رئيس الوزراء الماليزي: سبب الفجوة بين الغرب والدول الإسلامية سياسي وليس دينياً

الأمير تركي الفيصل في مؤتمر العالم الإسلامي والغرب: السعودية حريصة على إقامة حوار بين جميع الأديان

TT

وسط مشاعر متفائلة ومشوبة بالقلق في آن والتأكيد على ان الصراع بين الاسلام والغرب ليس صراع حضارات بل صراع مفاهيم، انطلقت في العاصمة الماليزية كوالالمبور امس فعاليات المؤتمر الدولي الثالث حول العالم الاسلامي والغرب تحت عنوان تجسير الهوة بين العالمين الذي تنظمه وزارة الخارجية الماليزية بالتعاون مع مبادرة قرطبة. وقال رئيس الوزراء الماليزي عبد الله احمد بدوي في الكلمة الرئيسية للمؤتمر، إن الاسباب الاساسية للفجوة بين العالم الاسلامي والغرب هي سياسية بطبيعتها، معتبرا ان هذا لا ينبغي ان يقف عائقاً أمام اقامة شراكة منتجة بل وحتى استراتيجية بين الحضارتين. واضاف بدوي انه ينبغي الاعتراف بأن الدين ليس سبب الصراع بل العوامل الجيو ـ سياسية والتلاعب الخبيث بالمعتقدات الدينية او الآيديولوجيا العلمانية هي التي تطلق الصراع، وبالتالي الانقسام والفجوة. وقال إن المواقف والمفاهيم السلبية بين الغربيين والمسلمين التي خلقت وأججت هذا الانقسام هي أفعال قلة من اللاعبين ضيقي الأفق في الطرفين نتيجة عوامل سياسية واقتصادية ودينية. واشار بدوي الى ان الديانات التوحيدية الثلاث؛ الاسلام والمسيحية واليهودية لديها قواسم مشتركة في بينها اكثر منها مع اي دين آخر بسبب تقاليدها وقيمها المشتركة على الرغم من الاختلافات فيما بينها، داعيا الى تعزيز هذه الارضية المشتركة بما يحقق مصلحتها في نشر السلام بدلا من التركيز على الخلافات وتأجيجها لتنفيذ مآرب سياسية. ودعا رئيس الوزراء الماليزي الى ضرورة العمل المشترك بين العالمين الاسلامي والغربي لاستعادة الثقة المشتركة والاحترام والتفاهم والتعاون الضرورية لاستقرار وأمن العالم. وقال «يجب على الطرفين الإصغاء للآخر بعقل منفتح وبقلب منفتح ايضا حتى نتقدم نحو الأمام». من جانبه، اتهم اكمل الدين احسان اوغلو، الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي، الغرب بأنه وسع الفجوة بينه وبين العالم الاسلامي من خلال مواقفه السلبية تجاه قضايا المسلمين، وخاصة قضية فلسطين المستمرة منذ ستين عاما حيث بقي الغرب غير مبال بالعدوان الاسرائيلي المتواصل، فضلا عن مواقفه من العراق وافغانستان وغيرهما مما ساهم في توسيع الهوة بين العالمين. وقال اوغلو ان مجموعات هامشية لدى الطرفين تسهم في تأجيج الصراع، وذكر انه على علم بلعبة الكترونية صممها شاب جامعي في جامعة غربية لم يشأ ان يسميها تظهر رجلا مصابا هو النبي محمد (ص)، وأن هدف اللعبة هو القضاء على نبي الاسلام بالرجوع الى زمن بعثته للنيل منه قبل ان ينتشر الدين الجديد مهددا المسيحية. واقترح الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي مجموعة من التوصيات التي من شأنها اطلاق حوار مع الغرب لتجسير الهوة مع العالم الاسلامي تشتمل على اجراء حوار مفتوح ونقدي بين الطرفين قائم على الندية والالتزام التام بمناقشة الاسباب الاساسية لسوء الفهم والصراعات بين الغرب والاسلام وتبني منهج واقعي تجاه تحقيق مصالحة تاريخية بين الاسلام والمسيحية على غرار المصالحة التي تمت بين اليهودية والمسيحية. كما دعا الحكومات الغربية الى عدم الخجل من ادانة الافعال المعادية للاسلام علناً حتى تستعيد ثقة العالم الاسلامي، واعتماد مناهج دراسية قائمة على التسامح ودعوة المنظمات ووسائل الاعلام للمشاركة في بناء الجسور بين العالمين. من جانبه، اعتبر شوكت عزيز، رئيس الوزراء الباكستاني السابق، ان مسؤولية الفجوة المتنامية بين العالمين الاسلامي والغربي تقع على عاتق الطرفين، داعيا كل طرف الى ممارسة دوره بمسؤولية، ومشيرا الى ان وصم الاسلام بالارهاب هو من أخطر نتائج هذه الفجوة، لافتا الى ان العالم لا يتحرك بسرعة لحل المشكلات السياسية في العالم الاسلامي، داعيا الاخير الى التحرك لعرض قضاياه بالصورة التي يفهمها الغرب. كما ندد شوكت بالإساءات الغربية الموجهة للاسلام ورموزه تحت غطاء ممارسة حرية التعبير، قائلا «هذه ليست حرية تعبير بل موجهة لمهاجمة ما يثير حساسيات المسلمين». الأمير تركي الفيصل، رئيس مركز الملك فيصل للابحاث والدراسات الاسلامية، شخصَ موضوع الفجوة بين العالم الاسلامي والغرب من ناحية أن ما يجب ان يجمع الحوار بين الطرفين هو محاربة الفقر والأمراض والجهل والمعايير المزدوجة، قائلا ان الديانات الكبرى الثلاث في العالم ـ الاسلام والمسيحية واليهودية ـ تمتلك مقومات مشتركة تجمع بين معتنقيها ولا تفرق. وقال «ان كانت هناك فجوة فهي في العقول لا في الاديان». وأشار الفيصل الى ان بلاده عملت في السنوات الماضية على مجابهة هذه القضايا، مذكرا باجتماع منظمة المؤتمر الاسلامي في مكة عام 2005 حينما دعا خادم الحرمين الشريفين المسلمين الى النظر في مشاكلهم وإيجاد الحلول لها قبل حل مشكلات الآخرين. وباجتماع مكة الأخير للحوار بين الاديان من منطلق حرص المملكة على ايجاد ارضية مشتركة بين ديانات ابراهيم الثلاث للتحاور والانطلاق بعد ذلك الى اقامة حوار مع الاديان الاخرى. وفي تصريح لـ«الشرق الاوسط»، قال الامير تركي الفيصل ان عقد هذه المؤتمرات مفيد انطلاقاً مما يحدث الآن في المملكة ودعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الاديان، مشيرا الى أن مثل هذه المنتديات ضرورية لمجابهة تحديات اليوم والى ان الملك عبد الله حدد الحلول لهذه التحديات مثل العائلة والايمان بالله والأمور التي تجمع البشر في هذا العالم. يذكر أن الحضور العربي اقتصر على السعودية ممثلة بالأمير تركي الفيصل وفلسطين ممثلة بعضو البرلمان الفلسطيني الدكتورة سحر القواسمة، بينما غاب ايُّ تمثيل رسمي للولايات المتحدة، واقتصر الحضور الغربي على عضوين برلمانيين من فرنسا واستراليا، اضافة لمسؤول إسباني بمستوى سفير خاص ومسؤولة منطقة جنوب شرقي آسيا في وزارة الخارجية البريطانية.