فراغ قيادي في باكستان.. يخيف المسؤولين الأميركيين

الحكومة ضعيفة وصلاحيات مشرف تقلصت والجيش هو الأقوى ولكن علاقته بواشطن متقلبة

TT

بعد أربعة أشهر من الانتخابات النيابية التي فازت فيها المعارضة برئاسة حزب الشعب الباكستاني، يبدو ان باكستان تنجرف نحو فراغ قيادي. ويعبّر دبلوماسيون ومسؤولون عسكريون غربيون، وسياسيون باكستانيون، ومسؤولون أفغان، عن مخاوف متزايدة بسبب عدم وجود مسؤول حقيقي.

ويسود القلق حول عدم وجود قيادة وحول ضعف الحكومة المدنية في محادثات المحللين والدبلوماسيين. وقد قال هؤلاء بأن خطورة المشكلة تشتد في ما يتعلق بالتعامل مع المسلحين في المناطق القبلية التي أصبحت مأوى لطالبان والقاعدة . وعلى الرغم من أن كلا من الأحزاب السياسية والجيش يرغبان في التخلص من العمليات التفجيرية وحركات التمرد الناشئة التي كانت مصدرا لإزعاج باكستان في الأعوام الأخيرة، إلا أن هناك خلافات جوهرية حول مشكلة قتال المسلحين التي لم يبدأوا في حلها، وفقا لما ذكره سياسيون باكستانيون ودبلوماسيون غربيون. ويحذر المسؤولون من أن هذا الارتباك يسمح للمسلحين بحماية ملاجئهم على طول منطقة الحدود. كما أن ذلك يصعب من السياسة التي تتبعها إدارة بوش التي كانت تستعين برجل واحد، وهو الرئيس برويز مشرف، لتنظيم جهودها في محاربة الإرهاب في باكستان.

ويقول سياسيون باكستانيون ودبلوماسيون غربيون إنه إذا كان هناك مسؤول عن السياسة الأمنية في المناطق القبلية على الحدود مع أفغانستان، فهو الجيش وأكبر وكالة استخبارات في باكستان، وهي إنتر سيرفيس إنتليجنس (أي إس أي). وبينما تواجه الحكومة المدنية المنتخبة حديثا والتي شكلتها المعارضة انتقادات بسبب التعامل مع المسلحين، فإن الجيش هو الذي يتوسط في عمليات الهدنة وتبادل السجناء بأدنى قدر من المشاورات مع الحكومة، وفقا لما قاله سياسيون في حكومة الائتلاف ودبلوماسيون ومحللون.

ويشتكي السياسيون في الحكومات المحلية والمركزية من إقصائهم عن المفاوضات، بل وأنهم لم يعرفوا شيئا عن اتفاق عقد في فبراير (شباط)، قبل إجراء الانتخابات. وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين ممن هم على دراية بالمناطق القبلية، وقد اشترط عدم ذكر اسمه: «لا توجد استراتيجية متبعة بالتنسيق بين المستوى الفيدرالي والمستوى المحلي من ناحية، وبين وكالة أي إس أي والجيش من ناحية أخرى.. يمكنك أن ترى هذا حتى في قواعد المفاوضات والاستراتيجية المشتركة». ومنذ تولي حكومة الائتلاف الضعيفة برئاسة آصف علي زرداري زوج بي نظير بوتو الذي أصبح رئيسا لحزب الشعب الباكستاني بعد اغتيال زوجته، السلطة في فبراير (شباط)، دخلت الحكومة في صراع داخلي لإطاحة الرئيس مشرف.

وقد توقف عمل الحكومة بعد مغادرة نصف وزرائها للمجلس في مايو (أيار) في خلاف حول إعادة 60 قاضيا في المحكمة العليا إلى مناصبهم بعد أن فصلهم مشرف العام الماضي. أما الآن فهي تقبل بقرارات الجيش في ما يتعلق بالمسلحين، وفقا لما قاله طلعت مسعود، وهو جنرال باكستاني متقاعد يعمل الآن محللا سياسيا. وقد شخص حالة البلاد بأنها تعاني من «شلل مؤسسي وحكومة لا تقوم بوظيفتها، وهو ما يشير إليه الواقع الآن». ويصف أيضا القائد الأميركي لقوات الناتو في أفغانستان، الجنرال دان ماكنيل، الحكومة بعدم القدرة على القيام بوظيفتها، وقد جاء ذلك التصريح قبل تركه لمنصبه في أوائل هذا الشهر.ويقول مسعود: «يساورني شعور بأنه لا يوجد أحد مسؤول وهذا الوضع يفيد المسلحين». ويضيف: «إنه وضع شديد الخطورة، لأنه يؤدي إلى يأس الحكومة الأفغانية». وقد أدى هذا الاحباط بالرئيس الأفغاني حميد كرزاي خلال الشهر الحالي إلى التهديد بإرسال قوات إلى باكستان لملاحقة قادة المسلحين الباكستانيين.

ويظل الجيش أقوى مؤسسات الدولة، بعد أن حكمها لمدة تبلغ نصف عمر استقلالها منذ 61 عاما. ولكنه أثبت أنه شريك متقلب لواشنطن. وما زال مسؤولو الولايات المتحدة والناتو يحاولون فهم نوايا قائد أركان الجيش الجديد، الجنرال اشفاق برويز كياني. في الخريف الماضي، عندما جرى تعيينه، أطرى مسؤولون أميركيون على الجنرال كياني الذي بدا على دراية بالتهديد الذي يشكله المتمردون ضد باكستان، وبمخاطر اتفاقيات السلام التي سمحت للمسلحين بإحكام قبضتهم على المناطق القبلية. ولكن على الرغم من حصول باكستان على 12 مليار دولار من المعونة التي تقدمها لها واشنطن لمحاربة المسلحين منذ عام 2001، إلا أن الجنرال كياني أظهر بعض التردد في استخدام الجيش في عمليات ضد المتمردين، مقترحا إسناد هذه المهمة إلى قوات قبلية أضعف منه، وهي قوات حرس الحدود. وقد شجع الحكومة المدنية على القيام بالأمر.

وينجم جزء من هذا الاضطراب عن انفصال السلطة عن الحكم العسكري، بعد تنازل الرئيس مشرف عن قيادة الجيش في ديسمبر (كانون الأول) إلى الحكومة المدنية، كما يقول مسؤول عسكري غربي. وقد ظهر التوازن الصعب بين السلطتين المدنية والعسكرية هذا الأسبوع، عندما كشف وزير المالية نويد قمر عن تفاصيل ميزانية الدفاع أمام البرلمان لأول مرة منذ 40 عاما. وبينما أطلق قمر على هذه اللحظة «لحظة تاريخية»، إلا أن الوثيقة كانت عبارة عن صفحتين فقط. ولم يناقش البرلمان، الذي سيستمر في مفاوضات حتى الشهر المقبل، قضايا الأمن أو محاربة المسلحين. وتقول فرح أصبهاني عضو حزب الشعب الباكستاني في البرلمان: «نعرف أن هذه قضية كبرى، وبعد جلسة مناقشة الميزانية سنتناولها». وفي الوقت نفسه، يتبع الجيش سياساته الخاصة تحت قيادة الجنرال كياني، وفقا لما قاله سياسيون في حكومة الائتلاف. فقد أجرى الجيش ووكالة أي إس أي مفاوضات من أجل هدنة يُعرف عنها القليل مع القبائل والمسلحين في شمال وزيرستان قبل 18 فبراير (شباط) بأيام. وكان الاتفاق سريا للغاية لدرجة أن القليلين في الحكومة يعرفون محتواه حتى الآن. «إن الحكومة المدنية تجلس في المقاعد الخلفية، بل أقل من ذلك»، هذا ما قاله دبلوماسي غربي، رفض ذكر اسمه نظرا لخطورة التصريحات. وقد بدأ الجيش أيضا مفاوضات مع أقوى زعماء طالبان، بيت الله محسود، في يناير (كانون الثاني)، بعد اتهام الحكومة له بأنه هو العقل المدبر لحادث اغتيال بوتو بعدة أسابيع. ولم يعقد اتفاق رسمي مع قبيلة محسود، ولكن انسحب الجيش بالفعل من بعض المواقع، مع عقد هدنة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع المسلحين. ويتشكك مسؤولون غربيون في هذا الاتفاق. وبعد ضغوط كبيرة من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، أدرج الجيش فقرة هذا الشهر، وفقا لما ذكره مسؤول قريب من المفاوضات. وفي الوقت نفسه، زادت الهجمات عبر الحدود بنسبة 50 في المائة في مايو (أيار)، كما قال مسؤولو الناتو في أفغانستان.

وقد أعربت الحكومة المحلية في إقليم الحدود الشمالية الغربية عن تحفاظاتها حول الاتفاق. واشتكى مسؤولون في حزب عوامي الوطني، وهو حزب بشتوني قومي يرأس الحكومة المحلية في الإقليم ويشارك في الائتلاف، من أنهم لم يشتركوا في القرار الذي اتخذه الجيش.

علاوة على ذلك، ظهر أن المسؤول عن مكافحة الإرهاب في الحكومة المركزية، وزير الداخلية، رحمان مالك لا يعرف الكثير عن التطورات. وقد أعلن هذا الشهر في البرلمان أن اتفاق السلام مع المسلحين في وادي سوات، خارج المناطق القبلية، قد ألغي. ولكنه تراجع في تصريحاته في اليوم التالي، بعد أن أصرت الحكومة المحلية على أنه مازال ساريا.

واشتكى مسؤولو حزب عوامي الوطني من أن تصريحاته أضعفت من موقفهم في المفاوضات. ويثق افراسياب خاتك، وهو مسؤول كبير في الحزب، ومعه مسؤولون آخرون في أنهم يستطيعون إنجاح اتفاقيات السلام في إقليمهم. ولكن يعتقد البعض، ومن بينهم مسؤولو الجيش أنفسهم، أن الاتفاقيات التي يتوسط فيها الجيش في المناطق القبلية ستستمر لأكثر من عدة أشهر، كما صرح مسؤولون رفيعو المستوى في بيشاور.

من المؤكد اندلاع المزيد من العنف والقتال في المستقبل، فكيف ستتم مواجهة ذلك وقتها؟

* خدمة نيويروك تايمز