إسرائيل لن تتمكن وحدها من ضرب إيران وبوش يتجه لإنهاء ولايته من دون اتخاذ القرار

محللون: لاتزال هناك إمكانية أن تدفع إسرائيل بإدارة بوش على التحرك ضد طهران

TT

طوال الخمس سنوات الماضية، دأب الرئيس الاميركي جورج بوش ونائبه ديك تشيني على التأكيد أنهما لا يرغبان في مغادرة السلطة بينما تقف إيران على مسافة أقرب من امتلاك أسلحة نووية عما كان عليه الحال عند توليهما منصبيهما الرسميين. في فبراير (شباط) 2006، قال بوش: «يجب ألا تسمح دول العالم للنظام الإيراني بالحصول على الأسلحة النووية». بينما أكد تشيني في خطاب ألقاه من على متن حاملة طائرات تابعة للأسطول الأميركي بمنطقة الخليج في عام 2007، أن الولايات المتحدة على استعداد لاستخدام قواتها البحرية في «منع إيران من حيازة الأسلحة النووية والهيمنة على هذه المنطقة». ففي حين أنه لم يتبق من عمر الإدارة الحالية سوى سبعة أشهر، يبدو أن إيران في صعود مستمر، وتشهد قوتها السياسية والاقتصادية تنامياً. وبينما يضعف خصومها التاريخيون في العراق وأفغانستان، لايزال برنامج إيران النووي يمضي قدماً. وعليه، فإن التساؤل الذي يفرض نفسه الآن: هل استسلم بوش وتشيني لمسألة ترك طهران أكثر قوة مما كانت عليه عند توليهما السلطة؟ في الواقع، الدلائل القائمة على هذا الصعيد متضاربة. فعلى الرغم من كل خطاباتهم التي تسير في الاتجاه المعاكس، يبدو أن مسؤولي الإدارة الأميركية خلصوا فيما بينهم إلى نتيجة مفادها أن الطموحات النووية الإيرانية لن تحقق أي انجازات العام الجاري. ورغم تصاعد الجهود الرامية لتشديد العقوبات على طهران خلال الفترة الأخيرة، لم يبد كبار المسؤولين على جانبي الأطلسي خلال لقاءاتهم أخيراً أي توقعات بأن يقدم حكام إيران على تقديم تنازلات، خاصة فيما يتعلق بالقضية الجوهرية المرتبطة بوقف تخصيب اليورانيوم، أثناء وجود بوش في الرئاسة. أما على الصعيد العسكري، فيكتنف الصورة العامة قدر أكبر من الغموض، حيث صرح اثنان من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية الحالية بأنه بالنظر إلى منعها إسرائيل، التي يصفها البعض بـ «البطاقة الرابحة»، فيما يخص القضية الإيرانية، من التحرك ضد إيران، لا يبدو من المحتمل أن تشن هذه الإدارة ضربات عسكرية ضد أهداف نووية إيرانية. وبدا أن بوش ذاته يلمح إلى هذا الأمر في بداية جولته الأوروبية الأسبوع السابق في سلوفينيا، عندما قال فيما يتعلق بإيران إنه «يرحل مخلفاً وراءه إطار عمل متعدد الأطراف للعمل بشأن هذه القضية»، وهو تصريح بدا أنه ينوه إلى أن خيار العمل العسكري ضد طهران لم يعد مطروحاً.

ومع ذلك، يرى الدبلوماسيون ومحللو السياسة الخارجية أنه ماتزال الإمكانية قائمة بأن تعمل إسرائيل على إجبار إدارة بوش على التحرك ضد طهران. والجدير بالذكر أن إسرائيل أجرت خلال هذا الشهر تدريبات عسكرية على مدار ثلاثة أيام يعتقد مسؤولو الاستخبارات الأميركية أنها ترمي للتدريب على توجيه ضربة محتملة لأهداف نووية إيرانية. أما المسؤولون الإسرائيليون، فقد حاولوا خلال الشهور الأخيرة الضغط على إدارة بوش للتفكير في توجيه ضربة لإيران، وربما سعت إسرائيل من وراء هذه التدريبات على البعث بإشارة جديدة حول استعدادها للتحرك بمفردها إذا لم تتعاون معها واشنطن على هذا الصعيد. وقال سالاي ميريدور، السفير الإسرئيلي لدى واشنطن، إن «إسرائيل تفضل التعامل مع هذا التهديد بشكل سلمي من خلال زيادة العقوبات بصورة دراماتيكية والعزم على إبقاء جميع الخيارات متاحة، لكن الوقت ينفذ أمامنا»، مضيفاً أن إيران «عليها أن تتفهم أن العالم لن يسمح لها قط بالحصول على القدرة النووية». وأعرب المسؤولون الإسرائيليون عن خوفهم أمام إدارة بوش من أن تستغرق الإدارة الجديدة شهوراً، إن لم يكن سنوات، قبل أن تقرر ماهية التوجه الذي ستتبعه حيال طهران. وبصورة عامة، هناك إجماع بين واشنطن وأوروبا حول أن إيران ما يزال أمامها عامان على الأقل قبل الوصول إلى السلاح النووي، بينما يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن الفترة الزمنية الفاصلة تقترب من العام. ويكاد يكون من المؤكد أن توجيه إسرائيل لضربة عسكرية لإيران سيتطلب مساعدة أميركية. فمن ناحية، يعتقد مسؤولو البنتاغون أن الأمر سيتطلب شن المئات من الغارات الجوية لتدمير جزء كبير من الدفاعات الجوية الإيرانية. ومن ناحية أخرى، تسيطر واشنطن على مساحة واسعة من المجال الجوي المحيط بإيران. علاوة على ذلك، ستحمل طهران واشنطن مسؤولية أي ضربة عسكرية إسرائيلية، وربما تقدم على الانتقام من القوات الأميركية المرابطة بالعراق. يوم الجمعة الماضي في موسكو، حث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على ضرورة انتهاج سبيل الحوار بدل المواجهة مع إيران، موضحاً أن الولايات المتحدة وإسرائيل لم تقدما أي دليل على امتلاك طهران لبرنامج أسلحة نووية. وأعرب دبلوماسيون أميركيون وأوروبيون عن اعتقادهم بأن زيارة وفد من الدبلوماسيين الأوروبيين لطهران في عطلة نهاية الأسبوع السابق وبحوزتهم حزمة جديدة من الحوافز جاءت في معظمها من أجل الاستهلاك العام الإيراني، وبهدف استرضاء روسيا والصين من خلال إبداء جهود مستمرة لحث إيران على التعاون.

لكن الدبلوماسيين الأوروبيين تجنبوا الاعتراف علانية بأن الجهود الدبلوماسية على صعيد القضية النووية الإيرانية لن تأتي بجديد على مدار الشهور الثمانية القادمة لخوفهم من أن تستغل طهران هذه الفترة في إحراز تقدم على صعيد برنامجها النووي. وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين رفض الكشف عن هويته، إنه «لا ينبغي على المرء الحديث عن الحفاظ على الوضع القائم لأن ذلك سيكون خطيراً. لا يمكننا القول بأن الساعة توقفت وإننا سنشرع في العمل مجدداً بدءاً من الأول من يناير (كانون الثاني)، فهذا التوجه لا يبشر بالنجاح». يذكر أن جهود الإدارة الأميركية للإسراع من وتيرة التحركات الرامية للتعامل مع القضية النووية الإيرانية تلقت صفعة مؤلمة العام السابق بصدور تقرير تقييم الاستخبارات الوطنية الذي أشار إلى أن إيران أوقفت العمل في برنامجها النووي العسكري عام 2003. وخلال الشهور الأخيرة، حاول مسؤولو إدارة بوش التراجع عن هذا التقرير، مؤكدين على أن البرنامج النووي الإيراني يبقى مصدر تهديد. والآن، يتطلع الكثير من خبراء السياسة الخارجية نحو الإدارة الجديدة أملاً في اتباعها توجهاً جديداً يتجاوز حالة التأزم الراهنة مع طهران. وقال فالي نصر، خبير الشؤون الإيرانية بجامعة تفتس، إن «الأوروبيين جميعاً يدركون أن توجه العصا والجزرة لا يجدي، وأن مجمل السياسة الدبلوماسية حيال إيران ينبغي إعادة النظر فيها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاصة بـ«الشرق الاوسط»