البصرة: عراقيون من أصول أفريقية اشتهروا بالحفاظ على موروثهم الفولكلوري

«ذوو البشرة السمراء» ما زالوا يؤدون فنونهم بمسمياتها الأصلية

مطربة تغني فيما تعزف خلفها فرقة موسيقية من البصرة (أرشيف «الشرق الاوسط»)
TT

تتميز البصرة عن غيرها من المحافظات العراقية بكثافة أعداد السكان فيها من «ذوي البشرة السمراء» المتحدرين من أصول أفريقية والذين لا زالوا يحافظون على موروثهم الإنساني ويؤدون فنونهم بمسمياتها الاصلية رغم المسافة الزمنية البعيدة على انقطاعهم عن «الجذور» في القارة السمراء.

ظهر صوت هذه الفئة من سكان البصرة أخيرا بعد إعلان مجموعة منهم بتأسيس «حركة العراقيين الحرة» وهو الذي اختفى منذ فشل ثورة الزنج عام 257 هجرية إبان دولة الخلافة العباسية.. ويرى المؤرخون إن «ذوي البشرة السمراء في البصرة هم أحفاد جماعات من العبيد السود كان العباسيون يأتون بهم من أفريقيا الشرقية للعمل في حفر الأنهر وقنوات الري، وكسح السباخ والأملاح الناشئين من مياه الخليج، وذلك تنقيةً للأرض وتطهيراً لها كي تصبح صالحة ومعدة للزراعة، وكانوا ينهضون بعملهم الشاق في ظروف عمل قاسية وغير إنسانية، تحت إشراف وكلاء غلاظ قساة، ولحساب ملاك الأرض من أشراف العرب». ويضيفون «استجاب هؤلاء إلى دعوة علي بن محمد قائد ثورة الزنج الذي رافقته فكرة المهدي المنتظر في جميع مراحل حياته السياسية؛ فاستغل ادعائه المهدية بذكاء واعلن أن هدفه تحرير الرقيق من العبودية وتحويلهم إلى سادة لأنفسهم، وإعطائهم حق امتلاك الأموال والضياع، بل ومنّاهم بامتلاك سادة الأمس الذين كانوا يسترقونهم، وضمان المساواة التامة بينهم. وبعد فشل هذه الثورة خلفت وراءها مقتل أكثر من 300 ألف من أهل البصرة إضافة إلى تدمير وحرق البيوت والمزارع والبساتين، ومنها ولد المثل العربي المعروف (بعد خراب البصرة) على حد تدوين المؤرخين».

ووصف الدكتور عبد الكريم عبود (التدريسي في كلية الفنون الجميلة) وهو واحد من ذوي البشرة السمراء دعوة الحركة الجديدة بالغريبة وقال لـ«الشرق الاوسط» ان «كل القوانين ومنذ تأسيس الدولة العراقية في العشرينات من القرن الماضي والى اليوم ليس فيها ما يفرق بين الناس على اساس اللون او الدين والمذهب، مستدركا بوجود هذه التفرقة بالأعراف الاجتماعية ومنها تسميتهم بالعبيد وعدم مصاهرتهم». واشار الى أن «مناشدتهم مرشح الرئاسة الأميركي (باراك أوباما) على اعتبار انه من أصول أفريقيه هو محاولة غير صحيحة بتماثل معاناتهم بأوضاع السود في أميركا في أزمنه تفشي التفرقة العنصرية في المجتمع الأميركي».

وأكد الشيخ كاظم الرباط (رئيس مجلس أعيان المحافظة) «على إن المجتمع يسعى للتخلص من الطائفية التي حلت على البلد بعد عام 2003 ولا يسمح بظهور حركات أخرى تتسم بالعنصرية كالحركة التي كونها مجموعة من ذوي البشرة السمراء في البصرة ..». وقال «إن المجتمع العراقي والإسلامي بشكل عام خال من التفرقة العنصرية ولا يميز الإنسان على أساس اللون بدليل إن الرسول الكريم اتخذ من بلال الحبشي أول مؤذن في الإسلام ..». وأضاف «ان اختيار مجموعة من ذوي البشرة السمراء للعمل في خدمة دواوين العشائر ومن بينها عشيرة السعدون المعروفة جاء بمحض إرادتهم ورغبتهم في الانتماء للعشائر وحمل ألقابها. ويرى اسعد خضير اليابس (من أشهر عازفي الإيقاعات) «إن البصرة عرفت ومنذ أزمان بعيدة ذوي البشرة السمراء، ومهنم رجال ونساء من تزوج من اهل البصرة عرب بيض فولد جيل أطلق عليهم فيما بعد بـ (المولدين). ومن المهن التي اشتهروا فيها هي الصيد البحري في الفاو والفنون الموسيقية التي تؤدي في (المكايد) وهي الاماكن التي يخصصها أصحابها لاداء طقوس احتفاليه تعزف فيها موسيقى الدفوف والطبول بعد تطويعهم لنصوص الاغاني مع الحانهم الموروثة، وخاصة في المناسبات الدينية وفي ذكرى الاموات وهي أشبة ما تكون بجلسات الزار في مصر والذكر والمناقب النبوية في بغداد والمناطق الغربيه وكذلك في مناسبات الأفراح ومن أشهر العوائل التي لديها مكايد وما زالت مستمرة في البصرة القديمة عائلة (انيكا) نسبة الى نوع من الغناء الأفريقي ومكيد المشراق ومكيد أبو ناظم ومكيد سعيد منصور ومكيد اميك..». واضاف «ضم البارزون منهم الى فرقة البصرة للفنون الشعبية عند أول تأسيسها عام 1975 بصفة عازفين على آلاتهم الافريقيه وراقصين، وما زالوا يعملون في الفرقة حتى الآن».

ومن بين أحفاد ثورة الزنج علي عبود علي (عازف) الذي قال لـ«الشرق الاوسط» ان «ابناء جلدته» حافظوا على مورورثهم الفولكلوري وبالمسميات الافريقية ومنها معزوفات (بيب وانكروكا وجونباسا والليوة والنوبان) وتختلف هذه المعزوفات عن بعضها حسب مشاركة الآلات الموسيقية فيها، وهي عبارة عن إيقاعات تصنع من مقاطع من سيقان الأشجار بعد تجويفها يتم رقم او تغليف بعضها من الطرفين والبعض الاخر من طرف واحد بجلود الحيوانات ومن أشهر هذه الآلات (امصوندو وكيكانكا ووباتو والصرناي)». واضاف «ان معظم المعزوفات يصاحبها أداء منشدين يرافقهم راقصين من كلا الجنسين، وبعضهم يرتدي احزمة حاوية على أغلفة اطراف الحيوانات اليابسة التي تمنح المعزومة نغمة لحنية مضافة من خلال ارتطامها ببعضها اثناء حركة المرتدي لها».