نقاش ساخن عن استقلالية التمويل وأزمة ثقافة الحوار في ندوة «الشرق الأوسط»

في ختام ندوة الإعلام في القرن الـ 21 بأصيلة

TT

مهد خالد الناصري، وزير الاتصال (الاعلام ) المغربي، للجلسة الثالثة والختامية لندوة «الاعلام في افق القرن الـ21» المتعلقة بمحور «الإعلام واستقلالية التمويل»، بالقول ان ثنائية الاعلام واستقلالية التمويل تكاد تكون ثنائية جهنمية، ما دام الامر يتعلق بالتقاء سلطتين جبارتين: سلطة الاعلام وسلطة المال.

ولاحظ الناصري في الندوة التي نظمتها «الشرق الأوسط» بالشراكة مع منتدى أصيلة، أن المال أساسي لقيام الاعلام، ولذلك نتعامل معه كضرورة، لكنه مرشح لهدم الوظيفة الاعلامية، الشيء الذي يجعله يكتسي خطرا. وهذا يعنى أن المال ضرورة وخطر في آن.

وتساءل الناصري عن الكيفية التي يمكن بها التوفيق بين السلطتين، ومدى امكانية التوفيق بين الضرورة والخطر، قبل أن يتحدث عن موضوع التحصينات الاخلاقية، قائلا ان الاشكال المتعلق بالمقاولات الاعلامية هو اشكال متفرد، ولذلك فحيثما وظف المال يتوجب تسييجه بالضوابط.

ولاحظ الناصري أن الاشكال مطروح من خلال مجموعة من التساؤلات: هل يستطيع الممول ان يتخلى عن جزء من سلطته، وهل يستطيع الصحافي ان يصمد في وجه سلطة المال؟ وهل من تحصين لبيت الصحافة من التمويل غير المعلن؟

وتحدث الدكتور عزام الدخيل، الرئيس التنفيذي لـ«المجموعة السعودية للابحاث والتسويق»، فتوسع في الحديث عن استقلالية التمويل الاعلامي التي تسهم في حماية استثمارات هذا القطاع وصيانة حرية التحرير، مقدما للتجربة الرائدة لـ «المجموعة السعودية للابحاث والتسويق»، في هذا المجال.

وتعرض الدخيل لطبيعة العمل الجبار والمحكم الذي يتم على مستوى «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق»، سواء من حيث شركات المناهج أو الخدمات التفاعلية أو بيع المحتوى، كوسائل وطرق جديدة للتسويق وتطوير الخدمات.

وتحدث الدخيل عن قيام «المجموعة السعودية للابحاث والتسويق» بطرح احدى اهم الشركات التابعة لها، وهي «الشركة السعودية للطباعة والتغليف»، لتصبح شركة مساهمة، حيث اكتشفنا، يقول الدخيل «حجم الفائدة والأرباح».

وبصدد الخدمات التفاعلية، قال انها حين وصل العدد الى مليون مشترك «رأينا في ذلك فرصة للتطور اكثر». فنفس المحتوى يعاد معالجته وبيعه عبر وسائل جديدة.

وبصدد بيع المحتوى، قال ان الجميع صار يحتاجه.

ورأى توفيق بوعشرين، رئيس تحرير جريدة «المساء» المغربية، ان العلاقة بين المال والصحافة تبقى علاقة معقدة في كل العالم، ولذلك سيبقى النقاش مطروحا، ملاحظا ان المال المستثمر في المؤسسات الاعلامية لا يستثمر لوجه الله، وأن المستثمر تكون له رهانات ومصالح وخصوم.

واشار بوعشرين الى ان كل صحافي يرتبط بعقدين: عقد مع صاحب المال وعقد مع القارئ، وربما عقد ثالث مع المعلن، ما يعني ان الجريدة تباع مرتين، مرة للقارئ ومرة للمعلن الذي يشتري مساحات من الجريدة لإشهار منتوج معين.

ولاحظ بوعشرين ان الوضع معقد في العالم العربي، حيث بدأ رأس المال يدخل غمار الاستثمار في الميدان الاعلامي، ولذلك يطرح سؤال التوافق والتوفيق بين المال والاعلام.

وراى بوعشرين ان العلاقة اليوم بدأت تتغير لأن الديمقراطية ادخلت الرأي العام في المعادلة، والذي صار له دور مهم، الشيء الذي ادى الى التفكير في ترك هامش من حرية التصرف امام وسائل الاعلام، وهو وعي من شأنه، يضيف بوعشرين، ان يرسم خارطة توافقات بين اهل المهنة وحسابات ومصالح رجل المال.

ومضى بوعشرين قائلا «اننا في العالم امام تجارب تتطور بشكل متفاوت، وان هناك مجموعة آراء تدعو لإيجاد مساحة توافق، من قبيل فصل الادارة عن التحرير، وان تصبح المؤسسة مربحة، ما دام انها كلما كانت خاسرة، كانت شروط الذي يضخ المال في خزينتها سلبية اكثر، من وجهة نظر اعلامية». كما دعا الى إيجاد ميثاق اخلاقي شفاف يكون بمثابة قانون سير بالنسبة للعمل الصحافي في علاقة بسلطة المال، والى تدخل الدولة بالتشريعات وتطوير القوانين، مادام الاعلام خدمة عمومية ترتبط باستقرار البلد ومحرك اساسي في لعبة الديمقراطية.

وعقب الاعلامي اللبناني، جميل مروة، منطلقا من جملة تقول ان «الاعلام هو المسودة الاولى للتاريخ»، متسائلا عن الكيفية التي يمكن بها ان نحمي صفاء هذا التدوين حتى يكون تاريخنا واضحا. ورأى ان الاعلام صار خبزا يوميا، وقال ان علاقة المال بالاعلام ادت الى اندماج الكلمة بالرقم. ثم تحدث عن القانون والديمقراطية في ارتباط بقانون الاعلام، فلاحظ ان المشكلة ليست في القانون بل في ممارسته وتطبيقه على الارض.

وشدد طارق الحميد، رئيس تحرير جريدة «الشرق الأوسط»، على ان الموضوع شائك واننا لا نملك اجابات بل تساؤلات. ملاحظا ان هناك نقصا كبيرا في التشريعات. ثم تعرض للتجربة الاميركية، من جهة اعلان وسائل الاعلام عن مرشحيها، وتحدث عن «نيويورك تايمز»، فقال انها لا زالت تعاني من «عقدة اسلحة الدمار الشامل في العراق» عندما ارتكبت خطأ الجزم بوجود أسلحة دمار شامل لدى نظام صدام حسين كمبرر للغزو، كما أشار الى معطى تشفير بعض القنوات الفضائية. وقال ان التجربة لم تنضج عندنا بعد، ولا يمكن ان نتحدث عن اجابات جاهزة.

من جهته، قال محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة، ان التجربة الاميركية تسترشد بقيم وضوابط قل ما نجدها في بلدان أخرى، حيث نكون مع معيار الشفافية، ملاحظاً ان هناك وسائل للتأثير بالمال غير المباشر، وبالتالي فالمقارنة معقدة، كما ان اوضاعنا في العالم العربي صعبة والهوة كبيرة، واننا نتفاوت في العالم العربي في مستوى التطور.

وتحدث الاعلامي جورج سمعان عن عقد واحد يجمع الوسيلة الاعلامية بالمستهلك، ومع المعلن تلقائيا، مبرزا ان مبيعات الصحيفة كفيلة بأن تشد القارئ وتجلب المعلنين اليها.

وقال محمد نبيل بن عبد الله، وزير الاتصال (الاعلام) المغربي السابق، ان مسألة الاستقلالية تبقى نسبية. وشدد على انه لا يؤمن بقضية الصحافة المستقلة، من جهة ان جميع المنابر هي تابعة بطريقة او بأخرى الى جهة ما، على حد قوله.

ولاحظ بن عبد الله أن المال أضحى يتدخل اكثر فاكثر، كما اصبح اساسيا في الاعلام، داعيا في نفس الوقت الى ايجاد صيغ للتعامل مع الوضع.

وشدد على ان الغرب غرب، وان لنا في العالم العربي خطوات يتعين علينا ان نقوم بها على مستوى التدبير العقلاني لمؤسساتنا. ورأى ان الشفافية في الميدان الإعلامي تبقى مسألة جوهرية.

وانتقد بن عبد الله النظرة التحقيرية التي يقيم بها البعض الإذاعات والتلفزيونات الحكومية، ملحا على ان الاعلام العمومي مسألة حيوية حتى في الانظمة الديمقراطية، من خلال تقديم خدمة عمومية، ولذلك ينبغي الخروج من تجاوز هذه النظرة القدحية بصدد الاعلام العمومي، الذي يبقى له دوره، مع ربط كل ذلك بتفكير يتناول طرق التعامل معه في ما يخص تمويله وعقود البرامج ومراقبة ما يقوم به.

من جهته، رأى عزام الدخيل، الرئيس التنفيذي للمجموعة السعودية للابحاث والتسويق، في رده على تعقيبات المتدخلين، أن الاعلان ينقسم الى أقسام تتفاوت من حيث تأثيرها، فهناك الإعلان الدولي المرتبط بمنظومة دولية والاعلان المباشر والاعلانات المبوبة. وتعرض لطبيعة العمل الجبار والمحكم الذي يتم على مستوى «المجموعة السعودية للابحاث والتسويق»، سواء من حيث شركات المناهج أو الخدمات التفاعلية أو بيع المحتوى. الحوار غائب أو مغيب

* الى ذلك، رأى خالد الناصري، وزير الإعلام المغربي، في تمهيده للجلسة الرابعة، المتعلقة بمحور «الإعلام وأزمة ثقافة الحوار»، أن كثرة الحديث عن الحوار بـُرهان على أنه غائب أو مغيب. واضاف، قائلا «نحن نتساءل في العالم العربي عن واقعنا في هذا الميدان، فهل يمكن ان نقول ان هناك واقعا عربيا متجانسا، أو أن هناك صورة تتسم بالتنوع الكبير بقدر تنوع بلداننا مع ما يفرزه ذلك التطور من نوعية العمل السياسي والمؤسساتي». ولاحظ الناصري أن نقاط الالتقاء كثيرة كما ان نقاط الاختلاف كثيرة، أيضاً، الشيء الذي يجعل المعالجة بالغة التعقيد.

ومن جهته، انطلق توفيق بوعشرين من سؤال يتعلق بالحدث الذي ميز نهاية القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، فقال إنه يتلخص في «زواج الاعلام بتكنولوجيا الاتصال»، وهي التكنولوجيا التي حملته عبر الاقمار الصناعية، وجعلت العالم قرية صغيرة، ومدت جسورا وطرقا سيارة بين الامم والمناطق النائية، حيث صرنا نعيش الحدث العالمي أينما كنا، الشيء الذي أدى إلى تجاوز مفهوم الجغرافيا التقليدية.

ورأى بوعشرين ان هذا لم يكن تحولا تقنيا بل فلسفي وثقافي، أيضا، غير من مفهوم علاقاتنا بالحاضر والمستقبل، غير ان هذا الجسر لا يتم التحرك فيه بنفس السرعة، على مستوى جميع الاطراف العالمية، وبالتالي فعدم التوازن يجعلنا بصدد «حوادث سير» وسوء فهم.

وانتقل بوعشرين ليتحدث عن الاعلام، وقال انه ليس وسيلة تقنية بل ينتج المعاني، وانه لا بد للاعلام من حرية، وان نؤمن بان الحرية هي المياه العذبة التي تسبح فيها وسائل الاعلام.

وعدد بوعشرين اربعة عوائق تقف، اليوم، في وجه حرية الاعلام، هي أولا، ثقافة السلطة الاعلامية، حيث ان كثيرا من المسؤولين في الدولة تكون لهم تصورات معينة يريدون فرضها على العالم، بحيث لا يميزون بين الاعلام النقدي الحر والدعاية بمختلف انواعها. وهنا انطلق بوعشرين من جملة «قل ما تشاء، لكن ممنوع عليك الخبر»، ليؤكد أن المعلومة أخطر من الرأي، داعيا الى مراجعة تصور السلطة حول الاعلام، فالذي يحمل قلما لا يحمل رشاشا، وبالتالي فالصحافة هي جزء من الاستقرار، وقال ان السلطة العربية في حاجة للتصالح مع اعلامها. وبصدد الشق الثاني، تحدث بوعشرين عن قيود يفرضها المجتمع بأحزابه وتياراته وجمعياته، وبصدد الشق الثالث، تحدث عن القيود التي تفرضها مصادر المال والتمويل، وفي الرابع، عن القيود التي تمارسها بعض الدول الغربية للضغط على بعض المؤسسات العربية.

وطالب بوعشرين بالحوار، أولا من خلال التخلص من الاحكام المسبقة عن بعضنا البعض كعرب، وثانيا بعدم ترك المؤسسات الاعلامية حبيسة الوكالات العالمية، وثالثا بالحذر من الانسياق وراء مشاعر الجمهور التي غالبا ما تكون غاضبة، ورابعا حماية التعددية.

اما محمد عياد، المدير العام للشركة المغربية للاذاعة والتلفزيون، فانطلق من القول ان هناك اجماعا على ان حرية الرأي والتعبير تأتي في طليعة القيم الكونية المشتركة، مضيفا ان الاعلام يبقى احد مظاهر ممارسة الحرية.

ومضى عياد قائلا انه اذا كان يفترض في الحرية ان تكون وسيلة لتعميق الحوار المنشود فانها بسبب ذلك ملزمة بأن لا تتعدى مداها المعقول، وإلا فإنها تتحول الى معرقلة لذلك الحوار ومساهمة في تأزيمه، فمفهوم الحرية، يقول عياد، يختلف من حضارة الى اخرى ومن ثقافة الى اخرى، ذلك أن ما تراه مجموعة بشرية عيبا ومخلا ببعض القيم المجتمعية التي تنسب اليها، تراه مجموعة او بيئة حضارية اخرى، امرا عاديا وطبيعيا، من حق الاعلام ان يتعامل معه بكل حرية وشفافية وصراحة.

ولاحظ عياد ان ثقافة الحوار لا يمكن ان تترسخ وتعطي ثمارها ونتائجها الا عبر وسائل الاعلام المختلفة، التي تظل الاوفر حظا في انعاش وتنمية ثقافة الحوار بين المجموعات والحضارات، بسبب امتلاكه لامتياز السرعة والفعالية والنجاعة في الولوج الى العقول والنفوس والمشاعر، وبالتالي فهو يضمن لنفسه امكانيات هائلة من التأثير.

وبعد ان تحدث عن بعض الايديولوجيات والقناعات المعينة التي تخدم مصالح محددة، وتعكس في بعض الاحيان احقادا او تصورات متحاملة، قال عياد ان ما يخفف من حدة الشعور بالانزلاقات يبقى في وجود ضمير غربي انتبه الى فظاعة هذا الجموح، الذي من شأنه ان يعمق الازمات والاصطدامات وليس اقامة حوار بين الثقافات.

وختم عياد مداخلته، بالقول ان هناك أملا وضوءا في الافق، وان الامر لا يدعو الى اليأس، طالما ان هناك قادة سياسيون ومفكرون ومبدعون واعلاميون وفاعلون مدنيون يقاومون مثل هذه التوجهات الاعلامية الخاطئة التي تتغذى من الجهل بحقائق الشعوب والثقافات، كما تتغذى من الفراغ الناتج عن غياب الحوار بين هذه الحضارات، مشددا على أنه لكي ينجح هذا الحوار يجب ان تقوده النخب المفكرة الوازنة لان رجال الفكر يمتلكون، عادة، القدرة الهائلة على التدقيق والتمحيص والنظر العميق والفهم والاقناع، على أن يواكب الاعلام أطوار الحوار بحكمة وتبصر وبمهنية عالية. الإعلام والعملية التربوية

* وربط طارق الحميد، رئيس تحرير جريدة «الشرق الأوسط»، الاعلام بالعملية التربوية التعليمية، متسائلا عن واقع النقاش بين الطلبة والمدرسين داخل المدارس والجامعات في العالم العربي، وقال ان «مستقبلنا في التعليم ومشكلتنا في التعليم». وقال أعتقد أن الإجابات في هذا الموضوع موضوع شائك ولكنه يثير عددا من الأسئلة وبعض الملاحظات، أجد نفسي في البداية متفقا كثيرا مع ما ذهب إليه الأستاذ توفيق عبد الكريم، وابدأ من آخر نقطة طرحها وهي التشغيل عبر القانونية. أنا اعتقد ان هناك نقصا كبيرا في التشريعات القانونية بما يحكم علاقة المال بالإعلام وما يحكم الإعلان، كيف يحكم الإعلام ومن يحكم الإعلام ومن يحكم الإعلان، وهذا يقودني إلى الذهاب إلى أن إشكالية الإعلام.. ديمقراطية، السؤال قد يعني يمكن الأخوان لا يتوقعون مني اجابات بقدر ما سأطرحه من أسئلة، إشكالية الديمقراطية، الآن هل أفضل البنوك، هل افضل الشركات، هل أفضل الخدمات، في العالم العربي موجودة في أفضل الدول ممارسة للديمقراطية؟ أعتقد سؤال يستحق الطرح حتى لو كان سطحيا، ولكن أنا اعتقد ان اشكالية الإعلام والديمقراطية إذا اردنا ان نعبر المحيط ونذهب للولايات المتحدة الأميركية، اذا اتفقنا على أنها من أعرق التجارب الديمقراطية او في اوروبا، انا اعتقد انه ما زالت هناك اشكالية. تفضل الأستاذ توفيق وحكى عن تجربة فرنسا وساركوزي والصحافة والانتخابات، نحن نعلم أن التقليد العتيد في الصحافة الأميركية أن تعلن عن مرشحها في الانتخابات، الاستاذ القدير بن برادلي اتهم بعلاقته التاريخية مع كيندي، ويُعتقد أنها اثرت على مشواره الصحافي، علما أننا نرى ان هذا الرجل نبراس لنا في الصحافة، فأنا اعتقد حتى إشكالية علاقة الإعلام بالديمقراطية اشكالية لم تحسم بعد في العالم الغربي، فبعد الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق، صحيفة الـ«نيويورك تايمز» تعاني من اندفاعها خلف نظرية أسلحة الدمار الشامل، ولذلك اعتذرت ـ وهي صحيفة كبيرة ـ وما زالت تعاني من هذه العقدة الى اليوم، واعتقد أنها ستعاني غدا لأنها أعلنت مسانتدها لأوباما، فهي الان في إشكالية مع كليمبل، وفي كل مرة يذكرونها بقضية الأسلحة.

النقطة الأخرى ما تفضل به صديقي العزيز الاستاذ توفيق وهو «تمويل الإعلام».

اعتقد أن هناك سؤالا آخر نطرحه اليوم.. هناك إشكالية في الشارع العربي، أعتقد ان جل الحاضرين يشاركونني فيها. اذا كنت تريد مشاهدة مباراة لمنتخب المغرب لكرة القدم، وفوجئت بأن القناة مشفرة، ولا بد ان تدفع مبلغ من المال للمشاهدة، هذه إشكالية بدأت تواجه الكثير من البلدان العربية في مصر والسعودية والمغرب.

هل هنا تدخُّل المال بالإعلام؟ هل هو تدخل بالسطوة؟ نحن نتحدث عن الإعلام بالترفيه. هذه اشكالية تطرح العديد من الأسئلة. أنا اعتقد أن التجربة لم تنضج عندنا بعد، ولا يمكن ان نخرج بمسلمات نهائية.

أريد أن أنوه أخيرا بكلام صديقي العزيز الأستاذ جميل مروة، حين تحدث عن الحروب والمصائب وعن القصر المالي وعن شؤون الشرق الأوسط. السؤال الذي يطرح نفسه هنا.

هل وسائل الإعلام العربية، من صحافة وتلفزيون وإذاعة، في تركيبتها المالية بنود خاصة لحالات الحروب والمصائب؟ هل هناك بنود في الميزانية للتغطية الخاصة؟ هل هناك ميزانية للحروب عند اندلاعها؟. ملاحظة سليمة، مليون في المائة، إذا نشبت حرب ما فالمعلن دائما ما يقرر ان لا يضع إعلانه مع صور الحرب. ماذا تفعل؟ هل تمنع خروج الصفحات؟ ما الذي ستقوله لإدارتك.. عندنا تكاليف غامضة وسنضطر إلى إغلاق الصحيفة، أم اقوم بدوري.

أنا اعتقد ان المؤسسات التي تريد أن تعيش، وهذا ما تحدثنا عنه أمس، هل استطيع ان اعمل وفق معايير السوق واربح واستمر، ام اكون تحت رحمة حكومة تدفع لي راتبي. انا اعتقد اننا كمؤسسات يجب ان نعيد تنظيم أنفسنا بطريقة تضمن تنظيم ميزانيتنا وتنظيم بنودها وفق الأمور التي تغيرت وتطورت.

بالنسبة لرئيس التحرير والقسم المالي فأنا اعتقد ان معركة الميزانية من تاريخ الصحافة إلى أن يبعث الله الأرض ومن عليها، معركة مستمرة من اول العام، وفي نصف العام هناك مشكلة اذا تجاوزت ميزانيتك، وهذا أمر طبيعي. ولكن الميزانية موجودة في شركات الطيران وشركات الاتصالات، والوزير أيضا يعاني منها، فاذا كان الوزير يتسلط على الإعلام، فهناك من يتسلط عليه في الميزانية. هذا جزء من تركيبة اللعبة إذا جاز التعبير.

هناك نقطة بسيطة اريد أن اختم بها، هناك اشكالية في قضية التمويل كان قد تطرق لها الدكتور عزام الدخيل وقد لفتت نظري. نحن الآن امام ملاحظتين، هناك هاجسان في الرقابة على المال. هناك الهاجس الحكومي وهو التصنيف، وهو أني اشتغل في الصحيفة «سين» في الصحيفة «صاد» فجميع الاليات تمشي لتركيب وتثبيت انه عميل و، و، و. وهناك هاجس آخر وهو هاجس مهني، لأن المؤسسة الصحافية، اريد ان اتأكد من اني اقوم بعملي بإتقان، اريد ان اتأكد من أن الصحافي الذي أسلمه امكانياتي وسمعتي وحمايتي له كرئيس تحرير انه يتحرك بدافع مستقل وليس بدافع شخصي. وهذه ليست عقدة عربية ولا مسائل في العالم العربي، نحن رأينا في الأسواق الأميركية فضائح، في بريطانيا كان حُكْم، العام الماضي، على صحافيين سخروا في قصصهم الصحافية من سوق الأسهم، فالفساد والداء منتشران في كل مكان. ولذلك اعذروني على الأسئلة التي طرحتها ولم اقدم إجابات، فهي مجرد هواجس، وما اعتقد واتمنى ان هذه لن تكون شطحة. ولكني اعتقد ان مفهوم الإعلام لم يكتمل إلى الان في العالم العربي، الحكومات تنظر لنا على أننا رسل لدعم ما تريده الحكومة، ونحن في الصحافة نرى ان دورنا هو الرقابة على الحكومة بأزمة ديمقراطية، بأزمة إصلاحية، فلذلك اعتقد انه يجب ان لا نقسو على أنفسنا بقدر ما، يجب أن نركز على العمل وعلى وضع تصور وآلية لخلق مفهوم العمل الصحافي.. هل هو سلعة؟ هل العمل الصحافي رسالة خالدة ؟ هل الصحيفة حزب لديه أخلاقيات ولديه شعار، ام وسيلة تجارية تريد الHستمرار في السوق؟ أتمنى من زملائي الصحافيين أن نهدأ قليلاً ونأخذ بأمر الواقع بأننا موظفون نؤدي عملنا، نخطئ ونصيب، وهذا أمر الواقع والمشاهد عليه.

وقال محمد بن عيسى إن هناك قواسم أزمة يعاني منها العالم، فلم تعد هناك حدود تقف في وجه تسرب المعلومة والخبر. ورأى أنه أضحى من العبث ان نحجز جريدة، وأن المشكلة في العالم اليوم هي في الكيفية التي ننظم بها إعلاما حرا. وعبر بن عيسى عن اعتقاده بأنه آن الأوان لكي نبدأ في تعليم الصغار ثقافة النقاش.

من جانبه، رأى الوزير الناصري أن ما هو مطروح للنقاش بالنسبة للعالم العربي هو التنمية السياسية، وقال: «اننا طرحنا في السنين السابقة مطمح التنمية الاقتصادية، كأولوية، في حين ترك مصطلح التنمية السياسية جانبا».

وأوضح الناصري ان التنمية السياسية لها معايير صعبة لأنها غير مرقمة، وان من بين هذه المعايير نجد حرية الصحافة. وفي هذا الخضم، يضيف الناصري، يأتي دور الصحافة الحرة التي تشتغل في فضاء من الحرية، ملاحظا «أننا بعيدون عن التنمية السياسية، بسبب تأخرنا في مسلسل الديمقراطية والتنمية الاجتماعية».

وقال الناصري ان «مجتمعاتنا لم تألف الحوار، الذي عوضناه بمونولوغ مزدوج يجعل الواحد منا يدلي برأيه ولا يعير كلام محاوره أدنى اهتمام، وأن هذا يبقى قمة التخلف».

وأعطى الناصري المثال ببعض الفضائيات العربية، التي قال ان بعض برامجها الحوارية تبكي، لدرجة انك تخال ان المتحاورين سيكملون حوارهم بالأيدي. وتساءل: «هل نحن عاجزون أن نستمع الى بعضنا البعض وان نقبل بمنطق التسامح في الرأي وقبول الرأي الآخر؟». وختم الناصري كلمته، بالقول «إن التعثر الديمقراطي سيظل قائما طالما اننا بقينا حبيسي نظرة ميكانيكية للديمقراطية».

ثقافة الحوار

* من جهته، قال عثمان ميرغني، نائب رئيس تحرير جريدة «الشرق الأوسط»:

«اتفق مع الرأي القائل إننا يجب ان نبدأ من صغارنا بتعليمهم ثقافة الحوار. لكن حتى ذلك الحين فان ازمتنا هي ازمة المثقف الذي يريد ان ينتقد لكنه لا يحب ان ينتقد، ويروق له ان يتحدث لكنه لا يحب ان يستمع».

واضاف مرغني قائلا: «ولعل الكثير من برامجنا الحوارية في فضائياتنا تقف شاهدا على ذلك، واحسب ان المخلوقات الفضائية خافت منا وتركت لنا الفضاء لنملأه بالزعيق».

وشبه جميل مروة الحوار الغاضب بين الطبقة السياسية بالرغبة في تأليف الشعر بنصف الأبجدية.

وبصدد الخلاصات، ذهب بن عيسى إلى ان الندوة، بمحاورها الأربعة، كانت مهمة، من جهة أنها تطرقت الى جوانب هامة من موضوعها بأساليب واضحة لقضية الاعلام في أفق القرن الـ 21.

وقال بن عيسى ان أمنيتهم في المنتدى كانت ان يشارك فيها صحافيون من خارج العالم العربي، مشيرا الى ان من ايجابيات الندوة «اننا نتحاور بفضل «الشرق الاوسط»، وانه شيء جميل ان نجلس من دون ان نتلاكم كما كان يحدث في سنوات سابقة، وذلك راجع الى أن أجواء الحرية، تتوسع اكثر فأكثر، والظروف تتغير».

وختم بن عيسى كلمته بالقول انه لا يمكن ان تكون هناك حرية او ديمقراطية او ثقافة حوار في مجتمع فيه فقر وأمية.