صمت سوري حيال اغتيال المستشار الأمني للأسد.. وتكهنات حول الدوافع

مصدر سوري لـ «الشرق الأوسط»: محمد سليمان كان مسؤول تسليح الجيش والملفات الأمنية الحساسة

TT

خيمت امس اجواء من التعتيم والغموض على مقتل العميد محمد سليمان، المستشار الأمني للرئيس السوري بشار الأسد. وقال مصدر سوري مطلع لـ«الشرق الأوسط»، ان «الذراع اليمنى» للرئيس السوري ومستشاره الامني العميد سليمان، الذي اغتيل في ظروف غامضة فجر الجمعة السبت بواسطة قناص أطلق عليه النار من البحر قبالة شاطئ مدينة طرطوس شمال غرب سورية، كان مسؤول الملفات الامنية الحساسة في مكتب الرئيس السوري، كما كان مسؤول التمويل والتسليح في الجيش السوري. وذكرت مصادر سورية ان سليمان كان ضابط ارتباط بين سورية وحزب الله، بالاضافة الى مهامه الاخرى، إلا ان مسؤولا في حزب الله نفى في تصريحات لوكالة الانباء الفرنسية معرفة الحزب بسليمان او بمقتله. ويأتي اغتيال سليمان، الذي كان من بين المسؤولين السوريين الذين طلب ديتليف ميليس الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري التحقيق معهم، بعد نحو 6 اشهر من اغتيال مسؤول العمليات الامنية في حزب الله عماد مغنية في قلب دمشق. وأوضح المصدر السوري، الذي لا يستطيع الكشف عن هويته، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من لندن، ان العميد سليمان كان أساسا صديقا وزميلا في الجيش السوري لباسل الاسد، الشقيق الراحل للرئيس السوري، وأنه بعد وفاة باسل الاسد اصبح سليمان، مقربا من بشار الأسد، الى ان بات ساعده الايمن ومسؤول الكثير من الملفات الحساسة، موضحا أن كل الملفات الامنية الحساسة التي تدخل مكتب الاسد تمر اولا على العميد سليمان. واستبعد المصدر السوري ان يكون اغتيال العميد سليمان، قد تم على خلفية طموحات سياسية وتنافس بين سليمان وغيره من اجنحة النظام السوري، موضحا ان دور سليمان كان أهم من اي مسؤول سياسي اخر بالنظام، موضحا أنه كان أقرب شخص الى الأسد، وكانت سلطاته تتجاوز وزير الدفاع السوري ورئيس الأركان. وتابع، «في هذه الظروف من الصعب ان نحدد رؤية معينة. لكن لا شك ان النظام في وضع صعب ومعقد. القمع وحوادث صيدنايا الأخيرة، واتباع سياسة العزل والاقصاء، والتوترات الطائفية في سورية تخلق ظروفا. وصول سورية الى مثل هذه التوترات امر سيئ. ويتحمل النظام المسؤولية.. لكن هل عملية الاغتيال تمت لهذه الاسباب أم لاسباب اخرى؟ لا شك ان العميد محمد سليمان اقرب الناس الى بشار الاسد، ويده اليمنى في القوات المسلحة. يعرف كل شيء. كل الملفات لديه، الامنية والمالية والتسليح». وحول علاقة سليمان بالاسد قال المصدر السوري: «العميد سليمان خريج كلية الهندسة.. وقد رافق بشار منذ تسلمه السلطة وبدء عمله السياسي. سابقا كان مرافقا وصديقا لباسل الأسد، وتخرجا من دورة واحدة في الجيش. الصلات بينهما قوية.. هو ليس نسيب عائلة الاسد، بل متزوج من دير الزور. وهو نشيط وفي منتصف الاربعينات من العمر، من الطائفة العلوية. صار موضع ثقة باسل، ثم موضع ثقة بشار». ونفى المصدر السوري ان يكون لدى سليمان طموح سياسي خلف له اعداء داخل النظام، موضحا: «هو بحكم موقعه أخذ مكانة اكبر بكثير من رتبته العسكرية. لذلك لا طموح سياسيا لديه لعمل كتلة سياسية. موقعه اهم من كل هذا. أهم من وزير الدفاع». وتابع: «لكن هل هناك أسباب وراء الاغتيال تتعلق بملفات معينة، صعب ان يتم الحكم الان. دائما اللجوء الى نظرية المؤامرة يضيع الحقائق. من الافضل الانتظار 3 او 4 ايام حتى تظهر المؤشرات في هذا الاتجاه، او ذاك. بصورة خاصة لأن عملية الاغتيال تمت بشكل دقيق جدا. قناص من البحر». وأوضح المصدر السوري أنه لا يعرف ما إذا كان سليمان مسؤولا عن حزب الله، مشيرا الى انه: «كان مسؤولا عن امور تتعلق بالقوات المسلحة، وحزب البعث. اي التقارير الاساسية لحزب البعث، من الأمن ومن الجيش، تأتي الى مكتبه، ويعرضها هو على بشار الأسد». وتابع أنه مع ان «هناك خلافا على المصالح بين مجموعات مختلفة، وهناك مراكز قوى موجودة في النظام، هذه المراكز تختلف على المصالح»، الا أنه من الصعب تأكيد او نفي تورط اشخاص من داخل النظام في الاغتيال في الوقت الحالي، موضحا: «التصفية لا تتم الا بقرار مركزي. هذه عملية كبيرة. هذا شخص له مركزه في النظام وفي الجيش». ويأتي ذلك فيما قالت مصادر سورية ان العميد سليمان شيع ودفن امس في بلدة الدريكيش، بدون أن يتضح ما إذا كان مسؤولون من الدولة السورية قد حضروا التشييع، او ما إذا كانت جثته قد خضعت للتشريح وفحوصات طبية لتحديد سبب الوفاة. وقالت المصادر، التي لا تستطيع الكشف عن هويتها، في اتصال هاتفي من لندن، ان العميد سليمان قتل بأربع رصاصات في منتجع على شاطئ مدينة طرطوس، وهي مسقط رأسه. وكان لافتا ان وسائل الاعلام السورية، الرسمية وغير الرسمية لم تذكر الخبر حتى يوم امس، على الرغم من تشييع جثمان العميد سليمان. ورجحت المصادر ان يكون المسؤولون بانتظار عودة الرئيس السوري بشار الاسد من طهران. وفي هذا الصدد قال المصدر السوري لـ«الشرق الأوسط»: «رغم ان السلطات تعرف ان الخبر لا يمكن ان يتم اخفاؤه وانتشر في سورية كلها الان. لكن اتوقع ان يتم اصدار شيء خلال يومين او 3 ايام. هناك احتمال ان يكونوا الان يجرون تحقيقات أولية كى يحددوا اتجاه التصريحات». ونشرت بعض الصحف الإسرائيلية خبر الاغتيال امس. فقد كتبت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، التي تعتبر الأكثر انتشارا، الخبر في صفحتها الثامنة، تحت عنوان: «من اغتال كبير المستشارين العسكريين للرئيس الأسد؟». ولكن في صلب الخبر، اعتمدت على ما نشر من معلومات حول الموضوع في موقع عربي للانترنت هو (البوابة). لكن هناك موقعا اسرائيليا يدعى «دبكة فايل»، معلوماته غير مؤكدة، تناول هذا الموضوع بالتفصيل، ونشر تقديرات مثيرة حول الموضوع، منها: العميد محمد سليمان عمل في أربع ملفات كبرى، واغتياله على الغالب مرتبط بها. وهذه الملفات هي: الأول: كان رجل الاتصال بين الرئيس بشار الأسد وبين كوريا الشمالية، وقام بعدة زيارات الى العاصمة بيونغ بيانغ، ونظم عملية نقل الأجهزة الضرورية لبناء المفاعل النووي الذي كان في طور البناء في دير الزور من كوريا الشمالية لسورية. ونظم حراسة المهندسين والخبراء الكوريين في سورية. الثاني: رجل الاتصال بين الرئيس السوري وبين المخابرات والجيش الايراني. ومن هذا الباب تمكن من تولي مسؤولية بناء مفاعل دير الزور بين الدول الثلاث.

الثالث: كان سليمان يحمل ملف العلاقات بين الأسد وبين حزب الله، وخصوصا الجناح العسكري، الذي كان يديره عماد مغنية قبيل اغتياله في دمشق.

الرابع: يعتبر أهم رجل عسكري في الحلقة الضيقة القريبة من الأسد، وهو رجل الاتصال مع قيادة الجيش والمخابرات السورية. ولا يوجد سر عسكري أو أمني في سورية لا يمر من تحت يديه.

ويضيف هذا الموقع، ان هناك واحدا من ثلاثة احتمالات لاغتيال سليمان، هي: الاحتمال الأول شيء مرتبط بمفاعل نووي دير الزور الذي قصفته اسرائيل في سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث ان قصف المفاعل سجل كنقطة فشل للعميد محمد سليمان. والاحتمال الثاني، حسب ذلك الموقع الاسرائيلي، هو ان عناصر خارجية دخلت سورية ونفذت العملية، ومما يعزز هذا الاحتمال، ان سليمان اغتيل برصاص قناص وقف من نقطة مراقبة بعيدة. والاحتمال الثالث، هو أن سليمان اغتيل مثلما يغتال الكثيرون مثله، ممن يحملون كمية كبيرة من الأسرار.