عبد الواحد نور: لست مرتزقا حتى يدفع لي الأميركيون أو الإريتريون أو الليبيون

زعيم حركة تحرير السودان لـ«الشرق الأوسط»: فرنسا منحتني التأشيرة ووجودي فيها من أجل قضية دارفور

عبد الواحد محمد نور («الشرق الأوسط»)
TT

زار عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان، وهي إحدى الفصائل الرئيسية المتمردة في دارفور، العاصمة الاميركية واشنطن حيث أجرى محادثات مع مسؤولين اميركيين في البيت الأبيض والخارجية والبنتاغون. وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها نور واشنطن ويلتقي مع مسؤولين اميركيين منذ رفض فصيله التوقيع على اتفاقية ابوجا (نيجيريا)، على الرغم من ان نور لمح الى انها ليست زيارته الأولى. في هذا الحوار يتحدث نور عن زيارته إلى العاصمة الاميركية وحول التطورات في دارفور.

* من التقيت في واشنطن؟

ـ التقيت مع مسؤولين في الخارجية والبيت الأبيض والبنتاغون. في الخارجية التقيت مع جينداي فريزير مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الافريقية وآخرين، في البيت الابيض التقيت مع بوبي توسمان من مجلس الأمن القومي، واجتمعت مع مسؤولين في البنتاغون واحتفظ باسماء من التقيت بهم هناك.

* يمكن فهم حيثيات اللقاء مع مسؤولين في الخارجية أو البيت الأبيض لكن بالنسبة للبنتاغون يطرح التساؤل، هل بحثت مثلاً تعاوناً عسكرياً مع الفصيل الذي تقوده والاميركيين؟

ـ بما انني حركة واؤمن ببناء دولة، لابد ان اتعاون مع جهات تساعد على بناء هذه الدولة، وبما ان اميركا دولة مؤسسات من الطبيعي ان التقي مع مسؤولين في البنتاغون.

* من التقيت في البنتاغون ؟

ـ لا أستطيع ان اقول لك أي شيء حول هذا الموضوع.

* ما هو موقف اميركا الحقيقي من مشكلة دارفور، بعد ان التقيت مسؤولين في البيت الأبيض والخارجية والبنتاغون ؟

ـ على اميركا ان تعلن موقفها وليس انا الذي أعلن ذلك، لكن موقفنا ان ليس هناك تفاوض مع الحكومة قبل ان يكون هناك أمن على الأرض، اي نشر قوات دولية لصناعة السلام وليس لحفظ السلام لانه ليس هناك سلام يحفظ.

* ماذا سمعت من الاميركيين حول الوضع الراهن والمستقبل في دارفور؟

ـ الاميركيون مثلهم مثل اية دولة في العالم يريدون ان يكون هناك أمن في دارفور والسودان ويريدون ان يروا السودان دولة ديمقراطية فيها تداول سلمي على السلطة، يبدأ اولاً بأمن الناس ثم العملية الديمقراطية الى ان نصل الى الانتخابات وهي آخر مراحل العملية الديمقراطية، وإطلاق حريات التفكير والتعبير والاعتقاد والتنقل وجميع الحريات المعروفة في الدول الليبرالية، هذا هو هدفنا في حركة تحرير السودان.

* هل وعدك الاميركيون بتقديم مساعدات للحركة التي تقودها؟

ـ لم آت إلى هنا لطلب مساعدات، لكن رأينا في حركة تحرير السودان ان نجلس مع الآخرين خاصة الدول الديمقراطية وعلى رأسها الولايات المتحدة وهي الدولة الكبرى في العالم وان نتفاكر ونتشاور ونبحث سبل التعاون بيننا والمصالح المشتركة بين الشعب السوداني والشعب الاميركي، واعتقد اننا نجحنا في ذلك بدرجة كبيرة.

* هل طرح معك الاميركيون موضوع المحكمة الجنائية الدولية؟

ـ يعتقد بعض الناس ان المحكمة الجنائية الدولية دمية في ايدي الآخرين، المحكمة الدولية جهاز قضائي مستقل لها مؤسساتها، وليست هناك اية علاقة بين القانون والسياسة أي ما بين الأمور السياسية والقانونية.

* إذن موضوع المحكمة الدولية طرح خلال محادثاتك مع الاميركيين ؟

ـ لا لم يطرح.

* الاميركيون يقولون الآن انهم يعملون على توحيد الفصائل المسلحة في دارفور ؟

ـ شرحنا وجهة نظرنا حول ما يسمى بالفصائل، هناك شيء هلامي اسمه الفصائل وهناك الحقائق، وبينا على ضوء ذلك كيف يكون الحل عن طريق الحركة اما الفصائل الهولامية ستبقى هولامية وهناك اكاذيب خلقتها الحكومة واطلقت عليها اسم الفصائل، واعتقد اننا شرحنا موقفنا بوضوح واعتقد انهم تفهموا الأمر بطريقة جيدة.

* عندما تقول فصائل هولامية هل تقصد انه لا توجد حركة من غير حركة تحرير السودان؟

ـ عندما جرت مفاوضات ابوجا (نيجيريا) ورفضنا التوقيع على الاتفاقية التي وقع عليها الأخ مني مناوي، كنا نوجد هنا حيث تأسست حركتنا منذ عام 1992 وحركة العدالة والمساواة التي نختلف معها ايديولوجياً. هناك حركات انفصلت عنا ولكنهم يشاركوننا الرؤية ونسعى لارجاعهم ونعتقد بانهم أصدقاء لنا، وهناك بالطبع فصائل صنعتها الحكومة، وقد شرحنا الموقف للاميركيين بكيفية واضحة جداً.

* قيل انك رفضت التوقيع على اتفاقية ابوجا بعد ان طلبت من الاميركيين ان يدفعوا لك مبلغ 30 مليون دولار نقدا ؟

ـ (ضاحكا) انا لم اسمع بذلك.

* هذا ما سمعناه هنا في واشنطن؟

ـ انا سمعت ايضاً ان الحكومة السودانية دفعت لي ستة ملايين دولار، وهناك من قال 17 مليون دولار، وهناك من جعل الرقم متواضعاً وقال 600 الف دولار، وهذه قصة جديدة اسمع بها لاول مرة...لكن اطالبهم بمبلغ 30 مليون دولار لقاء ماذا ؟!

* مقابل التوقيع ؟

ـ التوقيع على ماذا ...؟!

* التوقيع على اتفاقية ابوجا ! ـ لكن هل الاتفاقية بيني وبين الاميركيين اما بيني وبين الحكومة السودانية؟!

* اميركا كانت هي الدولة الراعية للاتفاقية.

ـ الدول الراعية لا يمكن ان تدفع لنا مبلغاً لنوقع لاننا لسنا مرتزقة، انما نحن نتبنى مبادئ كانت مغيبة.

* ما صحة ما قيل انك تلقيت اموالاً من الاريتريين حتى تفشل مفاوضات ابوجا ؟

ـ قدمت اريتريا الكثير للشعب السوداني، لكن سياسة اريتريا ليست دفع مبالغ لاصحاب القضايا، لو قال الناس ان اريتريا قدمت لنا سلاحاً، ربما يكون هذا جائزاً وهو لم يحدث، لكن لا اعتقد ان هناك معارضاً سودانياً اعطته اريتريا ولو فلساً واحداً .

* وماذا عن الليبيين ؟

ـ ربما يدفع الليبيون لآخرين ولكن ليس نحن، والذي يدفع لك يوجهك وهذا هو الثمن، ومن اشتراك اليوم يبيعك غداً، وبما ان لا احد حتى هذه اللحظة استطاع ان يشترينا بالتالي ليس هناك من باعنا.

* ما هي حكايتك مع الفرنسيين، مرة يضغطون عليك من أجل المشاركة في الحوارات، وتارة يقولون إنهم يعتزمون طردك من الاراضي الفرنسية، بصراحة ما هي القصة؟

ـ هذا ما نسمعه في الاعلام، فرنسا دولة ديمقراطية وانا أكن لفرنسا تقديراً واحتراماً لانها الدولة الوحيدة التي منحتني تأشيرة دخول حصلت عليها من السفارة الفرنسية في اسمرة. عندما كنت هناك كان كل العالم يقول لي إنه لن يكون تعامل معنا إذا لم اوقع (على اتفاقية ابوجا) ذهبت الى السفارة الفرنسية ومنحوني التأشيرة ...الفرنسيون قدموا لي الكثير واشكرهم على ذلك، وأكن لهم الكثير من التقدير والاحترام، لانهم على الاقل قدروا انسانيتي ووافقوا على منحي التأشيرة، ولولا تلك التأشيرة لما اتيح لي ان ازور حتى الولايات المتحدة.

* ما هو الجواز الذي جئت به الى اميركا؟

ـ لا استطيع ان افصح عن ذلك.

* هل هو جواز سوداني ؟

ـ طبعاً لا ، لكن الثابت ان الفرنسيين منحوني حتى اللجوء السياسي لكنني رفضت ذلك، لانني مقاتل من أجل الحرية، ولست طالباً للجوء والذي يقاتل من اجل الحرية لا يطلب اللجوء السياسي.

* ما هي علاقتك مع تشاد ؟ ـ تشاد دولة جارة، علينا الاقرار ان تشاد لها خصوصيتها والسودان له خصوصياته، علاقتنا مع تشاد مبنية على مبدأ الاحترام والجيرة، ونحن لا نتدخل في شؤون تشاد ونشجب محاولات حكومة الخرطوم ان تصدر الارهاب حتى الى تشاد. ونحن نسعى ان تكون لنا علاقات متوازنة مبنية على الاحترام المتبادل سواء كان مع تشاد او اية دولة جارة اخرى.

* ماذا بشأن علاقتكم الآن مع حركة العدالة والمساواة ؟

ـ موقفنا في حركة تحرير السودان في غاية الوضوح اننا نتفق مع الآخرين ونتحاور معهم ونذهب معهم بعيداً وفق الرؤية المشتركة، نحن في حركة تحرير السودان ندعو الى بناء دولة علمانية ليبرالية ديمقراطية مبنية على حق المواطنة الحقة لكل الشعب السوداني بما فيه شعب دارفور، والفصل الواضح والصريح للدين عن الدولة، من نتفق معه في هذا الطرح يكون حليفنا وسيكون لنا تقارب معه، حركة العدل والمساواة حتى هذه اللحظة لا تقول بفصل الدين عن الدولة، وطبيعي ان لا تكون بيننا علاقة معها.

* سؤال افتراضي اذا قدر لحركة العدل والمساواة ان استولت على السلطة كما كانت تأمل، هل كنتم ستحاربونها ؟

ـ نحن نحارب الفكر وليس الأشخاص، نحن نحارب السلفية السياسية التي اعتمدت على صفوة تحكم البلد وتعزل كل الشعب السوداني منذ الاستقلال الى اليوم، سنحارب هؤلاء اياً كانوا.

وهذا يشمل كل انواع السلفيات السياسية، سواء كانت سلفية يمينية او يسارية او طائفية لانهم سبب مشكلة السودان، لكن حركة العدل والمساواة لم تصل الى السلطة ولم نر وجههم حتى هذه اللحظة، وهدفنا لم يكن حركة العدل والمساواة لاننا نختلف في الرؤية، نحن نؤمن بالديمقراطية ومن حق الآخرين ان تكون لهم تنظيماتهم، لكن نختلف معهم في الايديولوجية والرؤية.

* ما رأيك في ما يقال بانكم واجهة لقبائل الفور والعدل والمساواة واجهة لقبائل الزغاوة؟

ـ هذا ما يقوله حزب المؤتمر الوطني (الحزب المهيمن على السلطة في الخرطوم) عندما تمردنا وأسسنا حركة تحرير السودان كانت قيادة الحركة تضم 17 شخصاً من جميع اقاليم السودان ومن بينهم اربع نساء، وميزتنا اننا حركة قومية تضم عناصر من جميع الجهات، وعندما شكلنا الجناح العسكري وشرعنا في تنفيذ العمليات اتهمتنا الحكومة باننا قطاع طرق ثم قالت إننا شيوعيون، ثم قبليون ثم عملاء لتشاد، ثم عملاء لإريتريا وليبيا ثم قالوا إننا عملاء لوكالة المخابرات الاميركية وربما يقولون غدا اننا عملاء لايران، لكن نحن حركة قومية ديمقراطية وندعو الى بناء دولة علمانية ليبرالية ديمقراطية موحدة، ومن أجل ذلك قلنا ان مشكلة السودان تنقسم الى قسمين، آني وفوري وهو تحقيق الأمن في دارفور وايقاف قتل المواطنين ونزع سلاح ميليشيات الجنجويد التي تشكل إداة التقتيل والابادة. ثم طرد الاجانب الذين تم توطينهم في دارفور اي اولئك الذين اتوا بهم من النيجر ومالي وتشاد وافريقيا الوسطى، في محاولة تعريب أراضي القبائل الافريقية التي يتم تقتيلهم.

* انتم تقولون انكم حركة قومية لكن لا توجد لكم في الواقع اية علاقة مع قوى المعارضة التي توجد في باقي انحاء السودان؟

ـ هذا غير صحيح.

* اريد مثالاً واحداً ؟

ـ نحن حركة ونعمل من اجل تغيير النظام ونعمل تحت الأرض ولا نستطيع ان نقول لك من هم حلفاؤنا، لكن لنا علاقات راسخة مع الذين يؤمنون بفكرة الدولة العلمانية، وقد اجتمعت هنا مثلاً مع الاخوة من منطقة كجبار ( معارضون لانشاء سد في منطقة النوبة).

* ماذا تريدون في نهاية المطاف هل تريدون ان تحكموا السودان وانتم أقلية؟

ـ ارفض هذا السؤال لانه يقوم على مبدأ نحن وهم ، ليس هناك في السودان أقلية أو أكثرية، نحن نقول في الدولة السودانية ليس مهماً من الذي يحكم لكن المهم كيف يحكم السودان، الاقلية والاكثرية هذا منطق نحن وهم وهو أمر مرفوض بشدة، لذلك لا اعرف من تقصد بالاقلية ومن هم الأكثرية.

* انا اطرح الاسئلة التي تدور في اذهان الآخرين، لكن لننتقل الى موضوع آخر ذكر ان اتصالات غير معلنة جرت بينكم وبين الحكومة السودانية في الآونة الاخيرة، ما مدى صحة ذلك؟ ـ لماذا نتصل مع الحكومة في السر او العلن ؟ موقفنا واضح . رفضنا التوقيع على اتفاقية ابوجا لان ليس هناك أمن، هل تحقق ذلك ؟ اذن لا يمكن ان نتصل مع الحكومة في الخفاء ونحن لا نخشى أحداً.

* دائماً يطرح سؤال حول وضعيتك، مفاده كيف قائد حركة يقيم في باريس ويقود قوات حركته في دارفور؟

ـ سؤال معقول جداً، لكن انا كقائد حركة كنت مع قواتي حتى وقعنا اتفاقية وقف اطلاق النار في انجمينا عام 2004 لأسباب إنسانية وهذه هي الاتفاقية الوحيدة التي وقعناها والتي نلتزم بها حتى هذه اللحظة، هناك جناح عسكري للحركة وهناك جناح سياسي للحركة، بالنسبة للجناح العسكري انا الذي أسست هذا الجناح وذهبت الى كل هذه القبائل واستطعت تجميعهم في جبل مرة ثم بعد ذلك قاتلت معهم الى ان وقعنا اتفاقية وقف اطلاق النار، لدينا قيادة عسكرية يتولاها القائد قدورة، وهناك الجناح السياسي للحركة الذي يتكون من جميع منظمات المجتمع المدني في جميع انحاء السودان وهم كافة الشرائح. وانا اعود الى الميدان عبر طرقنا الخاصة، لكن ذلك لا يشرح عبر الحوارات الصحافية. لكن لماذا انا في باريس كان الجميع يقولون انني «السيد لا» خاصة الدول الغربية، ومن هنا ايقنت انه ليس هناك من يفهم أزمة السودان ومشكلة دارفور، لذلك جئنا الى هؤلاء الناس والتقينا بهم في السر والعلن، وحتى الولايات المتحدة جئنا مرات، ومن خلال وجودنا في الخارج شرحنا للعالم ما هي الأزمة وما هي المشكلة.

* الحكومة تقترح الآن مؤتمراً من الداخل هل ستشاركون فيه إذ قدر له ان ينعقد، ثم لماذا تتحاورون مع الآخرين ولا تتحاورون مع الحكومة ؟

ـ هذا ليس صحيحاً، نحن تحاورنا مع الحكومة في ابشي (تشاد) قبل ان يكون حتى وسيط دولي ثم في انجمينا ثم سبع جولات في ابوجا، لكن السؤال حول مصداقية الحكومة، ماذا حدث بشأن اتفاقية السلام الشامل بين الشمال والجنوب، ماذا حدث بشأن اتفاقية ابوجا، ماذا حدث مع اتفاقية الشرق، ماذا حدث بشأن اتفاقية القاهرة مع التجمع، ثم هناك 13 قراراً من مجلس الأمن.