العاهل المغربي يهنئ بن كيران.. والمجلس الوطني لـ«العدالة والتنمية» الإسلامي ينتخب العثماني رئيسا له

نجل الخطيب والداعية أبوزيد للأمانة العامة.. وقياديون ينفون وجود اتفاق لتبادل المواقع الحزبية

TT

هنأ العاهل المغربي الملك محمد السادس، أمس، عبد الإله بن كيران، الأمين العام الجديد المنتخب لحزب العدالة والتنمية المعارض، ذي المرجعية الإسلامية.

ووصفت الرسالة الملكية، بن كيران، بأنه يتحلى بالحنكة السياسية والغيرة الوطنية، ومؤهل لتحمل الأمانة التي أسندت إليه بكل وعي ومسؤولية، بالنظر لما هو معهود فيه من تشبث راسخ بمقدسات الأمة والتزام بالخيار الديمقراطي كنهج قويم في تدبير الشأن العام وحرص على جعل المصالح العليا للوطن والقضايا العادلة للمواطنين، تسمو فوق كل اعتبار.

وأشاد العاهل المغربي في ذات الرسالة التي بثت وكالة الأنباء المغربية فقرات منها أمس، بالأمين العام السابق، سعد الدين العثماني، وقال عنه إنه كان يتحلى بدوره، بالحكمة والرصانة ويحرص على اضطلاع حزبه بدوره السياسي الكامل في نطاق دولة الحق والمؤسسات.

وطلب الملك محمد السادس، من الأمين العام الجديد، إبلاغ قيادة الحزب وقواعده دعواته لهم بأن يسدد الله جلت قدرته خطواتهم، ليسهموا بنصيبهم إلى جانب الهيئات السياسية الوطنية، في المجهود الجماعي لإنجاز أوراش التنمية والتحديث، في تشبث راسخ بثوابت الأمة وهويتها الأصيلة والتزام واع بمقومات المواطنة العصرية.

ودأب العاهل المغربي على تهنئة قادة الأحزاب السياسية، بعد انتخابهم أو تجديد الثقة فيهم، ما يعتبر مؤشرا قويا على أنه لا يخص حزبا دون آخر بمعاملة تفضيلية، سواء كان ضمن الغالبية الحكومية أو محسوبا على المعارضة بما فيها اليسارية.

وبرأي الملاحظين، فإن الرسالة الموجهة إلى بن كيران، وهو المشهور باعتداله وواقعيته، تعد تأكيدا من أسمى جهة في الدولة، على أن أي تشكيل سياسي، يلتزم، بما سمته الرسالة الملكية بوضوح، ثوابت الأمة ومقومات المواطنة العصرية والخيار الديمقراطي، يجد مكانه الطبيعي، في جسم المجتمع المغربي، من دون أن يتعرض لتضييق أو حد من نشاطه ما دام ملتزما بالقواسم المشتركة بين الأمة، ما يعني كذلك، أن عهد ادعاء حزب، قربه من الدوائر العليا قد انتهى، فكل الأحزاب أصبحت سواسية وقريبة، ولكل الحق، في أن ينزل إلى الميدان ويخوض الصراع، معتمدا على قوته الذاتية وليس على الدولة.

لكن أهم مغزى سياسي مزدوج تضمره رسالة العاهل المغربي لحزب العدالة والتنمية، الذي تناهضه بعض الأوساط التي تدعي الحداثة والعلمانية، أن الحزب أصبح مقبولا كلاعب سياسي في البلاد، قادر على تحقيق أهدافه بالوسائل الديمقراطية المشروعة التي يمكن أن تؤهله للمشاركة في الحكومة أو الاصطفاف في المعارضة الفاعلة.

وعلاوة على كون رسالة الملك محمد السادس، تعد دعما غير مباشر لنهج الاعتدال والوسطية الذي يتجه نحوه حزب العدالة والتنمية، سواء في عهد القيادة القديمة، والذي سيتعزز لا محالة في ظل القيادة المنتخبة. أخيرا، فإن الرسالة، تعتبر بنفس القدر تنبيها للفاعلين السياسيين الآخرين، المنتظمين في أحزاب أو الباحثين عن صيغ تنظيمية تستوعبهم، لكي يكفوا عن تصوير «العدالة والتنمية»، كخطر على الديمقراطية. وهي دعوة ستلاقي الترحيب من أحزاب بدأت تعلن مخاوفها بصوت خافت في المدة الأخيرة من احتمال إحياء الزمن السياسي الذي عرفه المغرب في العقود الماضية.

الى ذلك انتخب سعد الدين العثماني الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الاسلامية (معارض)، مساء أول من أمس، رئيسا للمجلس الوطني للحزب (برلمان الحزب) خلفا لعبد الاله بن كيران الذي انتخب أمينا عاما للحزب، وذلك خلال أول دورة يعقدها المجلس بالرباط.

ولم يكن منتظرا انتخاب العثماني، رئيسا للمجلس الوطني، بالنظر الى تصريحات أدلى بها عند نهاية المؤتمر السادس للحزب، اكد فيها «أن حزب العدالة والتنمية هو حزب مؤسسات وليس حزب أشخاص»، لكن تمسك أعضاء المجلس الوطني بشخصه، جعل اسمه ضمن قائمة المتنافسين على رئاسة المجلس الوطني، الذي يعد أعلى هيئة تقريرية في الحزب.

وحصل العثماني على74 صوتا خلال الدور الثاني من الانتخابات الخاصة برئيس المجلس من أصل111 صوتا، في حين حصل مصطفى الرميد، رئيس فريق الحزب بمجلس النواب (الغرفة الاولى في البرلمان)، على36 صوتا.

وبدا العثماني في الدور الاول فائزا، إذ حصل على 48 في المائة من الاصوات المعبر عنها، وحصل الرميد على 27 في المائة، وعبد العزيز الرباح على 17 في المائة.

وقالت مصادر متطابقة لـ«الشرق الأوسط» إن بعض أعضاء المجلس الوطني، لم يرقهم تراجع العثماني، من امين عام الى رئيس للمجلس الوطني، حيث دعا بعضهم الى منحه موقعا أكبر، من قبيل رئاسة شرفية، أو رئاسة أكاديمية فكرية سياسة موازية للحزب، لتأطير المواطنين، ومنتسبي الحزب، داخل الوطن وخارجه، فيما انتقد آخرون وجهة النظر هذه، وصفوها بـ«التبخيسية» نظرا للدور المهم الموكول لرئيس المجلس الوطني، موضحين أن المنتسب، عليه العمل انطلاقا من أي موقع كلف به، داخل الاجهزة المسيرة للحزب، مهما كان شخصه، ووزنه السياسي، وتاريخ نضاله. ونفى العثماني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن يكون حزبه لعب لعبة استبدال المواقع في تحمل المسؤوليات، بينه وبين بن كيران، مؤكدا أنه رفض وضع اسمه ضمن قائمة المرشحين لمنصب رئيس المجلس الوطني، وقدم اعتذارا للذين رشحوه من أعضاء المجلس الوطني، لكنه لم يجد بدا من الامتثال الى القانون المهيكل لانتخاب رئاسة المجلس.

وقال العثماني «في رأيي المتواضع، تعد المسؤولية السياسية تكليفا، والانسان عليه العمل وفق مشروع سياسي، ذي مقاصد واضحة، أما مجرد التمسك بالالقاب فسيؤدي الى اعدام المشروع السياسي، لذلك فالمؤسسات هي التي ترشح، وتنتخب»، مشيرا الى أن ذلك يدخل في صميم الممارسة الديمقراطية، في حزب ذي مرجعية اسلامية، يشتغل في شفافية، وبمصداقية، ويعتبر التداول على المسؤولية أكبر من مناقشة المهام.

وفي السياق نفسه، انتخب المجلس الوطني للحزب، في ختام أشغال دورته الأولى، عبد الله باها، ولحسن الداودي، وسليمان العمراني على التوالي، نوابا للأمين العام للحزب.

ونفى الداودي أن يكون قد نقض وعده الذي قطعه على نفسه، بعدم تقلد أي منصب في الاجهزة المسيرة للحزب، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قدمت اعتذاري لأعضاء المجلس الوطني، وقلت لهم لا أريد تقلد أي منصب، قبل عقد دورته الاولى، ولكن قانون الانتخاب بالمجلس الوطني ألزمني مجددا بالعمل، ولتدارك الامر، فإنني ملزم بتقديم استقالتي من الحزب، وهذا يعد من المستحيلات».

ومن جهته، قال عبد العزيز الرباح، عضو الامانة العامة للحزب، إن ما وقع أثناء انتخاب الامين العام، ونوابه، ورئيس المجلس الوطني، ليس تبادلا للمواقع بين العثماني وبن كيران، وليس رغبة في الابقاء على نفس الوجوه السابقة، ولكنه تغيير في بوصلة الحزب على مستوى التموقع في الخريطة السياسية المغربية، بالنظر الى التحديات المطروحة عليه مستقبلا.

وأكد الرباح أن انتخاب العثماني، رئيسا للمجلس الوطني، يتوافق وطبيعة الشخص، المعروف بالرزانة في اتخاذ القرار، والروية في حل المعضلات المستجدة، على حد قوله، مبرزا ان اعضاء المجلس الوطني احتاجوا الى خبرة العثماني لضبط الامانة العامة التي يتولاها بن كيران، في مرحلة سياسية ستشهد تجاذبات قوية.

ونفى الرباح أن تكون لدى حزبه الرغبة في استمرار نفس الأشخاص في تبادل مواقع المسؤوليات، مؤكدا أن عددا من الاسماء المعروفة لم يتم انتخابها في الأمانة العامة للحزب التي تتكون من 27 عضوا، من قبيل المقرئ الادريسي أبوزيد، وعمر الخطيب، نجل الزعيم التاريخي للحزب، عبد الكريم الخطيب، ومحمد الخليل، وعلي الرزمة، وآخرين، فيما تمت إضافة وجوه أخرى، مثل الناخبين البرلمانيين جميلة المصلي، وعبد العزيز لفتاتي، والاستاذ الجامعي عبد العالي حامي الدين.