التقرير النهائي لحوادث الانتحار بغوانتانامو: وصايا وكتابات على الجدران.. ومعتقلون كانوا على علم بموعد التنفيذ

المعتقلون الثلاثة خططوا لموتهم.. وهناك من حرضهم وأحدهم أنشد أغنية ترددها «القاعدة» للتعتيم

TT

ما أن تخبو الأضواء في زنزاناتهم تتعالى أصوات المعتقلين الذين يتجاوز عددهم العشرين بالصلاة وأحيانا بالغناء، وهذه الجلبة التي يصدرها المعتقلون غالبا ما يعتبرها الحراس في المعتقل غير ضارة، لكن ثلاثة من المعتقلين قاموا بوضع زجاجات الماء تحت أغطية السرير لإيهام الحراس بأنهم نائمون، وقاموا بتعليق الأغطية الزرقاء على الزنزانات هربا من أعين الحراس، وقام المعتقلون الثلاثة في غوانتاناموا المخيم 1 مربع ألفا، بربط الملاءات البيضاء والقمصان وصنع كل منهم أنشوطة وخنق كل منهم نفسه خلف الأغطية، تتدلى أقدامهم على بعد بوصات من الأرض بينما تحولت أجسامهم إلى اللون الأزرق وتجمدت، ولم يفطن الحراس لأمر تلك الوفيات ساعة حدوثها.

ذلك الانتحار المتزامن في توقيته، الذي جاء في 10 يونيو (حزيران) 2006 أثار الدعاوى من جانب كبار قادة الولايات المتحدة العسكريين بأن هؤلاء السجناء اشتركوا في حروب ضد الولايات المتحدة. وبعد عامين من التحقيقات خرجت لجنة التحقيقات الجنائية البحرية الأميركية لتشير إلى أن المعتقلين الذين انتحروا استفادوا من الثغرات الموجودة في بروتوكول الحراسة والسياسات المتساهلة تجاه شكاوى المعتقلين لارتكاب ما أسمته مذكرة الانتحار بالهجوم على الولايات المتحدة.

ويكتب أحمد ناصر السلمي من اليمن، البالغ عمره 26 عاما، الذي دخل أطول إضراب عن الطعام في معتقل غوانتانامو، والذي أجبر على تناول الطعام عبر أنبوب تغذية، «أخبركم بأنني تخليت عن أثمن ما أمتلك، وهي حياتي، لكي أرفع الظلم عنا، الذي نتعرض له من الحكومة الأميركية، إنني لم أحب طعم أنبوب الطعام في فمي، لكني الآن أقبل بالحبل حول عنقي». وقد هاجم السُلمي اللجنة الدولية للصليب الأحمر متهما إياها بالتآمر ضد معاناة المعتقلين، لأنها تتستر على الانتهاكات الأميركية منذ اليوم الأول، لكن المعروف أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تتبنى سياسة لا تناقش اجتماعاتها مع المعتقلين أو تقاريرها حول الحكومة التي تمارس الاعتقال علنا.

وعلى امتداد ما يقرب من 3000 صفحة من التحقيقات العسكرية والتقارير الطبية وإفادات الحراس المعتقلين تشكل تلك الصفحات صورة نادرة لما يحدث داخل مركز الاعتقال، وأحد أسوأ الأحداث التي حدثت طوال السنوات الست وهي تاريخ المعتقل، وتكشف لجنة التحقيقات الجنائية البحرية الأميركية التي سيفرج عنها وفق قانون حرية المعلومات والتي حصلت «الواشنطن بوست» على نسخة منها.

اوضحت أن السلمي وزميليه ياسر طلال الزهراني (22 عاما)، ومناع شمان العبرد الطابي (32 عاما)، خططوا لعملية انتحارهم حتى يتمكنوا من تنفيذها في غفلة من الحراس، ويعتقد المحققون والمسؤولون العسكريون، حسبما تذكر الوثائق، أن معتقلين آخرين كانوا يعلمون أن عملية الانتحار على وشك الوقوع، وأن أحدهم أنشد أغنية ترددها القاعدة وطالبان تقول «اقتلهم جميعا»، ربما كان ذلك للتعتيم على عملية الانتحار.

وقد وجد المحققون أن الحراس بدأوا يتساهلون في بعض القواعد لأن قادة المعتقل كانوا يرغبون في استرضاء المعتقلين، الذين يكثرون من الشكوى، بمنحهم المزيد من القمصان والمناشف، والسماح لهم بتعليق تلك الأشياء حتى تجف أو لتقديم بعض الخصوصية لدى دخول المرحاض، لكنهم لم يكن من المفترض أن يراقبوا زنزاناتهم وهم نائمون. وقد أخبر الحراس المسؤولين انه لم يكن من المستغرب رؤية الأغطية معلقة على الزنزانات، وانه أمر معتاد فقد مروا بالكثير من الزنزانات في يوم 9 يونيو (حزيران) التي تعلق عليها مثل تلك الأغطية، وتعتقد السلطات أن المعتقلين ربما يكونون قد شنقوا أنفسهم حوالي الساعة العاشرة، لكن لم يتم اكتشاف الواقعة إلا في منتصف ليل العاشر من يونيو (حزيران).

وكشفت التحقيقات الداخلية وجود ستة انتهاكات في إجراءات العمل في غوانتانامو، التي كتب عنها الأدميرال هاري بي هاريس قائد غوانتانامو حينئذ، أن نتائج التحقيقات «تعكس بوضوح أن عملية الانتحار تطلبت من المعتقلين الثلاثة وقتا لإعداد للأدوات التي سيستخدمونها في ارتكاب فعل الانتحار، وأن المعتقلين استخدموا تلك الهوة في الحراسة لإعداد الأدوات وهو أمر لا يمكن استبعاده».

ويقول ديفيد إنلارتد محامي السلمي إنه سيراجع الوثائق بدقة، وأضاف «إنه لمن المثير للدهشة أن يستغرق الأمر عامين من الحكومة للاستنتاج بما تسميه من تحقيقات لموت هؤلاء الثلاثة في زنزانات صغيرة وفي رقابة حكومية شديدة. إن تلك التحقيقات ذاتها في حاجة إلى تحقيق إلى جانب الأشخاص الذين ارتكبوا جرم الاعتقال غير الدستوري». وقد كان الزهراني أول المعتقلين الثلاثة الذي أثار قلق الحراس حيث اعتقد الحارس الذي مر بزنزانته أن الجسد الراقد أسفل الغطاء ليس في حجمه الطبيعي، وأنه اصغر مما ينبغي، وعندما قام الحراس بمزيد من التفتيش وجدوا أن الغطاء يخفي بعض الأغراض وأن الزهراني معلق في الانشوطة في جانب ظلم من الزنزانة، وعندما حاول الحراس إنقاذه صرخ أحدهم «هناك جثة أخرى». كان السلمي يتدلى في الزنزانة إيه -5، في أعقاب اكتشافه كان هناك خبر مروع آخر فقد كان الطابي هو الآخر يتدلي في سقف زنزانته إيه – 12. تم إنزال المعتقلين وتم حملهم إلى المستشفى، حيث أعلن نبأ وفاتهم عقب ساعة من وصولهم إليها.

ووفق ما ذكره التقرير كان بعض الحراس في غاية الانفعال والتعاطف. ويقول أحد الحراس، الذي حجب اسمه من الوثائق، «أشعر بأنني وزملائي من الحراس في مجمع ألفا قمنا بعمل غير كاف بمراقبة المعتقلين في تلك الليلة للتأكد من أنهم يتبعون القواعد». وقال مسؤولو لجنة التحقيق في بيانهم إنه بالإضافة إلى الوصايا التي كتبوها، والتي وجدت إلى جوارهم، وجدوا رسائل كتبت على جدران الزنزانات تشير إلى إمكانية حدوث المزيد من حالات الانتحار، وقد قام أحد المعتقلين بقتل نفسه العام الماضي.

وجاء في بيان اللجنة أنه «نظرًا للتشابه في البيانات التي كتبها المنتحرون وطريقة الانتحار، إضافة إلى الإفادات التي أدلى بها المعتقلون، الذين تم استجوابهم كان هناك قلق متزايد تجاه إمكانية قيام أحد المعتقلين داخل معسكر دلتا بتحريض المعتقلين على ارتكاب عمليات الانتحار، وأن هناك عمليات انتحار ربما تحدث لاحقا، وقد أخبر ممثلو الهيئات القانونية المشتركة في التحقيق في وقت لاحق، أن أحد المعتقلين (من الذين لم يرتكبوا عملية الانتحار)، كان يقول وهو يسير بين الزنزانات في القطاع «الليلة هي الليلة الموعودة».

ويقول أحد الحراس، الذي حذف اسمه من الوثائق، «أعتقد أن المعتقلين في قطاع ألفا كانوا يعلمون بأن ذلك سيحدث وأنهم شجعوهم على الانتحار، وأعتقد أنهم خططوا له وإنهم استخدموا قواعدنا ضدنا»

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»