطلقت أعمال الجلسة الخامسة التي حدث خلالها تغير مفاجئ، بعد أن تحدث البروفيسور مزمل صديقي رئيس مجلس الفتوى للاتحاد الإسلامي في أميركا الشمالية، عوضا عما كان مدرجا في جدول الجلسات رضوان نايف السيد رئيس المعهد العالي للدراسات الإسلامية.

وقال البروفيسور صديقي، من خلال ورقة عمله، ان نجاح التعايش مرهون بصوت العقلاء الذين يقدمون لغة الحوار الهادئ والهادف الذي يحقق المنشود ويصل لهدفه بيسر وسهولة.

وأكد أن الدين الإسلامي لم ينزل لتأجيج الصراع بين الناس بل لضبط العلاقة وتنظيمها وعمارة الأرض، مبيناً أن مما يلزم مراعاته «فقه تحقيق المصلحة ودرء المفسدة وذلك بأن مصلحة التعايش ظاهرة وميسرة ونفعها جلي».

أما البحث الثاني، فقدمه الدكتور أحمد الهادي جاب الله مدير المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بعنوان «تطوير الحوار وآفاقه»، بحيث شرح فيه المقصود بالحوار الديني بأنه «هو تحقيق التعارف والتواصل بين أتباع الأديان».

وقال الدكتور جاب الله «لا يمكن أن نقرّ ما يدعو له البعض من وحدة الأديان، بمعنى جمع الأديان على مبادئ موحدة وإلغاء ما بينها من فروق واختلافات».

وأكد في بحثه أن الإسلام يعتبر الحوار أمراً ضرورياً بين الناس لأنه وسيلة من أهم وسائل التواصل، مضيفاً «أن من أهمّ أنواع الحوار هو الحوار الديني، وأهداف هذا الحوار هو التعارف وتوسيع مساحة التفاهم المشترك وتحقيق التعايش المشترك والتعاون والتعريف بالنفس لدى الآخر».

وحول آلية وضوابط الحوار بين الأديان التي ظلت طوال الجلسات في الأيام الثلاثة مثار جدل، شدد الدكتور جاب الله على ضرورة أن يتصدى للحوار «من هو أهل له وأن يكون تنظيم الحوار في مضمونه وأساليبه عملا مشتركا بين الأطراف المشاركة فيه وأن يكون من مستهدفات الحوار تحقيق تعاون عملي في القضايا المشتركة وأن يجري الحوار في ظل احترام عقيدة الآخر».