«الوجه الطلابي» للحركة الإصلاحية الإيرانية.. يلجأ لأميركا عبر العراق

بعد سنوات في السجن.. ووقوفه على حبل المشنقة مرتين

باتيبي في صورة حديثة له.. وخلال رحلته من إيران للعراق («نيويورك تايمز»)
TT

بعد ثلاثة أيام من هربه من إيران، اتجه أحمد باتيبي، وهو شاب إيراني، إلى منحدر صخري على الحدود العراقية الإيرانية. وعبر بعض الرجال الأكراد معه عبر حقول الألغام وراوغوا طلقات النيران من جانب حرس الحدود أثناء الليل، وسلموه إلى فريق من المهربين. هرب باتيبي عندما كان عمره 31 عاما بعد قضاء ثمانية أعوام في السجون الإيرانية، تعرض خلالها للتعذيب، ووقف مرتين أمام حبل المشنقة. ولكن في العراق، كانت أمامه رسالة جديدة. فلم يكد يمر وقت طويل بعد وصوله إلى أربيل في شهر مارس (آذار) حتى دق جرس الهاتف المحمول الذي قدمه له مسؤولون من الأمم المتحدة، وقد شعر باتيبي بالدهشة لسماع صوت أحد المحققين الإيرانيين الذي اعتاد على سماع صوته في السجون الإيرانية. وقال الصوت: «إننا نعلم مكانك. عليك أن تسلم نفسك». ولكن بدلا من ذلك، فإن باتيبي تلقى إذنا بالدخول إلى الولايات المتحدة، ووصل يوم 24 يونيو (حزيران) الماضي. ذاعت شهرة باتيبي عام 1999 عندما ظهرت صورته على غلاف مجلة «الإكونوميست» البريطانية وهو يمسك بقميص ملطخ بالدماء لأحد الطلاب أثناء مظاهرات 1999، وهي الصورة التي رآها أول مرة عندما أعلن القاضي الإيراني أمامه بأنه «وقع أمرا بالموت على نفسه». وأخيرا، وبعد عقد من العراك السياسي، قرر ترك إيران. أحدث هروب باتيبي موجة من الاستنكار في الإعلام الإيراني الذي اتهمه بالاحتيال على بعض أصحاب الأموال، وقالت إنه متواطئ لفترة طويلة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي الادعاءات التي أفادت جماعات حقوق الإنسان بأنها غير صحيحة. ومن خلال مدونته على موقع ياهو، أجاب باتيبي بقوله: «إن أيديكم لن تصل إلي أبدا. وعندما تقوم بالضغط على الرابط «انقر هنا» تظهر صورة له.

وعلى الرغم من عدم تأكيد الكثير عن سيرته الذاتية ومعاملته في إيران وقصة هروبه، من مصدر مستقل، إلا أنه يقدم شريط فيديو قام بتصويره أثناء رحلته، وقد أيد الكثير من المناصرين المستقلين ادعاءاته. وهو يعلم أنه وصل إلى الولايات المتحدة في وقت يشتد فيه الصراع بين إيران والولايات المتحدة، وقد أفاد بأنه لا يرغب أن تؤجج قصته هذا الصراع. وخوفا من أن يتم تصويره على أنه بيدق بيد السياسة الأميركية، فإنه يقول إن الولايات المتحدة لم تلعب دورا في مغادرته من إيران، وهي الحقيقة التي أكدها مسؤولون أميركيون. وقد منحته الولايات المتحدة حق اللجوء إلى الولايات المتحدة «بسبب مخاوف على أمنه» حسبما أعلن جوردن غوندرو وهو المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي، حيث قال إن باتيبي حضر اجتماعا مع أعضاء من مجلس الأمن القومي يوم الجمعة. وعلى الرغم من اللهجة اللطيفة التي يتحدث بها باتيبي والتي تترجمها إلى الإنجليزية محاميته ليلى مظهري وهي محامية إيرانية أميركية ساعدته على السفر إلى الولايات المتحدة، إلا أن حنقه على الحكم في إيران واضح في حديثه. لكنه لا يرغب في ثورة عنيفة. ويقول: «لا أحد يرغب في ثورة دون خطة لما يليها. فهذا ما حدث عام 1979».

وربما يكون باتيبي قد ورث نظرته للثورة من اسرته. فبعد الثورة الإسلامية التي اندلعت عام 1979، رفض والده الذي لم يكن على وفاق مع نظام الشاه، الانضمام إلى حرس الثورة. كما أن والدته التي تعمل مدرسة للصف الأول قد علمته وأخاه وأخته الصغرى كيف كان الحكم الإسلامي المعتدل الذي لا يماثل الحكم الإيراني الحالي المتشدد. وقد بدأت نزعته الفكرية عندما كان في الصف الرابع، وقد شعر مدرسه بالسأم من كتب التاريخ التقليدية، فقال للتلاميذ: «اذهبوا واقرأوا الكتب الأخرى، لتجدوا الحقيقة». ويقول باتيبي: «ربما لا يتذكر المدرس ذلك. لكن مقولته قد غيرت مجرى حياتي».

وفي جامعة طهران، أواسط التسعينات، اتجه باتيبي إلى الصحافة التصويرية وقام بتصوير عدة أفلام قصيرة. وقد التحق بالمظاهرات الطلابية كذلك، وتم إلقاء القبض عليه ثلاث مرات. ويتذكر أنه كان معجبا بمارتن لوثر كنغ، داعية الحقوق المدنية في اميركا. اندلعت مظاهرات الطلاب الإيرانيين عام 1999 بعد مرور 20 عاما على الثورة، حيث تظاهر مئات الشباب ضد إغلاق صحيفة «سلام» الاصلاحية المعتدلة، وكان باتيبي مشغولا وقتها بإعداد فيلمه عن إدمان المخدرات، لكنه انضم الى المظاهرات. وعندما أطلقت قوات الشرطة النيران على المتظاهرين، أصابت إحدى الرصاصات شابا بجوار باتيبي الذي نزع قميص الشاب وحاول إيقاف النزيف. وبعد حمل الشاب إلى إحدى العيادات، قام بحمل القميص ليحذر الطلاب الآخرين من الخروج.

وعند ذلك، انتهز أحد المصورين هذه اللحظة وقام بتصويره. وكان باتيبي في السجن عندما نشرت مجلة «الإكونوميست» صورته مما زاد من المخاطر التي كانت تواجهه. وعندما أظهر القاضي غلاف المجلة أمامه، كان باتيبي يشعر بالخوف والفخر في آن واحد. ويقول باتيبي: «لقد شعرت بالخوف والصدمة في بادئ الأمر، ولكن بعد ذلك، وعندما فكرت في أنهم قد يقتلونني، شعرت بأنني قد قمت بعمل كبير ضد هذا النظام».

ويصف باتيبي 17 شهرا من الحبس الانفرادي، حيث كان يتم تعذيبه من قبل المحققين الذين كانوا يحاولون إجباره على القول أمام شاشات التلفزيون بأن الدماء التي كانت على القميص إنما هي عبارة عن ألوان طلاء أو دم حيوان. وقد ضربه سجانوه بقضيب معدني وقاموا بضربه في أماكن حساسة وركله في فمه، لكنه كان يرد عليهم السباب والضرب، ويقول: «إذا قام المحقق بشتمي، كنت أشتمه. وإذا قام بضربي، كنت أحاول أن أضربه». وقد تم اقتياده مرتين إلى حبل المشنقة. وفي إحدى المرات، ترك الحبل حول رقبته لمدة 45 دقيقة، وكاد يموت من الخوف. وفي المرة الثانية، جلس منتظرا، وقد تم إعدام سجينين عن يمينه وشماله. وربما تكون الصورة التي أغضبت السلطات عليه، هي التي أنقذته، حيث أيده المناصرون لقضيته في جميع أنحاء العالم. وقد تم تخفيف الحكم بالإعدام عليه بسبب «تحريض الشعب على الاضطرابات» إلى السجن 15 عاما، ثم إلى 10 أعوام. وفي عام 2005، وبينما كان قد سمح له بتأدية الامتحانات للحصول على شهادة في علم الاجتماع، قرر الهرب. وقد بقي طليقا لمدة خمسة أشهر، حيث كان يقوم ببعض الأنشطة السياسية غير المعلنة وتزوج من طبيبة أسنان. ولكن بعد سجن زوجته بسبب أنشطته، اتفقا على الطلاق، حسبما أفاد. وبعد إعادة القبض عليه عام 2006، توقفت المعاملة السيئة من جانب السلطات. لكن كان يتم إجباره على مشاهدة زملائه وهم يعذبون. وفي العام الماضي، تم إطلاق سراحه من أجل معالجته. وفي مارس (آذار) تم إصدار أمر بإعادته إلى السجن. وقد علم أن مؤيديه يرغبون منه مواصله كفاحه من خلف القضبان، لكنه كان قد تعب. وقال: «لم يكن بوسعي أن أفعل أكثر مما فعلت. فكلنا يرغب في الحياة».

وفي موقع ياهو للمحادثة يوم 13 مارس (آذار) قام باتيبي بالاتصال بالمحامية مظهري التي كان يعلم أنها قد ساعدت الكثير من الإيرانيين على الوصول إلى الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه ومن خلال الاتصالات التي قام بها أثناء وجوده في السجن، كان باتيبي يبحث عن المساعدة من جانب حزب العمال الكردستاني الإيراني الديمقراطي، والذي قام بتوجيهه إلى ميدان الأرجنتين في طهران. وفجأة، قال المساعدون الأكراد ـ وهم متطوعون لم يستطع معرفة أسمائهم ـ بأن عليه المغادرة على الفور، للاستفادة من عدم انتباه السلطات أثناء الاحتفالات بالسنة الإيرانية الجديدة. وقد حمل حقيبة على ظهره تحتوي على الكومبيوتر المحمول الخاص به من نوع «ديل» وكاميرا وجهاز مسجل فيديو بحجم الجيب وأخذ بعض النقود من ماكينة صراف آلي، وقفز إلى سيارة الغرباء. وقد اتجه في عدة سيارات إلى الحدود الشمالية الغربية مع العراق، وبلغ الطريق نحو 300 ميل. وفي كل مرة كان يتنقل بين المسافرين. ففي إحدى المرات، كان يسافر مع أسرة، وفي مرة أخرى كان يسافر مع أم وطفلها الرضيع. وفي مرة ثالثة، سافر في حافلة. وطوال يوم ونصف، كانوا يتحركون عبر الحدود التي كانت محروسة بالجنود وحقول الألغام. وقد تقدم أحد الرجال الخمسة ليؤمن الطريق لهم. وقد سمعوا طلقات القناصة، وبعض الطلقات المدفعية من آن إلى آخر، لكنهم لم يتعرضوا لإطلاق نار مباشر. وفي 20 مارس (آذار) قام الرجال الخمسة بتسليم باتيبي إلى مجموعة جديدة من الأكراد في العراق. وقال: «فجأة، شعرت بالخوف الشديد. وكنت مثل الطفل الذي فقد أمه وذهب إلى عالم آخر لا يعرف فيه شيئا». وقد قامت المجموعة الجديدة بإحضاره إلى مكاتب المفوضية العليا للاجئين والتابعة للأمم المتحدة في أربيل، حيث بدأ إجراءات نقل الإيرانيين الذين لا يحملون جوازات سفر إلى بلد جديد. وكانت الأمم المتحدة ترتب لإجراءات سفره إلى السويد، عندما اتصلت به المحامية مظهري لتقول له إن الولايات المتحدة قد وافقت على طلبه لأسباب إنسانية، وهو سبب نادرا ما تستخدمه السلطات الأميركية إلا في حالات خطرة أو ذات أهمية سياسية. وتقول المحامية مظهري إن باتيبي كان مرتبكا عندما رأى امرأة أميركية إيرانية تخرج من محل للبقالة في واشنطن منذ عدة أيام، ونادته باسمه. وعندما قال نعم إنه باتيبي الذي قضى في السجن سنوات طويلة، انفجرت المرأة في البكاء. وقد تحدث باتيبي عن العمل من بعيد لإحداث التغيير السلمي في إيران. لكنه يعارض أي عمل عسكري أميركي ضد إيران، ويقول إن الولايات المتحدة إذا هاجمت إيران، «فربما أعود وأدافع عن بلدي بنفسي».

وباتيبي رجل له أهداف عادية، وهي أحلام رجل قضى معظم عقده الثالث في السجن. فهو يرغب في دراسة السياسة والاجتماع ويرغب في العمل كصحافي مصور. ويرغب في عزف الغيتار. وظل يفكر لبرهة، ثم تذكر طموحه الصغير وهو يبتسم: «أرغب في أن أصطاد. إنني سوف أذهب للصيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»