هاني فحص: يعمد بعض القيادات إلى تضخيم دور حزب الله في العراق لترتيب فواتير لبنانية وإقليمية

قال لـ«الشرق الاوسط»: إن عناية الدول العربية بشيعتها كمكون لا كجالية سيجعل عيونهم على الداخل الوطني

السيد هاني فحص («الشرق الأوسط»)
TT

أكد العلامة الشيعي السيد هاني فحص ضرورة الاهتمام العربي بالواقع العراقي ومساندته على تخطي مخاطر الصراع الذي يدور فيه. وكان السيد فحص في لندن للمشاركة في اجتماع أمناء «مؤسسة الذاكرة العراقية»، الذي عقد الاسبوع الماضي لبحث كيفية توثيق انتهاكات النظام العراقي السابق صدام حسين، حيث تحدث لـ«الشرق الاوسط» عن علاقته بالعراق، خاصة انه درس في النجف الاشرف وله علاقات مع قيادات عراقية سياسية ودينية، لكنه في الوقت نفسه قال ان الدور اللبناني في العراق محدود. وأضاف ان تصريحات الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول العراق ومطالبته بالتصدي لوجود القوات المتعددة الجنسية «مسلك لا يساعد العراق على الاستقرار والهدوء والنهوض ولا يصب في وحدة العراق لانه متناقض مع مسلك الطرف الذي يلتزمه في امكنة اخرى»، معتبراً ان «بعض القيادات تعمد الى تضخيم دور حزب الله في العراق لترتيب فواتير لبنانية واقليمية». وفي ما يلي نص الحوار:

* اهتمامكم بالشأن العراقي يعود الى سنوات، وقد قمتم بزيارته منذ فترة قريبة، فكيف تقيمون الوضع هناك اليوم؟

ـ ليس لي فضل بذلك على العراق، بل ان اهتمامي بالشأن العراقي هو اعتراف بفضل العراق علي شخصياً، اذ تكون وعيي فيه ومازلت مشدوداً الى مكوناتي العراقية معرفياً واجتماعياً، الى ذلك فاني مواطن عربي حريص على ترسيخ البعد الانساني في عروبتي، بمعنى تحريرها من الاوهام الشوفينية واعادتها الى دورها الحضاري الجامع، الذي حملته طوعا من خلال حملها للاسلام رسالة. ومن هنا فان العراق يشكل وعداً بتحويل التعدد الديني والاثني الى طرح حضاري تغذيه وطنية عراقية تجمع المتعدد تحت القانون وحقوق الانسان والحوار الدائم داخل المجتمع والدولة، وبين المجتمع والدولة، ليعود كل منهما فيجدد الآخر ويتجدد به بعيداً عن الاختزال الحزبي او الشخصي. وعليه فالعراق الآن وعد عربي واسلامي ومشرقي مطلوب منه، وهو قادر، ان ينهض بكل مكوناته وثرواته واحلامه من اجل ان يسهم في وضع حد للتراجع العربي ويتحول الى عامل من عوامل النهوض، بعد الكبوة أو الغياب أو التغييب الطويل والقاسي.

* هل تعتبرون ما يدور في العراق صراعاً طائفياً؟

ـ ان العراق الآن، وخاصة خلال هذه الاشهر الاخيرة، قال للعالم وبالفم الملآن، ان الصراع فيه ليس سنياً ـ شيعياً، بل هو صراع الدولة والفوضى أو اللادولة بحجج مذهبية ساقطة. هناك فسحة وان تكون ضيقة فلا بد من توسيعها بوعي وحوار وعمق وحكمة، من خلال بناء دولة عراقية تعددية محكومة بوحدة عميقة وراسخة تساعدنا الذاكرة المنقاة في اعادة بنائها وتحويلها الى مادة بناء عراق حديث وغني... على انه لا يجوز ابدا ان نركن الى الظواهر مهما تكن ايجابية، فسيبقى من يعمل على تغليب الفصال الطائفي على الوحدة والوطنية من دون شك.

* كيف نخرج من الصراع الطائفي – ان كان في العراق أو لبنان؟

ـ اذا كان ولا بد من تسمية الامور باسمائها، فان هناك سنة وشيعة، ودائماً كان في العراق سنة وشيعة وقد عشت في العراق طويلاً ولم نسمع عن فتنة سنية ـ شيعية، ان الادارة السيئة والمغرضة للتعدد العراقي من قبل النظام السابق، هي التي حولت الاختلاف الطبيعي الى خلاف وصراع، وعليه فان نظاماً اخر يقوم على الوطنية ودولة الافراد، والحرية والعدالة والكفاءة والقطيعة مع الماضي السلبي، هو الكفيل بجعل الاختلاف مصدر هوية للعراق ويقدم العراق درساً بليغاً في ائتلاف المختلف بعد الصراع وبعد الثغرات التي انفتحت او فتحت الجسم العراقي فتسربت من خلالها المطامع والاوهام اللاايديولوجية او العنصرية التي يهمها ان يبقى العراق متوتراً وممنوعا من النهوض وتقديم المثال... انا متفائل بحذر بالنسبة للعراق الذي انتهى فيه الماضي السلبي الى غير رجعة، ولكن المستقبل صعب ويحتاج الى صبر ودأب وشروط منها اعتماد المعايير العلمية والاخلاقية والديمقراطية في بناء الدولة ومؤسساتها، ومنها ان يتحرر قسم من العراقيين من خوفهم من الماضي ليساعدوا اخرين في تحررهم من الخوف من المستقبل، ولعل من اهم شروط العراق المعافى والحيوي ان تتعدد وتتنوع التفاهمات العميقة بين العراق ومحيطه وعمقه العربي ليشكل ذلك حماية من التعاطي مع محيطه الاقليمي من موقع القوة العربية والوضوح ورعاية انظمة المصالح المشتركة من دون مصادرة او وصاية او مطامع او احلام سياسية لا يتحملها العراق، اذن فالشرط العربي للعراق يضمن نهوض وسلامة واستقلال العراق وسيادته... ان الذي جرى في البصرة وامتد الى الموصل في المستوى الأمني كشف ان العراق موحد على اطروحة وطنية عميقة، وان الانفتاح الكامل على العراق من قبل الاردن والكويت ودولة الامارات مثلاً واستمرار مصر على طريق استكمال هذا الانفتاح والتقرير بان الممكلة العربية السعودية ستنفتح على العراق، كما هو مرجو منها ومتوقع دائماً، وبما يشكل علامة عافية وطمأنينة عربية... ان هذا الانفتاح وان تأخر بسبب الاداء العراقي والعربي فانه يبشر بخير كثير. لقد دلل العراق على كيفية الخروج من الصراع الطائفي... الا وهو اعتبار التطرف واحداً وان تعددت عنواينه ومحاربته من دون تفرقة وبحسب الامكانات المتاحة وبمنطق الدولة لا بمنطق الميليشيا والعمل على التفريق بين المتورطين واستيعابهم والمتعمدين لعزلهم ومواجهتهم، ومن ثم الاستمرار في بناء الدولة الواحدة مع تخفيف او الغاء الخطاب الطائفي في اطراف الدولة، لانه يشكل ذريعة للمتطرفين الطائفيين... ولا بد من تجسيد حضور الدولة في التنمية المتوازنة والشاملة وتحقيق العدالة بنسب عالية.

* تصريحات السيد حسن نصر الله حول العراق، هل هناك دور لبناني في الصراع العراقي؟ وهل تصريحاته تساعد الاوضاع هناك؟

ـ لا ادري ما اذا كان هناك دور لبناني في العراق... قد يكون دور محدود ويعمد بعض القيادات الى تضخيمه لترتيب فواتير لبنانية واقليمية عليه وعلى العراق... لا اعتقد ان هذا المسلك يساعد العراق على الاستقرار والهدوء والنهوض، ولا يصب في وحدة العراق لانه متناقض مع مسلك الطرف الذي يلتزمه في امكنة اخرى... لبنان مثلاً بخصوص العلاقة مع السنة. على العموم لا احد يستطيع ان يعيق العراق اذا قرر العراقيون ان يتقدموا... قناعتي أو معلوماتي بان السيد نصر الله يبالغ في دور الحزب في العراق او لا يبالغ... ولكنه يخاطب السنة في البلاد العربية على فرضية انهم مع المقاومة وانها سنية وان الشيعة يرفضون او يتحفظون عليها ولا يشارك فيها الا مقتدى الصدر بالكلام فقط وعليه فالسؤال يوجه الى القيادات السنية الحكومية والحزبية.

* نرى تصاعد النعرات الطائفية في المنطقة، هل هذا دليل على فشل الاحزاب السياسية؟ فشل فكرة المواطنة؟

ـ الاحزاب فشلت والدولة اساساً فشلت، ولا بد ان تجمع مكونات اجتماعها فرقتها وحولت الحداثة الى اشكال فارغة وحولت الاصالة الى غطاء للتخلف والاستبداد باسم الدين مرة والقومية مرة اخرى. ولكن لا بد من الاحزاب لانها ابرز مصاديق المجتمع المدني الضروري والمكمل لدور الدولة، ولكن يجب بناؤها على عدم الاختزال الفئوي والطبقي الى اخره... وجعلها متماثلة أو نابعة من النسيج الاجتماعي العربي. ولا بد من الدولة الحديثة الاصيلة الديمقراطية القوية العادلة الجامعة والحاضنة ضماناً ضد الاصطفاف الطائفي الذي يميع الصراع الحقيقي بين التقدم والتخلف... ولا بد من المواطنة، لا بد من اتاحتها وحمايتها بالقانون، ولا بد من اعتمادها في تحقيق العدل والمساواة على اساس الحقوق.. وهي لازمة لا تزول، تضعف وتقوى وتبقى دولة المواطنة، لا دولة الطوائف، دولة الاطراف لا دولة الجماعات، هي الضمانة برسوخ المواطنة الجامعة بين المواطنين... ولا بد من الكف عن الكلام عن المواطن وكأنه شعار فلكلوري او مستعار.. بل هو مفهوم حضاري لا بد من التعامل معه كقيمة وفكرة لترسيخ العلاقة بين المواطن والوطن وبين الدولة ومجتمعها والافراد الذين يعيشون في ظلها.

* كيف يمكن التصدي لفكرة ان ولاء الشيعة العرب لغير اوطانهم؟

ـ هناك مجموعات اثنية ومذهبية مختلفة في البلاد العربية وخاصة تلك التي اعترى تكوينها التاريخي وما زال شيء من القلق الكياني، وهناك مجموعات يعتري ولاءها الوطني احياناً شيء من الاضطراب بسبب اضطراب الدولة في حمايتها ورعايتها واستقطاب ولائها، فتبحث عن مثالها أو على الحل احياناً في الخارج، كما حدث في لبنان عام 1958 عندما توجه المسلمون السنة والشيعة والدروز نحو مصر ودولة الوحدة وتوجه المسيحيون نحو الغرب، مثل حلف التيتو أو حلف بغداد، ولكن التنوير او اعادة بناء الدولة اللبنانية على التوازن بين مصر وواشنطن على يد فؤاد شهاب حسم توجه الجميع نحو الداخل اللبناني.

اذن فخطر التوجه الى الخارج يحيق بالجميع ولكن بنسب متفاوتة والشيعة في البلاد العربية يذهبون الى مزيد من العزلة عندما تعزلهم دولهم... وعندما تقترب منهم وتقربهم ليصبح ولاؤهم صافياً لها وان اعترضوا وطالبوا بالانصاف، مبالغين في ذلك او واقعيين. وقد حصلت تجارب في اكثر من بلد عربي انفجر فيها الصراع ثم غلب التفاهم على المشاكسة... ان الشك في ولاء الشيعة عندما يظهر الولاء المزدوج لدى بعضهم يشجع المستفيدين من ذلك باستغلال عزل الشيعة واتهامهم في وطنيتهم ليؤسس على ذلك ما يمكن ان يتحول على المدى الطويل الى ولاء خارجي... ولكنه كان دائماً ينتهي الى احباطات وخيبات أمل عميقة. ان تراث الشيعة الفكري يؤكد انهم كانوا دوماً مياليين او نازعين الى الاندماج في اوطانهم واقوامهم، وان هذا الميل يقوى كلما انتبهت اليهم دولهم وشجعتهم نظرياً وعملياً على ذلك، من خلال الاعتراف والثقة بهم ومنحهم الفرص في بناء ذاتهم الوطنية... هكذا كان الامر مع ايران في عهد الشاه. وهذا المستجد الايراني لا يغير الواقع بل يعقده، وحسب الجهد العربي المبذول في هذا المجال الذي اذا ما كان حكيماً وحاضناً فعلاً يرشد ذلك الواقع الاندماجي ويحصنه من الانتكاس المحتوم في كل الحالات الشيعية وغير الشيعية لأن نظام مصالح الدول يتجاوز دائماً احلام انصارها والموالين لها في دول اخرى... ولا نعتقد ان الشيعة في البلاد العربية هم مشروع ايراني دائم وان تصور بعضهم او بعض الايرانيين ذلك.

* كيف يمكن تنمية الهوية العربية لاندماج الشيعة في اوطانهم بدلاً من النظر الى غير اوطانهم؟

ـ السؤال هو هل الشيعة في البلاد العربية داخلون فعلاً في مشاريع دولهم؟ ان هذا الامر اذا اصبح ظاهراً ومن دون مخاوف مبالغ فيها ومن دون مجاملة ومن دون رضا بالمواجهة المذهبية المضادة ومن خلال العلاج والوقاية من امراض ومخاطر الانقسام الاجتماعي المذهبي... هذا الامر، اي عناية الدول العربية بشيعتها كمكون لا كجالية، من شأنه ان يجعل عيون الشيعة مفتوحة دائماً على الداخل الوطني وظهورهم الى الخارج.

* نرى بوادر صراع عربي مع ايران قد يأتي بدلاً من صراع عربي مع اسرائيل، ما دور رجال الدين للحيلولة دون ذلك؟ ـ بلى هناك بوادر صراع من هذا النوع ولا يجوز التقليل من خطورته ولا تضخيمه ولا تحويله الى مشروع عداوات عميقة ونهائية أو طويلة الامد... ولا بد من الحذر من التناسي او نسيان انه ما من دولة، ومنها ايران، تجمع على رأي واحد، وخاصة في امر مصيري كأمر العلاقة مع الدول العربية... واذا ما كانت هناك اصوات تسوغ شعور البعض بان الخطر او الاخطر من اسرائيل هي ايران، فان هناك اذانا عربية لا تسمع غير ذلك. والمطلوب دائماً هو ان الاعتدال القوي لا الضعيف في كل من ايران والدول العربية يجب ان يرفع صوته ويشتغل على التفاهم والتسوية المشرفة ورعاية انظمة المصالح المشتركة قبل ان تستفيد اسرائيل من هذا الواقع الى ابعد مدى ويصبح البلاء كله على رؤوسنا ورأس ايران، مع الانتباه الدائم الى ان ايران والولايات المتحدة مثلاً لا تديران صراعهما وحوارهما على مقتضى مشاعرنا ومصالحنا، بل على مقتضى مصالحهم، ومعلوم ان مصالح اسرائيل جزء من مصالح اميركا. وانا هنا لست في صدد خطاب قوموي اخر، ولكني من اهل الواقعية وادعو اليها... من هنا فان التسوية بين ايران وواشنطن محتملة بنفس القوة او اقوى من الانفجار... فلا بد من الانتباه.

اما دور رجال الدين، فالمقصود رجال الدين ممن هم خارج السلطة الحزبية او الرسمية، لان هؤلاء يفقدون شيئاً من صفتهم بسبب موقعهم. اما رجال الدين البعيدون عن السلطة فهم اما معتدلون لا رأي لهم أو هم يدعون الى التمييز بين الديني والسياسي.. واما ملتحقون بعصبياتهم وهؤلاء لا يفعلون الا «صب الزيت على النار» وعقد مؤتمرات فاشلة للوحدة الاسلامية.