تقرير أميركي: المتعاقدون في العراق كلفوا إدارة بوش 100 مليار دولار منذ 2003

قال إن واحدا من كل 5 دولارات أنفقتها أميركا على الحرب ذهب للمقاولين

TT

كشف تقرير حكومي أميركي صدر أمس عن أن الولايات المتحدة ستكون هذا العام قد أنفقت 100 مليار دولار على المقاولين داخل العراق منذ الغزو عام 2003، ما يعكس مستوى غير مسبوق من اعتماد إدارة الرئيس جورج بوش على الشركات الخاصة للمساعدة في الحرب. وأشارت مصادر مطلعة على التقرير الذي وضعه مكتب شؤون الميزانية التابع للكونغرس أنه يقدر أن دولاراً واحداً من بين كل خمسة دولارات أُنفقت على الحرب في العراق ذهب إلى المقاولين العاملين لحساب المؤسسة العسكرية الأميركية والوكالات الحكومية الأخرى، وذلك داخل منطقة حربية تتجاوز فيها الآن أعداد المتعاقدين أعداد الجنود الأميركيين. ويأتي مستوى اعتماد وزارة الدفاع (البنتاغون) على المقاولين الخارجيين داخل العراق أكبر بكثير عن أي صراع سابق. وقد أثار هذا الأمر اتهامات بأن هذا الإجراء أسفر عن زيادة مفرطة في التكاليف ووقوع عمليات احتيال، علاوة على تدني مستوى إنجاز الأعمال الموكلة إلى المقاولين الخصوصيين وعدم الالتزام بمعايير الأمان فيها، الأمر الذي أدى إلى تعريض القوات الأميركية للخطر، بل ومقتل بعضهم. من ناحية أخرى، أثار دور المقاولين الأمنيين المسلحين تساؤلات قانونية وسياسية جديدة بشأن ما إذا كان الولايات المتحدة أصبحت معتمدة بصورة مفرطة على القوات الخاصة في معارك القرن الحادي والعشرين. وتوصل تقرير مكتب شؤون الميزانية إلى أنه ما بين عامي 2003 و2007، منحت الحكومة عقوداً داخل العراق بقيمة 85 مليار دولار تقريباً، وأن الإدارة تمنح الآن العقود بمعدل يتراوح بين 15 و20 مليار دولار سنوياً. وتبعاً لهذا المعدل، ستشتعل تكاليف التعاقد مع المقاولين لتتخطى حاجز الـ100 مليار دولار قبل حلول نهاية العام. وخلال عام 2007، شكل الإنفاق على المقاولين الخارجيين 20% من إجمالي تكاليف الحرب، حسبما توصل المكتب في تقريره. وقال الكثير من الخبراء بمجال المقاولات إن الأرقام الواردة في التقرير تقدم على ما يبدو أول تقدير رسمي لتكاليف الاستعانة بمقاولين في العراق، وتثير تساؤلات محيرة بشأن إلى أي مدى تمت خصخصة هذه الحرب. يذكر أن المقاولين داخل العراق حالياً يوظفون 180.000 شخص على الأقل على مستوى البلاد، وهي بذلك تشكل ثاني أكبر جيش خاص داخل البلاد يفوق في حجمه القوات الأميركية المرابطة بالبلاد. إضافة إلى ذلك، فإن الأدوار والمهام التي يضطلع بها هذا الجيش، بل والضحايا في صفوفه، تم إخفاؤها الى درجة كبيرة عن الرأي العام. ولا شك أن الاستعانة على نطاق واسع بهؤلاء الموظفين كحراس شخصيين ومترجمين وسائقين وعمال بناء وطهاة وعمال نظافة ساعدت الإدارة الأميركية على الحد من أعداد الأفراد العسكريين في العراق. إضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد على الشركات الخاصة في دعم جهود الحرب أثار تساؤلات بشأن ما إذا كانت المحاباة السياسية لعبت دوراً في منح عقود بقيم تبلغ عدة مليارات من الدولارات. على سبيل المثال، عندما بدأت الحرب، أصبحت «كيلوج، براون آند روت»، وهي شركة فرعية تابعة لـ«هاليبرتون»، التي تولى ديك تشيني إدارتها قبل أن يصبح نائباً للرئيس، أكبر شركة مقاولات يتعامل معها البنتاغون في العراق. وبعد سنوات من الانتقادات والمراقبة الشديدة لدورها داخل العراق، قامت «هاليبرتون» ببيع الشركة، التي لا تزال أكبر مقاول دفاعي في الحرب، ولديها 40.000 موظف داخل العراق. وفي هذا الإطار، أوضح تشارلز تيفر، استاذ التعاقدات الحكومية في كلية الحقوق بجامعة بالتيمور، أن: «هذه هي أول حرب تخوضها الولايات المتحدة تتسم بمشاركة أعداد كبيرة من الأفراد والموارد لا ينتمون إلى المؤسسة العسكرية، وإنما إلى شركات المقاولات». جدير بالذكر أن تيفر كان عضوا في اللجنة المستقلة التي شكلها الكونغرس لدراسة التعاقدات مع شركات مع المقاولات بكل من العراق وأفغانستان. وأضاف تيفر أن «هذا أمر غير مسبوق. لقد كان الهدف الأكبر أمام الإدارة في الإبقاء على أعداد القوات عند مستويات منخفضة، خاصة في بداية الحرب، وأحد السبل لتحقيق ذلك كان تحويل المال والقوة البشرية باتجاه المقاولين. لكن هذا الأمر عرض القوات العسكرية لمخاطر أكبر بسبب إهمال المقاولين واستغلالهم». من جهتها، أعربت دينا إل. رازور، الكاتبة والخبيرة المستقلة بشؤون الاحتيال في التعاقدات، عن اعتقادها بأن التقدير البالغ 100 مليار دولار الذي توصل إليه مكتب شؤون الميزانية التابع للكونغرس ربما يكون أقل من الرقم الفعلي، نظراً لغياب إجراءات تدقيق للحسابات يمكن الاعتماد عليها أو قيود على الإنفاق خلال السنوات الأولى من الحرب. وقالت «إنه رقم مثير للصدمة، لكن ما زلت أعتقد أنه لا يشكل إجمالي التكلفة. ولا أعتقد أنه تم طرح أي تقديرات موثوق بها لتكاليف الحرب في العراق. لقد تم إنفاق مبالغ مالية طائلة في بداية الحرب، ولا أحد يعلم شيئاً عن مصيرها». وقال بيتر دبليو. سينجر، خبير شؤون المقاولات الدفاعية بمعهد بروكنجز، إن المشكلة الأكبر تكمن في ان الإدارة استعانت بشركات المقاولات لإنجاز حجم هائل من الأعمال في العراق، بدون التفكير بشأن وضع استراتيجية عامة لتحديد أي المهام والأدوار يتعين على الحكومة الاضطلاع بها، وأيها يتم تكليف الشركات الخاصة به بدون الإضرار بالجهود العسكرية. واستطرد قائلاً: «هذه الأرقام الجديدة تشير إلى تساؤل عام : متى تتجاوز الحد المسموح به فيما يخص تحويل قدر مفرط من مهام الدفاع العامة إلى الشركات الخاصة. هناك مهام ملائمة للشركات الخاصة، وأخرى غير مناسبة لها. لكن على ما يبدو ليست لدينا استراتيجية لتحديد ما هو الملائم وما هو ليس كذلك. لقد أوكلنا المهام إلى المقاولين بصورة بالغة العشوائية».

* خدمة «نيويورك تايمز»