مصطفى إسماعيل لـ«الشرق الأوسط»: فرنسا الأقدر على حل نزاعنا مع تشاد

مستشار الرئيس السوداني قال إن مفاوضات التطبيع مع واشنطن قطعت بعد إشارة جاءت إلى المفاوض الأميركي فرحل

د. مصطفى عثمان اسماعيل
TT

قال الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل مستشار الرئيس السوداني، لـ«الشرق الأوسط»، إن فرنسا هي الجهة الوحيدة القادرة على التأثير على تشاد وحملها على وقف دعمها للتمرد في دارفور. وأوحى المستشار الرئاسي بأن الحل للنزاع بين الخرطوم وانجامينا يقوم على نشر قوات على الحدود المشتركة، تتولى الرقابة وتمنع كل طرف من التدخل في شؤون الطرف الآخر.

وأكد المستشار الرئاسي في حواره مع «الشرق الأوسط» في باريس على هامش الزيارة التي قام بها وفد سوداني رفيع المستوى الى العاصمة الفرنسية، أن الخرطوم لن تقوم بتسليم المسؤولين والمواطنين السودانيين المطلوبين للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، لأن المحكمة متحيزة وبسبب ازدواجية تطبيق المعايير الدولية. واعاد المسؤول السوداني سبب انقطاع الحوار مع واشنطن الى الجانب الأميركي الذي قطع المفاوضات، وقال ان عليه إظهار الرغبة في معاودتها. وشدد اسماعيل على ان الجبهة الجدية المشكلة من حزب المؤتمر الحاكم وحزب الأمة مفتوحة أمام الجميع وأن الناخبين السودانيين هم من يحدد هوية الرئيس السوداني القادم.

وفي ما يلي نص الحديث:

* وزير خارجية السودان كشف أول من أمس في الخارجية الفرنسية، عن أن الخرطوم طلبت رسميا من فرنسا أن تتوسط بينها وبين تشاد. هل تعتبرون أن فرنسا طرفا محايدا بإمكانه أن يلعب مثل هذا الدور؟

ـ نحن نعلم تماما أن علاقة فرنسا بتشاد اوثق وأعمق بكثير من علاقتها بنا. فبين فرنسا وتشاد اتفاقية دفاعية، وباريس تؤمن الحماية للنظام التشادي أقله في ما خص الدعم السياسي واللوجستي ومده بالمعلومات الإستخباراتية. وكل ذلك غير موجود في علاقة باريس بنا. فضلا عن ذلك، تشكل القوات الفرنسية عصب قوة «يوفور» المنشورة شرق تشاد، بينما رفضنا نحن أن تأتينا قوات من الاتحاد الأوروبي أو أي مصدر آخر. لذا، عندما طلبنا من فرنسا أن تتدخل، فلأننا نعلم أنها الأقدر على التأثير على النظام التشادي وإقناعه بوقف دعم التمرد في دارفور. وثمة جانب آخر، نرى أنه يتعين على فرنسا أن تفهم أن ما يجري في تشاد عبارة عن نزاعات داخلية بين المعارضة والنظام. والسودان ليس عنصرا أساسيا فيها. هناك أكثر من 1.5 مليون تشادي يعيشون في السودان، ونحن قبلنا أن نستضيفهم وأن نوفر لهم حرية الحركة والدراسة والعمل. وتظهر علاقتهم بالحكومة التشادية أثناء الانتخابات خاصة الرئاسية حيث تأتي الحكومة بصناديق الاقتراع وهي تعي أهميتهم كقوة في التأثير على نتائج الانتخابات. وبالمناسبة هؤلاء هم الذين استند اليهم الرئيس دبي للفوز في انتخابات الدورة السابقة. والخلاصة أننا نريد أن تفهم فرنسا أن المشكلة داخلية في تشاد، حيث ترفض الحكومة تنفيذ مضمون الاتفاقيات المبرمة مع المعارضة إن في الخرطوم أو في طرابلس أو غيرها. وإذا كانت فرنسا تبحث عن الاستقرار فعليها التوسط بين النظام التشادي والمعارضة. وأريد أن أؤكد لكم أنه ليست للسودان استراتيجية ما لتغيير النظام التشادي. نحن مستعدون للتعايش والتعامل معه وكل ما نريده هو أن يغير نمط سلوكه الداعم للتمرد في دارفور.

* أنتم تتهمون تشاد بالتدخل في شؤونكم وتشاد تتهمكم بتسليح وتدريب ودعم المعارضة التشادية. هل من سبيل للخروج من هذه الحلقة المفرغة؟

ـ أريد أن اقول إن القوات التي وصلت الى أم درمان حيث قامت بالقتل والتدمير، أي قوات حركة العدل والمساواة، تم تدريبها وتسليحها في تشاد وجاءت الينا عبر الحدود البرية المشتركة. واعترافات المقبوض عليهم والوثائق والمستندات والمحاكمات التي بدأت تأتي بالبرهان على ذلك. ولنفرض أن السودان يدعم الحركات المتمردة التشادية. وبطبيعة الحال، يمر الدعم عبر الحدود البرية. إذا المطلوب هو مراقبة هذه الحدود بحيث لا تتدخل تشاد في السودان ولا السودان في تشاد.

* حصلت جولة مفاوضات أخيرا مع الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بينكم لكنها انتهت بلا نتيجة بسبب نزاع أبيي. هل من استئناف لها؟

ـ من أوقف المفاوضات ليس الجانب السوداني، رغم أننا توصلنا الى نقاط إيجابية. وكدنا أن نوقع.. وكنت مشاركا في هذه المفاوضات. المبعوث الأميركي جاءته إشارة من الخارج وأوقف التفاوض ورحل الى واشنطن. وإذا كانت المشكلة هي أبيي، فهذا المشكلة تمت معالجتها. أما عن استئناف المفاوضات، فهذه ليست مسؤوليتنا لأننا ليس من أوقفها. هي مسؤولية واشنطن ولذا لن نذهب اليها ونطلب استئناف المفاوضات. هذه مسؤوليتها وننتظر أن تطلب واشنطن استئناف المفاوضات.

* ما هي مطالب واشنطن منكم؟

ـ لا أدري تحديدا. المفاوضات بيننا بدأت أثناء زيارتي لواشنطن في فبراير (شباط) الماضي، حيث قدمنا ورقة مكتوبة بمطالب محددة، ثم جاءنا المبعوث الأميركي الى الخرطوم حاملا بدوره ورقة. وحصلت الجولة الثالثة في روما. وهناك بدل التناقش في ورقتين مختلفتين أخذنا نناقش ورقة واحدة. وجاءت الجولة الرابعة في الخرطوم، حيث بدأنا تقويم ما تم إنجازه والنظر فيما هو مطلوب. ونحن، وبعد أن التقى المبعوث الأميركي رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، كنا نتباحث في موضوع أبيي. والمفاجأة كانت أن قطع المبعوث الأميركي الاجتماع وعاد الى واشنطن.

* ما هي النقاط الخلافية التي ما زالت عالقة؟

ـ نحن أساسا وضعنا مع الأميركيين ورقة من 6 نقاط: نقاطنا الثلاث هي: رفع اسم السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب، إذ لا يوجد أي مبرر لذلك. ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة من الجانب الأميركي على السودان، ولو بالتدريج. وأخيرا تطبيع العلاقات الثنائية وإيقاف المواجهات في المحاور الإقليمية والدولية. ومن الجانب الأميركي النقاط الثلاث هي: تنفيذ اتفاقية السلام ومعالجة موضوع أبيي والوصول الى رؤية بخصوص دارفور ونشر القوات الهجينة الأفريقية الدولية، وأخيرا موضوع العلاقات الثنائية والتأشيرات والجوازات وموضوع حاويات عائدة للسفارة الأميركية. وخلال جولات المفاوضات، لم نصل أبدا الى طريق مسدود وكنا نتحاور وكان المبعوث الأميركي يتصل دائما باللجنة الخاصة بأبيي. وفجأة قطع الأميركيون المباحثات. إذا القرار أميركي وواشنطن هي التي تقرر ما إذا كانت تريد استئناف المباحثات.

* هل موضوع المحكمة الجنائية عنصر خلافي بينكم وبين واشنطن؟ وهل تنوي السلطات تسليم المطلوبين السودانيين من مسؤولين ومواطنين لهذه المحكمة؟

ـ أولا أميركا ليست عضوا في المحكمة ورفضت التصديق على ميثاقها الاساسي، او الانتماء اليها وبالتالي فإن موقفها في موضوع المحكمة الدولية يتسم بالإزدواجية إذ كيف ترفض واشنطن المحكمة وتطالب السودان بالاستجابة لمطالبها؟ ثم القرار نفسه الذي صدر عن المحكمة معيب لأنه يقوض أسس القوانين والعدالة الدولية. تخيل أن سودانيا وأميركيا ارتكبا الجرم نفسه في دارفور: الأميركي ممنوع عليه أن يسلم الى المحكمة الجنائية الدولية والسوداني لا بد أن يسلم لهذه المحكمة. هذا قرار معيب فيه تقويض للعدالة الدولية ولأسسها. فرنسا تطالبنا بتنفيذ قرار المحكمة لتحقيق العدالة ووضع حد للانفلات من القضاء الدولي. والحال أن فرنسا أكبر من تهرب من القضاء. أنظروا أين أصبح المسؤولون عن تهريب أطفال وحكم عليهم بالسجن 8 أعوام من قبل محكمة تشادية. هم الآن يتحركون بكل حرية في فرنسا. أين الإفلات من العقاب؟ إذا يتعين على الدول الغربية ألا تطبق بازدواجية ونفاق المعايير والقوانين الدولية.

* هل أفهم من هذا القول أن سلطات بلادكم لن تسلم المطلوبين الى المحكمة؟

ـ نحن نعتقد أن المحكمة الدولية تُستغل من جهات. تخيل أن المدعي العام أكد أنه من رتب اختطاف الطائرة التي كانت تحمل وزيرا سودانيا. هذا ما يفعله الإرهابيون. هل هو مدع عام أم رئيس عصابة؟

* أليست هناك مخاوف من فرض عقوبات إضافية على السودان أنتم بغنى عنها؟

ـ نحن نراعي مصلحة السودان وهي التي تدلنا على كيفية التصرف.

* هناك تعثر في تطبيق اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية. هل التعثر مستمر أم أنكم وصلتم الى خارطة طريق لإنجاز تطبيق الاتفاقية وحسم الخلافات قبل الانتخابات؟

ـ خارطة الطريق موجودة في اتفاق نيفاشا (بين الشمال والجنوب) الذي أوضح الأمور. غير أن المعضلة الأساسية كانت أبيي وهذه المشكلة سويت ووضعنا لها خارطة طريق نحن ملتزمون بها. والآن، بدأت اللجان المشتركة بين المؤتمر الوطني (الحاكم) والحركة الشعبية (جنوب) لتنفيذ بقية البنود في الاتفاق. نرى أن الاتفاق ينفذ بشكل مرض ولكن هذا لا يعني أنه لن تكون هناك مشكلات في المستقبل ولكن في تقديري أن السياسة السودانية قادرة على إيجاد الحلول.

* تم أخيرا توقيع اتفاق بينكم أي المؤتمر الوطني وحزب الأمة الذي يرأسه الصادق المهدي. هل هذا يمهد لعودة الصادق المهدي على رأس حكومة العام القادم؟

ـ إن من يحدد من سيقود السودان بعد الانتخابات هو الشعب السوداني. فيما يخص الاتفاق بيننا وبين حزب الأمة، فإنه اتفاق مفتوح أمام كل القوى السياسية لكي تشارك فيه.

* هل الرئيس البشير سيبقى رئيسا للسودان العام القادم؟

ـ العام القادم ستجري الانتخابات والرئيس البشير مرشح المؤتمر الوطني ومن يفوز في الانتخابات سيكون رئيسا للسودان. نحن سنعمل مع الذي سيفوز كمواطنين سودانيين. إن فزنا سنكون في الحكومة وإن أخفقنا سنكون في المعارضة وبحسب الدستور الجديد فللحكومة دور وللمعارضة دور وسواء كنا في المعارضة او في السلطة سيكون لنا دور في الحياة السياسية. المؤكد أننا لا نريد الانفراد بالسلطة إذا فزنا بها.