عزام الدخيل: انفتاح أبواب الاستثمار في صناعة الإعلام ولّد حراكا اقتصاديا جديدا لم تألفه السوق العربية قبل سنوات

قال إن المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق الوحيدة عربيا التي تطبق واحدا من أهم معايير الحوكمة العالمية بصناعة الإعلام وهو الفصل بين الإدارة والتحرير

جانب من المشاركين في الجلسة الأخيرة للندوة ويبدو الدكتور عزام الدخيل وهو يلقي كلمته (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

شهد اليوم الختامي في ندوة «الإعلام في أفق القرن 21» التي تنظمها «الشرق الاوسط» بالشراكة مع منتدى أصيلة، نقاشا مستفيضا، وذلك بعد الكلمة التي ألقاها الدكتور عزام الدخيل، الرئيس التنفيذي للمجموعة السعودية للابحاث والتسويق عن «الاعلام واستقلالية التمويل» وتحدث عدد من المعقبين والمشاركين في الموضوع الذي يشكل احد اهم شواغل صناعة الإعلام اليوم.

واستهلت الجلسة بمداخلة الدكتور عزام، التي كانت الاولى من ضمن مداخلتين اختتمت بهما الندوة، وكانت الثانية تحت عنوان ثقافة الحوار. وستنشر «الشرق الأوسط» ما دار فيها غدا.

واشار الدخيل في كلمته الى ان المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق تفخر، عن جدارة واستحقاق، بأنها المجموعة الإعلامية الوحيدة على المستوى العربي التي تطبق واحدا من أهم معايير الحوكمة العالمية في مجال صناعة الإعلام، وهو معيار الفصل بين الإدارة والتحرير، فإلى جانب الفصل بين الملكية والإدارة، فإن المجموعة السعودية تؤمِّنُ فصلا مهنيا تاما ما بين الجهاز التحريري لمطبوعات الشركة كافة، والجهات الإدارية التنفيذية في الشركة، من خلال تأسيس ما يُعرف، حاليا، بمجلس أمناء المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق.

كما اشار في كلمته الى ان عوامل السياسة في عالمنا لم تعد العنصر الوحيد أو الفاعل الذي يؤثر في سوق الإعلام العربي ونموه. وقال إن انفتاح أبواب الاستثمار على اتساعها في صناعة الإعلام ولّد حراكا اقتصاديا جديدا، لم تكن تألف السوق العربية، قبل سنوات مضت، حجمه وتأثيره. ونوه بان الجاذبية الفريدة التي تتحلى بها صناعة الإعلام في العالم عموما، لما لها من قوة مؤثرة في الضمير المجتمعي، ولما لها من دور في بناء المنظومة الفكرية للأفراد، جعلت من هذه الصناعة هدفا مستمرا لرجال المال والثروة، الأمر الذي باتت معه المؤسسات الصحافية والإعلامية في أمس الحاجة إلى تأمين حلول قانونية، تساعد على استمرار تدفق الدعم المالي اللازم لنجاح العمل الإعلامي من جهة، في حين تحمي استقلالية النهج الإعلامي المسؤول، وتحافظ على مكتسبات الحيادية والنزاهة المهنية من جهة أخرى، والتي هي، في النهاية، ركيزة النجاح الأساسية لأية مؤسسة إعلامية.

في كلمته في الجلسة الأخيرة لندوة الإعلام في القرن الواحد والعشرين بعنوان الإعلام واستقلالية التمويل تناول الدكتور عزام الدخيل قضية الاعلام واستقلالية التمويل قائلاً :

تسهم استقلالية التمويل الإعلامي في القطاع الخاص في حماية استثمارات هذا القطاع، وإخضاعها لمعايير السوق وآلياته، كما تسهم إسهاما كبيرا في حماية استقلالية المشاريع، وصيانة حرية التحرير من أن تهجم عليها عوامل قد تحيد بسياسات التحرير عن إطارها المهني الذي يتأتى قياسه.

لقد غدا القارئ والمشاهد عنصرين فاعلين جدا بدورة الاستثمار في صناعة الإعلام من حيث كونهما مستهلكين للمحتوى الذي يختارانه، وإن كان الجمهور المستهدف من قراء أو مشاهدين هو أول مَنْ رسم خارطة انتشار الوسيلة الإعلامية واشتهارها، فإنه غدا، في الوقت نفسه، يرسم خارطة طريق المعلنين، في إطار تتكامل فيه دورة الاستثمار في المشاريع الإعلامية.

إن التحول الذي استتبعه نمو النشاط والاستثمار الإعلاميين للقطاع الخاص، تحديدا، في المنطقة العربية، أكد مرجعية قوانين السوق في دورها الذي يُعين على بناء نموذج دقيق للأعمال (Business Model) وخطة للعمل تتكامل فيها دورة الاستثمار إنفاقا وتوليدا للإيرادات. على هذا لم تعد عوامل السياسة في عالمنا العنصر الوحيد أو الفاعل الذي يؤثر في سوق الإعلام العربي ونموه. إن انفتاح أبواب الاستثمار على اتساعها في صناعة الإعلام ولّد حراكا اقتصاديا جديدا، لم تكن تألف السوق العربية، قبل سنوات مضت، حجمه وتأثيره. وإن كان لسياسة السلطة أو سلطة السياسة دور يمتد إلى ضبط المحتوى ومن يعدونه، أو صياغته بما يحقق نوعا من الرضا السلطوي، على وجه ألفته صناعة الإعلام في كثير من دول العالم، فإن هذا الدور لم يكن قادرا على أن يجعل هذه المطبوعة، أو تلك القناة، تنجح وفق قوانين السوق التي تقدم مقتضيات الاستثمار، وما يحفظ مصالحه، ويدر عوائده في دورة تتحدث بلغتي الاقتصاد والاستثمار.

من لغة الكلام إلى لغة الأرقام:

اللاعب الجديد في صناعة الإعلام يقرأ لغة الأرقام، ويفهم متطلبات الاستثمار، ويحسن بناء خطط العمل، وقراءة متغيرات الصناعة ومحركات نموها، في معادلة تجمع أطرافها بين نتائج دراسة السوق واستكشاف قاعدة القراء، وما يشدهم إلى مطبوعة دون أخرى، ومحتوى دون سواه، وسبر أغوار ما يجذب المعلنين إلى هذه الوسيلة أو تلك. ولقد غدا من البدهيات أن أهل الاختصاص في هذه الصناعة لم يعد يقتصر دورهم على تحديد أبعاد الرؤية التحريرية والثقافية لهذه المطبوعة أو تلك، بل صار من ألزم أدوارهم أن يلتفتوا إلى أن هذه الفكرة أو تلك لا تنجح إلا بأن تُدار كما تُدار المشاريع الاستثمارية عموما. وليس غريبا ما نشطت به بعض كبريات شركات الإعلام العالمية في هذا السياق، من حيث تدريب من يحسنون إدارة المشاريع الإعلامية من بعدها الإعلامي أو التحريري المحض، ليلتفتوا إلى دورة الاستثمار في هذه الصناعة التي تؤثر فيها لغة الأرقام تأثيرا كبيرا. إن تطور صناعة المحتوى، لا صناعة النشر التقليدي فقط، فتحت أبواباً جديدة لنمو الاستثمار في المجال الإعلامي غير التقليدي، وفيما يمكن تسميته بالوسائل الجديدة (New Media). هذا التطور في صناعة المحتوى، فتح الأبواب مشرعة أمام تكامل المحتوى الورقي والإلكتروني والجوال والمشاهد والمسموع. هذا التوجه في صناعة المحتوى أسهمت في تطويره عوامل جديدة فرضها المستهلكون الجدد للمحتوى بوسائله المختلفة.

التحديات قبل الاستقلال وبعده:

لقد فتحت التطورات التي شهدتها صناعة الإعلام آفاقا جديدة، وولدت تحديات تغاير ما ألفه الناس من قبل. وهذا ما جعل تلك التحديات أكثر تعقيدا من تلك التي جرَّبتها وسائل الإعلام من قبل في دائرة السياسة ومداخل السلطة ومخارجها. ولم يعد متخيلا أن ينزوي همُّ المشروع الإعلامي على تحقيق مطالب الرضا والاطمئنان السلطوية، بل هجمت على هذه الصناعة عوامل كثيرة ومؤثرات متعددة، تجعل من أمر التمويل معضلة، ومن استقلاليته تحديا تحفه، أحيانا، كثير من أسباب التهديد أو التعطيل. من المسلمات، لا شك، القول إن استقلال التمويل الإعلامي مطلب من أعظم مطالب حماية وسائل الإعلام، ونمائها، وحريتها المسؤولة. وإن استقل هذا التمويل، نظريا أو فعليا، عن العوامل السلطوية التقليدية، حيث تُنضج احتمالات نجاحه سوق الصناعة بآلياتها التي يعرفها مَنْ يعملون في الإعلام ـ إن استقل عن ذلك، فإن ثمة عوامل جديدة تطل برأسها، وتشكل اليوم تحديات جديدة لهذه الصناعة. ربما يقول قائل إن استقلال التمويل الإعلامي مطلقا مطلب لا يتأتى إدراكه تماما في الواقع، وربما كان في هذا القول ما يُقبل منطقه، وإن تأتى لنا أن نستعرض تحديات هذا الاستقلال في عجالة، فسوف يُعين ذلك على استجلاء الصورة بأبعادها المختلفة والمتعارضة أحيانا: العامل الحكومي التقليدي:

على الرغم من قوته، لا يعد وحده العامل الوحيد الذي يهدد التمويل الإعلامي أو الاستثمار الإعلامي عموما، بل تجتمع إليه عوامل أكثر أهمية اليوم في تهديد هذه الاستقلالية التي تؤثر تأثيرا مباشرا، من قبل ومن بعد، في استقلالية الوسيلة نفسها، واستقلالية جهازها التحريري، وحماية أسباب تميزه. مع التعقيدات الجديدة التي غدت تكتنف أسواق المال والأعمال والاستثمار، انزوت، إلى قدر واضح، المعوقات السلطوية التقليدية إلى هامش هذا الحراك الاستثماري، وأضحت صناعة الإعلام تألف نوعا جديدا من التحديات أكثر تعقيدا. اللاعبون المتمرسون في سوق الإعلان:

لقد غدت جلية جدا قوة تأثير العامل الإعلاني ودوره المتنامي في أسباب قوة الوسيلة الإعلامية، ونمائها، ونجاحها، أو ضعفها. ولا يتأتى لأي وسيلة إعلامية في عالمنا العربي تحديدا أن تنجح باتساع قاعدة القراء وحدهم، أو تنامي مبيعات المطبوعات وتدني رجيعها، بل لا بد أن يجتمع إلى ذلك العامل الإعلاني المؤثر في دورة نمو الوسيلة الإعلامية وربحيتها.

إن جعلنا استقلالية التمويل الإعلامي بسياقه الممتد إلى حماية استقلالية التحرير، فإن في رأس المال وبعض سلطته الملتبسة بين مصالح المستثمرين ومصالح الوسيلة الإعلامية التي تحفظ لها تقدمها وتميزها، ما قد يهدد الوسيلة، ويهدد الحراك الاستثماري الذي يقف خلفها. وهذه منطقة تشابك ألِفَ العاملون في صناعة الإعلام كثيرا معاركها الكبيرة والصغيرة. لقد كان لافتا أن يتحدث تقرير للجنة الثقافة والتعليم في البرلمان الأوروبي (*) عن هذا النوع من التحديات التي تأتي بها ملكية وسائل الإعلام وتتهدد بسلطتها تعددية صناعة الرأي، وحق القراء في الوصول إلى مصادر عالية التميز في المحتوى. وأكد التقرير أن وسائل الإعلام لا تعد، فقط، مشاريع أعمال، بل إنها، أيضا، أداة عقدية، وسياسية ذات تأثير كبير. ورأى التقرير في التنامي الكبير للملكية الأجنبية لوسائل الإعلام المشاهدة «التلفاز» ما يهدد التعددية، والديمقراطية، والتنوع الثقافي في الاتحاد الأوروبي. ويذكر في هذا السياق، أيضا، ما أثير حول بعض الاستحواذات لبعض الصحف العالمية الكبرى وما نظر إليه كثيرون على أنه خروج لسلطة الاستثمار ورأس المال عن دورها الرئيس في حماية الاستثمار، بحماية تميز المحتوى وصناعة هذا المحتوى في الوسائل الإعلامية. تطوير الفكر الإداري لحماية الاستثمار الإعلامي:

إن كانت قوانين السوق الاستثمارية قد جعلت من وسائل الإعلام منتجا استثماريا جديدا تتلاقح فيه لغتا الأفكار والأرقام، فإن هذه السوق طوَّرت الفكر الإداري الذي ينهض، لا ليحمي فقط استقلالية التمويل، بل ليحمي، أيضا، استقلالية التحرير عن سلطتي الإدارة ورأس المال.

إن الصناعة الإعلامية الحديثة، بما تتطلبه من توظيف للكفاءات المتميزة، واستخدام أحدث التقنيات المتطورة، وبما تسعى إليه من التميز والانتشار، تحتاج، دائما، إلى استقطاب استثمارات مالية كبيرة، تعينها على تحقيق أهدافها وغاياتها. ومن جهة أخرى، فإن فتح الأبواب مشرعة أمام الاستثمارات المختلفة، سواء كانت محلية أو خارجية، للدخول إلى الشركات الإعلامية الكبرى ذات الرسالة الإعلامية المتوازنة والمسؤولة، قد ينطوي على خطورة كبيرة، من أظهرها وصول رؤوس أموال ذات أجندات وبرامج غير مسؤولة إلى سدة صنع القرار في هذه الشركات الإعلامية، الأمر الذي سينتج عنه بالضرورة، توظيف هذه الإمكانات الإعلامية والصحافية الجبارة، لتحقيق أهداف غير مقبولة مهنياً، وقد لا تكون مقبولة وطنياً.

لقد كانت المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، كغيرها من الشركات الإعلامية العريقة، مشغولة، دوما، بهاجس تأمين مصادر مالية مستقرة ومتجددة، بما يكفل نموا مطردا للنشاطات الإعلامية للمجموعة، ويؤمن لها موقعا رياديا منافسا بين نظيراتها من الشركات الإعلامية العالمية، ذلك كله دون المساس باستقلالية القرار التحريري للشركة، ودون تغليب عنصر التمويل الخارجي على مقتضيات حرية العمل الإعلامي واستقلاليته.

إن الجاذبية الفريدة التي تتحلى بها صناعة الإعلام في العالم عموما، لما لها من قوة مؤثرة في الضمير المجتمعي، ولما لها من دور في بناء المنظومة الفكرية للأفراد، جعلت من هذه الصناعة هدفا مستمرا لرجال المال والثروة، الأمر الذي باتت معه المؤسسات الصحافية والإعلامية في أمس الحاجة إلى تأمين حلول قانونية، تساعد على استمرار تدفق الدعم المالي اللازم لنجاح العمل الإعلامي من جهة، في حين تحمي استقلالية النهج الإعلامي المسؤول، وتحافظ على مكتسبات الحيادية والنزاهة المهنية من جهة أخرى، والتي هي، في النهاية، ركيزة النجاح الأساسية لأية مؤسسة إعلامية.

لقد ترسخت القناعة لدى المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، في أن تأمين الحماية اللازمة للمكانة الريادية للمجموعة، في ظل تنامي تحديات المنافسة وتوسع الاستثمارات القادمة من الخارج، لا يتأتى إلا من خلال بناء منظومة متطورة من العمل المؤسسي القابل للاستمرار والنجاح، حيث تُدار هذه المجموعة وفق حزمة من أنظمة العمل الداخلية، قائمة على أسس الشفافية، والمحاسبة، والقدرة على التقييم المستمر للأداء، وتداول الصلاحيات وتوزيعها، هذا بالإضافة إلى تنوع استثمارات المجموعة في صناعة النشر المتخصص والأكاديمي وما يتصل بصناعة النشر من طباعة وتوزيع وتسويق.

ومن واقع إدراك المجموعة التطورات العالمية في صناعة الإعلام، فقد خطت خطوتها المهمة نحو التحول إلى شركة مساهمة عامة، مدرجة الأسهم في السوق المالية السعودية، حيث شرعت المجموعة أبوابها أمام المستثمرين كافة الراغبين في الدخول كشركاء في قصة نجاح المجموعة، في إطار من الشفافية وتكافؤ الفرص للجميع. وهي بذلك إنما أصبحت الشركة الإعلامية العربية الوحيدة التي تُدار بصفتها شركة مساهمة عامة. ولتحصين هذا الانجاز، فقد وظفت المجموعة أفضل الكفاءات الإعلامية والاستشارية والقانونية لديها، لغايات إنجاز لائحة الحوكمة الخاصة بالمجموعة، مطبقة بذلك أحدث النظريات العالمية في الإدارة الرشيدة، وحوكمة الشركات، وقواعد أفضل الممارسات في الصناعة الإعلامية. ومع إنجاز حزمة الأنظمة الداخلية للحوكمة، والرقابة الداخلية، وجدول الصلاحيات، فقد باتت المجموعة حصنا إعلاميا شامخا تنفصل فيه الملكية عن الإدارة في إطار من العمل المؤسسي، وتتداول فيه الصلاحيات على مستويات مختلفة، على قاعدتي الشفافية والمحاسبة، ناهيك من الفصل الدقيق للمراكز الإدارية العليا في الشركة، ابتداءً من الجمعية العامة ومجلس الإدارة، والإدارة العليا للمجموعة. ويشار في هذا السياق إلى أن رئيس مجلس الإدارة تخلى عن مهمات الرئيس التنفيذي وقرر الفصل بين المنصبين تحقيقاً لمبادئ الحوكمة، ولحق ذلك تطبيق توصيف دقيق لمهام كل مركز من هذه المراكز العليا وصلاحياته في جدول مفصل للصلاحيات، وإلى جانب ذلك، فإن عددا كبيرا من الصلاحيات التقليدية لمجلس الإدارة ورئيس المجلس، بات اليوم موزعا على لجان فنية متخصصة تابعة لمجلس الإدارة.

ولا يفوتنا أن نشير إلى أن لائحة الحوكمة الخاصة بالمجموعة، إنما تتبنى أحدث القواعد العالمية لأفضل الممارسات في مجال تشكيل مجلس الإدارة وتشكيل اللجان التابعة له، حيث إن غالبية أعضاء مجلس الإدارة واللجان التابعة له هم أعضاء غير تنفيذيين، كما أن نسبة الأعضاء المستقلين هي النسبة الغالبة في تشكيل مجلس الإدارة واللجان التابعة له، وذلك كله تجسيدا لقواعد حماية حقوق مساهمي الأقلية.

وإلى جانب كل ما فات، فإن المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق تفخر، عن جدارة واستحقاق، بأنها المجموعة الإعلامية الوحيدة على المستوى العربي التي تطبق واحدا من أهم معايير الحوكمة العالمية في مجال صناعة الإعلام، وهو معيار الفصل بين الإدارة والتحرير، فإلى جانب الفصل بين الملكية والإدارة، فإن المجموعة السعودية تؤمِّنُ فصلا مهنيا تاما ما بين الجهاز التحريري لمطبوعات الشركة كافة، والجهات الإدارية التنفيذية في الشركة، من خلال تأسيس ما يُعرف، حاليا، بمجلس أمناء المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق.

إنه بالدراسة المعمقة والمتأنية للتجارب المهنية لعدد من الكيانات الإعلامية الأكثر شهرة في العالم، تبين أن توفير بيئة تحريرية مستقلة مهنيا عن الإدارة التنفيذية العليا، إنما هو عنق الزجاجة نحو حرية صحافية مسؤولة، واستقلالية إعلامية حقيقية.

لقد حرصت المجموعة السعودية، أسوة بكبرى الشركات الإعلامية العريقة في العالم، على تأسيس مجلس أمناء مؤلف من نخبة من رجال الإعلام والمجتمع، يتولى وحده مسؤولية تقييم الأداء التحريري للمطبوعات كافة، الخاصة بالمجموعة، كما يتولى مهمة تقييم أداء رؤساء التحرير، ومدى التزامهم بالنهج الإعلامي المستقر للمجموعة. وإنه من المتعذر على أية جهة، مهما كانت صلاحياتها داخل المجموعة، أن تقرر تعيين أو عزل أي من رؤساء التحرير للمطبوعات التابعة للمجموعة بدون موافقة مجلس الأمناء، الأمر الذي سيمنح رؤساء التحرير حصانة خاصة إزاء أي تدخل في مهامهم التحريرية.

لقد حرصت المجموعة السعودية على تأمين السبل كافة لتحقيق مجلس الأمناء غايات إنشائه، حيث تم اختيار أعضاء مجلس الأمناء بحرص شديد، كما أن النظام الخاص بمجلس الأمناء يؤمِّنُ لهذا المجلس سقفا عاليا من الاستقلالية، والقدرة على تبني مواقف خاصة، بعيدا عن تأثير المجموعة، ناهيك من أن هذا المجلس هو القادر، وفقا للنظام الخاص به، على إعادة إنتاج ذاته وفق قناعاته الخاصة، عند وجود شاغر في عضوية أي من أعضاء المجلس، بدون الحاجة إلى تدخل المجموعة، الأمر الذي يحقق الاستقلالية اللازمة لنجاح عمل المجلس.

لعلنا نخلص مما سبق جميعه إلى أن استقلالية التمويل الإعلامي مرتبطة بما يحفظ لمخرجات صناعة الإعلام أسباب نجاحها التمويلية والتحريرية والاستثمارية، في سوق تغيرت قواعد الاستثمار التقليدية فيه، وتطورت فيه، لا معايير هذه السوق وحدها، بل معايير القارئ الجديد والمشاهد الجديد الذي يعيش تجربة الوصول إلى مصادر متنوعة ومتعددة للمعلومات والأخبار وما يشغل الناس في شؤونهم كافة.