ضاحية «مراد خان» الفقيرة نموذج لإعادة تأهيل تعتمد تحويل القمامة كنوزا

كابل تستعيد مجدها الضائع في العمارة التقليدية

TT

انتشرت سحابة دخان كثيفة غطت الطريق الذي يطوق ضاحية «مراد خان» القديمة. وقد تكونت هذه السحابة من أعمال الحدادة بالمنطقة. وحتى وقت قريب، لم يكن يجرؤ الكثير من أبناء العاصمة الأفغانية كابل على الإقدام إلى ما وراء سحابة الدخان الداكنة للدخول الى هذه الضاحية. وعلى امتداد عقود، انهارت ضاحية «مراد خان» تحت وطأة أطنان القمامة والنفايات، وكانت بمثابة نصب تذكاري يشهد على الحرب التي دارت رحاها بالبلاد على مدار 30 عاماً. إلا أن الضاحية تشهد في الوقت الراهن جهودا دؤوبة لإعادة بنائها في إطار ما وصفه البعض بأنه أحد أكثر المشروعات طموحاً لبث حياة جديدة في الضاحية المتهالكة. بدأت جهود إعادة بناء «مراد خان» عام 2006 تحت رعاية «مؤسسة الجبل الفيرزوي» التي تتخذ من كابل مقراً لها. وتمثل هذه المنظمة التنموية ثمرة لقاء أفكار بين كل من حامد كرزاي الرئيس الأفغاني، وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز عندما التقيا خلال زيارة رسمية قام بها كرزاي لبريطانيا عام 2004. ويقع مقر المؤسسة على بعد بضعة أميال من الضاحية، ويتولى إدارتها روري ستيوارت، الكاتب والدبلوماسي الاسكتلندي البارز. وجاء رأس المال الأولي للمؤسسة من جانب الأمير تشارلز وعائد مبيعات أحد كتب ستيوارت ويحمل عنوان «الأماكن الواقعة بمنتصف الطريق»، وهو عبارة عن عرض زمني متسلسل للأحداث التي مر بها خلال رحلة قام بها داخل أفغانستان سيراً على الأقدام على امتداد 600 ميلاً عام 2002، أي بعد ثلاثة أشهر من سقوط نظام طالبان. وفي بلاد يحلو للعاملين بمجال المساعدات فيها التشدق بعبارات «بناء القدرات» و«التمكين المحلي»، تتميز «مؤسسة الجبل الفيروزي» بمكانة فريدة باعتبارها واحدة من المنظمات القلائل التي تعمد بالفعل إلى تحويل القمامة إلى كنوز. ومنذ أن بدأ مشروعها في «مراد خان» في أغسطس (آب) 2006، نجح العاملون التابعون للمؤسسة في التخلص من ما يقدر بـ10.500 ياردة مكعبة من القمامة. وتمت كذلك استعادة قرابة 50 منزلاً كانت قد ضاعت تحت تلال النفايات أو حصلت على مساعدات طارئة لإصلاحها. وفي فترة سابقة، كانت ضاحية «مراد خان» تعج بالملاهي الليلية، ما أكسبها سمعة سيئة على امتداد سنوات طويلة باعتبارها واحدة من أكثر ضواحي العاصمة التي تعج ببيوت الدعارة. وتقع الضاحية بقلب العاصمة بالقرب من نهر كابل، وتم تطويرها في القرن الثامن عشر على يد الحاكم المؤسس لأفغانستان أحمد شاه دوراني. وقد قام دوراني ببناء الكثير من المنازل المزخرفة لاستضافة بلاطه الذي انتمى اعضاؤه إلى قبيلة «قزلباش»، وهي جماعة عرقية ينتمي غالبية سكان «مراد خان» الحاليين إليها. وفي عشرينات القرن السابق، تم بناء عشرات المباني المزخرفة بالخشب داخل «مراد خان»، بجانب منازل الضاحية الأكثر تواضعاً المصنوعة من الطمي. إلا أن الكثير من هذه المباني تعرض للتدمير في إطار خطة سوفياتية لتحديث كابل، بينما سقط البعض الآخر بسبب عقود من الإهمال والحروب الأهلية المتعاقبة التي عانت منها البلاد في التسعينيات من القرن العشرين. وتتركز الآمال في الوقت الحاضر في أن يعمل استخدام الأساليب الأفغانية التقليدية في إعادة بناء الضاحية بقلب كابل كمصدر إلهام لمشروعات أخرى مشابهة بالمدينة ومختلف أنحاء أفغانستان، حسبما أوضح جون إليوت المتحدث الرسمي باسم «مؤسسة الجبل الفيروزي». وقال: «نعتقد أن هذه الأمور ـ مثل الثقافة والمعمار التقليدي والتاريخ والهوية ـ مهمة للغاية لمستقبل أفغانستان، فهي أشياء يمكن لجميع الأفغان التوحد خلفها بغض النظر عن العرق». جدير بالذكر أن «مؤسسة الجبل الفيروزي» تستعين بقرابة 350 من السكان المحليين، بينهم الكثير من النساء، في العمل داخل كل من «مراد خان» والمقر الحالي للمؤسسة. كما تتولى المؤسسة إدارة ثلاث مدارس لتعليم الأعمال الخشبية والخط وصناعة الخزف التقليدية. ومن المقرر أن تفتتح قريباً مدرسة أخرى لصنع الحلي، وأن تنتقل المدارس جميعها في نهاية الأمر من المقر الرئيس إلى «مراد خان»، حيث يوجد حالياً مركز لمحو الأمية وعيادة طبية للنساء. ومع ذلك، ما يزال هناك الكثير يجب القيام به داخل «مراد خان» قبل اتخاذ خطوة نقل المدارس إليها. داخل فناء أحد المباني التي كانت متداعية في ما مضى ويُعرف باسم «سراي العظيم»، والذي كان يتم استغلاله في وقت من الأوقات كنزل لاستضافة التجار المارين عبر «طريق الحرير»، يستخدم عشرات الرجال أغصان شجر الأرز الطويلة في خلط الطمي من أجل بناء جدران جديدة للمبنى. ويبدي العاملون بالمؤسسة رضى بالغا إزاء الاستعانة بأساليب البناء التقليدية في جهود إعادة إعمار الضاحية. ويمثل هذا التوجه في جانب منه فلسفة المؤسسة القائمة على انتقاء عناصر من الثقافة الأفغانية واستغلالها في عملية إعادة بناء وإعمار ما دمرته سنوات الحرب والصراع. من جانبه، أكد إليوت أن جهود إعادة إعمار «مراد خان» تعد أشبه بمساعدة شخص يعاني من فقدان الذاكرة على استعادتها تدريجيا.

بيد أن إقناع الأفغان المتشككين بجدوى المشروع لا تعد بالأمر اليسير داخل مدينة أدى تدفق عمال المساعدات والمقاولين عليها إلى خلق سوق عقارات تتسم بقدر كبير من المضاربة. وطبقاً لخطة إعمار العاصمة، كان من المقرر محو «مراد خان» والعديد من المناطق الأثرية الأخرى لتحل محلها المباني الجديدة الآخذة في الظهور. إلا أن بعض الرافضين من قبل لإعادة بناء الضاحية تحولوا إلى تأييد المشروع ومنهم التجار العاملون بمجال أعمال الحدادة والذين انتفعوا من جهود إعادة البناء. على سبيل المثال، قال قاري محمد، 55 عاماً، وهو أحد العاملين بمجال الحدادة داخل «مراد خان» على امتداد 20 عاماً، إلى «إننا سعداء بهذا الإعمار. فمع إعادة بناء هذه المنازل، تجري إعادة بناء بلادنا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ « الشرق الأوسط»