أميركا: نظم مطابقة البصمات بعد هجمات سبتمبر تحمل كثيرا من المفاجآت

واحد من كل 100 معتقل في قاعدة بيانات الإرهابيين مطلوب جنائيا في الولايات المتحدة

عميل المباحث الاميركية بول شانون يأخذ بصمات صدام حسين الرئيس العراقي الاسبق عقب اعتقاله (واشنطن بوست)
TT

حسبما أفاد مسؤولون بمكتب التحقيقات الفيدرالي والجيش الأميركي، فإنه بعد مضي نحو ستة أعوام ونصف العام قامت خلالها الحكومة الأميركية بتسجيل بصمات عدد كبير من المتمردين والمعتقلين والمواطنين العاديين في أفغانستان والعراق ومنطقة القرن الأفريقي، ظهر أن المئات منهم يشتركون في أمر غير متوقع، فمعظمهم لديه سوابق جنائية في الولايات المتحدة الأميركية. وكان من بين هؤلاء: مسلح مشتبه فيه هرب من الصومال وألقي القبض عليه بتهم مرتبطة بالمخدرات في نيوجرسي، ورجل أوقف على نقطة تفتيش في تكريت، حيث زعم أنه مزارع، ولكن تبين أن هناك 11 تهمة ضده بارتكاب جرائم في الولايات المتحدة، من بينها الاعتداء على آخرين باستخدام سلاح مميت. وقال مسؤولون إن التقارير تشير إلى أن الأعداء المحتملين في الخارج يعرفون الكثير حول الولايات المتحدة، لأن الكثير منهم عاش هناك. وتعكس المقارنة قوة مشاركة البيانات بين الهيئات المختلفة، وبين الدول، وكذلك قوة الأدلة التي تعتمد على البيانات التي تربط الهوية بخاصية آدمية بارزة مثل بصمات الأصابع. وتقول فرانسيس فراجوس تاونسند، وهي مستشارة أمنية ومساعدة الرئيس السابقة لشؤون الأمن الداخلي: «هذا أمر مفاجئ، فبهذه الطريقة يمكن ضمان فهم أعمق للعلاقات بين الأفراد الذين يقاتلون ضد القوات الأميركية والخلايا المحتمل ظهورها في الولايات المتحدة أو شبكات الدعم هنا في الولايات المتحدة».

وكانت عملية أخذ بصمات الأصابع الخاصة بالمعتقلين خارج الولايات المتحدة قد بدأت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وكانت تقوم بها لجان مختصة بمكتب التحقيقات الفيدرالي والجيش الأميركي. ولكنها تطورت بشكل كبير بهدف بناء أكبر قاعدة بيانات في العالم لبصمات أصابع الإرهابيين المعروفين أو المشتبه فيهم. ودعمت تعليمات رئاسية تلك العملية في الخامس من يونيو (حزيران)، وأعطي للمحامي العام في الولايات المتحدة ومسؤولين آخرين بالإدارة 90 يوما كي ينتهوا من صياغة خطة لتوسيع استخدام علم المقاييس الحيوية (علم الأدلة الجنائية في الأجسام البشرية)، بالإضافة إلى وسائل أخرى. ويتم إرسال بصمات الأصابع عن طريق الأقمار الصناعية من بعض الأماكن البعيدة مثل غابات زامبوانجا، بجنوب الفلبين، وبوغوتا، بكلومبيا، والعراق وأفغانستان. ويشارك في هذا الأمر بعض الحلفاء مثل السويد. ويمكن طرح تساؤلات بخصوص قاعدة البيانات عن طريق مؤسسات الحكومة الأميركية ودول أخرى عن طريق الإنتربول. ويرى بعض المسؤولين أن ذلك الأمر له ثمرته، حيث يقول توماس بوش، وهو مساعد مدير شعبة خدمات معلومات العدالة الجنائية التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي: «القضية الجوهرية هي أننا سنتمكن من القبض على البعض، فسيمكننا توقيف القادمين إلى الولايات المتحدة، وتحديد صناع أدوات التفجير الارتجالية بطريقة لم تحدث من قبل. هذا هو بيت القصيد في شبكة البيانات، فبهذه الطريق نستطيع توسيع حدودنا بصورة أكبر».

وفي ديسمبر (كانون الأول) عام 2001 تم إرسال فريق تابع لمكتب التحقيقات الفيدرالية في مهمة غير عادية إلى أفغانستان. وكان الجيش الأميركي قد بدأ سلسلة من الضربات الجوية بهدف قتل أو أسر مقاتلين لتنظيم القاعدة ومن يستضيفونهم من حركة طالبان. وكانت مهمة فريق مكتب التحقيقات هي أخذ بصمات المقاتلين الأجانب واستجوابهم كما لو كانوا محجوزين في قسم شرطة. كان الفريق تحت قيادة بول شانون، وهو عميل بارز بمكتب التحقيقات الفيدرالي، وسافر إلى مواقع القتال ليضيف المزيد من البيانات إلى تلك التي لديه، وكان العملاء يمارسون نشاطهم في قندهار وكابل، كما سافر الفريق على امتداد الحدود الباكستانية الأفغانية. وعندما انتهوا من مهمتهم، حملوا تقارير بصمات الأصابع من أفغانستان إلى مدينة كلاركسبيرج بولاية فيرجينيا الغربية، حيث مقر قاعدة بيانات المقاييس الحيوية الجنائية التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالية. وقام الفريق بتحليل النتائج، وفوجئوا بأن واحدا من كل 100 معتقل موجود في قاعدة بيانات المكتب ومطلوب القبض عليه، وكان الكثير من أوامر القبض بسبب قيادة السيارة وهم سكارى أو استخدام شيكات زائفة أو ارتكاب مخالفات مرورية، حسبما أفاد مسؤولون بمكتب التحقيقات الفيدرالي.

تقول تاونسند، التي تركت الحكومة في يناير (كانون الثاني): «بصراحة، لقد فوجئت بتلك النتائج. فقد أظهرت «مخاطر محتملة» للأمن القومي لم تكن الحكومة تقدرها حق قدرها».

وكان الأشخاص الذين أخذت بصمات أصابعهم قد أتوا من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان.

يقول بول شانون إن معظمهم في العشرينات، مضيفا: «من الأشياء التي عرفناها هي أننا نتعامل مع شباب ملتزمين بصورة كبيرة بما يقومون به، وكانوا يقولون بصراحة إنهم عندما يخرجون سيعودون إلى الجهاد. كانوا يلتزمون بهذا الأمر».

وفي الوقت الذي كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يقوم فيه بجمع بصمات الأصابع، كان الجيش الأميركي يقوم ببناء قاعدة بيانات مقاييس حيوية خاصة به، تشتمل أيضا على بيانات القزحية والوجه. وفي أكتوبر (تشرين الأول) وافق الجانبان على التعاون فيما بينهما. وكانت أولى البصمات التي تمت مطابقتها، تلك الخاصة بالرجل الذي زعم أنه مزارع فقير. ومن بين التهم العديدة الموجهة إليه، جنح بارتكاب جرائم سرقة، وكان سجله الإجرامي يمتد في الفترة من 1993 حتى 2001، كما يقول هرب ريتشاردسون، مدير العمليات بنظام تحديد المقاييس الحيوية المؤتمت. ومن أوائل من أخذت بصماتهم مقاتل زعم أنه كان في أفغانستان لتعلم فن الصيد باستخدام الصقور، ولكن أظهرت بصمات الأصابع أنه في أغسطس (آب) 2001 رفض مسؤول بمكتب الهجرة بمطار أورلاند الدولي دخوله بعد أن رأى أنه ينوي البقاء في البلاد مدة أطول من المنصوص عليها في التأشيرة. بعد ذلك أدرجت لجنة أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) اسم محمد القحطاني ضمن من يشك في أنهم كانوا يسعون للمشاركة في عمليات اختطاف الطائرات، وهو يعيش في الوقت الحالي في معتقل غوانتانامو.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»