مصابان في «والتر ريد» لـ«الشرق الأوسط»: لا نحمل حقدا ضد أحد

«المقاتلون المصابون» يقضون أيامهم بالتمرينات واستعادة استقلاليتهم

مصاب فقد ساقيه يتدرب على استخدام ساقين إلكترونيتين («الشرق الاوسط»)
TT

انهى السارجنت مايكل مانرد خدمة عسكرية في العراق مرتين في عامي 2003 و2005 من دون تعرض وحدته الى هجمات شديدة. حاول تعلم العربية وفهم بلد ارسل اليه عام 2003 من دون ان يعرف شيئاً عنه. وعلى الرغم من خدمته في العراق لفترتين، صدر امر في اغسطس (آب) 2007 باعادة مانرد مجدداً الى العراق، هذه المرة الى مدينة الصدر، وذلك قبل ان يعلن جيش المهدي، الذي كان متمركزاً في مدينة الصدر، هدنته. تحدث مانرد لـ«الشرق الأوسط» عن فترة قتاله في مدينة الصدر وعيناه تنظران الى بعيد، قائلا: «اردنا مساعدتهم.. حتى حاولت تعلم العربية من اجل التواصل معهم.. اتذكر حتى الآن ان اول حرف هو الف». واضاف: «ولكن حتى اثناء ساعات النهار، كانت مدينة الصدر صعبة وخطرة».

واثناء احدى الدوريات في مدينة الصدر، هوجمت قافلة مانرد لتشق عبوة ناسفة عربة الـ«سترايكر» التي كان يستقلها مانرد لتغير حياته الى الابد. وقال مانرد: «كان كل شيء فجائيا، شقت العبوة عربتنا وانتشرت الشظايا بكل اتجاه... شقت رجلي واحد رفاقي اصيب بالدماغ وما زال يتعالج في المانيا» حيث يوجد احد المستشفيات العسكرية الاميركية التي يصل عددها الى 500 حول العالم. وسكت مانرد قليلاً، قبل ان يقول: «كل شيء تغير». ومانرد هو من بين حوالى 740 جنديا اميركيا خسروا أحد اطرافهم منذ بدء الحرب في العراق عام 2003. وبعد 5 ايام من اصابته، نقل مانرد الى «مركز والتر ريد الطبي» حيث يقيم مع زوجته وبنتيهما منذ 10 اشهر. وعن وضع عائلته، قال مانرد: «الجيش ينتبه لعائلتي بشكل جيد جدا، زوجتي معي ولدينا ابنة جديدة ولدت قبل 3 اشهر اسمها بروك افيلن، ولدي بنت اخرى تكبرها بـ5 سنوات». ومانرد، وعمره 27 عاماً، يقضي ايامه اليوم بالتدريبات والدراسة كي يعمل عند خروجه من «والتر ريد». وقال: «لا اعرف كم سأبقى هنا، ممكن سنة اضافية ممكن ثلاثا ولكن علي الاستعداد لما سأفعله بعد البقاء هنا». ويدرس مانرد حالياً الهندسة الالكترونية عبر المراسلة، ويحمل شهادة هندسة بعدما تخرج في معهد لدراسة الاعمال قبل الالتحاق بالجيش. وعلى الرغم من ان مانرد شدد على انه لا يعاني من اعراض الكآبة أو الصدمة التي عادة ترافق الاصابة الجسدية البليغة للجندي، الا ان التأثر بات واضحاً عليه. وعند الحديث عن الاعمال التي كان يقوم بها في العراق، تعثر مانرد بعض الشيء، قبل ان يقول: «اعذريني لم افهم السؤال، كل الدواء الذي اخذه يؤثر على ذاكرتي». ولكنه شدد على انه: لا يوجد لدي مشاكل.. لم اشعر بأية بوادر من الاضطراب. وعن شعوره تجاه الشعب العراقي واذا كان يشعر بالحقد تجاههم لما اصابه، قال مانرد: «لا اشعر بالحقد، لا احقد على احد»، لكنه اضاف: «الارهابيون، عفواً قصدي المتطرفون، هؤلاء يثيرون غضبي». وتابع: «الكثير من العراقيين لا يعلمون ماذا يدور والمتطرفون يستغلون ذلك»، قبل ان يقول: «لا احب كيف العراق مقسم الى هذا الحد، الاتحاد قليل، فقط على مستوى العشيرة». وأضاف: «لو اتحد العراقيون سيصبح العراق مكاناً رائعاً». وتحدث مانرد عن ذكريات حلوة في العراق منها «مناظر النخل والتمور.. هناك مناظر رائعة حول نهر دجلة».

وبينما مانرد ما زال يتدرب على الساقين الاعتياديتين، رفيقه الملازم اول اندرو كينارد الذي ايضاً فقد ساقيه في العراق بدأ التدرب على استخدام «الساق سي» الالكترونية التي تعتمد على الاشارات الالكترونية وتتحرك كل ساق اعتماداً على محرك يقرأ اشارات تتسلمها من الساق الاخرى التي تتحرك. وهذه هي التقنية التي يستخدمها الاميركي اوسكار بيستوريوس الذي فقد ساقيه وترشح للمشاركة في اولمبياد بكين هذا الشهر.

وتحدث كينارد لـ«الشرق الأوسط» عن اصابته بواقعية وعدم تردد، قائلاً: «الاصابة جزء من هذا العمل، نعلم هذا الخطر عندما نتطوع، لا احمل احداً مسؤولية ما حصل، هذه طبيعة عملنا». وأضاف: «اصابتي كانت يوم 29 اكتوبر (تشرين الاول) 2006، في الانبار.. ذلك المكان السيئ حينها والذي تحسن لاحقا». وقال: «ما يقهرني ان كل رفاقي عادوا الى العراق وانا هنا». وكانت دورة كينارد في العراق الاولى، واستمرت فقط 6 اسابيع قبل ان يصاب ويفقد ساقيه خلال دورية كان يقوم بها مع وحدة من مشاة البحرية «المارينز». ويتطلع كينارد بتفاؤل الى الحياة، قائلاً وهو يمزح: «على الاقل ما زلت اتمتع باستخدام ذراعي». وعن تجربته في العراق، قال: «ما ادهشني الحرارة هناك.. هناك فوارق كبيرة بين الحضارتين العربية والاميركية وكنت اتصور ان الذهاب الى العراق للتعرف على هذه الثقافة». وكينارد، وعمره 25 عاماً، يعتمد على نفسه في «والتر ريد»، اذ والده ووالدته انتقلا الى واشنطن من ساوث كارولينا بعدما اصيب، لمدة شهرين، بينما كان في غيبوبة كاملة اثناء الشهر الاول. الا انه طلب منهما العودة الى حياتهما اليومية، ليبقى هو في المركز الطبي ويخضع للعلاج. وقال: «جزء اساسي من استعادة عافيتي يعتمد على استعادتي استقلاليتي، نجاحي سيكون اذا استطعت ان اعيش باستقلالية». وكان كينارد قد حصل على شهادة جامعية بالهندسة الميكانيكية قبل الالتحاق بمشاة البحرية ويستعد الآن للالتحاق بكلية الحقوق.

وعند الطلب من المصابين المقيمين في «والتر ريد» الحديث عن اصاباتهم، يتحدث المصاب مباشرة عن الحادثة التي ادت الى فقدانه احد اطرافه، ولكنه عادة ما يتردد في الحديث عن اسباب وجود القوات الاميركية في العراق أو اذا كان يؤيد البقاء في العراق، مكتفياً بالقول: «اننا نقوم بعملنا وهو خدمة بلادنا وتلقي اوامرنا من قادتنا». وقال مانرد: «مثل هذه القرارات اكبر مني، فهي تؤخذ فوق رأسي ولكن قد احرز العراقيون اشياء مهمة منذ عام 2003، بعض التغييرات جيدة وبعضها ليست جيدة». وأضاف: «لقد شاركت في افتتاح مدارس والاشراف على الانتخابات ورأيت الكل يصوت وهذا كان شيئاً كبيراً... لقد رأيت الكثير من الامور الجيدة هناك». وتابع: «اومن بأن قرار الحرب كان لغرض جيد.. وما زلت اتمسك بهذا الرأي، فعندما تذهب الى العراق وترى بنفسك ما عاناه العراقيون، تتساءل لماذا لم يفعل احد شيئاً قبل هذا الوقت». ولفت الى ان اليوم كل متطرف في المنطقة يعرف بأنه يمكنه ركوب سيارة وتفجيرها ليصلوا الى الاميركيين، هذا الواقع الذي علينا التعامل معه الآن. وبعد تردد اولي، تحدث مانرد طويلاً عن الاوضاع في العراق والمشاكل التي رأها، مثل الفقر والتطرف والى غير ذلك، ولكنه شدد على انه لا يمكن لنا (الاميركيين) ان نوقف كل هذه الامور، على العراقيين العمل عليها... فنحن لدينا مشاكلنا ايضاً. ومن جهته، قال كينارد: «لا اريد التحدث عن مشاعري الشخصية، تجاه العراق، فهذا شيء خاص ولا يعكس رأي الجيش الاميركي». ولكنه تحدث مطولاً عن مهمة الجنود الاميركيين في تدريب القوات العراقية، قائلاً: «يجب ان يكون تركيزنا على الجنود العراقيين، وقوف العراقيين على أقدامهم الطريق الوحيد لنترك العراق». وسرعان ما اضاف: «انا لست مختصاً للحديث عن سياستنا في العراق، هذا يعود الى الضباط والقادة»، موضحاً: «انهم لا يمنعوننا من الادلاء برأينا ولكن لا داعي للترويج لافكارنا الخاصة»، واضاف: «لا اعتقد ان رأيي اهم من غيري فقط لأنني تعرضت لهذه الاصابة، رأيي ليس اكثر ولا اقل اهمية من غيري». وخلص بالقول: «عبر التاريخ وبغض النظر عن التفاصيل، الاهتمام الاول والاخير للجندي هو حماية رفاقه على يمينه ويساره».