خيرة أطباء بغداد أيام زمان يعملون في أربيل والسليمانية الآن

أحدهم لـ«الشرق الأوسط»: العصابات الإجرامية قتلت بعضا من أمهر الجراحين

طبيبان عراقيان يجريان عملية جراحية في أحد مستشفيات السليمانية (تصوير: كامران نجم)
TT

من يتجول في شارع الأطباء بمدينة اربيل او شارع الاورزدي في السليمانية بإقليم كردستان العراق، سيتذكر بلا شك مشهدا مماثلا كان قائما في شارع السعدون او البتاوين الشهير الذي كان مركزا لعيادات أشهر وأمهر الأطباء والجراحين والصيادلة ومنطقة للمستشفيات الاهلية المرموقة بالعاصمة بغداد قبل ان تعصف بالعراق رياح التغيير عام 2003 والتي غيرت معها أمورا وأوضاعا كثيرة في حياة العراقيين بما فيها عيادات الاطباء الذين ترك الكثير منهم بغداد والمدن الاخرى ليستقروا في المهجر، بينما فضل عشرات آخرون منهم التوجه نحو مدن كردستان لاسيما اربيل والسليمانية ليبقوا قريبين من الأهل والأحباب ويواصلوا خدمة شعبهم في جزء آمن من الوطن الجريح.

ففي شارع الأطباء كما يسميه الاربيليون تصادفك العشرات من اللوحات المعلقة على ابواب العيادات الطبية والصيدليات ومختبرات التحليل الكيماوي والبيولوجي وهي تحمل أسماء أشهر الأطباء والجراحين العراقيين العرب الذين كان لهم صدى وصيت واسعان في بغداد والذين طالما قصد المرضى الكرد عياداتهم ومستشفياتهم في بغداد هناك ايام زمان. وكذلك الحال بالنسبة لشارع الاورزدي في مدينة السليمانية التي تحتضن هي الاخرى العشرات من الاطباء والجراحين القادمين من مختلف مدن العراق ممن دفعت بهم الاوضاع الامنية السيئة التي هزت مناطقهم في بغداد ومدن الوسط والجنوب الى التوجه نحو الاقليم بحثا عن الأمان، الى جانب العشرات من المحامين والمدرسين ورجال الاعمال والآلاف من الايدي العاملة.

ويقول حميد مولى العزاوي جراح أمراض العيون الذي يمارس الطب منذ عام 1978 في اشهر المستشفيات العراقية كمستشفى الرشيد العسكري ومستشفى الحبانية العسكري ومستشفى اليرموك التعليمي ومستشفى ابن الهيثم للعيون، إن العديد من زملائه الجراحين والأطباء اغتيلوا في بغداد على أيدي أفراد العصابات الارهابية التي شنت حملة شعواء ضد الاطباء تحديدا خلال الفترة التي اعقبت سقوط النظام السابق وتدهور الاوضاع الامنية في بغداد ومناطق الوسط والجنوب «وقتلت نخبة من اشهر وامهر الجراحين الذين كان بعضهم يحمل تخصصات نادرة من بينهم عدد من اقرب اصدقائه وزملائه لا لشيء إلا لأنهم رفضوا الاذعان لمطالب العصابات الابتزازية، التي كانت تلقي برسائل التهديد في بيوت الاطباء باستمرار لإرغامهم على الرحيل او لابتزازهم ماديا من دون اي مسوغات منطقية»، وعن أسباب اختياره لمدينة السليمانية يقول العزاوي الذي يعمل الآن في مستوصف صغير لفحص العيون بعد ان امضى ستة اشهر بلا عمل «وصلت السليمانية مع عائلتي بتاريخ 1/ 12/ 2006، حيث كان لي فيها بعض الاصدقاء من الاطباء الذين سبقوني في المجيء حيث قدموا لي المساعدة حتى استقرت اوضاعي».

ومن المفارقات التي يرويها الجراح حميد العزاوي هي ان الجهات المعنية في الاقليم اعادت تعيينه من جديد كأي طبيب حديث التخرج على اعتبار انه كان قد احيل الى التقاعد قبل سقوط النظام السابق، الأمر الذي يحول دون احتساب فترة خدمته السابقة بحسب القانون العراقي، ويقول انه يتقاضى الآن مرتبا شهريا مقداره 399 ألف دينار عراقي اي ما يعادل نحو 320 دولارا أميركيا في حين يدفع شهريا 400 دولار كبدل ايجار سكن ويعيل اسرته المؤلفة من زوجته المهندسة الكيماوية العاطلة عن العمل وولديه اللذين يدرسان في الجامعة وابنتيه الطالبتين في الاعدادية والابتدائية، ويؤكد أنه لولا مدخراته القديمة ومرتبه من العمل الاضافي المسائي لأصبح في وضع بائس. ويقول العزاوي لـ «الشرق الأوسط» إنه وأفراد اسرته تأقلموا مع الأجواء في السليمانية وان سقف علاقاته الاجتماعية فيها فاق سقف علاقاته السابقة في بغداد وان الجهات الرسمية في المدينة تعامله معاملة ممتازة، مضيفا انه وعدد من زملائه الجراحين من مختلف التخصصات ينوون إقامة مستشفى اهلي بالسليمانية في المستقبل القريب إلا ان المشروع لا زال قيد الدراسة والتمحيص. وختم العزاوي حديثه قائلا «أتطلع الى تحسن الاوضاع الامنية في بغداد بفارغ الصبر كي اعود الى اهلي وعملي السابق هناك».

اما الدكتور نظام الدين الحسني، جراح امراض القلب والتدخلات القسطارية في مستشفى امراض القلب بالسليمانية والذي كان يعمل في مستشفى ابن النفيس الخاص بأمراض القلب في بغداد قبل ان يتحول عام 1998 الى المركز العراقي لأمراض القلب، فانه يؤكد أن العديد من زملائه الجراحين من حملة الشهادات العالية والخبرات الواسعة في مجال جراحة القلب اضطروا الى مغادرة البلاد اثر تدهور الاوضاع الامنية في بغداد، فيما اختار هو السليمانية لجملة من الاسباب أهمها علاقاته الواسعة مع عدد كبير من زملائه الاطباء الكرد من بينهم عدد من تلامذته الذين دربهم في فترات سابقة عندما كان يعمل في المركز العراقي لجراحة القلب، ويقول الحسني «أوضاعي المعيشية والمادية مستقرة جدا جدا في السليمانية ولا أشعر فيها بالغربة مطلقا لاسيما وانني اكن لكردستان محبة خاصة منذ ان كنت اتردد على مصايفها الخلابة لأمضي فيها ايام الصيف، لكنني ما زلت أحن لبغداد وذكرياتي هناك بقدر كبير من الحسرة والمرارة».

وأضاف الدكتور الحسني الذي يشرف على معظم عمليات التداخل القسطاري بمستشفى السليمانية، انه يحظى برعاية خاصة ومميزة من جانب الجهات الرسمية التي قال انها تلبي كل مطالبه لدرجة انه يشعر بالخجل من كرم الضيافة وحسن المعاملة اللذين يحظى بهما، حسب تعبيره. وفيما لو كان مستعدا للعودة الى بغداد اذا تحسنت الاوضاع الامنية فيها على نحو جيد وعادت الى ما كانت عليه في السابق، قال الدكتور الحسني «هذه المسألة ترهق افكاري ولا أستطيع أن أتخذ فيها قرارا حاسما بعد لأنني أنشأت هنا في كردستان التي لا استطيع ان اتصور حياتي بدونها علاقات واسعة وأسست ركائز متينة لبنيان جديد في حياتي هنا في السليمانية، لذلك سأتريث قليلا قبل اتخاذ أي قرار ولربما أقسم عملي وحياتي الى جزءين احدهما في بغداد والآخر في كردستان».